عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 1 محرم 1435هـ/4-11-2013م, 10:00 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

أسباب الاختلاف في الوقف والابتداء

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقد يختلف الوقف باختلاف التأويل، من ذلك قوله عز وجل: {لا ريب فيه هدى للمتقين} إن كان {فيه هدى} مبتدأ وخبرا وقفت على {لا ريب}، وهذا الوقف يروى عن نافع وعاصم. وهو كقوله عز وجل: {لا ضير} ويكون التقدير: لا ريب فيه، ثم استأنف فقال: {فيه هدى}، ويقف على {لا ريب فيه} يجعل الجار والمجرور متعلقا بـ {لا ريب} ويبتدئ {هدى للمتقين} على معنى: هو هدى.
فعلى الأول: الوقف تام على قول أصحاب الوقف.
وعلى المعنى الثاني الوقف كاف، وقوله عز وجل: {للمتقين} وقف كاف، على أن {الذين} بعده مرفوع بإضمار مبتدأ، أو منصوب بإضمار أعني، وهو وقف حسن، على أن {الذين} بعده في موضع جر، صفة {للمتقين}، وهو في القرآن كثير.

- ومنه قوله عز وجل: {الخناس} في قوله: {الذي يوسوس} جميع هذه الوجوه. وزعم ابن الأنباري والسجستاني والأخفش وابن عبد الرزاق وغيرهم أنه لا وقف إلى آخر السورة.
وقال أبو عمرو الداني رحمه الله: {الخناس} كاف، وهو الصواب، قال: إلا أن يجعل {الذي} في موضع خفض نعتا لما قبله.
- وكذلك فواتح السور كلها تام، على أن الفاتحة اسم للسورة، أي: اقرأ {الم} و{الر} و{المر}، وعلى تقدير أن الفاتحة مبتدأ، وما بعدها الخبر لا يوقف عليها.
- ومن ذلك قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} هو وقف كاف على أن {تلقون} مستأنف، وهو وقف حسن على أن {تلقون} في موضع نصب على الحال، وإلى الأول ذهب جماعة منهم محمد بن عيسى ونصير.

وقد يكون الوقف لبيان المعنى كقوله عز وجل: {يخرجون الرسول وإياكم} فهذا وقف حسن، إلا أنه يبتدأ بما بعده لبيان المعنى لئلا يتوهم أن {إياكم} بمعنى التحذير.
ومن هذا ما هو واجب كقوله عز وجل: {ولا يحزنك قولهم} لا يجوز وصله لئلا يتوهم فيه أنهم قالوا: {إن العزة لله جميعا} وأن ذلك مما يحزنه. ومثله {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} لأن القارئ يجوز له أن يتجاوز الوقف إلى الوقف الذي بعده إن قوي نفسه على ذلك إلا في مثل هذا لما ذكرته، على أن الاختيار عند القراء الوقف على ما هو وقف، لما في ذلك من معرفة انفصال الكلام بعضه من بعض، ومن تبيين المعنى. وقالوا: من تجاوز الوقف وقف في غير الوقف، أي أنه ينقطع نفسه في غير الوقف.

وقد يكون الموضع وقفا على معنى وغير وقف على معنى آخر، كقوله تعالى: {وله من في السموات والأرض ومن عنده} إن كان {ومن عنده} معطوفا على ما قبله لم يكن الوقف تاما ولم يجز الابتداء بما بعده، وهو وقف تام على أن {ومن عنده} مبتدأ، وعلى هذا الوجه كان الشيخ أبو الجود رحمه الله يعمل، ولا أشك في أنه نقله وتلقاه في حال قراءته.
وكذلك الوقف على {لاتخذناه من لدنا} على أن {إن كنا فاعلين} بمعنى: ما كنا فاعلين، وليس كذلك على أن {إن} شرط.

وقد يكون الوقف على قراءة تاما وعلى أخرى غير تام كقوله عز وجل: {الحميد * الله الذي له ما في السموات} هو وقف تام على قراءة نافع وابن عامر، وقراءتهما برفع اسم الله عز وجل، وقرأ الباقون بالخفض فلا يجوز الابتداء به على قراءتهم، ولهذا نظائر كثيرة.

ومن الاختلاف في الوقف لاختلاف المعنى قوله عز وجل: {وما يعلم تأويله إلا الله} هو وقف تام على أن ما بعده مبتدأ وخبر، وإلى هذا الوقف ذهب نافع والكسائي والفراء والأخفش وابن كيسان وأبو حاتم ويعقوب وابن إسحق والطبري، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس رحمه الله. ومعنى {يقولون آمنا به} يسلمون ويصدقون في قول ابن عباس رحمه الله وعائشة رضي الله عنها وابن مسعود. وقال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله، ولكن يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا، وعلى هذا أكثر المفسرين. واختلف الذاهبون إلى هذا في المتشابه ما هو ؟
فقال ابن عباس: وابتغاء تأويله: هو طلب الأجل من مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور، وذلك أنهم حسبوها على حروف الجمل بالعدد، فقالوا: هذه مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، والمتشابه على هذه حروف الفواتح. {وما يعلم تأويله إلا الله} أي: وما يعلم متى تقوم الساعة وتنقضي مدة هذه الملة إلا الله تعالى على هذا، وهو عند أكثر هؤلاء قيام الساعة، وهو من المآل.
وقال آخرون: لا يوقف على قوله {إلا الله} لأن قوله {والراسخون في العلم} معطوف عليه، وعلى قول هؤلاء المتشابه ما احتمل التأويل فيتأوله أصحاب الزيغ على أهوائهم كالخوارج والرافضة.
قال قتادة: إن لم يكونوا الحرورية فما أدري من هم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنوا بقوله: {فيتبعون ما تشابه منه})).
وقال السدي والربيع: {ابتغاء الفتنة} أي الشرك.
وقال مجاهد: ابتغاء الشبهات، فالراسخون في العلم يعلمون تأويل ذلك، فإن كان المتشابه ما قال الأولون، فالفريق الآخر لا ينكرون أن ذلك لا يعلمه إلا الله، وإن كان المتشابه ما قال الآخرون، فالفريق الآخر لا ينكرون أن {الراسخون في العلم} يعلمونه ولا يجهلونه على غير ما أراد الله به اتباعا للهوى.
وسأذكره إن شاء الله بأبسط من هذا في "روض القرآن" ). [جمال القراء:2/569-573]


رد مع اقتباس