عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (90)}
ثمّ بيّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد، الّذين جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعتذرون إليه، ويبيّنون له ما هم فيه من الضّعف، وعدم القدرة على الخروج، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة.
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: إنّه كان يقرأ: "وجاء المعذرون" بالتّخفيف، ويقول: هم أهل العذر.
وكذا روى ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهدٍ سواءً.
قال ابن إسحاق: وبلغني أنّهم نفر من بني غفارٍ منهم: خفاف بن إيماء بن رحضة.
وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية؛ لأنّه قال بعد هذا: {وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله} أي: لم يأتوا فيعتذروا.
وقال ابن جريج عن مجاهدٍ: {وجاء المعذّرون من الأعراب} قال: نفرٌ من بني غفارٍ، جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم اللّه. وكذا قال الحسن، وقتادة، ومحمّد بن إسحاق، والقول الأوّل أظهر واللّه أعلم، لما قدّمنا من قوله بعده: {وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله} أي: وقعد آخرون من الأعراب عن المجيء للاعتذار، ثمّ أوعدهم بالعذاب الأليم، فقال: {سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 197-198]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ (91) ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون (92) إنّما السّبيل على الّذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون (93)}
ثمّ بيّن تعالى الأعذار الّتي لا حرج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازمٌ للشّخص لا ينفكّ عنه، وهو الضّعف في التّركيب الّذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به. ما هو عارضٌ بسبب مرضٍ عنّ له في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل اللّه، أو بسبب فقره لا يقدر على التّجهّز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالنّاس، ولم يثبّطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا؛ ولهذا قال: {ما على المحسنين من سبيلٍ واللّه غفورٌ رحيمٌ}
وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي ثمامة، رضي اللّه عنه، قال: قال الحواريّون: يا روح اللّه، أخبرنا عن النّاصح للّه؟ قال: الّذي يؤثر حقّ اللّه على حقّ النّاس، وإذا حدث له أمران -أو: بدا له أمر الدّنيا وأمر الآخرة -بدأ بالّذي للآخرة ثمّ تفرّغ للّذي للدنيا.
وقال الأوزاعيّ: خرج النّاس إلى الاستسقاء، فقام فيهم بلال بن سعدٍ، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: يا معشر من حضر: ألستم مقرّين بالإساءة؟ قالوا: اللّهمّ نعم. فقال: اللّهمّ، إنّا نسمعك تقول: {ما على المحسنين من سبيلٍ} اللّهمّ، وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقنا. ورفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.
وقال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرٍو المزنيّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عبيد اللّه الرّازيّ، حدّثنا ابن جابرٍ، عن ابن فروة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن ثابتٍ قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكنت أكتب "براءة" فإنّي لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينظر ما ينزل عليه، إذا جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول اللّه وأنا أعمى؟ فأنزل اللّه {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى} الآية
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أمر النّاس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابةٌ من أصحابه، فيهم عبد اللّه بن مغفّل المزنيّ فقالوا: يا رسول اللّه، احملنا. فقال لهم: "واللّه لا أجد ما أحملكم عليه". فتولّوا ولهم بكاءٌ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقةً ولا محملًا. فلمّا رأى اللّه حرصهم على محبّته ومحبّة رسوله أنزل عذرهم في كتابه، فقال: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ} إلى قوله تعالى: {فهم لا يعلمون}.
وقال مجاهدٌ في قوله: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم} نزلت في بني مقرّنٍ من مزينة.
وقال محمّد بن كعبٍ: كانوا سبعة نفرٍ، من بني عمرو بن عوفٍ: سالم بن عمير -ومن بني واقفٍ: هرمي بن عمرٍو -ومن بني مازن بن النّجّار: عبد الرّحمن بن كعبٍ، ويكنّى أبا ليلى -ومن بني المعلى: [سلمان بن صخرٍ -ومن بني حارثة: عبد الرّحمن بن يزيد، أبو عبلة، وهو الّذي تصدّق بعرضه فقبله اللّه منه] ومن بني سلمة: عمرو بن عنمة وعبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ.
وقال محمّد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثمّ إنّ رجالًا من المسلمين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم البكّاءون، وهم سبعة نفرٍ من الأنصار وغيرهم، من بني عمرو بن عوفٍ: سالم بن عمير وعلبة بن زيدٍ أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرّحمن بن كعبٍ، أخو بني مازن بن النّجّار، وعمرو بن الحمام بن الجموح، أخو بني سلمة، وعبد اللّه بن المغفّل المزنيّ؛ وبعض النّاس يقول: بل هو عبد اللّه بن عمرٍو المزنيّ، وهرميّ بن عبد اللّه، أخو بني واقفٍ، وعرباض بن سارية الفزاريّ، فاستحملوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا أهل حاجةٍ، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمر بن الأوديّ، حدّثنا وكيع، عن الرّبيع، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد خلّفتم بالمدينة أقوامًا، ما أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم واديًا، ولا نلتم من عدوٍّ نيلًا إلّا وقد شركوكم في الأجر"، ثمّ قرأ: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} الآية.
وأصل هذا الحديث في الصّحيحين من حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ بالمدينة أقوامًا ما قطعتم واديًا، ولا سرتم [مسيرًا] إلّا وهم معكم". قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: "نعم، حبسهم العذر"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد خلّفتم بالمدينة رجالًا ما قطعتم واديًا، ولا سلكتم طريقًا إلّا شركوكم في الأجر، حبسهم المرض".
ورواه مسلمٌ، وابن ماجه، من طرقٍ، عن الأعمش، به
ثمّ ردّ تعالى الملامة على الّذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنّبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النّساء الخوالف في الرّحال، {وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يعلمون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 198-200]


رد مع اقتباس