عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:45 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ (69) فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ (70) وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (71)
«الرسل» الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقالت فرقة: بدل إسرافيل عزرائيل- ملك الموت- وروي أن جبريل منهم كان مختصا بإهلاك قرية لوط، وميكائيل مختصا بتبشير إبراهيم بإسحاق.
وإسرافيل مختصا بإنجاء لوط ومن معه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق وقالت فرقة- وهي الأكثر- «البشرى» هي بإسحاق. وقالت فرقة: «البشرى» هي بإهلاك قوم لوط.
وقوله: سلاماً نصب على المصدر، والعامل فيه فعل مضمر من لفظه كأنه قال: أسلم سلاما، ويصح أن يكون: سلاماً حكاية لمعنى ما قالوه لا للفظهم- قاله مجاهد والسدي- فلذلك عمل فيه القول، كما تقول- الرجل قال: لا إله إلّا الله- قلت حقا أو إخلاصا ولو حكيت لفظهم لم يصح أن تعمل فيه القول وقوله: قال: سلامٌ حكاية للفظه، وسلامٌ مرتفع إما على الابتداء، والخبر محذوف تقديره عليكم وإما على خبر ابتداء محذوف تقديره أمري سلام، وهذا كقوله: فصبرٌ جميلٌ [يوسف: 18] إما على تقدير فأمري صبر جميل، وإما على تقدير: فصبر جميل أجمل.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: «قالوا: سلاما قال: سلام» وقرأ حمزة والكسائي:
«قالوا سلاما، قال: سلم» وكذلك اختلافهم في سورة الذاريات. وذلك على وجهين: يحتمل أن يريد به السّلام بعينه، كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
مررنا فقلنا إيه سلم فسلمت = كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح
اكتل: اتخذ إكليلا أو نحو هذا قال الطبري وروي: كما انكلّ- ويحتمل أن يريد ب «السلم» ضد الحرب، تقول نحن سلم لكم.
وكان سلام الملائكة دعاء مرجوا- فلذلك نصب- وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر ولذلك جاء مرفوعا.
وقوله: فما لبث أن جاء يصح أن تكون «ما» نافية، وفي لبث ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء، ويصح أن تكون «ما» نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع ب لبث أي ما لبث مجيئه، وليس في لبث على هذا ضمير إبراهيم، ويصح أن يكون «ما» بمعنى الذي وفي لبث ضمير إبراهيم- وإن جاء خبر «ما» أي فلبث إبراهيم مجيئه بعجل حنيذ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية.
و «الحنيذ» بمعنى المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض من الشواء الذي يصفف على الجمر والمهضب: الشواء الذي بينه وبين النار حائل، يكون الشواء عليه لا مدفونا له، والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل لينتصب عرقه).[المحرر الوجيز: 4/ 606-608]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فلمّا رأى أيديهم = الآية، روي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إليه، وفي هذه الآية من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر من ضيفه هل يأكل أم لا؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر، فروي أن أعرابيا أكل مع سليمان بن عبد الملك، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له: أزل الشعرة عن لقمتك، فقال له: أتنظر إلي نظر من يرى الشعر في لقمتي والله لا أكلت معك.
ونكرهم- على ما ذكر كثير من الناس- معناه: أنكرهم، واستشهد لذلك بالبيت الذي نحله أبو عمرو بن العلاء الأعشى وهو: [البسيط]
وأنكرتني وما كان الذي نكرت = من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وقال بعض الناس: «نكر» هو مستعمل فيما يرى بالبصر فينكر، وأنكر هي مستعملة فيما لا يقرر من المعاني، فكأن الأعشى قال: وأنكرتني مودتي وأدمتي ونحوه، ثم جاء ب «نكر» في الشيب والصلع الذي هو مرئي بالبصر، ومن هذا قول أبي ذؤيب: [الكامل]
فنكرنه فنفرن وامترست به = هو جاء هادية وهاد جرشع
والذي خاف منه إبراهيم عليه السّلام ما يدل عليه امتناعهم من الأكل، فعرف من جاء بشر أن لا يأكل طعام المنزول به، وأوجس معناه أحس في نفسه خيفة منهم، و «الوجيس»: ما يعتري النفس عند الحذر وأوائل الفزع، فأمنوه بقولهم: لا تخف وعلم أنهم الملائكة). [المحرر الوجيز: 4/ 608-609]

تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم خرجت الآية إلى ذكر المرأة وبشارتها فقالت فرقة: معناه: قائمةٌ خلف ستر تسمع محاورة إبراهيم مع أضيافه، وقالت فرقة: معناه قائمةٌ في صلاة، وقال السد معناه قائمةٌ تخدم القوم، وفي قراءة ابن مسعود: «وهي قائمة وهو جالس». وقوله
فضحكت قال مجاهد: معناه: حاضت، وأنشد على ذلك اللغويون:
وضحك الأرانب فوق الصفا = كمثل دم الجوق يوم اللقاء
وهذا القول ضعيف قليل التمكن، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى: حاضت وقرره بعضهم، ويقال ضحك إذا امتلأ وفاض: ورد الزجّاج قول مجاهد، وقال الجمهور: هو الضحك المعروف، واختلف مم ضحكت؟ فقالت فرقة: ضحكت من تأمينهم لإبراهيم بقولهم: لا تخف. وقال قتادة: ضحكت هزؤا من قوم لوط أن يكونوا على غفلة وقد نفذ من أمر الله تعالى فيهم ما نفذ.
وقال وهب بن منبه: ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال: هذا مقدم بمعنى التأخير، وقال محمد بن قيس: ضحكت لظنها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط قال القاضي: وهذا قول خطأ لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقد حكاه الطبري، وإنما ذكرته لمعنى التنبيه على فساده، وقالت فرقة: ضحكت من فزع إبراهيم من ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين من الرجال، وقيل: المائة. وقال السدي: ضحكت من أن تكون هي تخدم وإبراهيم يحفد ويسعى والأضياف لا يأكلون. وقيل: ضحكت سرورا بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لإبراهيم، إنه لا بد أن ينزل العذاب بقوم لوط، وروي أن الملائكة مسحت العجل فقام حيا فضحكت لذلك.
وقرأ محمد بن زياد الأعرابي: «فضحكت» بفتح الحاء.
وامرأة إبراهيم هذه هي سارة بنت هارون بن ناحور، وهو إبراهيم بن آزر بن ناحور فهي ابنة عمه، وقيل: هي أخت لوط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وما أظن ذلك إلا أخوة القرابة لأن إبراهيم هو عم لوط فيما روي: وذكر الطبري أن إبراهيم لما قدم العجل قالوا له: إنّا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال لهم: ثمنه أن تذكروا الله تعالى عليه في أول، وتحمدوه في آخر، فقال جبريل لأصحابه: بحق اتخذ الله هذا خليلا.
وقوله: فبشّرناها أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى إذ كان بأمره ووحيه، وبشر الملائكة سارة بإسحاق وبأن إسحاق سيلد يعقوب، ويسمى ولد الولد من الوراء، وهو قريب من معنى وراء في الظروف إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده ورأي ابن عباس رجلا معه شاب، فقال له: من هذا؟ فقال له: ولد ولدي، فقال: هو ولدك من الوراء، فغضب الرجل، فذكر له ابن عباس الآية.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «يعقوب» بالرفع على الابتداء والخبر المقدم، وهو على هذا دخل في البشرى، وقالت فرقة: رفعه على القطع بمعنى: ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب، وعلى هذا لا يدخل في البشارة وقرأ ابن عامر وحمزة «يعقوب» بالنصب واختلف عن عاصم، فمنهم من جعله معطوفا على «إسحاق» إلا أنه لم ينصرف، واستسهل هذا القائل أن فرق بين حرف العطف والمعطوف بالمجرور، وسيبويه لا يجيز هذا إلا على إعادة حرف الجر، وهو كما تقول: مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فالوجه عنده: وأمس بعمرو، وإذا لم يعد ففيه كبير قبيح، والوجه في نصبه أن ينتصب بفعل مضمر، تدل عليه البشارة وتقديره: ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، وهذا رجح أبو علي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أن سارة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة.
وهذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسماعيل وأنه أسن من إسحاق وذلك أن سارة كانت في وقت إخدام الملك الجائر هاجر أم إسماعيل امرأة شابة جميلة حسبما في الحديث، فاتخذها إبراهيم عليه السّلام أم ولد، فغارت بها سارة، فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق وجاء من يومه مكة فتركهما- حسبما في السير- وانصرف إلى الشام من يومه ثم كانت البشارة بإسحاق، وسارة عجوز متجالة، وأما وجه دلالة الآية على أن إسحاق ليس بالذبيح فهو أن سارة وإبراهيم بشرا بإسحاق وأنه يولد له يعقوب، ثم أمر بالذبح حين بلغ ابنه معه السعي، فكيف يؤمر بذبح ولد قد بشر قبل أنه سيولد لابنه ذلك، وأيضا فلم يقع قط في أثر أن إسحاق دخل الحجاز وإجماع أن أمر الذبح كان بمنى، ويؤيد هذا الغرض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن الذبيحين» يريد أباه عبد الله وأباه إسماعيل، ويؤيده ما نزع به مالك رحمه الله من الاحتجاج برتبة سورة الصافات فإنه بعد كمال أمر الذبيح قال: وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين [الصافات: 112].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا كله موضع معارضات لقائل القول الآخر: إن الذبيح هو إسحاق، ولكن هذا الذي ذكرناه هو الأرجح والله أعلم).[المحرر الوجيز: 4/ 609-612]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ (72) قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ (73)
اختلف الناس في الألف التي في قوله: يا ويلتى وأظهر ما فيها أنها بدل ياء الإضافة، أضلها: يا ويلتي، كما تقول: يا غلاما ويا غوثا وقد تردف هذه الألف بهاء في الكلام، ولم يقرأ بها، وأمال هذه الألف عاصم والأعمش وأبو عمرو.
ومعنى يا ويلتى في هذا الموضع العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس وقال قوم: إنما قالت: يا ويلتى لما مر بفكرها من ألم الولادة وشدتها، ثم رجعت بفكرها إلى التعجب ونطقت بقولها أألد وأنا عجوزٌ؟ الآية.
وقرأت فرقة: «أألد» بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية، وفي النطق بهذه
عسر، وقرأت فرقة: بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية، والتخفيف هنا مدها، وقرأت فرقة «ءاألد» بتحقيق الهمزتين ومدة بينهما.
و «العجوز» المسنة، وقد حكى بعض الناس: أن العرب تقول: العجوزة، و «البعل»: الزوج، وشيخاً نصب على الحال وهي حال من مشار إليه لا يستغنى عنها لأنها مقصود الإخبار، وهي لا تصح إلا إذا لم يقصد المتكلم التعريف بذي الحال، مثل أن يكون المخاطب يعرفه وأما إذا قصد التعريف به لزم أن يكون التعريف في الخبر قبل الحال، وتجيء الحال على بابها مستغنى عنها، ومثال هذا قولك: هذا زيد قائما، إذا أردت التعريف بزيد. أو كان معروفا وأردت التعريف بقيامه، وأما إن قصد المتكلم أن زيديته إنما هي مادام قائما، فالكلام لا يجوز.
وقرأ الأعمش «هذا بعلي شيخ»، قال أبو حاتم وكذلك في مصحف ابن مسعود، ورفعه على وجوه:
منها: أنه خبر بعد خبر كما تقول: هذا حلو حامض، ومنها: أن يكون خبر ابتداء مضمر تقديره: هو شيخ وروي أن بعض الناس قرأه: «وهذا بعلي هذا شيخ»، وهذه القراءة شبيهة بهذا التأويل. ومنها: أنه بدل من بعلي ومنها: أن يكون قولها بعلي بدلا من هذا أو عطف بيان عليه، ويكون «شيخ» خبر هذا.
ويقال شيخ وشيخة- وبعض العرب يقول في المذكر والمؤنث شيخ. وروي أن سارة كانت وقت هذه المقالة من تسع وتسعين سنة، وقيل: من تسعين- قاله ابن إسحاق- وقيل من ثمانين وكذلك قيل في سن إبراهيم، إنه كان مائة وعشرين سنة، وقيل: مائة سنة، وغير ذلك مما يحتاج إلى سند).[المحرر الوجيز: 4/ 612-613]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: قالوا للملائكة، وقوله: من أمر اللّه يحتمل أن يريد واحد الأمور، أي من الولادة في هذه السن، ويحتمل أن يريد مصدر أمر، أي مما أمر الله في هذه النازلة.
وقوله: رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت يحتمل اللفظ أن يكون دعاء وأن يكون إخبارا، وكونه إخبارا أشرف، لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. ونصب أهل البيت على الاختصاص- هذا مذهب سيبويه، ولذلك جعل هذا والنصب على المدح في بابين. كأنه ميز النصب على المدح بأن يكون المنتصب لفظا يتضمن بنفسه مدحا كما تقول: هذا زيد عاقل قومه، وجعل الاختصاص إذا لم تتضمن اللفظة ذلك، كقوله: «إنا معاشر الأنبياء»:
إنا بني نهشل ... ... = ... ... ... ...
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا يكون الاختصاص إلا بمدح أو ذم، لكن ليس في نفس اللفظة المنصوبة.
وهذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته لأنها خوطبت بهذا، فيقوى القول في زوجات النبي عليه السّلام بأنهن من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس، بخلاف ما تذهب إليه الشيعة، وقد قاله أيضا بعض أهل العلم، قالوا: «أهل بيته» الذين حرموا الصدقة، والأول أقوى وهو ظاهر جلي من سورة الأحزاب لأنه ناداهن بقوله: يا نساء النّبيّ [الأحزاب: 32] ثم بقوله: أهل البيت [الأحزاب: 33].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووقع في البخاري عن ابن عباس قال: أهل بيته الذين حرموا الصدقة بعده فأراد ابن عباس: أهل بيت النسب الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: إن الصدقة لا تحل لأهل بيتي إنما هي أوساخ الناس.
والبيت في هذه الآية وفي سورة الأحزاب بيت السكنى ففي اللفظ اشتراك ينبغي أن يتحسس إليه. ففاطمة رضي الله عنها من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم بالوجهين وعلي رضي الله عنه بالواحد، وزوجاته بالآخر، وأما الشيعة فيدفعون الزوجات بغضا في عائشة رضي الله عنها. وحميدٌ أي أفعاله تقتضي أن يحمد، ومجيدٌ أي متصف بأوصاف العلو، ومجد الشيء إذا حسنت أوصافه).[المحرر الوجيز: 4/ 613-615]


رد مع اقتباس