عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 97 إلى آخر السورة]

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال يحيى: قدم وفدٌ من كندة وحضرموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا، وأقرّوا بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة.
ثمّ إنّ رجلا من حضرموت قام فتعلّق برجلٍ من كندة يقال له: امرؤ القيس، فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا جاورني في أرضٍ لي، فقطع طائفةً منها فأدخلها في أرضه.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ بما تزعم؟ فقال: القوم كلّهم يعلمون أنّي صادقٌ وأنّه كاذبٌ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ فقال: ما يقول إلا الباطل.
قال: فقم فاحلف باللّه الّذي لا إله إلا هو ما له قبلك شيءٌ ممّا يقول، وأنّه الكاذب فيما يقول.
فقال: نعم.
فقال الحضرميّ: إنّا للّه، تجعلها يا رسول اللّه إليه؟ إنّه رجلٌ فاجرٌ، لا يبالي بما حلف عليه.
فقال رسول اللّه عليه السّلام: إنّه من اقتطع مال رجلٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ.
فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقام الأشعث بن قيسٍ فأخذ بمنكبي امرئ القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس، إنّه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له، والأخرى
لك.
وقد قال رسول اللّه عليه السّلام: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ».
فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول اللّه ما نزل فيّ؟ فتلا عليه الآيتين، فقال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد، وأمّا صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل.
اللّهمّ إنّه صادقٌ، وإنّي أشهد اللّه أنّه صادقٌ، ولكن واللّه ما أدري ما يبلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي فقد أصبتها منذ زمانٍ، فله ما ادّعى في أرضي، ومثلها معها.
فنزلت هذه الآية: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقال امرؤ القيس: ألي هذه يا رسول اللّه؟
قال: نعم .فكبّر امرؤ القيس). [تفسير القرآن العظيم: 1/88-87] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (سعيد بن عبد العزيز الدّمشقيّ عن وهب بن منبّهٍ في قوله: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً}، قال: القناعة.
سعيدٌ عن قتادة قال: هي الجنّة.
قال يحيى: من قال إنّها القناعة يقول: هي حياةٌ طيّبةٌ في الدّنيا ولنجزينّهم في الآخرة أجرهم الجنّة بأحسن ما كانوا يعملون في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/88]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {ولنجزينّهم أجرهم} من تقع على الواحد وعلى الجميع والذكر والأنثى، ولفظها لفظ الواحد فجاء الأول من الكناية على لفظ من وإن كان المعنى إنما يقع على الجميع ثم جاء الآخر من الكناية على معنى الجميع، فقال: {ولنجزينّهم أجرهم} ). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
{فلنحيينّه حياة طيّبة}.
قيل لنرزقنه حلالا، وقيل {حياة طيبة} الجنة.
وموضع: (أربى) رفع. المعنى: أن تكون أمة هي أكثر من أمة.
وزعم الفراء أن موضع (أربى) نصب و " هي " عماد، وهذا خطأ، " هي " لا تدخل عمادا ولا فصلا مع النكرات.
وشبهه بقوله: {تجدوه عند اللّه هو خيرا وأعظم أجرا}.
و " تجدوه " الهاء فيه معرفة، و (أمّة) نكرة). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} روى عن ابن عباس أنه قال الحياة الطيبة الرزق الحلال ثم يصير إلى الله فيجزيه أجره بأحسن ما كان يعمل وروى عن ابن عباس رواه الحكم عن عكرمة عنه أنه
قال الحياة الطيبة القناعة وروى ابن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} قال في الآخرة يحييه حياه طيبة
وروى عوف عن الحسن ليس لأحد حياة طيبة إلا في الجنة). [معاني القرآن: 4/103-104]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} والرّجيم: الملعون، رجمه اللّه باللّعنة.
قال الحسن: فنزلت في الصّلاة ثمّ صارت سنّةً في غير الصّلاة إذا أراد أن يقرأ، وليس بمفروضٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/88]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم}
معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ باللّه بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء، وهو مستعمل في الكلام، مثله إذا أكلت
فقل بسم اللّه، ومثله في القرآن: {إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم} فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
المعنى إذا أردت أن تقرأ وهذا كما تقول إذا أكلت فقل بسم الله ومثله في كتاب الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} ). [معاني القرآن: 4/105-104]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} كقوله: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ}
لا تستطيع أن تضلّهم، وكقوله: {ومن يهد اللّه فما له من مضلٍّ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/89]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إنه ليس له سلطان} أي: حجة، وسلطان: قوة). [ياقوتة الصراط: 301]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه} يتولّون الشّيطان.
قال قتادة: يعبدونه ويطيعونه.
قال الحسن: من غير أن يستطيع أن يكرههم هو عليه.
قال يحيى: وهو مثل قوله: {ما أنتم عليه بفاتنين} بمضلّين {إلا من هو صال الجحيم}.
وكقوله: {ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون }.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {إنّما سلطانه} حجّته {على الّذين يتولّونه}
قوله: {والّذين هم به مشركون} والّذين هم باللّه مشركون.
فيها تقديم.
قال: {فاستعذ باللّه} ثمّ قال في هذه الآية: {والّذين هم به مشركون} باللّه مشركون.
رجع إلى أوّل الكلام.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {والّذين هم به مشركون} يعدلونه بربّ العالمين.
وقال الحسن: يقول: شركوا الشّيطان بعبادة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون} لم يرد إنهم بإبليس كافرون. ولو كان هذا كذا كانوا مؤمنين.
وإنما أراد الذين هم من أجله مشركون باللّه. وهذا كما يقال: سار فلان بك عالما، أي سار من أجلك). [تفسير غريب القرآن: 249-248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} روى ابن نجيح عن مجاهد قال سلطانه حجته
قال والذين هم به مشركون يعدلونه برب العالمين وقال غير مجاهد لو كان المعنى على أنهم أشركوا بالشيطان لكانوا مؤمنين ولكن المعنى والذين هم من أجله مشركون كما تقول صار فلان بك عالما أي من أجلك). [معاني القرآن: 4/105]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والذين هم به مشركون} قال ثعلب: معناه: الذين صاروا مشركين بطاعتهم للشيطان، فصاروا بعبادتهم الشيطان مشركين، وليس المعنى: أنهم آمنوا بالله - عز وجل - وأشركوا بالشيطان، ولكن عبدوا الله - عز وجل - وعبدوا معه الشيطان، فصاروا بعبادتهم الشيطان مشركين، ليس أنهم أشركوا بالشيطان، وآمنوا بالله وحده. قال الشيخ أبو عمر: فعرضت هذا الكلام على محمد بن يزيد المبرد، فقال: هذا كلام متلئب صحيح). [ياقوتة الصراط: 302-301]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والذين هم به مشركون} أي من أجله أشركوا بالله تعالى؛ والهاء في {به} تعود على الشيطان، ويجوز أن تعود على الله جل ذكره، أي والذين هم به مشركون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون} وهذا في النّاسخ والمنسوخ في تفسير قتادة.
قال الحسن: كانت الآية إذا نزلت فعمل بها وفيها شدّةٌ، ثمّ نزلت بعدها آية فيها لينٌ قالوا: إنّما يأمر محمّدٌ أصحابه بالأمر فإذا اشتدّ عليهم صرفهم إلى غيره، ولو كان هذا الأمر من عند اللّه لكان أمرًا واحدًا وما اختلف، ولكنّه من قبل محمّدٍ.
قال اللّه: قل يا محمّد). [تفسير القرآن العظيم: 1/90-89]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا بدّلنا آيةً مّكان آيةٍ...}
إذا نسخنا آية مكان آية ألين منها قال المشركون: إنما يتقوّله من نفسه ويتعلّمه من عائش مملوكٍ كان لحويطب بن عبد العزّى كان قد أسلم فحسن إسلامه وكان أعجم،
فقال الله عز وجل). [معاني القرآن: 2/113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ} أي نسخنا آية بآية). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا بدّلنا آية مكان آية واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون }
أي: إذا نسخت آية بآية أخرى عليها فيها مشقة.
{قالوا إنّما أنت مفتر} أي قالوا قد كذبتنا). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا بدلنا آية مكان آية} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال رفعناها وجعلنا موضعها غيرها
وقال غيره أي نسخنا آية بأية هي أشد عليهم منها قالوا إنما أنت مفتر أي كاذب فقال جل وعز: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله}
أي الذي إذا رأوا آية لا يأتي بها إلا نبي كذبوا بها فهؤلاء أكذب الكاذبين). [معاني القرآن: 4/106]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {نزّله روح القدس من ربّك بالحقّ} والقدس: اللّه، وروحه: جبريل.
فأخبر أنّه نزل به جبريل من عند اللّه، وأنّ محمّدًا لم يفتر منه شيئًا.
وقال السّدّيّ: جبريل.
قال: {ليثبّت الّذين آمنوا وهدًى وبشرى للمسلمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/90]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {روح القدس} جبريل عليه السلام). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {روح القدس}: جبريل عليه السلام). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رُوحُ القُدُسِ}: جبريل عليه السلام). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ} يعنون عبدًا لابن الحضرميّ في قول الحسن وقتادة.
وقال قتادة: قالت قريشٌ إنّما يعلّم محمّدًا عبدٌ لابن الحضرميّ، يقال له: جبرٌ، وكان يقرأ الكتاب.
وبعضهم يقول: عدّاسٌ غلام عتبة.
وكان الكلبيّ يجمعها جميعًا ويقول: كان عدّاسٌ يهوديًّا فأسلم، وكانا يقرآن كتابهما بالعبرانيّة، وكانا أعجميّي اللّسان.
قال اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه}.
يميلون إليه في تفسير الكلبيّ.
وقال الحسن: الّذي يذهبون إليه أنّه يعلّم محمّدًا أعجميٌّ.
قال اللّه: {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} أي: بيّنٌ.
وقال مجاهدٌ: عبد ابن الحضرميّ، روميٌّ، صاحب كتابٍ.
يقول اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} يتكلّم بالرّوميّة {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} في حديث عاصم بن حكيمٍ، وفي حديث ابن مجاهدٍ، عن أبيه:
{ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ} قول قريشٍ إنّما يعلّم محمّدًا عبدٌ لابن الحضرميّ روميٌّ، وهو صاحب كتابٍ.
يقول اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} يتكلّم بالرّوميّة {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ}.
وفي قول الحسن: هو عبد ابن الحضرميّ، وكان كاهنًا في الجاهليّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/90-91]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّسان الّذي يلحدون إليه...}
يميلون إليه ويهوونه (أعجمي) فقال الله: وهذا لسان محمد صلّى الله عليه وسلم والقرآن عربيّ). [معاني القرآن: 2/113]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} أي يعدلون إليه، ويقال: ألحد فلان أي جار؛ أعجميٌّ أضيف إلى أعجم اللسان).
[مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يلحدون إليه} أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلّمك. وأصل الإلحاد: الميل). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشر لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين}
أعلم اللّه عزّ وجلّ نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما يقولونه بينهم.
وقوله: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ}.
ويقرأ {يلحدون}، أي لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
وقيل هذا غلام كان لحويطب اسمه عايش، أسلم وحسن إسلامه.
{وهذا لسان عربيّ مبين}.
يقال: عرب الإنسان: يعرب عروبيّة وعرابة وعروبة.
وقوله: {مبين}.
وصفه بالبيان كما وصفه بأنه عربيّ، ومعنى عربيّ أن صاحبه يتكلم بالعربية ومعناه معرب: {مبين} ). [معاني القرآن: 3/220-219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة قال هو غلام لبني عامر بن لؤي يقال أرى له يعيش وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو سلمان الفارسي رحمه الله
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هو عبد الله بن الحضرمي وهو رومي كان يحسن الكتابة قال أبو عبيد وقال غير مجاهد اسمه جبر
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه وأصل الإلحاد في اللغة الميل). [معاني القرآن: 4/106-107]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يلحدون} أي: يميلون إليه). [ياقوتة الصراط: 303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يلحدون إليه} أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك. وأصل الإلحاد: الميل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه لا يهديهم اللّه} هؤلاء الّذين لا يريد اللّه أن يهديهم يلقونه بكفرهم.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} موجعٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/91]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه} ، يعني: المشركين.
{وأولئك هم الكاذبون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه وأولئك هم الكاذبون}
أي: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا اللّه كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكذبة). [معاني القرآن: 3/219-218]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان} راضٍ بالتّوحيد.
تفسير السّدّيّ.
نزلت في عمّار بن ياسرٍ وأصحابه.
أخذهم المشركون، فوقفوهم على الكفر باللّه ورسوله، فخافوا منهم، فأعطوهم ذلك بأفواههم.
- الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزريّ عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسرٍ، قال: أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ فلم يتركوه حتّى سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرٍ ثمّ تركوه.
فلمّا أتى النّبيّ عليه السّلام قال: «ما وراءك» ؟ قال: شرٌّ يا رسول اللّه، واللّه ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخيرٍ.
قال: فقال له رسول اللّه: «كيف تجد قلبك؟».
قال: أجد قلبي مطمئنًّا بالإيمان.
قال: «فإن عادوا فعد».
قال يحيى: بلغني أنّ هذه الآية نزلت عند ذلك: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان}.
وقوله: {مطمئنٌّ} راضٍ بالإيمان.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث عمّار بن ياسرٍ إلى بئرٍ للمشركين ليستقي منها، وحولها ثلاثة صفوفٍ يحرسونها، فاستقى في قربةٍ، ثمّ أقبل حتّى أتى على الصّفّ الأوّل، فأخذوه فقال: دعوني فإنّما أستقي لأصحابكم، فتركوه.
فذهب حتّى أتى على الصّفّ الثّاني، فأخذوه فقال: دعوني فإنّما أستقي لأصحابكم، فتركوه.
فذهب حتّى أتى على الصّفّ الثّالث، فأخذوه فردّوه إلى البئر، فصبّوا ماءه، ثمّ نكّسوه حتّى قاء ما شرب، ثمّ قالوا له: لتكفرنّ أو لنقتلنّك.
فتكلّم بما أرادوه عليه ثمّ تركوه.
فرجع الثّانية، ففعلوا به مثل ذلك وتركوه.
ثمّ رجع الثّالثة، ففعلوا به مثل ذلك.
فلمّا أرادوه على أن يتكلّم بالكفر أبى.
فبعث نبيّ اللّه الخيل فاستنقذته.
فأنزلت فيه: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان}.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه قال: ناسٌ بمكّة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب محمّدٍ بالمدينة: أن هاجروا فإنّكم لا ترون منّا خيرًا حتّى تهاجروا.
فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريشٌ بالطّريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين.
ففيهم نزلت هذه الآية.
قال: {ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ} في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/93-91]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله} شرح صدره بذلك: تابعته نفسه وانبسط إلى ذلك،
يقال: ما يشرح صدري لك بذلك، أي لا يطيب، وجاء قوله: فعليهم غضب على معنى الجميع لأن من يقع على الجميع). [مجاز القرآن: 1/368]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن مّن شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ مّن اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ}
وقال: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن مّن شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ مّن اللّه} خبر لقوله {ولكن من شرح} ثم دخل معه قوله:
{من كفر باللّه من بعد إيمانه} فأخبر عنهم بخبر واحد إذ كان ذلك يدل على المعنى). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولكن من شرح بالكفر صدراً} أي فتح له صدرا بالقبول). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم}
(من) في موضع رفع على البدل من الكاذبين ومفسّر عن الكاذبين.
ولا يجوز أن يكون (من) رفعا بالابتداء، لأنه لا خبر ههنا للابتداء، لأنّ قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان}.
ليس بكلام تام، وبعده: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه}.
فقوله: {فعليهم غضب من اللّه} خبر (من) التي بعد (لكن) ). [معاني القرآن: 3/219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في
عمار بن ياسر رحمة الله لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه). [معاني القرآن: 4/107]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله} أي من فتح صدره لقبوله). [معاني القرآن: 4/108-107]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة} اختاروا الحياة الدّنيا على الآخرة.
{وأنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين} ، يعني: الّذين يلقون اللّه بكفرهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/93]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)}

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {لا جرم} وهذا وعيدٌ.
{أنّهم في الآخرة هم الخاسرون} خسروا أنفسهم أن يغنموها فصاروا في النّار، وخسروا أهليهم من الحور العين، فهو الخسران المبين.
وتفسيره في سورة الزّمر). [تفسير القرآن العظيم: 1/93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الخاسرون}
" أنّ " يصلح أن تكون في موضع رفع على أنّ " لا " ردّ للكلام، والمعنى وجب أنّهم، ويجوز أن تكون " أن " في موضع نصب على أن المعنى جرم فعلهم هذا أنهم في الآخرة هم الخاسرون. ومعنى جرم كسب، والمجرم الكاسب، وأكثر ما يستعمل للذنوب). [معاني القرآن: 3/220]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا} يعني: من بعد ما عذّبوا في الدّنيا.
تفسير السّدّيّ.
{ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} تفسير الحسن: أنّهم قومٌ كانوا بمكّة، فعرضت لهم فتنةٌ، فارتدّوا عن الإسلام، وشكّوا في نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ إنّهم أسلموا وهاجروا إلى رسول اللّه عليه السّلام بالمدينة، ثمّ جاهدوا معه وصبروا، فنزلت هذه الآية.
سعيدٌ عن قتادة قال: ذكر لنا أنّه لمّا أنزل اللّه أنّ أهل مكّة لا يقبل منهم الإسلام حتّى يهاجروا، كتب بذلك المسلمون إلى أصحابٍ لهم بمكّة، وخرجوا فأدركهم المشركون فردّوهم،
فأنزل اللّه: {الم * أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون} والآية الأخرى الّتي بعدها.
فكتب بها أهل المدينة إلى أهل مكّة، فلمّا جاءهم ذلك تبايعوا أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون أن يقاتلوهم حتّى يلحقوا باللّه أو ينجوا، فخرجوا.
فأنزل اللّه: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا} إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/94-93]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا...}
يقول: عذّبوا. نزلت في عمّار بن ياسر وأصحابه الذين عذّبوا، حتّى أشرك بعضهم بلسانه وهو مؤمن بقلبه فغفر الله لهم، فذلك قوله: {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رّحيمٌ} بعد الفعلة). [معاني القرآن: 2/114-113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم}
أي من بعد الفعلة التي فعلوها. وهذه الآية في قصة عمّار بن ياسر وأصحابه حين عذبهم أهل مكة فأكرهوهم على أن تركوا الإيمان، وكفروا بألسنتهم وفي قلوبهم ونيّاتهم الإيمان، ثم هربوا منهم وهاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلحقهم جمع من أهل مكة فقاتلوهم حتى نجّاهم الله منهم، وصبروا على جهادهم). [معاني القرآن: 3/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا} هذا كله في عمار والمعنى وصبروا على الجهاد). [معاني القرآن: 4/108]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها} قال الحسن: إنّ كلّ نفسٍ توقف بين يدي اللّه للحساب ليس يسألها عن عملها إلا اللّه.
قال: {وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت وهم لا يظلمون} أمّا الكافر فليس له من حسناته في الآخرة شيءٌ، قد استوفاها في الدّنيا.
وأمّا سيّئاته فيوفّاها في الآخرة، يجازى بها النّار.
وأمّا المؤمن فهو الّذي يوفّى الحسنات في الآخرة.
وأمّا سيّئاته فإنّ منهم من لم يخرج من الدّنيا حتّى ذهبت سيّئاته بالبلايا والعقوبة كقوله: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ}
ومنهم من تبقى عليه من سيّئاته فيفعل اللّه فيه ما يشاء.
قال يحيى: وبلغني أنّ منهم من تبقى عليه من سيّئاته فيشدّد عليه عند الموت، ومنهم من تبقى عليه منها فيشدّد عليه في القبر، ومنهم من تبقى عليه منها فيشدّد عليه في الموقف، ومنهم من يبقى عليه منها فيشدّد عليه عند الصّراط، ومنهم من يبقى عليه منها فيدخل النّار فينتقم منه ثمّ يخرجه اللّه منها إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نّفسها وتوفّى كلّ نفسٍ مّا عملت وهم لا يظلمون}
وقال: {كلّ نفسٍ تجادل عن نّفسها} لأن معنى {كلّ نفسٍ}: كلّ إنسان، وأنّث لأن النفس تؤنّث وتذكر.
يقال "ما جاءتني نفسٌ واحدةٌ" و"ما جاءني نفسٌ واحدٌ"). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها} أي يأتي كل إنسان يجادل عن نفسه [غدا] ). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها وتوفّى كلّ نفس ما عملت وهم لا يظلمون}
{يوم} منصوب على أحد شيئين، على معنى {إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم، يوم تأتي} ويجوز أن يكون بمعنى اذكر لأن معنى القرآن العظة والإنذار والتذكير.
أي اذكر يوم تأتي كل نفس أي كل إنسان يجادل عن نفسه.
ويروى أنه إذا كان يوم القيامة زفرت جهنّم زفرة فلا يبقى ملك مقرّب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، وقال يا رب نفسي نفسي، وتصديق هذا قوله تعالى:
{يوم يفرّ المرء من أخيه * وأمّه وأبيه ..} الآية ). [معاني القرآن: 3/221-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}
يروى أن كعبا قال لعمر بن الخطاب رحمه الله تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول يا رب نفسي حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليجثو على ركبتيه ويقول لا أسألك إلا نفسي ثم قال كعب إن هذا لفي كتاب الله وتلا يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وقال غيره يدل على هذا {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه} ). [معاني القرآن: 4/108]

تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وضرب اللّه مثلا} يعني وصف اللّه مثلا: شبهًا.
تفسير السّدّيّ.
{قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون* ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون} القرية: مكّة، والرّسول: محمّدٌ، كفروا بأنعم اللّه فكذّبوا رسوله ولم يشكروا وهم {الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار}.
وأمّا قوله: {فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف} فإنّه الجوع الّذي عذّبوا به بمكّة قبل عذابهم يوم بدرٍ، عذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ.
وأمّا الخوف فبعدما خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم.
سعيدٌ عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ القرية مكّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/95-94]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قريةً كانت آمنةً مّطمئنّةً...}
يعني مكّة أنها كانت لا يغار عليها كما تفعل العرب: كانوا يتغاورون {مّطمئنّةً} : لا تنتقل كما تنتجع العرب الخصب بالنّقلة.
وقوله: {مّن كلّ مكانٍ}: من كلّ ناحية {فكفرت} ثم قال {بما كانوا يصنعون} ومثله في القرآن كثير. منه قوله: {فجاءها بأسنا بياتاً أوهم قائلون} ولم يقل: قائلة.
فإذا قال {قائلون} ذهب إلى الرجال، وإذا قال (قائلة) فإنما يعني أهلها، وقوله: {فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذابا نكراً فذاقت}.
وقوله: {لباس الجوع والخوف} ابتلوا بالجوع سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرقة والجيف. والخوف بعوث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسراياه.
ثم إن النبي صلّي الله عليه وسلم رقّ لهم فحمل إليهم الطعام وهم مشركون. قال الله عز وجل لهم، كلوا {واشكروا} ). [معاني القرآن: 2/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأتيها رزقها رغداً} أي واسعاً كثيراً.
{فكفرت بأنعم الله} واحدها نعم ومعناه نعمة وهما واحد، قالوا: نادى منادي النبيّ عليه السلام بمنى: إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا) ). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {رغداً}: كثيرا واسعا). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
وأصل الذَّوَاقِ: بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار، تقول في الكلام: ناظر فلانا وَذُقْ ما عنده، أي تعرّف واختبر، واركب الفرس وَذُقْهُ.
قال الشمّاخ في وصف قوس:

فَذَاقَ فأعطته من اللّين جانبا = كَفَى وَلَها أن تُفْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
يريد: أنه ذاق القوس بالنَّزع فيها ليعلم أليِّنَةٌ هي أم صَلبة؟
وقال آخر:
وإنَّ الله ذاق حُلُوم قيس = فلمّا راء خِفَّتَها قلاها
وهذه الآية نزلت في أهل مكة، وكانوا آمنين بها لا يغار عليهم، مطمئنين لا ينتجعون ولا يتنقَّلون، فأبدلهم الله بالأمن الخوف من سرايا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبعوثه، وبالكفاية الجوع سبع سنين، حتى أكلوا القِدَّ والعظام.
ولباس الجوع والخوف: ما ظهر عليهم من سوء آثارهما بالضّمر والشّحوب ونهكة البدن، وتغيّر الحال، وكسوف البال.
وقال في موضع آخر: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح، وكما تقول: تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، وَذُقْتُ بمعنى: تعرَّفت، واللّباس: بمعنى سُوءِ الأثرِ، كذلك تقول: ذقت لباس الجوع والخوف، وأذاقني الله ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 164-165] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقالوا للكبير: (جلل)، وللصغير: (جلل)، لأنّ الصغير قد يكون كبيرا عند ما هو أصغر منه، والكبير يكون صغيرا عند ما هو أكبر منه، فكلّ واحد منهما صغير كبير.
ولهذا جعلت (بعض) بمعنى (كلّ)، لأنّ الشيء يكون كلّه بعضا لشيء، فهو بعض وكلّ.
وقال عز وجل: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (وكلّ) بمعنى (بعض)، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، و{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} ،
وقال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ). [تأويل مشكل القرآن: 189-190] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }
المعنى - واللّه أعلم - وضرب الله مثلا مثل قرية كانت آمنة مطمئنة.
{يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان} أي واسعا من كل مكان.
الذي جاء في التفسير أنه. يعني بها مكة، وذلك أنهم كانوا قد أمنوا الجوع والخوف لأن اللّه جل ثناؤه جعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
فأرزاقهم تأتيهم في بلدهم وكان حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم.
{فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف}.
وقد جاعوا حتى بلغوا إلى أن أكلوا الوبر بالدّم، وبلغ منهم الجوع الحال التي لا غاية بعدها. وأنعم جمع نعمة، وقالوا شدّة، وأشدّ.
وقال قطرب: جائز أن يكون جمع نعم وأنعم، مثل بؤس وأبؤس). [معاني القرآن: 3/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} روى معمر عن قتادة قال هي مكة وقال غيره كان أهلها في أمن ودعة ثم ابتلاهم الله بالقتل والجوع سبع سنين قال تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} وأصل الذوق بالفم ثم استعمل للابتلاء وللاختبار). [معاني القرآن: 4/109]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقوله: {ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه} يعرفون نسبه وأمّه، يعني: محمّدًا.
{فأخذهم العذاب وهم ظالمون} أخذهم اللّه بالجوع، والخوف، والقتل الشّديد). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}
عذبهم اللّه بالسيف والقتل). [معاني القرآن: 3/221]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيّبًا}، يعني المؤمنين، ما أحلّ لهم من الرّزق ومن الغنيمة وغيرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به} ذبائح المشركين، ثمّ أحلّ ذبائح أهل الكتاب من المشركين.
قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة وسورة الأنعام). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد}
قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة البقرة وروى عن ابن عباس أنه قال من أكل الميتة وهو غير مضطر إليها فهو باغ عاد
وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا إذا أخاف السبيل وقطع الطريق لم تحلل له الميتة هذا معنى قولهما). [معاني القرآن: 4/110-109]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما أهل لغير الله به} أي: ذبح لغير الله، أي: الصنم والوثن). [ياقوتة الصراط: 303]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ} لما حرموا من الأنعام والحرث،
وما استحلّوا من أكل الميتة.
{لتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
وهي كقوله: {قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزقٍ فجعلتم منه حرامًا وحلالا قلءاللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/96-95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لّتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
وقال: {ألسنتكم الكذب} جعل (ما تصف) ألسنتهم اسما للفعل كأنه قال "ولا تقولوا لوصف ألسنتكم {الكذب هذا حلالٌ} وقال بعضهم {الكذب} يقول:
"ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم". وقال بعضهم {الكذب} فرفع وجعل {الكذب} من صفة الألسنة، كأنه قال: "ألسنةٌ كذبٌ"). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
في الكذب ثلاثة أوجه، قرئت الكذب، وقرئت الكذب، وقرئت الكذب، فمن قرأ - وهو أكثر القراءة - الكذب فالمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب:{هذا حلال وهذا حرام}
ومن قرأ الكذب كان ردّا على ما المعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب. ومن قرأ الكذب فهو نعت للألسنة، يقال لسان كذوب وألسنة كذوب.
وهذا إنما قيل لهم لما كانوا حرموه وأحلوه، فقالوا: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا}.
وقد شرحنا ذلك في موضعه). [معاني القرآن: 3/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} قال مجاهد يعني البحائر والسيب).
[معاني القرآن: 4/110]

تفسير قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {متاعٌ قليلٌ} ، أي: إنّ الّذين هم فيه من الدّنيا متاعٌ قليلٌ ذاهبٌ.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} في الآخرة، يعنيهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {متاع قليل ولهم عذاب أليم} المعنى متاعهم هذا الذي فعلوه متاع قليل.
ولو كان في غير القرآن لجاز فيه النّصب: متاعا قليلا، على أن المعنى يتمتعون كذلك متاعا قليلا). [معاني القرآن: 3/222]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}
ققال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلى الّذين هادوا} اليهود، سمّوا أنفسهم اليهود وتركوا اسم الإسلام.
{حرّمنا} عليهم بكفرهم.
{ما قصصنا عليك من قبل} سعيدٌ عن قتادة، قال: يعني ما قصّ اللّه عليه في سورة الأنعام، وهي مكّيّةٌ، وهذا الموضع من هذه السّورة مدنيٌّ، يعني:
{وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا} والحوايا: المبعر {أو ما اختلط بعظمٍ}
وقد فسّرناه في سورة الأنعام.
قال: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} إنّما حرّم ذلك عليهم بظلمهم قال: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم} إلى آخر الآية).
[تفسير القرآن العظيم: 1/96]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلى الّذين هادوا} من اليهود). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وعلى الّذين هادوا} يعني اليهود). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل} قال قتادة هو قوله تعالى:
{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} ). [معاني القرآن: 4/110]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( قوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ} قال: {ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها}
من بعد تلك الجهالة إذا تابوا منها.
{لغفورٌ رحيمٌ} وكلّ ذنبٍ عمله العبد فهو بجهالةٍ وذلك منه جهلٌ.
سعيدٌ عن قتادة، قال: كلّ ذنبٍ أتاه عبدٌ فهو بجهالةٍ.
الحسن بن دينارٍ عن الحسن، قال: يعمل الذّنب ولا يعلم أنّه ذنبٌ فإذا أخبر أنّه ذنبٌ تركه.
وقال السّدّيّ: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ} ، يعني: الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/97-96]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ...}
كلّ من عمل سوءا فهو جاهل إذا عمله). [معاني القرآن: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً} والأمّة في تفسير غير واحدٍ: السّنّة، في الخير، يعلّم الخير.
وقال السّدّيّ: يعني كان إمامًا يقتدى به في الخير.
سعيدٌ عن قتادة قال: {كان أمّةً قانتًا}، أي: مطيعًا للّه.
كان إمام هدًى يهتدى به.
- قرّة بن خالدٍ عن سيّار بن سلامة أنّ ابن مسعودٍ قال: إنّ معاذ بن جبلٍ كان أمّةً.
ثمّ قال ابن مسعودٍ: إنّ معاذًا كان يعلّم الخير.
وفي تفسير المعلّى عن أبي يحيى عن مجاهدٍ قال: كان مؤمنًا وحده والنّاس كلّهم كفّارًا.
- إبراهيم بن محمّدٍ عن صالحٍ مولى التّوأمة عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يأتي زيد بن عمرو بن نفيلٍ أمّةً وحده يوم القيامة».
قوله: {قانتًا للّه} أي: مطيعًا.
{حنيفًا} مخلصًا.
{ولم يك من المشركين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّةً قانتاً...} معلماً للخير). [معاني القرآن: 2/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله} أي إماماً مطيعاً لله.
{حنيفاً} مسلماً؛ ومن كان في الجاهلية يختتن ويحج البيت فهو حنيف). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إن إبراهيم كان أمة قانتا}: معلما للخير يؤتم به {والقانت} المطيع). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كان أمّةً} أي معلما للخير. يقال: فلان أمة. وقد بينت هذا في كتاب «المشكل».
{قانتاً للّه} أي مطيعا). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم تصير الأمّة: الإمام والرّباني، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} أي: إماما يقتدي به الناس،
لأنه ومن اتبعه أمّة، فسمّي أمّة لأنه سبب الاجتماع.
وقد يجوز أن يكون سمّي أمّة: لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة. ومن هذا يقال: فلان أمّة وحده، أي: هو يقوم مقام أمة). [تأويل مشكل القرآن: 445]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين.
يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 383] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} ، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 452-451] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين}
جاء في التفسير أنه كان آمن وحده، وفي أكثر التفسير أنه كان معلّما للخير وإماما حنيفا قيل أخذ بالختانة.
وحقيقته في اللغة أن الحنيف المائل إلى الشيء لا يزول عنه أبدا، فكان عليه السلام مائلا إلى الإسلام غير زائل عنه.
وقالوا في القانت هو المطيع، والقانت القائم بجميع أمر الله - جلّ وعزّ -.
وقوله: {ولم يك من المشركين}.
{لم يك} أصلها لم يكن، وإنما حذفت النون عند سيبويه لكثرة استعمال هذا الحرف، وذكر الجلة من البصريين أنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف، وأنها مع ذلك قد أشبهت حروف اللين لأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة، وأنها غنة تخرج من الأنف. فلذلك احتملت الحذف).
[معاني القرآن: 3/223-222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله}
روى الشعبي عن مسروق قال تلا عبد الله بن مسعود رحمه الله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله فقال إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله أتدرون ما الأمة هو الذي يعلم الناس الخير أتدرون ما القانت هو المطيع قال أبو جعفر لم يقل في هذه الآية أحسن من هذا لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يؤتم به وهذا مذهب أبي عبيدة والكسائي
القنوت القيام فقيل للمطيع قانت لقيامه بطاعة الله وروى أبو يحيى عن مجاهد إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قال كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار وقال بعض أهل اللغة يقوي هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال كان أمة وحده). [معاني القرآن: 4/111-110]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إن إبراهيم كان أمة قانتا} أخبرنا أبو عمر - قال أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي:
قال الأمة: العالم والنهاية في وقته، والأمة: الملة والدين، والأمة - أيضا: الجماعة من الناس،
والأمة: الحين والوقت، والأمة والأم واحد، والأمة العامة). [ياقوتة الصراط: 304-303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كان أمة} أي معلما للخير {قانتا} مطيعا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُمَّةً}: تأتمّ به.
{قانِتاً}: طائعا). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({شاكرًا لأنعمه اجتباه} للنّبوّة، واجتباه واصطفاه واختاره واحدٌ.
{وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ} إلى طريقٍ مستقيمٍ، إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اجتباه} اختاره). [مجاز القرآن: 1/369]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
وقال: {شاكراً لأنعمه} وقال: {فكفرت بأنعم اللّه} فجمع "النّعمة" على "أنعمٍ" كما قال: {حتّى إذا بلغ أشدّه} فزعموا أنه جمع "الشدّة"). [معاني القرآن: 2/69-68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اجتباه}: اختاره). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {شاكراً لأنعمه} جمع نعم. يقال: يوم نعم ويوم بؤس ويجمع أنعم وأبؤس. وليس قول من قال: إنه جمع نعمة، بشيء. لأن فعلة لا يجمع على أفعل). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شاكرا لأنعمه} جمع نعم، يقال: نعم وأنعم، وبؤس وأبؤس، ليس بجمع ''نعمة''). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اجْتَباهُ}: اختاره). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآتيناه في الدّنيا حسنةً} وهو كقوله: {وآتيناه أجره في الدّنيا}.
سعيدٌ عن قتادة، قال: ليس من أهل دينٍ إلا وهم يتولّونه ويرضونه.
قال: {وتركنا عليه في الآخرين} الثّناء الحسن).
وقال في آية أخرى: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} في المنزلة عند اللّه.
تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: والصّالحون أهل الجنّة، وأفضلهم الأنبياء.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: لسان صدقٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/98-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله: {وآتيناه في الدنيا حسنة} قال مجاهد لسان صدق). [معاني القرآن: 4/111]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
سعيدٌ عن قتادة، قال: استحلّه بعضهم، وحرّمه بعضهم.
{وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وحكمه فيهم أن يدخل المؤمن منهم الجنّة، ويدخل الكافرين النّار.
وقال الكلبيّ: إنّ موسى أمر قومه أن يتفرّغوا إلى اللّه في كلّ سبعةٍ أيّامٍ يومًا؛ يعبدونه ولا يعملون فيه شيئًا من ضيعتهم والسّتّة الأيّام لضيعتهم.
فأمرهم بالجمعة، فاختاروا هم السّبت، وأبوا إلا السّبت.
فاختلافهم أنّهم أبوا الجمعة واختاروا السّبت.
- عثمان عن نعيم بن عبد اللّه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((نحن الآخرون ونحن السّابقون.
ذلك بأنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. ها أنتم هذا اليوم الّذي اختلفوا فيه وهدانا اللّه له، فاليوم لنا، وغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى.
فاليوم لنا، يعني: يوم الجمعة، وغدًا لليهود، يعني: السّبت، وبعد غدٍ للنّصارى، يعني: الأحد)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/98]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه...}
أتى موسى أصحابه فقال: تفرّغوا لله يوم الجمعة فلا تعملوا فيه شيئاً، فقالوا: لا، بل يوم السبت، فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض، فشدّد عليهم فيه. وأتى عيسى النصارى بالجمعة أيضاً فقالوا: لا يكون عيدهم بعد عيدنا فصاروا إلى الأحد. فذلك اختلافهم وتقرأ (إنما جعل السبت نصباً، أي جعل الله تبارك وتعالى) ). [معاني القرآن: 2/114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
الكلام يدل على أنهم ألزموا آية نبوة موسى عليه السلام.
وجاء في التفسير أنه حرمه بعضهم وأحلّه بعضهم.
وهذا أدلّ ما جاء من الاختلاف في السبت، وقد جاء كثير في التفسير أنهم أمروا بأن يتّخذوا عيدا فخالفوا وقالوا نريد يوم السبت لأنه آخر يوم فرغ فيه من خلق السّماوات والأرض، وأن عيسى أمر النصارى أن يتخذوا الجمعة عيدا فقالوا لا يكون عيدنا إلا بعد عيد اليهود فجعلوه الأحد، واللّه أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 3/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه}
روى سعيد بن جبير عن قتادة قال أحله بعضهم وحرمة بعضهم وقال مجاهد تركوا الجمعة واختاروا السبت). [معاني القرآن: 4/112-111]

تفسير قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ادع إلى سبيل ربّك} الهدى، الطّريق إلى الجنّة.
وقال السّدّيّ: يعني: إلى دين ربّك.
{بالحكمة} يعني: القرآن.
تفسير السّدّيّ.
{والموعظة الحسنة} القرآن.
{وجادلهم بالّتي هي أحسن} يأمرهم بما أمرهم اللّه به، وينهاهم عمّا نهاهم اللّه عنه.
{إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، أي: إنّهم مشركون ضالّون، وإنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه مؤمنون مهتدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/99]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
جاء في التفسير: {الحكمة} النبوة، و {الموعظة} القرآن.
{وجادلهم بالتي هي أحسن}أي جادلهم غير فظ ولا غليظ القلب في ذلك. ألن لهم جانبك). [معاني القرآن: 3/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}
وجادلهم بالتي هي أحسن هي منسوخة). [معاني القرآن: 4/112]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين}
- المعلّى عن أبي بكر بن عبد اللّه عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا كان يوم أحدٍ مثّل المشركون بحمزة يوم أحدٍ وقطعوا مذاكيره، فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جزع عليه جزعًا شديدًا فأمر به فغطّي ببردةٍ كانت عليه، فمدّها على وجهه ورأسه وجعل على رجليه إذ خرّ وصلّى عليه، ثمّ قال رسول اللّه: لأمثّلنّ بثلاثين من قريشٍ.
فأنزل اللّه: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين * واصبر وما صبرك إلا باللّه} فصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترك ذلك ولم يمثّل.
- ابن لهيعة عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ عن مكحولٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى جيوشه عن المثل بالكفّار.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن عن عمران بن حصينٍ قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المثلة). [تفسير القرآن العظيم: 1/99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به...}
(نزلت في حمزة) لمّا مثّل المشركون بحمزة يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأمثّلنّ بسبعين شيخاً من قريش فأنزل الله عز وجل: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}
ثم أمره بالصبر فقال {ولئن صبرتم لهو خيرٌ لّلصّابرين} ثم أمره بالصبر عزماً). [معاني القرآن: 2/115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين }
سمّي الأول عقوبة، وإنما العقوبة الثاني - لازدواج الكلام لأن الجنسين في الفعل معنى واحد. ومثله: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها} فالثاني ليس بسيئة ولكنه سمّي به ليتفق اللفظ،
لأن معنى القتل واحد وقد بيّنّا نظير هذا في سورة آل عمران في قوله: {ومكروا ومكر اللّه}.
وجاء في التفسير أن المسلمين همّوا بأن يمثّلوا بالمشركين، لأنهم كانوا قد مثّلوا بهم، فهمّ المسلمون بأن يزيدوا في المثلة، فأمروا بأن لا يزيدوا وجائز - واللّه أعلم -
أن يكون معنى: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها} أي من فعل به ما يجب فيه القصاص فلا يجاوز القصاص إلا بمثل.
وقوله جلّ وعزّ: {ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين}.
هو مثل قوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} ). [معاني القرآن: 3/224-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} قال قتادة لما مثلوا بحمزة رضي الله عنه قال لنمثلن بهم فأنزل الله جل وعز هذه الآية وروى على بن الحكم عن الضحاك قال نزلت هذه الآية قبل القتال وقبل سورة براءة قال أبو جعفر وهذا القول أولى وقد قال زيد بن أسلم نحوه
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أذن له في جهاد المشركين والغلظة عليهم ويدلك على أن هذا نزل بمكة قوله تعالى: {ولا تك في ضيق مما يمكرون} وأكثر مكرهم وحزنه صلى الله عليه وسلم عليهم كان بمكة، فأما حديث أبي هريرة وابن عباس لما قتل حمزة رحمة الله عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمثلن بسبعين منهم فنزلت:
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فإسنادهما ضعيف). [معاني القرآن: 4/113-112]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين}
- المعلّى عن أبي بكر بن عبد اللّه عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا كان يوم أحدٍ مثّل المشركون بحمزة يوم أحدٍ وقطعوا مذاكيره، فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جزع عليه جزعًا شديدًا فأمر به فغطّي ببردةٍ كانت عليه، فمدّها على وجهه ورأسه وجعل على رجليه إذ خرّ وصلّى عليه، ثمّ قال رسول اللّه: لأمثّلنّ بثلاثين من قريشٍ.
فأنزل اللّه: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين * واصبر وما صبرك إلا باللّه} فصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترك ذلك ولم يمثّل.
- ابن لهيعة عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ عن مكحولٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى جيوشه عن المثل بالكفّار.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن عن عمران بن حصينٍ، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المثلة). [تفسير القرآن العظيم: 1/100-99] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تحزن عليهم} على المشركين إن لم يؤمنوا.
{ولا تك في ضيقٍ ممّا يمكرون} لا يضيق صدرك بمكرهم وكذبهم عليك). [تفسير القرآن العظيم: 1/100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واصبر وما صبرك إلاّ باللّه...}
وقوله: {ولا تك في ضيقٍ مّمّا يمكرون} فالضّيق ما ضاق عنه صدرك، والضّيق ما يكون في الذي يتّسع؛ مثل الدار والثوب وأشباه ذلك إذا رأيت الضّيق وقع في موقع الضّيق كان على وجهين: أحدهما أن يكون جمعاً واحدته ضيقة كما قال:
* كشف الضيقة عنا وفسح *
والوجه الآخر أن يراد به شيء ضيّق فيكون مخففاً، وأصله التشديد مثل هين ولين تريد هيّن ليّن). [معاني القرآن: 2/115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في ضيقٍ} مفتوح الأول وهو تخفيف ضيّقٍ بمنزلة ميّت وهيّن وليّن، وإذا خففتها قلت ميت ولين وإذا كسرت أول ضيق فهو مصدر الضّيق). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تك في ضيقٍ} تخفيف ضيّق. مثل: هين ولين. وهو إذا كان على التأويل صفة.
كأنه قال: لا تك في أمر ضيق من مكرهم.
ويقال: إن «ضيق» و«ضيق» بمعنى واحد. كما يقال: رطل ورطل.
ويقال: أنا قي ضيق وضيقة. وهو أعجب إليّ). [تفسير غريب القرآن: 250-249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واصبر وما صبرك إلّا باللّه ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق ممّا يمكرون}
ضيق، في معنى ضيّق مخفف، مثل ميت وميّت. وجائز أن يكون بمعنى الضّيق، فيكون مصدرا لقولك ضاق الشيء يضيق ضيقا). [معاني القرآن: 3/224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {في ضيق} أي في ضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (فـ {إنّ اللّه} معك و {مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون}أي إن اللّه ناصرهم،
كما قال: {لا تحزن إنّ اللّه معنا} فقد وعد في هذه الآية بالنّصر). [معاني القرآن: 3/224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قوله جل اسمه: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} روى عن الحسن أنه قال اتقوا الله جل وعز فيما حرم عليكم وأحسنوا في أداء فرائضه). [معاني القرآن: 4/114]


رد مع اقتباس