عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيمٌ} ]
- حدّثنا سعيد بن منصورٍ، قال: أخبرنا حمّاد بن زيدٍ، وهشيمٌ، عن ابن عون، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا : {والسّارقون والسّارقات تقطع أيمانهم}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1464]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قراءة ابن مسعودٍ: {والسّارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ }
يقول جلّ ثناؤه: ومن سرق من رجلٍ أو امرأةٍ، فاقطعوا أيّها النّاس يده. ولذلك رفع السّارق والسّارقة، لأنّهما غير موقّتين، ولو أريد بذلك سارقٌ وسارقةٌ بأعيانهما لكان وجه الكلام النّصب.
وقد روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقرأ ذلك: والسّارقون والسّارقات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا قال: وربّما قال في قراءة عبد اللّه: والسّارقون والسّارقات فاقطعوا أيمانهما.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم: في قراءتنا: والسّارقون والسّارقات فاقطعوا أيمانهما.
وفي ذلك دليلٌ على صحّة ما قلنا من معناه، وصحّة الرّفع فيه، وأنّ السّارق والسّارقة مرفوعان بفعلهما على ما وصفت للعلل الّتي وصفت.
وقال تعالى ذكره: {فاقطعوا أيديهما} والمعنى أيديهما اليمنى؛ كما:.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاقطعوا أيديهما} اليمنى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن عامرٍ قال: في قراءة عبد اللّه: والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيمانهما.
ثمّ اختلفوا في السّارق الّذي عناه اللّه، فقال بعضهم: عنى بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدًا؛ وذلك قول جماعةٍ من أهل المدينة، منهم مالك بن أنسٍ ومن قال بقوله. واحتجّوا لقولهم ذلك بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: سارق ربع دينارٍ أو قيمته. وممّن قال ذلك الأوزاعيّ ومن قال بقوله. واحتجّوا لقولهم ذلك بالخبر الّذي روي عن عائشة أنّها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا.
وقال آخرون: بل عنى بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدًا. وممّن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه. واحتجّوا في ذلك بالخبر الّذي روي عن عبد اللّه بن عمر وابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته عشرة دراهم.
وقال آخرون: بل عني بذلك سارق القليل والكثير. واحتجّوا في ذلك بأنّ الآية على الظّاهر، وأنّه ليس لأحدٍ أن يخصّ منها شيئًا إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها. وقالوا: لم يصحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبرٌ بأنّ ذلك في خاصٍّ من السّرّاق. قالوا: والأخبار فيما قطع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مضطربةٌ مختلفةٌ، ولم يرو عنه أحدٌ أنّه أتي بسارق درهمٍ فخلّى عنه، وإنّما رووا عنه أنّه قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم. قالوا: وممكنٌ أن يكون لو أتى بسارقٍ ما قيمته دانقٌ أن يقطع. قالوا: وقد قطع ابن الزّبير في درهمٍ. وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الآية على العموم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، عن نجدة الحنفيّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: {والسّارق والسّارقة} أخاصٌّ أم عامٌّ؟. فقال: بل عامٌّ.
والصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: الآية معنيٌّ بها خاصٌّ من السّرّاق، وهم سرّاق ربع دينارٍ فصاعدًا أو قيمته، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا. وقد استقصيت ذكر أقوال المختلفين في ذلك مع عللهم الّتي اعتلّوا بها لأقوالهم،والبيان عن أولاها بالصّواب بشواهده في كتابنا: كتاب السّرقة، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك في هذا الموضع.
وقوله: {جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه} يقول: مكافأةً لهما على سرقتهما وعملهما في التّلصّص بمعصية اللّه {نكالاً من اللّه} يقول: عقوبةً من اللّه على لصوصيّتهما.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ} لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود، فإنّه واللّه ما أمر اللّه بأمرٍ قطّ إلاّ وهو صلاحٌ، ولا نهى عن أمرٍ قطّ إلاّ وهو فسادٌ. وكان عمر بن الخطّاب يقول: اشتدّوا على السّرّاق فاقطعوهم يدًا يدًا ورجلاً رجلاً.
وقوله: {واللّه عزيزٌ حكيمٌ} يقول جلّ ثناؤه: واللّه عزيزٌ في انتقامه من هذا السّارق والسّارقة وغيرهما من أهل معاصيه، حكيمٌ في حكمه فيهم وقضائه عليهم. يقول: فلا تفرّطوا أيّها المؤمنون في إقامة حكمي على السّارق وغيرهم من أهل الجرائم الّذين أوجبت عليهم حدودًا في الدّنيا عقوبةً لهم، فإنّي بحكمي قضيت ذلك عليهم، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم). [جامع البيان: 8/407-410]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} أخاص أم عام قال: بل عام
وأخرج عبد بن حميد عن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن قوله {والسارق والسارقة} الآية، قال: ما كان من الرجال والنساء قطع.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن مسعود أنه قرأ فاقطعوا أيمانهما.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي، انه قال: في قراءتنا وربما قال: في قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {جزاء بما كسبا نكالا من الله} قال: لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذي أمر به قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم سرق فشهدوا عليه فأمر به النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقطع فلما حف الرجل نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما سفى فيه الرماد فقالوا: يا رسول الله كأنه اشتد عليك قطع هذا،، قال: ومايمنعني وأنتم أعون للشيطان على اخيكم قالوا: فأرسله، قال: فهلا قبل أن تأتوني به أن الإمام إذا أتى بحد لم يسغ له أن يعطله). [الدر المنثور: 5/294-296]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يقول جلّ ثناؤه فمن تاب من هؤلاء السّرّاق، يقول: من رجع منهم عمّا يكرهه اللّه من معصيته إيّاه إلى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلمه؛ وظلمه: هو اعتداؤه وعمله ما نهاه اللّه عنه من سرقة أموال النّاس. يقول: وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة اللّه والتّوبة إليه ممّا كان عليه من معصيته.
وكان مجاهدٌ فيما ذكر لنا يقول: توبته في هذا الموضع، الحدّ الّذي يقام عليه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} يقول: فتاب عليه يقول بالحدّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا موسى بن داود، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن حييّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: سرقت امرأةٌ حليًّا، فجاء الّذين سرقهم، فقالوا: يا رسول اللّه سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اقطعوا يدها اليمنى فقالت المرأة: هل من توبةٍ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك. قال: فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه}.
وقوله: {فإنّ اللّه يتوب عليه} يقول: فإنّ اللّه جلّ وعزّ يرجعه إلى ما يحبّ ويرضى عمّا يكره ويسخط من معصيته.
وقوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يقول: إنّ اللّه عزّ ذكره ساترٌ على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة وتركه فضيحته بها على رءوس الأشهاد، رحيمٌ به وبعباده التّائبين إليه من ذنوبهم). [جامع البيان: 8/410-412]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن تاب من بعد ظلمه يقول الحد كفارة). [تفسير مجاهد: 194-195]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصلي: أبنا زهيرٌ، ثنا الحسن، ثنا ابن لهيعة، حدّثني حيي، أنّ أبا عبد الرّحمن الحبليّ حدّثه، عن عبد اللّه بن عمرٍو "أنّ هذه المرأة سرقت، قال قومها: نحن نفديها. فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينارٍ. قال: اقطعوا يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل لي من توبةٍ يا رسول اللّه؟ قال: نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك. قالت: قال الله- عز وجل، يعني في سورة المائدة-: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ الله غفور رحيم) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير}.
أخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى، فقالت: هل لي من توبة يا رسول الله قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فانزل الله في سورة المائدة {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} يقول: الحد كفارته.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة فقال: ما أخاله سرق أو سرقت قال: نعم، قال: اذهبوا به فاقطعوا يده ثم احسموها ثم أئتوني به فأتوه به فقال: تبت إلى الله فقال: إني أتوب إلى الله، قال: اللهم تب عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع رجلا ثم أمر به فحسم وقال: تب إلى الله فقال أتوب إلى الله فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن السارق إذا قطعت يده وقعت في النار فإن عاد تبعها وإن تاب استشلاها يقول: استرجعها). [الدر المنثور: 5/296-297]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّموات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم يعلم هؤلاء القائلون: لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً الزّاعمون أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، أنّ اللّه مدبّرٌ ما في السّموات وما في الأرض، ومصرّفه وخالقه، لا يمتنع شيءٌ ممّا في واحدةٍ منهما ممّا أراده؛ لأنّ كلّ ذلك ملكه وإليه أمره، ولا نسب بينه وبين شيءٍ ممّا فيها ولا ممّا في واحدةٍ منهما فيحابيه بسبب قرابته منه فينجيه من عذابه وهو به كافرٌ ولأمره ونهيه مخالفٌ، أو يدخله النّار وهو له مطيعٌ لبعد قرابته منه؛ ولكنّه يعذّب من يشاء من خلقه في الدّنيا على معصيته بالقتل والخسف والمسخ وغير ذلك من صنوف عذابه، ويغفر لمن يشاء منهم في الدّنيا بالتّوبة عليه من كفره ومعصيته، فينقذه من الهلكة وينجيه من العقوبة واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ يقول: واللّه على تعذيب من أراد تعذيبه من خلقه على معصيته وغفران من أراد غفرانه منهم باستنقاذه من الهلكة بالتّوبة عليه وغير ذلك من الأمور كلّها قادرٌ، لأنّ الخلق خلقه والملك ملكه والعباد عباده.
وخرج قوله: ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّموات والأرض خطابًا له صلّى اللّه عليه وسلّم، والمعنيّ به من ذكرت من فرق بني إسرائيل الّذين كانوا بمدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما حواليها.
وقد بيّنّا استعمال العرب نظير ذلك في كلامها بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 8/412]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم قال الشّيخ الإمام الحافظ أبو محمّدٍ عبد الرحمن بن الإمام الحافظ الجليل أبى حاتمٍ محمّد بن إدريس الرّازيّ رحمه الله عليهما.
ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (40)
قوله تعالى: ألم تعلم أنّ الله له ملك السّماوات والأرض
- حدّثنا عليّ بن أبي دلامة البغداديّ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صفوان بن محرزٍ، عن حكيم بن حزامٍ قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أصحابه إذ قال لهم: هل تسمعون ما أسمع قالوا:
ما نسمع شيئًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأسمع، ما فيها موضع شيءٍ إلا وعليه ملكٌ ساجدا وقائمٌ.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ، حدّثنا سفيان، ثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث قال: قال كعبٌ: ما من موضع خرمة إبرةٍ من الأرض إلا وملكٌ موكّلٌ بها يرفع علم ذلك إلى اللّه، وإنّ ملائكة السّماء لأكثر من عدد التّراب وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخّه مسيرة مائة عامٍ.
قوله: يعذّب من يشاء.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: يعذّب من يشاء يقول: يميت منكم من يشاء على كفره فيعذّب.
قوله تعالى: ويغفر لمن يشاء
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ بسنده إلى السّدّيّ قوله: ويغفر لمن يشاء يقول: يهدي منكم من يشاء في الدّنيا فيغفر له.
قوله تعالى: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، قوله: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ إنّ اللّه على كلّ ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٍ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1129-1130]


رد مع اقتباس