عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 شعبان 1435هـ/10-06-2014م, 05:57 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

كلام مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ)


قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (النوع الثالث عشر: في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة رضي الله عنهم
*جمع القرآن على عهد أبي بكر:
روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بيوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: والله إن هذا خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، وقد رأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتتبع القرآن واجمعه. قال زيد: فوالله لوكلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدورالرجال حتى وجدت آخر التوبة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} مع أبي خزيمة الأنصاري الذي جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته بشهادة رجلين لم أجدها مع أحد غيره فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى قبض ثم عند حفصة بنت عمر.
وفي رواية ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها وخزيمة الأنصاري شهادته بشهادتين.
وقول زيد "لم أجدها إلا مع خزيمة" ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأن زيدا كان قد سمعها وعلم موضعها في سورة الأحزاب بتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك غيره من الصحابة، ثم نسيها، فلما سمع ذكره وتتبعه للرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم.
وسيأتي أن الذين كانوا يحفظون القرآن من الصحابة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة، والمراد أن هؤلاء كانوا اشتهروا به، فقد ثبت أن غيرهم حفظه وثبت أن القرآن مجموعه محفوظ كله في صدور الرجال أيام حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مؤلفا على هذا التأليف إلا سورة براءة.

قال ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال عثمان كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يأتي عليه الزمان وتنزل عليه السور وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتبه، فقال: ضعوا هذه الآيات في السورة
التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل من المدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم كتبت".
فثبت أن القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما ترك جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعض فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف، واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ، ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدين). [البرهان في علوم القرآن: 1/233-235](م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): ( وقال الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟
قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم معروف وقد شاهدوا تلاوته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين سنة، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحيحه.
فإن قيل: كيف لم يفعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك؟
قيل: لأن الله تعالى كان قد أمنه من النسيان بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} أن يرفع حكمه بالنسخ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك.
وفي قول زيد بن ثابت "فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال" ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن من قال: إنه جمع القرآن أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ، وليس الأمر على ما أوهم وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء.
ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ولا يشكو في أنه جمع عن ملأ منهم.
فأما قوله: "وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت ولم أجدها مع غيره" يعنى ممن كانوا في طبقة خزيمة لم يجمع القرآن، وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل عليه متظاهرة.
قال: ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب إذ لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن.
قال: ومن الدليل على ذلك أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما، ولم تفارق الصديق في حياته ولا عمر أيامه، ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها، ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة وقع الاختيار عليها في أيام عثمان، فأخذ ذلك الإمام ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى الكوفة وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة حتى خيف الفساد، فجمعوا على القراءة التي نحن عليها.
قال: والمشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان رضي الله عنه، وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن.
وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن.
فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق.
روى عن علي أنه قال: "رحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين" ولم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان؛ لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان، ولقد وفق لأمر عظيم ورفع الاختلاف وجمع الكلمة وأراح الأمة.
وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف؛ فإنه جهل منهم وعمى فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولم الشعث، وكان ذلك واجبا عليه ولو تركه لعصى لما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك وقولهم إنه سبق إلى ذلك ممنوع لما بيناه أنه كتب في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرقاع والأكتاف وأنه في زمن الصديق جمعه في حرف واحد.
قال: وأما قولهم إنه أحرق المصاحف فإنه غير ثابت، ولو ثبت لوجب حمله على أنه أحرق مصاحف قد أودعت ما لا يحل قراءته، وفي الجملة إنه إمام عدل غير معاند ولا طاعن في التنزيل ولم يحرق إلا ما يجب إحراقه؛ ولهذا لم ينكر عليه أحد ذلك بل رضوه وعدوه من مناقبه، حتى قال علي: "لو وليت ما ولى عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل". انتهي ملخصا). [البرهان في علوم القرآن:1/237-240](م)


رد مع اقتباس