عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 12:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتّقون (65) قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين (67) أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ (68) أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون (69)}
يقول تعالى: {وكما أرسلنا إلى قوم نوحٍ نوحًا، كذلك أرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودًا}.
قال محمّد بن إسحاق: هم [من] ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوحٍ.
قلت: وهؤلاء هم عادٌ الأولى، الّذين ذكرهم اللّه [تعالى] وهم أولاد عاد بن إرم الّذين كانوا يأوون إلى العمد في البرّ، كما قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربّك بعادٍ * إرم ذات العماد * الّتي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر: 6-8] وذلك لشدّة بأسهم وقوّتهم، كما قال تعالى: {فأمّا عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوّةً أولم يروا أنّ اللّه الّذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّةً وكانوا بآياتنا يجحدون} [فصّلت:15].
وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، وهي جبال الرمل.
قال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي سعيدٍ الخزاعيّ، عن أبي الطّفيل عامر بن واثلة، سمعت عليّ بن أبي طالبٍ [رضي اللّه عنه] يقول لرجلٍ من حضرموت: «هل رأيت كثيبًا أحمر تخالطه مدرة حمراء ذا أراكٍ وسدر كثيرٍ بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، هل رأيته؟» قال: نعم يا أمير المؤمنين. واللّه إنّك لتنعته نعت رجلٍ قد رآه. قال:«لا ولكنّي قد حدّثت عنه». فقال الحضرميّ: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: «فيه قبر هودٍ، عليه السّلام».
رواه ابن جريرٍ وهذا فيه فائدةٌ أنّ مساكنهم كانت باليمن، وأنّ هودًا، عليه السّلام، دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسبًا؛ لأنّ الرّسل [صلوات اللّه عليهم] إنّما يبعثهم اللّه من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدّد خلقهم شدّد على قلوبهم، وكانوا من أشدّ الأمم تكذيبًا للحقّ؛ ولهذا دعاهم هودٌ، عليه السّلام، إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 433-434]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال الملأ الّذين كفروا من قومه} -والملأ هم: الجمهور والسّادة والقادة منهم -: {إنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين} أي: في ضلالةٍ حيث دعوتنا إلى ترك عبادة الأصنام، والإقبال إلى عبادة اللّه وحده [لا شريك له] كما تعجّب الملأ من قريشٍ من الدّعوة إلى إلهٍ واحدٍ {فقالوا} {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} [ص: 5] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 434]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين} أي: ليست كما تزعمون، بل جئتكم بالحقّ من اللّه الّذي خلق كلّ شيءٍ، فهو ربّ كلّ شيءٍ ومليكه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 434]

تفسير قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ} وهذه الصّفات الّتي يتّصف بها الرّسل البلاغة والنّصح والأمانة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 434]

تفسير قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم} أي: لا تعجبوا أن بعث اللّه إليكم رسولًا من أنفسكم لينذركم أيّام اللّه ولقاءه، بل احمدوا اللّه على ذاكم، {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ} أي: واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعلكم من ذرّيّة نوحٍ، الّذي أهلك اللّه أهل الأرض بدعوته، لمّا خالفوه وكذّبوه، {وزادكم في الخلق بسطةً} أي: زاد طولكم على النّاس بسطةً، أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم، كما قال تعالى: في قصّة طالوت: {وزاده بسطةً في العلم والجسم} [البقرة:247] {فاذكروا آلاء اللّه} أي: نعمه ومننه عليكم {لعلّكم تفلحون} وآلاء جمع ألى وقيل: إلى). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 434]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين (70) قال قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزل اللّه بها من سلطانٍ فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين (71) فأنجيناه والّذين معه برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (72)}
يقول تعالى مخبرًا عن تمرّدهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هودٍ، عليه السّلام: {قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين} كما قال الكفّار من قريشٍ: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} [الأنفال: 32]
وقد ذكر محمّد بن إسحاق وغيره: أنّهم كانوا يعبدون أصنامًا، فصنمٌ يقال له: صداء، وآخر يقال له: صمود، وآخر يقال له: الهباء
ولهذا قال هودٌ، عليه السّلام: {قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 435]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ}؛ أي: قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربّكم رجسٌ [وغضبٌ] قيل: هو مقلوبٌ من رجزٍ. وعن ابن عبّاسٍ: معناه السخط والغضب.
{أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم} أي: أتحاجّوني في هذه الأصنام الّتي سمّيتموها أنتم وآباؤكم آلهةً، وهي لا تضرّ ولا تنفع، ولا جعل اللّه لكم على عبادتها حجّةً ولا دليلًا؛ ولهذا قال: {ما نزل اللّه بها من سلطانٍ فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين}
وهذا تهديدٌ ووعيدٌ من الرّسول لقومه؛ ولهذا عقّب بقوله: {فأنجيناه والّذين معه برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 435]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهذا تهديدٌ ووعيدٌ من الرّسول لقومه؛ ولهذا عقّب بقوله: {فأنجيناه والّذين معه برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين}
وقد ذكر اللّه، سبحانه، صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن، بأنّه أرسل عليهم الرّيح العقيم، ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلّا جعلته كالرّميم، كما قال في الآية الأخرى: {وأمّا عادٌ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ * سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ * فهل ترى لهم من باقيةٍ} [الحاقّة: 6-8] لمّا تمرّدوا وعتوا أهلكهم اللّه بريحٍ عاتيةٍ، فكانت تحمل الرّجل منهم فترفعه في الهواء ثمّ تنكّسه على أمّ رأسه فتثلغ رأسه حتّى تبينه من بين جثّته؛ ولهذا قال: {كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ}
وقال محمّد بن إسحاق: كانوا يسكنون باليمن من عمّان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها، بفضل قوّتهم الّتي آتاهم اللّه، وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون اللّه، فبعث اللّه إليهم هودًا، عليه السّلام، وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحّدوا اللّه ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفّوا عن ظلم النّاس، فأبوا عليه وكذّبوه، وقالوا: من أشدّ منّا قوّةً؟ واتّبعه منهم ناسٌ، وهم يسيرٌ مكتتمون بإيمانهم، فلمّا عتت عادٌ على اللّه وكذّبوا نبيّه، وأكثروا في الأرض الفساد وتجبّروا، وبنوا بكلّ ريعٍ آيةً عبثًا بغير نفعٍ، كلّمهم هودٌ فقال: {أتبنون بكلّ ريعٍ آيةً تعبثون * وتتّخذون مصانع لعلّكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبّارين * فاتّقوا اللّه وأطيعون} [الشّعراء: 128-131] {قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} أي: بجنونٍ {قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون * إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ} [هودٍ: 53-56]
قال محمّد بن إسحاق: فلمّا أبوا إلّا الكفر به، أمسك اللّه عنهم القطر ثلاث سنين، فيما يزعمون، حتّى جهدهم ذلك، قال: وكان النّاس إذا جهدهم أمرٌ في ذلك الزّمان، فطلبوا من اللّه الفرج فيه، إنّما يطلبونه بحرمة ومكان بيته، وكان معروفًا عند الملل وبه العماليق مقيمون، وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوحٍ، وكان سيّدهم إذ ذاك رجلًا يقال له: "معاوية بن بكرٍ"، وكانت له أمٌّ من قوم عادٍ، واسمها كلهدة ابنة الخيبريّ، قال: فبعثت عادٌ وفدًا قريبًا من سبعين رجلًا إلى الحرم، ليستسقوا لهم عند الحرم، فمرّوا بمعاوية بن بكرٍ بظاهر مكّة فنزلوا عليه، فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان -قينتان لمعاوية -وكانوا قد وصلوا إليه في شهرٍ، فلمّا طال مقامهم عنده وأخذته شفقةٌ على قومه، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف، عمل شعرًا يعرض لهم بالانصراف، وأمر القينتين أن تغنّياهم به، فقال:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ....... لعلّ اللّه يصبحنا غماما
فيسقي أرض عادٍ إنّ عادًا
....... قد امسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشّديد فليس نرجو
....... به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخيرٍ
....... فقد أمست نساؤهم عيامى
وإنّ الوحش تأتيهم جهارا
....... ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم
....... نهاركم وليلكم التّماما
فقبّح وفدكم من وفد قومٍ
....... ولا لقّوا التحيّة والسّلاما
قال: فعند ذلك تنبّه القوم لما جاءوا له، فنهضوا إلى الحرم، ودعوا لقومهم فدعا داعيهم، وهو: "قيل بن عنزٍ" فأنشأ اللّه سحاباتٍ ثلاثًا: بيضاء، وسوداء، وحمراء، ثمّ ناداه منادٍ من السّماء: "اختر لنفسك -أو: -لقومك من هذا السّحاب"، فقال: "اخترت هذه السّحابة السّوداء، فإنّها أكثر السّحاب ماءً" فناداه منادٍ: اخترت رمادا رمددًا، لا تبقي من عادٍ أحدًا، لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلّا جعلته همدا، إلّا بني اللّوذيّة المهنّدا قال: وبنو اللّوذيّة: بطنٌ من عادٍ مقيمون بمكّة، فلم يصبهم ما أصاب قومهم -قال: وهم من بقي من أنسالهم وذراريهم عادٌ الآخرة -قال: وساق اللّه السّحابة السّوداء، فيما يذكرون، الّتي اختارها "قيل بن عنزٍ" بما فيها من النّقمة إلى عادٍ، حتّى تخرج عليهم من وادٍ يقال له: "المغيث"، فلمّا رأوها استبشروا، وقالوا: {هذا عارضٌ ممطرنا} يقول: {بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليمٌ * تدمّر كلّ شيءٍ بأمر ربّها} [الأحقاف: 24، 25] أي: تهلك كلّ شيءٍ مرّت به، فكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنّها ريحٌ، فيما يذكرون، امرأةً من عادٍ يقال لها: مهدد فلمّا تبيّنت ما فيها صاحت، ثمّ صعقت. فلمّا أفاقت قالوا: ما رأيت يا مهدد ؟ قالت ريحًا فيها شهب النّار، أمامها رجالٌ يقودونها. فسخّرها اللّه عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا، كما قال اللّه. و "الحسوم": الدّائمة -فلم تدع من عاد أحدًا إلّا هلك واعتزل هود، عليه السّلام، فيما ذكر لي، ومن معه من المؤمنين في حظيرةٍ، ما يصيبه ومن معه إلّا ما تلين عليه الجلود، وتلتذ الأنفس، وإنّها لتمرّ على عادٍ بالطّعن ما بين السّماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة.
وذكر تمام القصّة بطولها، وهو سياقٌ غريبٌ فيه فوائد كثيرةٌ، وقد قال اللّه تعالى: {ولمّا جاء أمرنا نجّينا هودًا والّذين آمنوا معه برحمةٍ منّا ونجّيناهم من عذابٍ غليظٍ} [هودٍ: 58]
وقد ورد في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريبٌ ممّا أورده محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، رحمه اللّه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو المنذر سلّام بن سليمان النّحويّ، حدّثنا عاصم بن أبي النّجود، عن أبي وائلٍ، عن الحارث البكريّ قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرميّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمررت بالرّبذة فإذا عجوزٌ من بني تميمٍ منقطعٌ بها، فقالت لي: يا عبد اللّه، إنّ لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حاجةً، فهل أنت مبلّغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاصٌّ بأهله، وإذا رايةٌ سوداء تخفق، وإذا بلالٌ متقلّدٌ بسيفٍ بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: ما شأن النّاس؟ فقالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا. قال: فجلست، فدخل منزله -أو قال: رحله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلّمت، قال:«هل بينكم وبين تميمٍ شيءٌ؟» قلت: نعم، وكانت لنا الدّبرة عليهم، ومررت بعجوزٍ من بني تميمٍ منقطعٍ بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب. فأذن لها، فدخلت، فقلت: يا رسول اللّه، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميمٍ حاجزًا، فاجعل الدّهناء. فحميت العجوز واستوفزت، فقالت: يا رسول اللّه، فإلى أين يضطرّ مضطرك ؟ قال: «قلت: إنّ مثلي مثل ما قال الأوّل: معزى حملت حتفها»، حملت هذه ولا أشعر أنّها كانت لي خصمًا، أعوذ باللّه وبرسوله أن أكون كوافد عادٍ! قال:«هيه، وما وافد عادٍ؟» -وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه -قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له: "قيل"، فمرّ بمعاوية بن بكرٍ، فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنّيه جاريتان، يقال لهما: "الجرادتان"، فلمّا مضى الشّهر خرج إلى جبال مهرة، فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أجئ إلى مريضٍ فأداويه، ولا إلى أسيرٍ فأفاديه. اللّهمّ اسق عادًا ما كنت تسقيه، فمرّت به سحّاباتٌ سود، فنودي: منها "اختر". فأومأ إلى سحابةٍ منها سوداء، فنودي منها: "خذها رمادًا رمددا، لا تبقي من عادٍ أحدًا". قال: فما بلغني أنّه بعث عليهم من الرّيح إلّا قدر ما يجري في خاتمي هذا، حتّى، هلكوا -قال أبو وائلٍ: وصدق -قال: وكانت المرأة والرّجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: "لا تكن كوافد عادٍ".
هكذا رواه الإمام أحمد في المسند، ورواه التّرمذيّ، عن عبد بن حميدٍ، عن زيد بن الحباب، به نحوه: ورواه النّسائيّ من حديث سلّام بن أبي المنذر. عن عاصمٍ -وهو ابن بهدلة -ومن طريقه رواه ابن ماجه أيضًا، عن أبي وائلٍ، عن الحارث بن حسّان البكريّ، به. ورواه ابن جريرٍ عن أبي كريب عن زيد بن حباب، به. ووقع عنده: "عن الحارث بن يزيد البكريّ" فذكره، ورواه أيضًا عن أبي كريبٍ، عن أبي بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن الحارث بن يزيد البكريّ، فذكره ولم أر في النّسخة "أبا وائلٍ"، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 435-438]


رد مع اقتباس