عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 03:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرًّا ثمّ يكون حطامًا وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من اللّه ورضوانٌ وما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور (20) سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها كعرض السّماء والأرض أعدّت للّذين آمنوا باللّه ورسله ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (21) }
يقول تعالى موهنًا أمر الحياة الدّنيا ومحقّرًا لها: {أنّما الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد} أي: إنّما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب} [آل عمران: 14]
ثمّ ضرب تعالى مثل الحياة الدّنيا في أنّها زهرةٌ فانيةٌ ونعمةٌ زائلةٌ فقال: {كمثل غيثٍ} وهو: المطر الّذي يأتي بعد قنوط النّاس، كما قال: {وهو الّذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا [وينشر رحمته]} [الشّورى: 28]
وقوله: {أعجب الكفّار نباته} أي: يعجب الزّرّاع نبات ذلك الزّرع الّذي نبت بالغيث؛ وكما يعجب الزّرّاع ذلك كذلك تعجب الحياة الدّنيا الكفّار، فإنّهم أحرص شيءٍ عليها وأميل النّاس إليها، {ثمّ يهيج فتراه مصفرًّا ثمّ يكون حطامًا} أي: يهيج ذلك الزّرع فتراه مصفرًّا بعد ما كان خضرًا نضرًا، ثمّ يكون بعد ذلك كلّه حطامًا، أي: يصير يبسًا متحطّمًا، هكذا الحياة الدّنيا تكون أوّلًا شابّةً، ثمّ تكتهل، ثمّ تكون عجوزًا شوهاء، والإنسان كذلك في أوّل عمره وعنفوان شبابه غضًّا طريًّا ليّن الأعطاف، بهيّ المنظر، ثمّ إنّه يشرع في الكهولة فتتغيّر طباعه وينفد بعض قواه، ثمّ يكبر فيصير شيخًا كبيرًا، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجزه الشّيء اليسير، كما قال تعالى: {اللّه الّذي خلقكم من ضعفٍ ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} [الرّوم: 54]. ولمّا كان هذا المثل دالًّا على زوال الدّنيا وانقضائها وفراغها لا محالة، وأنّ الآخرة كائنةٌ لا محالة، حذّر من أمرها ورغّب فيما فيها من الخير، فقال: {وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من اللّه ورضوانٌ وما الحياة الدّنيا إلا متاع الغرور} أي: وليس في الآخرة الآتية القريبة إلّا إمّا هذا وإمّا هذا: إمّا عذابٌ شديدٌ، وإمّا مغفرةٌ من اللّه ورضوانٌ.
وقوله: {وما الحياة الدّنيا إلا متاع الغرور} أي: هي متاعٌ فانٍ غارٍّ لمن ركن إليه فإنه يغتر بها وتعجبه حتّى يعتقد أنّه لا دار سواها ولا معاد وراءها، وهي حقيرةٌ قليلةٌ بالنّسبة إلى الدّار الآخرة.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ ابن حربٍ الموصليّ، حدّثنا المحاربيّ، حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "موضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها. اقرؤوا: {وما الحياة الدّنيا إلا متاع الغرور}
وهذا الحديث ثابتٌ في الصّحيح بدون هذه الزّيادة واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نميرٍ ووكيع، كلاهما عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنّار مثل ذلك".
انفرد بإخراجه البخاريّ في "الرّقاق"، من حديث الثّوريّ، عن الأعمش، به
ففي هذا الحديث دليلٌ على اقتراب الخير والشّرّ من الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلهذا حثّه اللّه على المبادرة إلى الخيرات، من فعل الطّاعات، وترك المحرّمات، الّتي تكفّر عنه الذّنوب والزّلّات، وتحصّل له الثّواب والدّرجات، فقال تعالى: {سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها كعرض السّماء والأرض} والمراد جنس السّماء والأرض، كما قال في الآية الأخرى: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} [آل عمران: 133]. وقال هاهنا: {أعدّت للّذين آمنوا باللّه ورسله ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم} أي: هذا الّذي أهّلهم اللّه له هو من فضله ومنّه عليهم وإحسانه إليهم، كما قدّمنا في الصّحيح: أنّ فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول اللّه، ذهب أهل الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم. قال: "وما ذاك؟ ". قالوا: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق، ويعتقون ولا نعتق. قال: "أفلا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلّا من صنع مثل ما صنعتم: تسبّحون وتكبّرون وتحمدون دبر كلّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين". قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا، ففعلوا مثله! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء"). [تفسير ابن كثير: 8/ 24-25]

رد مع اقتباس