عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:58 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)}
أمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبرأ من المنافقين، وألّا يصلّي على أحدٍ منهم إذا مات، وألّا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له؛ لأنّهم كفروا باللّه ورسوله، وماتوا عليه. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد اللّه بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، كما قال البخاريّ: حدّثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمّا توفّي عبد اللّه -هو ابن أبيٍّ -جاء ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثمّ سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما خيّرني اللّه فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} وسأزيده على السّبعين". قال: إنّه منافقٌ! قال: فصلّى عليه [رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم] فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، آية: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
وكذا رواه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، به
ثمّ رواه البخاريّ عن إبراهيم بن المنذر، عن أنس بن عياضٍ، عن عبيد اللّه -وهو ابن عمر -العمريّ -به وقال: فصلّى عليه، وصلّينا معه، وأنزل اللّه: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} الآية.
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن عبيد اللّه، به
وقد روي من حديث عمر بن الخطّاب نفسه أيضًا بنحوٍ من هذا، فقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: سمعت عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه. يقول لمّا توفي عبد اللّه بن [أبيٍّ دعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للصّلاة عليه، فقام إليه، فلمّا وقف عليه يريد الصّلاة تحولت حتّى قمت في صدره، فقلت: يا رسول اللّه، أعلى عدوّ اللّه عبد اللّه بن] أبيٍّ القائل يوم كذا: كذا وكذا -يعدّد أيّامه -قال: ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتبسّم، حتّى إذا أكثرت عليه قال: "أخّر عنّي يا عمر، إنّي خيّرت فاخترت، قد قيل لي: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} [التّوبة:80] لو أعلم أنّى إن زدت على السّبعين غفر له لزدت". قال: ثمّ صلّى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتّى فرغ منه -قال: فعجبٌ لي وجراءتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه ورسوله أعلم! قال: فواللّه ما كان إلّا يسيرًا حتّى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون} فما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعده على منافقٍ، ولا قام على قبره، حتّى قبضه اللّه، عزّ وجلّ.
وهكذا رواه التّرمذيّ في "التّفسير" من حديث محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، به وقال: حسنٌ صحيحٌ. ورواه البخاريّ عن يحيى بن بكير، عن اللّيث، عن عقيل، عن الزّهريّ، به، فذكر مثله وقال: "أخّر عنّي يا عمر". فلمّا أكثرت عليه قال: "إنّي خيّرت فاخترت، ولو أعلم أنّى إن زدت على السّبعين يغفر له لزدت عليها". قال: فصلّى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم انصرف، فلم يلبث إلّا يسيرًا حتّى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} الآية، فعجبت بعد من جرأتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عبيد، حدّثنا عبد الملك، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: لمّا مات عبد اللّه بن أبيٍّ، أتى ابنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّك إن لم تأته لم نزل نعيّر بهذا. فأتاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجده قد أدخل في حفرته، فقال: أفلا قبل أن تدخلوه! فأخرج من حفرته، وتفل عليه من قرنه إلى قدمه، وألبسه قميصه.
ورواه النّسائيّ، عن أبي داود الحرّانيّ، عن يعلى بن عبيدٍ، عن عبد الملك -وهو ابن أبي سليمان به
وقال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، سمع جابر بن عبد اللّه قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن أبيٍّ بعد ما أدخل في قبره، فأمر به فأخرج، ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، واللّه أعلم
وقد رواه أيضًا في غير موضعٍ مع مسلمٍ والنّسائيّ، من غير وجهٍ، عن سفيان بن عيينة، به
وقال الإمام أبو بكرٍ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار في مسنده: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، حدّثنا مجالدٌ، حدّثنا عامرٌ، حدّثنا جابرٌ (ح) وحدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء الدّوسيّ، حدّثنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: لمّا مات رأس المنافقين -قال يحيى بن سعيدٍ: بالمدينة -فأوصى أن يصلّي عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء ابنه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ أبي أوصى أن يكفّن في قميصك -وهذا الكلام في حديث عبد الرّحمن بن مغراء -قال يحيى في حديثه: فصلّى عليه، وألبسه قميصه، فأنزل اللّه تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وزاد عبد الرّحمن: وخلع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قميصه، فأعطاه إيّاه، ومشى فصلّى عليه، وقام على قبره، فأتاه جبريل، عليه السّلام، لمّا ولّى قال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره} وهذا إسنادٌ لا بأس به، وما قبله شاهدٌ له.
وقال الإمام أبو جعفرٍ الطّبريّ: حدّثنا [أحمد بن إسحاق، حدّثنا] أبو أحمد، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يصلّي على عبد اللّه بن أبيٍّ، فأخذ جبريل بثوبه وقال: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده، من حديث يزيد الرّقاشيّ وهو ضعيفٌ.
وقال قتادة: أرسل عبد اللّه بن أبيٍّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو مريضٌ، فلمّا دخل عليه قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أهلكك حبّ يهودٍ". قال: يا رسول اللّه، إنّما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتؤنّبني! ثمّ سأله عبد اللّه أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه أباه، فأعطاه إيّاه، وصلّى عليه، وقام على قبره، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}
وقد ذكر بعض السّلف أنّه إنّما ألبسه قميصه؛ لأنّ عبد اللّه بن أبيّ لمّا قدم العبّاس طلب له قميصٌ، فلم يوجد على تفصيله إلّا ثوب عبد اللّه بن أبيّ؛ لأنّه كان ضخمًا طويلًا ففعل ذلك به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مكافأةً له، فاللّه أعلم، ولهذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلّي على أحدٍ من المنافقين، ولا يقوم على قبره، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن أبيه، حدّثني عبد اللّه بن أبي قتادة عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا دعي لجنازةٍ سأل عنها، فإن أثني عليها خيرًا قام فصلّى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها: "شأنكم بها"، ولم يصلّ عليها
وكان عمر بن الخطّاب لا يصلّي على جنازة من جهل حاله، حتّى يصلّي عليها حذيفة بن اليمان؛ لأنّه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا كان يقال له: "صاحب السّرّ" الّذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة.
وقال أبو عبيد في كتاب "الغريب"، في حديث عمر أنّه أراد أن يصلّي على جنازة رجلٍ، فمرزه حذيفة، كأنّه أراد أن يصده عن الصّلاة عليها، ثمّ حكي عن بعضهم أنّ "المرز" بلغة أهل اليمامة هو: القرص بأطراف الأصابع.
ولمّا نهى اللّه، عزّ وجلّ، عن الصّلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حقّ المؤمنين، فشرع ذلك. وفي فعله الأجر الجزيل، لما ثبت في الصّحاح وغيرها من حديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "من شهد الجنازة حتّى يصلّي عليها فله قيراطٌ، ومن شهدها حتّى تدفن فله قيراطان". قيل: وما القيراطان؟ قال: "أصغرهما مثل أحدٍ"
وأمّا القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود: حدّثنا إبراهيم بن موسى الرّازيّ، أخبرنا هشامٌ، عن عبد اللّه بن بحير، عن هانئٍ -وهو أبو سعيدٍ البربريّ، مولى عثمان بن عفّان -عن عثمان، رضي اللّه عنه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الرّجل وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الآن يسأل".
انفرد بإخراجه أبو داود، رحمه اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 192-196]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85)}
قد تقدّم تفسير نظير هذه الآية الكريمة وللّه الحمد). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 196]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا أنزلت سورةٌ أن آمنوا باللّه وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطّول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87)}
يقول تعالى منكرًا وذامًّا للمتخلّفين عن الجهاد، النّاكلين عنه مع القدرة عليه، ووجود السّعة والطّول، واستأذنوا الرّسول في القعود، وقالوا: {ذرنا نكن مع القاعدين} ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النّساء، وهنّ الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن النّاس، وإذا كان أمنٌ كانوا أكثر النّاس كلامًا، كما قال [الله] تعالى، عنهم في الآية الأخرى: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ} [الأحزاب:19] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحادّ القويّ في الأمن، وفي الحرب أجبن شيءٍ، وكما قال الشّاعر:
أفي السّلم أعيارًا جفاءً وغلظةً = وفي الحرب أشباه النّساء العوارك
وقال تعالى في الآية الأخرى: {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ وذكر فيها القتال رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرًا لهم [فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض] [الآية] [محمّدٍ:20-22]}
وقوله: {وطبع على قلوبهم} أي: بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرّسول في سبيل اللّه، {فهم لا يفقهون} أي: لا يفهمون ما فيه صلاحٌ لهم فيفعلوه، ولا ما فيه مضرّةٌ لهم فيجتنبوه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 196-197]


رد مع اقتباس