عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون (94) قل صدق اللّه فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (95)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا عبد الحميد، حدّثنا شهر قال: قال ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنه] حضرت عصابةٌ من اليهود نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: حدّثنا عن خلالٍ نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلّا نبيٌّ. قال: "سلوني عمّا شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة اللّه، وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدّثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابعنّي على الإسلام". قالوا: فذلك لك. قال: "فسلوني عمّا شئتم " قالوا: أخبرنا عن أربع خلالٍ: أخبرنا أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه؟ وكيف ماء المرأة وماء الرّجل؟ كيف هذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم؟ ومن وليّه من الملائكة؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنّه وقال:"أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ إسرائيل مرض مرضًا شديدًا وطال سقمه، فنذر للّه نذرًا لئن شفاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه وأحبّ الطّعام إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها" فقالوا: اللّهمّ نعم. قال: "اللّهمّ اشهد عليهم". وقال: أنشدكم باللّه الّذي لا إله إلا هو، الّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ ماء الرّجل أبيض غليظٌ، وماء المرأة أصفر رقيقٌ، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن اللّه، إن علا ماء الرّجل ماء المرأة كان ذكرًا بإذن اللّه وإن علا ماء المرأة ماء الرّجل كان أنثى بإذن اللّه ". قالوا: نعم. قال: "اللّهمّ اشهد عليهم". وقال: "أنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى: هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ الأمّيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه". قالوا: اللّهمّ نعم. قال: "اللّهمّ اشهد ". قالوا: وأنت الآن فحدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك قال: "إنّ وليّي جبريل، ولم يبعث اللّه نبيًّا قطّ إلا وهو وليّه". قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليّك غيره لتابعناك، فعند ذلك قال اللّه تعالى: {قل من كان عدوًّا لجبريل} الآية [البقرة: 97].
ورواه أحمد أيضًا، عن حسين بن محمّدٍ، عن عبد الحميد، به.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ حدّثنا عبد اللّه بن الوليد العجليّ، عن بكير بن شهابٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: أقبلت يهود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا أبا القاسم، نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنّك نبيٌّ واتّبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: {اللّه على ما نقول وكيلٌ} [يوسف: 66]. قال: "هاتوا". قالوا: أخبرنا عن علامة النّبيّ؟ قال: "تنام عيناه ولا ينام قلبه". قالوا: أخبرنا كيف تؤنّث المرأة وكيف تذكر؟ قال: "يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرّجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة آنثت. قالوا: أخبرنا ما حرّم إسرائيل على نفسه، قال: "كان يشتكي عرق النّسا، فلم يجد شيئًا يلائمه إلّا ألبان كذا وكذا -قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل -فحرّم لحومها". قالوا: صدقت. قالوا: أخبرنا ما هذا الرّعد؟ قال: "ملكٌ من ملائكة الله موكلٌ بالسّحاب بيده -أو في يده-مخراقٌ من نارٍ يزجر به السّحاب، يسوقه حيث أمره الله عزّ وجلّ". قالوا: فما هذا الصّوت الّذي يسمع؟ قال: "صوته". قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، فإنّه ليس من نبيٍّ إلّا له ملكٌ يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: "جبريل عليه السّلام". قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزله على قلبك بإذن اللّه مصدّقًا لما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين} [البقرة: 97].
وقد رواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث عبد اللّه بن الوليد العجلي، به نحوه، وقال الترمذي: حسن غريب.
وقال ابن جريج والعوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: كان إسرائيل -وهو يعقوب عليه السّلام-يعتريه عرق النّسا باللّيل، وكان يقلقه ويزعجه عن النّوم، ويقلع الوجع عنه بالنّهار، فنذر للّه لئن عافاه اللّه لا يأكل عرقًا ولا يأكل ولد ما له عرق.
وهكذا قال الضّحّاك والسّدّيّ. كذا حكاه ورواه ابن جريرٍ في تفسيره. قال: فاتّبعه بنوه في تحريم ذلك استنانًا به واقتداءً بطريقه. قال: وقوله: {من قبل أن تنزل التّوراة} أي: حرّم ذلك على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة.
قلت: ولهذا السّياق بعد ما تقدّم مناسبتان.
إحداهما: أن إسرائيل، عليه السّلام، حرّم أحبّ الأشياء إليه وتركها للّه، وكان هذا سائغًا في شريعتهم فله مناسبةٌ بعد قوله: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} فهذا هو المشروع عندنا وهو الإنفاق في طاعة اللّه ممّا يحبّه العبد ويشتهيه، كما قال: {وآتى المال على حبّه} [البقرة:177] وقال {ويطعمون الطّعام على حبّه} [الإنسان:8].
المناسبة الثّانية: لمّا تقدّم السّياق في الرّدّ على النّصارى، واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيّن زيف ما ذهبوا إليه. وظهور الحقّ واليقين في أمر عيسى وأمّه، وكيف خلقه اللّه بقدرته ومشيئته، وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربّه تعالى -شرع في الرّدّ على اليهود، قبّحهم اللّه، وبيان أنّ النّسخ الّذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع، فإنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد نصّ في كتابهم التّوراة أنّ نوحًا، عليه السّلام، لمّا خرج من السّفينة أباح اللّه له جميع دوابّ الأرض يأكل منها، ثمّ بعد هذا حرّم إسرائيل على نفسه لحمان الإبل وألبانها، فاتّبعه بنوه في ذلك، وجاءت التّوراة بتحريم ذلك، وأشياء أخر زيادةً على ذلك. وكان اللّه، عزّ وجلّ، قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه، وقد حرّم ذلك بعد ذلك. وكان التّسرّي على الزّوجة مباحًا في شريعة إبراهيم، وقد فعله [الخليل] إبراهيم في هاجر لمّا تسرّى بها على سارّة، وقد حرّم مثل هذا في التّوراة عليهم. وكذلك كان الجمع بين الأختين شائعًا وقد فعله يعقوب، عليه السّلام، جمع بين الأختين، ثمّ حرّم ذلك عليهم في التّوراة. وهذا كلّه منصوصٌ عليه في التّوراة عندهم، فهذا هو النّسخ بعينه، فكذلك فليكن ما شرعه اللّه للمسيح، عليه السّلام، في إحلاله بعض ما حرّم في التّوراة، فما بالهم لم يتبعوه؟ بل كذّبوه وخالفوه؟ وكذلك ما بعث اللّه به محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من الدّين القويم، والصّراط المستقيم، وملّة أبيه إبراهيم فما بالهم لا يؤمنون؟ ولهذا قال [تعالى] {كلّ الطّعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التّوراة} أي: كان حلا لهم جميع الأطعمة قبل نزول التّوراة إلّا ما حرّمه إسرائيل، ثمّ قال: {قل فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}؛ فإنّها ناطقةٌ بما قلناه). [تفسير القرآن العظيم: 2/74-76]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظّالمون}
أي: فمن كذب على اللّه وادّعى أنّه شرع لهم السّبت والتّمسّك بالتّوراة دائمًا، وأنّه لم يبعث نبيًّا آخر يدعو إلى اللّه بالبراهين والحجج بعد هذا الّذي بيّنّاه من وقوع النّسخ وظهور ما ذكرناه {فأولئك هم الظّالمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/76-77]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {قل صدق اللّه} أي: قل يا محمّد: صدق فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} أي: اتّبعوا ملّة إبراهيم الّتي شرعها اللّه في القرآن على لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّه الحقّ الّذي لا شكّ فيه ولا مرية، وهي الطّريقة الّتي لم يأت نبيٌّ بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتمّ، كما قال تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [الأنعام:161] وقال تعالى: {ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل:123] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/77]

رد مع اقتباس