عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2 شعبان 1434هـ/10-06-2013م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

ما ورد في نزول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)}

قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم..} الآيات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقرئ قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا فليح بن سليمان المدني عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله تعالى منه.
قال الزهري: وكلهم حدثني بطائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصًا، ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضًا. ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي؛ فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا، حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة؛ أذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع؛ فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه. قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني ويرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي؛ فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني -وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول؛ فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرًا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل فيسلم ثم يقول: ((كيف تيكم؟)) فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا؛ فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئسما قلتِ، أتسبين رجلاً قد شهد بدرًا؟ قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضًا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: ((كيف تيكم؟)) قلتُ: تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي، فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت: فقلت: سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله؛ فأما أسامة بن زيد فأَشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود. فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيرًا. وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: ((يا بريرة هل رأيت شيئًا يريبك من عائشة؟)) قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال وهو على المنبر: ((يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرًا وما كان يدخل على أهلي إلا معي)) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك لمنافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي؛ استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها وجلست تبكي معي. قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: ((أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه)). قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن-: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ولئن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف: {فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ}. قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية يبرئني الله تعالى بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه من الوحي. قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال: ((أبشري يا عائشة أما والله لقد برأك الله)) فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى، هو الذي برأني. قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالِإفكِ عُصبَةٌ مِنكُم} العشر آيات. فلما أنزل الله تعالى هذه الآيات في براءتي قال أبو بكر الصديق -وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره-: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة. قالت: فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسِعَةِ أَن يُؤتوا أُولي القُربى} إلى قوله: {أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها منه أبدًا. رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني). [أسباب النزول:330-335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
أخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه؛ فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي؛ فخرجت -وذلك بعدما أنزل الحجاب- فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع أظفار قد انقطع؛ فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي عندما سار الجيش، فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه فظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي؛ فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرس وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني -وكان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي، فوالله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة؛ فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت مع أم مسطح، قبل المناصع -وهو متبرزنا- فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟!. قالت:أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟، وأنا أريد أن أتقين الخبر من قبلهما فأذن لي، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أماه ما يتحدث الناس؟ قالت: أي بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قلت سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ين زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه من براءة أهله، فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا بريرة فقال: ((أي بريرة هل رأيت من شيء يربك من عائشة؟)) قالت: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قد أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي، فقال: ((يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا))، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ثم بكيت تلك الليلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي؛ فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء، فتشهد ثم قال: ((أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه))، فلما قضى مقالته قلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أدري ما أقول، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ماذا أقول، فقلت وأنا جارية حديثة السن: والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني. وفي رواية: ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، وإني والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، فلما سري عنه كان أول كلمة تكلم بها أن قال: ((أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك)) فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم..} عشر آيات، فقال أبو بكر -وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق عليه شيئا بعد الذي قال على عائشة، فأنزل الله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} إلى: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.). [لباب النقول: 183-185]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الآية 11 إلى الآية 22].
البخاري [6 /198]: حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه أحمد قال: حدثنا فليح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه.
قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها الذي حدثني عن عائشة وبعضهم وبعض حديثهم يصدق بعضا زعموا أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أُنزِلَ الحجاب فأنا أُحمَلُ في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه علي بعيري الذي أركب وهو يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه. وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، وأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض إنما يدخل فيسلم ثم يقول: ((كيف تيكم؟))، لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قِبَلَ المناصع مُتَبَرَّزَنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل -وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه- فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟!. فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلم فقال: ((كيف تيكم))، فقلت: ائذن لي إلى أبواي. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتيت أبواي، فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس، فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت: سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت: فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يَرْقَأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا.
وأما علي فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بريرة فقال: ((يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك؟)). فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين، فتأتي الداجن، فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي)). فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا وكان احتملته الحمية فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير، فقال: كذبت لعمر الله والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيَّانِ الأوسُ والخزرجُ حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المنبر فنزل وخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتي ويوما حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهد ثم قال: ((يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه)). فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما قال. قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة -والله يعلم أني لبريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة، لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: ((يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله)). فقالت أمي: قومي إلى رسول الله. فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} – الآيات – فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه و-كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قاله لعائشة، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: ((يا زينب ما علمت ما رأيت؟)). فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرًا. قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع.
قال: وحدثنا فليح عن هشام بن عروة عن عائشة وعبد الله بن الزبير مثله. قال: وحدثنا فليح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن سعيد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله.
الحديث أخرجه في مواضع منها [8 /436 ، :10/68 -106، 14/373] مختصرا [17 /32] مختصرا أيضا، ومسلم [17 /102]، والترمذي [4 /155]، وعبد الرزاق في المصنف [5 /410]، وأحمد [6 /59 ،103] مختصرا، وابن جرير [18 /90] وفي التاريخ [3 /67]، وابن إسحاق كما في [السيرة لابن هشام: 2 /297]). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 164-168]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين



رد مع اقتباس