عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:27 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الر كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد (1) اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض وويلٌ للكافرين من عذابٍ شديدٍ (2) الّذين يستحبّون الحياة الدّنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا أولئك في ضلالٍ بعيدٍ (3)}
قد تقدّم الكلام على الحروف المقطّعة في أوائل السّور.
{كتابٌ أنزلناه إليك} أي: هذا كتابٌ أنزلناه إليك يا محمّد، وهو القرآن العظيم، الّذي هو أشرف كتابٍ أنزله اللّه من السّماء، على أشرف رسولٍ بعثه اللّه في الأرض، إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم.
{لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور} أي: إنّما بعثناك يا محمّد بهذا الكتاب؛ لتخرج النّاس ممّا هم فيه من الضّلال والغيّ إلى الهدى والرّشد، كما قال: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات} الآية [البقرة: 257]، وقال تعالى: {هو الّذي ينزل على عبده آياتٍ بيّناتٍ ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور} [الحديد: 9].
وقوله: {بإذن ربّهم} أي: هو الهادي لمن قدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره يهديهم {إلى صراط العزيز} أي: العزيز الّذي لا يمانع ولا يغالب، بل هو القاهر لكلّ ما سواه، "الحميد" أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وأمره ونهيه، الصّادق في خبره.
وقوله: {اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض} قرأه بعضهم مستأنفًا مرفوعًا، وقرأه آخرون على الإتباع صفةً للجلالة، كما قال تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا الّذي له ملك السّماوات والأرض} [الأعراف: 158].
وقوله: {وويلٌ للكافرين من عذابٍ شديدٍ} أي: ويلٌ لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا محمّد وكذّبوك.
ثمّ وصفهم بأنّهم يستحبّون الحياة الدّنيا على الآخرة، أي: يقدّمونها ويؤثرونها عليها، ويعملون للدّنيا ونسوا الآخرة، وتركوها وراء ظهورهم، {ويصدّون عن سبيل اللّه} وهي اتّباع الرّسل {ويبغونها عوجًا} أي: ويحبّون أن تكون سبيل اللّه عوجًا مائلةً عائلةً وهي مستقيمةٌ في نفسها، لا يضرّها من خالفها ولا من خذلها، فهم في ابتغائهم ذلك في جهلٍ وضلالٍ بعيدٍ من الحقّ، لا يرجى لهم -والحالة هذه -صلاحٌ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 476-477]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من رسولٍ إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم فيضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم (4)}
هذا من لطفه تعالى بخلقه: أنّه يرسل إليهم رسلًا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا وكيعٌ، عن عمر بن ذرٍ قال: قال مجاهدٌ: عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم يبعث اللّه، عزّ وجلّ، نبيًّا إلّا بلغة قومه".
وقوله: {فيضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء} أي: بعد البيان وإقامة الحجّة عليهم يضلّ تعالى من يشاء عن وجه الهدى، ويهدي من يشاء إلى الحقّ، {وهو العزيز} الّذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، {الحكيم} في أفعاله، فيضلّ من يستحقّ الإضلال، ويهدي من هو أهلٌ لذلك.
وقد كانت هذه سنّة اللّه في خلقه: أنّه ما بعث نبيًّا في أمّةٍ إلّا أن يكون بلغتهم، فاختصّ كلّ نبيٍّ بإبلاغ رسالته إلى أمّته دون غيرهم، واختصّ محمّد بن عبد اللّه رسول اللّه بعموم الرّسالة إلى سائر النّاس، كما ثبت في الصّحيحين عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه، وبعثت إلى النّاس عامّةً".
وله شواهد من وجوهٍ كثيرةٍ، وقال تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 477]

رد مع اقتباس