الموضوع: مسائل في السحر
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:30 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

مَن أدخل حديث ابن عباس وعائشة بعضهما في بعض


قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (ذكْرُ القِصَّةِ: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، دَخَلَ حديثُ بعضِهما في بعضٍ: كانَ غلامٌ مِن اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَبَّتْ إليه اليهودُ فلم يَزَالُوا به حتى أَخَذَ مُشَاطَةَ رأسِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ مِن مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوه فيها، وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك رجلٌ مِنهم يقالُ له: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ، ثمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ لبني زُرَيْقٍ يُقالُ له: ذَرْوَانَ، فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانْتَثَرَ شعَرُ رأسِه، ولَبِثَ ستَّةَ أشهرٍ يَرَى أنه يأتي النساءَ ولا يَأْتِيهِنَّ، وجَعَلَ يَذُوبُ ولا يَدْرِي ما عَرَاه، فَبَيْنَا هو نائمٌ إذ أتاه مَلَكَانِ، فقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِه والآخَرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقالَ الذي عندَ رِجْلَيْهِ للذي عندَ رأسِه: ما بالُ الرجلِ؟ قالَ: طُبَّ. قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ. قالَ: ومَن سَحَرَه؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قالَ: وبِمَ طَبَّه؟ قالَ: بمُشْطٍ ومُشاطَةٍ. قالَ: وأينَ هو؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ، تَحْتَ رَاعُوثَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ.
والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوثَةُ حَجَرٌ في أسفلِ البئرِ ناتِئٌ يقومُ عليه الماتِحُ. فانْتَبَه رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مذعوراً وقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليًّا والزُّبَيْرَ وعمَّارَ بنَ ياسرٍ فنَزَحُوا ماءَ تِلكَ البِئْرِ كأنه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثمَّ رَفَعُوا الصخرةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإذا فيه مُشاطةُ رأسِه وأسنانٌ مِن مُشْطِه، وإذا فيه وَتَرٌ معقودٌ فيه اثْنَتَا عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هاتيْن السورتيْن، فجَعَلَ كُلَّمَا يَقْرَأُ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّتِ العقدةُ الأخيرةُ، فقامَ كأنما أُنْشِطَ مِن عِقالٍ، وجَعَلَ جِبْرِيلُ عليه السلامُ يقولُ: ((بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ؛ مِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، وَاللَّهُ يَشْفِيكَ)).
قالَ: فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، أفلا نَأْخُذُ الخَبِيثَ فنَقْتُلَه؟ فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِيَ اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
قالَتْ عائشةُ: ما غَضِبَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً يَنْتَقِمُ مِن أحدٍ لنفسِه قَطُّ، إلاَّ أنْ يكونَ شيئاً هو للهِ سُبْحَانَهُ، فيَغْضَبُ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويَنْتَقِمُ). [الكشف والبيان: 10/338-339 begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 مجاني end_of_the_skype_highlighting begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 مجاني end_of_the_skype_highlighting مجاني end_of_the_skype_highlighting ]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قَالَ المُفَسِّرونَ: كَانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فأَتَتْ إليه اليَهُودُ، ولَمْ يَزَالُوا به حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِن مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليَهُودَ، فسَحَرُوهُ فِيهَا، وكَانَ الذي تَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ، ثُمَّ دَسَّهَا فِي بِئْرٍ لبَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهَا: ذَرْوانُ، فمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّم، وانْتَثَرَ شَعَرُ رَأْسِه، ويَرَى أَنَّه يَأْتِي نِسَاءَهُ ولا يَأْتِيهِنَّ، وجَعَلَ يَدُورُ ولا يَدْرِي مَا عَرَاهُ، فبَيْنَمُا هو نَائِمٌ ذَاتَ يَوْمٍ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عندَ رأسِه والآخرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقَالَ الذي عِنْدَ رَأْسِه: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طُبَّ. قَالَ: وَمَا طُبَّ؟، قَالَ: سُحِرَ. قالَ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قَالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوانَ - والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوفَةُ حَجَرٌ في أَسْفَلِ البِئْرِ، يَقُومُ عَلَيْهِ المائِحُ - فانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، مَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بدَائِي؟))، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا والزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ، فنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ البِئْرِ، كأَنَّه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذَا هو مُشَاطَةُ رَأْسِه وأَسْنانُ مُشْطِه، وإِذَا وَتَرٌ مُعَقَّدٌ، فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالَى سُورَتَيِ المُعَوِّذَتَيْنِ، فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم خِفَّةً حَتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ، فقَامَ كأَنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، وجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلامُ يَقولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، ومِن حَاسِدٍ وعينٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أولا نَأْخُذُ الخَبِيثَ فنَقْتُلَه؟ فقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وأَكْرَهُ أنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))). [أسباب النزول: 551-553]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): ({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]. قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللهُ عنهما: كان غلامٌ من اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, [فَدَبَّتْ ] إليه اليهودُ، فلم يَزالُوا به حتى أَخَذَ مُشاطَةَ رأْسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ من مُشْطِه، فأعطاها اليهودَ فسَحَرُوه فيها، وتَوَلَّى ذلك لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، رجلٌ من يَهودَ، فنَزَلَتِ السورتانِ فيه). [معالم التنزيل: 723]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وذَكَرَ القُشَيْرِيُّ في تفسيرِهِ أنَّه وَرَدَ في الصِّحَاحِ: أنَّ غُلامًا مِنَ اليهودِ كانَ يَخْدِمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَسَّتْ إليه اليهودُ، ولم يَزَالُوا بِهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمُشَاطَةُ (بِضمِّ الميمِ): ما يَسْقُطُ مِنَ الشَّعْرِ عِندَ المَشْطِ.
وأَخَذَ عِدَّةً مِن أسنانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوهُ فِيها، وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليهوديُّ. وذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عن ابنِ عبَّاسٍ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/254]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ):(فذَكَرَ أهلُ التفسيرِ في نُزُولِهما أنَّ غُلامًا مِن اليهودِ كانَ يَخْدُمُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فلَمْ يَزَلْ بهِ اليهودُ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوهُ فيها. وكان الذي تَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليهوديُّ، ثمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ لِبَنِي زُرَيْقٍ يُقالُ لها: بِئْرُ ذَرْوَانَ، ويُقالُ: ذِي أَرَوَانَ.
فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وانْتَشَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ، وكانَ يَرَى أنَّهُ يَأْتِي النساءَ وما يَأْتِيهِنَّ، ويُخَيَّلُ إليهِ أنَّهُ يَفعَلُ الشيءَ وما يَفعَلُهُ. فبَيْنَا هوَ ذاتَ يومٍ نائمٌ أَتاهُ مَلَكَانِ، فقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِهِ والآخَرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقالَ أحدُهما للآخَرِ: ما بالُ الرجُلِ؟ قالَ: طُبَّ، قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ، قالَ: ومَنْ سَحَرَهُ؟ قالَ لَبيدُ بنُ أَعصمَ. قالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قالَ: بِمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأينَ هوَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ تَحتَ رَاعُوفَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ - والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوفَةُ: صَخرةٌ تُتْرَكُ في أَسفلِ البئرِ إذا حُفِرَتْ، فإذا أَرادُوا تَنْقِيَةَ البئرِ جَلَسَ المُنَقِّي عليها. فانْتَبَهَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي. ثمَّ بَعَثَ عليًّا والزُّبيرَ وعَمَّارَ بنَ ياسرٍ، فنَزَحُوا ماءَ تلكَ البئرِ، ثمَّ رَفَعُوا الصخرةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، وإذا فيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وأَسنانُ مُشْطِهِ، وإذا وَتَرٌ مَعقُودٌ فيهِ إحدى عَشْرَةَ عُقدةً مَغروزةً بالإبرةِ. فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى المُعَوِّذَتَيْنِ، فجَعَلَ كُلَّمَا قرأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّت العُقدةُ الأخيرةُ، وجَعلَ جبريلُ عليهِ السلام يقولُ: باسمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كلِّ شيءٍ يُؤذيكَ، ومِنْ حاسدٍ وعينٍ واللَّهُ يَشفيكَ. فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، أَفَلا نَأْخُذُ الخبيثَ فَنَقْتُلَهُ؟ فقالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
وقدْ أَخْرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ في (الصحيحَيْنِ) مِنْ حديثِ عائشةَ حديثَ سِحْرِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقدْ بَيَّنَّا معنى أَعُوذُ في أوَّلِ كِتابِنا). [زاد المسير: 9/270-272]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: ((أَمَا شَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ، فَنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ البِئْرِ كأنَّه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثم رَفَعُوا الصخْرَةَ وهي الراعُوفَةُ - صَخْرةٌ تُتْرَكُ أسْفَلَ البِئْرِ يَقُومُ عليها المائِحُ- وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذَا مُشَاطَةُ رَأْسِ إِنسانٍ، وأَسْنَانٌ مِنْ مُشْطٍ، وَإِذَا وَتَرٌ مَعْقُودٌ فيه إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مُغَرَّزَةً بِالإِبَرِ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، وهما إِحْدَى عَشْرَةَ آيةً على عدَدِ تِلكَ العُقَدِ، وأمَرَ أنَّ يُتَعَوَّذَ بِهِمِا؛ فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، حتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأخيرةُ، فكأَنَّما أُنْشِطَ مِن عِقَالٍ، وقالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وجَعَلَ جِبْرِيلُ يَرْقِي رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقولُ: (بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، وَاللهُ يَشْفِيكَ).
فقالُوا: يا رسولَ اللهِ، أَلا نَقْتُلُ الخَبِيثَ؟ فقالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِيَ اللهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))).[الجامع لأحكام القرآن: 20/253-254]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ): (قولُهُ عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] قالَ ابنُ عبَّاسٍ وعَائِشَةُ: كانَ غُلامٌ مِن اليهودِ يَخْدِمُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فَدَبَّتْ إليهِ اليهودُ، فلم يَزَالُوا بهِ حتَّى أخَذَ مِنْ مُشَاطَةِ رأْسِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وعِدَّةً مِنْ أَسْنَانِ مُشْطِهِ، فأعطاها اليهودَ، فَسَحَرُوهُ فيها، وتَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ رجلٌ مِن اليهودِ، فَنَزَلَتِ السُّورتانِ فيهِ). [لباب التأويل: 4/499]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ: كان غُلامٌ من اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَنَتْ إليه اليهودُ، فلم يَزَالُوا حتى أَخَذَ مُشاطَةَ رأسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ من مُشْطِه، فأَعطاها اليهودَ، فسَحَرُوه فيها، وتَوَلَّى ذلك لَبيدُ بنُ الأعْصَمِ؛ رجلٌ من اليهودِ، فنَزَلَتْ هاتان السورتانِ فيه.
قالَ البَغَوِيُّ: وقيلَ: كانت مَغْرُوزَةً بالدُّبُرِ، فأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - هاتين السورتين، وهما إحدى عَشْرَةَ آيةً، سورةُ الفَلَقِ خَمْسُ آياتٍ وسورةُ الناسِ سِتُّ آياتٍ، فكُلَّمَا قرأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ حتى انْحَلَّتِ العُقَدُ كلُّها فقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما أُنْشِطَ من عِقالٍ.
قالَ: ورُوِيَ أنه لَبِثَ فيه سِتَّةَ أشْهُرٍ، واشْتَدَّ عليه ثلاثةَ أيَّامٍ، فنَزَلَت المُعَوِّذتانِ). [بدائع الفوائد: 2/224]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قوله: (مغروزة بالدبر) تصحيف صوابه: بالإبر).
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ابْنُ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ الأستاذُ المُفَسِّرُ الثَّعْلَبِيُّ في تَفْسِيرِه: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ رضِيَ اللَّهُ عنهُما: كانَ غلامٌ مِن اليهودِ يَخْدِمُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ, فدَبَّتْ إليهِ اليهودُ, فلمْ يَزَالوا بهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِن مُشْطِه, فأعطاها اليَهودَ فسَحَرُوهُ فِيهَا, وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك رَجُلٌ مِنهم يُقالُ له: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ, ثم دَسَّهَا في بِئْرٍ لبَنِي زُرَيقٍ, يقالُ لها: ذَرْوَانُ.
فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ, وانْتَثَرَ شَعَرُ رَأْسِهِ, ولَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُرَى أَنَّه يَأتِي النِّسَاءَ ولا يَأْتِيهِنَّ, وجَعَلَ يَذُوبُ ولا يَدْرِي مَا عَرَاهُ, فبَيْنَما هو نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ؛ فجَلَسَ أَحَدُهما عندَ رَأْسِه والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ, فقالَ الذي عندَ رِجْلَيْهِ للذي عِنْدَ رَأْسِه: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قالَ: طُبَّ. قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ. قالَ: ومَنْ سَحَرَهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ. قالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قالَ: بمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأينَ هو؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ -والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ. والرَّاعُوفَةُ: حَجَرٌ فِي أَسْفَلِ البِئْرِ نَاتِئٌ يَقُومُ عليهِ المَاتِحُ- فانْتَبَهَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ مَذْعُوراً وقالَ: ((يَاعَائِشَةُ, أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)).
ثمَّ بَعَثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ عَلِيًّا والزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ, فنَزَحُوا ماءَ البِئْرِ, كأَنَّه نُقاعَةُ الحِنَّاءِ, ثم رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وأخْرَجوا الجُفَّ, فإذا فيهِ مُشاطَةُ رَأْسِه وأَسْنَانٌ مِن مُشْطِه, وإذا فيه وَتَرٌ مَعْقُودٌ فيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالَى السُّورَتَيْنِ.
فجَعَلَ كلَّمَا قرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ, ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ, فقامَ كأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ, وجَعَلَ جِبْرِيلُ عليهِ السلامُ يَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ, مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ, مِن حَاسِدٍ وعَيْنٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ. فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ, أفلا نَأْخُذُ الخَبِيثَ نَقْتُلُه؟ فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
هكذا أَوْرَدَهُ بِلا إِسْنَادٍ, وفيهِ غَرَابَةٌ، وفي بَعْضِه نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ, ولبَعْضِه شَوَاهِدُ مِمَّا تَقَدَّمَ, واللَّهُ سبحانَه وتعالى أَعْلَمُ). [تفسير القرآن العظيم: 8/3909-3910]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: لمَّا كَانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّبَتْ إِلَيْهِ اليَهُودُ، فلم يَزَالُوا حتى أَخَذُوا مُشَاطَةً مِنْ أَثَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِدَّةً مِنْ أسْنَانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهُ اليَهُودَ؛ لِيَسْحَرُوهُ بها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَلَّى ذَلِكَ ابْنُ الأَعْصَمِ، رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ). [اللباب: 20/574]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَسَبَبُ نُزُولِ المُعَوِّذَتَيْنِ على ما نَقَلَ الوَاحِدِيُّ عَنِ المُفَسِّرِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عليهم أَجْمَعِينَ وَالبَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، أَنَّ غُلاماً مِنَ اليهودِ كانَ يَخْدِمُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَبَّتْ إِليهِ اليَهُودُ فَلَمْ يَزَالُوا بهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليهودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وَتَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَشَرَ شَعَرُ رَأْسِهِ، وَيُرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ، يَذُوبُ وَلا يَدْرِي ما عَرَاهُ.
فَبَيْنَا هوَ نَائِمٌ ذاتَ يومٍ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالآخرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الذي عِنْدَ رِجْلَيْهِ للذي عندَ رأسِهِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طُبَّ، قَالَ: وَمَا طُبَّ؟ قَالَ: سُحِرَ. قَالَ: وَمَنْ سَحَرَ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأعصمِ اليَهُودِيُّ، قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، بِئْرٍ في بَنِي زُرَيْقٍ -وَالجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، وَالرَّاعُوفَةُ: حَجَرٌ في أَسْفَلِ البئرِ، يَقُومُ عَلَيْهِ المَائِحُ- فَانْتَبَهَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)).
ثمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فَنَزَحُوا البئرَ كأنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثمَّ نَزَعُوا الصخرةَ وَأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذا فيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وَأَسْنَانُ مُشْطِهِ، وَإِذا وَتَرٌ مُعَقَّدٌ فيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانَهُ وَتعالى سُورَتَي المُعَوِّذَتَيْنِ، وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً: الفلقُ خَمْسٌ, وَالناسُ سِتٌّ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، حتَّى انْحَلَّت العقدةُ الأخيرةُ، فَقَامَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جبرائيلُ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ يَقُولُ: (بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، واللَّهُ يَشْفِيكَ). فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَأْخُذُهُ فَنَقْتُلَهُ؟ فَقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
وَفي روايةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى البئرَ بِنَفْسِهِ، ثمَّ رَجَعَ إِلى عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها فَقَالَ: ((وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، لَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسَ الشَّيَاطِينِ)). فَقُلْتُ لهُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلاَّ أَخْرَجْتَهُ؟) فَقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَتَاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ الشريفةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ، ثمَّ إِنَّهُ وَجَدَ بَعْضَ الأَلَمِ، فَأَرْسَلَ إِليهِ فَأَخْرَجَهُ، فَزَالَ الأَلَمُ كُلُّهُ). [نظم الدرر: 8/607-608]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت: 982هـ): (وَتَخْصِيصُهُ بالذِّكْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ غُلامٌ مِن اليَهُودِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَسْنَانٌ مِنْ مُشْطِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَأَعْطَاهَا لليهودِ فَسَحَرُوهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهَا، وَتَوَلاَّهُ لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ اليَهُودِيُّ وَبَنَاتُهُ، وَهُنَّ النَّافِثَاتُ فِي العُقَدِ، فَدَفَنَهَا فِي بِئْرِ أَرِيسٍ.
فَمَرِضَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَوْضِعِ السِّحْرِ وَبِمَنْ سَحَرَهُ وَبِمَا سَحَرَهُ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ والزُّبَيْرَ وَعَمَّاراً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَنَزَحُوا مَاءَ البِئْرِ، فَكَأَنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا راعُوثَةَ البِئْرِ، وَهِيَ الصخرةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي أسفلِ البِئْرِ، فَأَخْرَجُوا مِنْ تحتِهَا الأسنانَ وَمَعَهَا وَتَرٌ قَدْ عُقِدَ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مُغَرَّزَةً بالإِبَرِ.
فَجَاؤُوا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ المُعَوِّذَتَيْنِ عَلَيْهَا، فَكَانَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ خِفَّةً، حَتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ عِنْدَ تَمَامِ السُّورَتَيْنِ، فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَقْتُلُ الخَبِيثَ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا غَضِبَ النَّبِيُّ غَضَباً يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَنْتَقِمُ). [إرشاد العقل السليم: 7/215]
قَالَ عَبْدُ الفَتَّاحِ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ القَاضِي (ت: 1403هـ): (رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَسَّتْ إليْهِ اليَهُودُ، فَمَا زَالُوا بِهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهِيَ ما يَتَسَاقَطُ مِن شَعْرِ الرَّأْسِ عِنْدَ مُشْطِهِ- وَعِدَّةً مِنْ أَسْنَانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وكانَ الَّذِي تَوَلَّى ذلكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ، ثُمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِ النِّسَاءِ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ المُبَاشَرَةَ لا يَسْتَطِيعُ، فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: هُوَ مَطْبُوبٌ (مَسْحُورٌ). قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ أَيْ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ كَذَا، تَحْتَ الصَّخْرَةِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا وَيُسْتَقَى مِنَ البِئْرِ. فَانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَذْعُورًا وَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ إِلَى البِئْرِ، فَرَفَعُوا الصَّخْرَةَ، فَإِذَا تَحْتَهَا مُشَاطَةُ رَأْسِ النَّبِيِّ وَبَعْضُ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، وَإِذَا وَتَرٌ مَعْقُودٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بِالإِبَرِ، فَأَتَوْا به النَّبِيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ السُّورَتَيْنِ المُعَوِّذَتَيْنِ، وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، عَلَى عَدَدِ تلكَ العُقَدِ، وَأَمَرَ الرَّسُولَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهِمَا، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً إِذَا حُلَّتْ هَذِهِ العُقْدَةُ، حتَّى إذا حُلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ قامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَرْقِي رَسُولَ اللَّهِ فَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ.
أَخْرَجَهُ ابنُ مَرْدَوَيْهِ وَالبَيْهَقِيُّ).
[أسباب النزول: 252-253]


رد مع اقتباس