عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 05:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ولقد خلقنا السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ وما مسّنا من لغوبٍ}: فيه تقرير المعاد؛ لأنّ من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهنّ، قادرٌ على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى.
وقال قتادة: قالت اليهود -عليهم لعائن اللّه-: خلق اللّه السموات والأرض في ستّة أيّامٍ، ثمّ استراح في اليوم السّابع، وهو يوم السّبت، وهم يسمّونه يوم الرّاحة، فأنزل اللّه تكذيبهم فيما قالوه وتأوّلوه: {وما مسّنا من لغوبٍ} أي: من إعياءٍ ولا نصبٍ ولا تعبٍ، كما قال في الآية الأخرى: {أولم يروا أنّ اللّه الّذي خلق السّموات والأرض ولم يعي بخلقهنّ بقادرٍ على أن يحيي الموتى بلى إنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [الأحقاف: 33]، وكما قال: {لخلق السّموات والأرض أكبر من خلق النّاس} [غافرٍ:57] وقال {أأنتم أشدّ خلقًا أم السّماء بناها} [النّازعات: 27]). [تفسير ابن كثير: 7/ 409]

تفسير قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فاصبر على ما يقولون} يعني: المكذّبين، اصبر عليهم واهجرهم هجرًا جميلًا {وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل الغروب}، وكانت الصّلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشّمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام اللّيل كان واجبًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى أمّته حولًا ثمّ نسخ في حقّ الأمّة وجوبه. ثمّ بعد ذلك نسخ اللّه ذلك كلّه ليلة الإسراء بخمس صلواتٍ، ولكن منهنّ صلاة الصّبح والعصر، فهما قبل طلوع الشّمس وقبل الغروب.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن جرير بن عبد اللّه قال: كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنّكم ستعرضون على ربّكم فترونه كما ترون هذا القمر، لا تضامون فيه، فإن استطعتم ألّا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها، فافعلوا" ثمّ قرأ: {وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل الغروب}
ورواه البخاريّ ومسلمٌ وبقيّة الجماعة، من حديث إسماعيل، به). [تفسير ابن كثير: 7/ 409-410]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن اللّيل فسبّحه} أي: فصلّ له، كقوله: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79].
{وأدبار السّجود} قال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: هو التّسبيح بعد الصّلاة.
ويؤيّد هذا ما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة أنّه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول اللّه، ذهب أهل الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم. فقال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق، ويعتقون ولا نعتق! قال: "أفلا أعلّمكم شيئًا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلّا من فعل مثل ما فعلتم؟ تسبّحون وتحمّدون وتكبّرون دبر كلّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين". قال: فقالوا: يا رسول اللّه، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. قال: "ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء".
والقول الثّاني: أنّ المراد بقوله: {وأدبار السّجود} هما الرّكعتان بعد المغرب، روي ذلك عن عمر وعليٍّ، وابنه الحسن وابن عبّاسٍ، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وبه يقول مجاهدٌ، وعكرمة، والشّعبيّ، والنّخعي والحسن، وقتادة وغيرهم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ وعبد الرّحمن، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليٍّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي على أثر كلّ صلاةٍ مكتوبةٍ ركعتين إلّا الفجر والعصر. وقال عبد الرّحمن: دبر كلّ صلاةٍ.
ورواه أبو داود والنّسائيّ، من حديث سفيان الثّوريّ، به. زاد النّسائيّ: ومطرّفٌ، عن أبي إسحاق، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، حدّثنا ابن فضيلٍ، عن رشدين بن كريبٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: بتّ ليلةً عند رسول صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى ركعتين خفيفتين، اللّتين قبل الفجر. ثمّ خرج إلى الصّلاة فقال: "يا ابن عبّاسٍ، ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النّجوم، وركعتين بعد المغرب إدبار السّجود".
ورواه التّرمذيّ عن أبي هشامٍ الرّفاعيّ، عن محمّد بن فضيلٍ، به. وقال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه.
وحديث ابن عبّاسٍ، وأنّه بات في بيت خالته ميمونة وصلّى تلك اللّيلة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث عشرة ركعةً، ثابتٌ في الصّحيحين وغيرهما، فأمّا هذه الزّيادة فغريبةٌ [و] لا تعرف إلّا من هذا الوجه، ورشدين بن كريب ضعيفٌ، ولعلّه من كلام ابن عبّاسٍ موقوفًا عليه، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 410-411]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واستمع يوم ينادي المناد من مكانٍ قريبٍ (41) يوم يسمعون الصّيحة بالحقّ ذلك يوم الخروج (42) إنّا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير (43) يوم تشقّق الأرض عنهم سراعًا ذلك حشرٌ علينا يسيرٌ (44) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبّارٍ فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد (45)}
يقول تعالى: {واستمع} يا محمّد {يوم ينادي المناد من مكانٍ قريبٍ} قال قتادة: قال كعب الأحبار: يأمر اللّه [تعالى] ملكًا أن ينادي على صخرة بيت المقدس: أيّتها العظام البالية، والأوصال المتقطّعة، إنّ اللّه يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء). [تفسير ابن كثير: 7/ 411]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم يسمعون الصّيحة بالحقّ} يعني: النّفخة في الصّور الّتي تأتي بالحقّ الّذي كان أكثرهم فيه يمترون. {ذلك يوم الخروج} أي: من الأجداث). [تفسير ابن كثير: 7/ 411]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير} أي: هو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده، وهو أهون عليه، وإليه مصير الخلائق كلّهم، فيجازي كلًّا بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ). [تفسير ابن كثير: 7/ 411]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوم تشقّق الأرض عنهم سراعًا}: وذلك أنّ اللّه تعالى ينزّل مطرًا من السّماء تنبت به أجساد الخلائق في قبورها، كما ينبت الحبّ في الثّرى بالماء، فإذا تكاملت الأجساد أمر اللّه إسرافيل فينفخ في الصّور، وقد أودعت الأرواح في ثقبٍ في الصّور، فإذا نفخ إسرافيل فيه خرجت الأرواح تتوهّج بين السّماء والأرض، فيقول اللّه، عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي، لترجعنّ كلّ روحٍ إلى الجسد الّذي كانت تعمره، فترجع كلّ روحٍ إلى جسدها، فتدبّ فيه كما يدبّ السّمّ في اللّديغ وتنشقّ الأرض عنهم، فيقومون إلى موقف الحساب سراعًا، مبادرين إلى أمر اللّه، عزّ وجلّ، {مهطعين إلى الدّاع يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ} [القمر: 8]، وقال اللّه تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلا قليلا} [الإسراء: 52]، وفي صحيح مسلمٍ عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض".
وقوله: {ذلك حشرٌ علينا يسيرٌ} أي: تلك إعادةٌ سهلةٌ علينا، يسيرةٌ لدينا، كما قال تعالى: {وما أمرنا إلا واحدةٌ كلمحٍ بالبصر} [القمر: 50]، وقال تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ} [لقمان: 28]). [تفسير ابن كثير: 7/ 411-412]

تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {نحن أعلم بما يقولون} أي: نحن علمنا محيطٌ بما يقول لك المشركون من التّكذيب فلا يهيدنكّ ذلك، كقوله [تعالى]: {ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك بما يقولون فسبّح بحمد ربّك وكن من السّاجدين. واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 97 -99].
وقوله: {وما أنت عليهم بجبّارٍ} أي: ولست بالّذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك ما كلّفت به.
وقال مجاهدٌ، وقتادة، والضّحّاك: {وما أنت عليهم بجبّارٍ} أي: لا تتجبّر عليهم.
والقول الأوّل أولى، ولو أراد ما قالوه لقال: ولا تكن جبّارًا عليهم، وإنّما قال: {وما أنت عليهم بجبّارٍ} بمعنى: وما أنت بمجبرهم على الإيمان إنّما أنت مبلّغٌ.
قال الفرّاء: سمعت العرب تقول: جبر فلانٌ فلانًا على كذا، بمعنى أجبره.
ثمّ قال تعالى: {فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} أي: بلّغ أنت رسالة ربّك، فإنّما يتذكّر من يخاف اللّه ووعيده ويرجو وعده، كقوله [تعالى]: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد: 40]، وقوله: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ لست عليهم بمسيطرٍ} [الغاشية: 21، 22]، {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة: 272]، {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [القصص: 56]، ولهذا قال هاهنا: {وما أنت عليهم بجبّارٍ فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} كان قتادة يقول: اللّهمّ، اجعلنا ممّن يخاف وعيدك، ويرجو موعودك، يا بارّ، يا رحيم). [تفسير ابن كثير: 7/ 412]

رد مع اقتباس