عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 11:31 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}
لما جعلت قريش سؤالها عن الله تعالى وعن اسمه الذي هو الرحمن سؤالا عن مجهول نزلت هذه الآية مصرحة بصفاته التي تعرف به، وتوجب الإقرار بألوهيته. و"البروج" هي التي علمتها العرب بالتجربة وكل أمة مصحرة، وهي الشهور عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات، وكل برج منها على منزلتين وثلث من منازل القمر التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله: {والقمر قدرناه منازل}، والعرب تسمي البناء المرتفع المستغني بنفسه برجا تشبيها ببروج السماء، ومنه قوله تبارك وتعالى: {ولو كنتم في بروج مشيدة}، وقال الأخطل:
كأنها برج رومي يشيده ... بان بجص وآجر وأحجار
وقال بعض الناس في هذه الآية التي نحن فيها: البروج: القصور في الجنة، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها: "في السماء قصورا"، وقيل: البروج: الكواكب العظام، حكاه الثعلبي عن أبي صالح، وهذا نحو ما بيناه إلا أنه غير ملخص، والقول بأنها قصور في الجنة يحط غرض الآية في التنبيه على أشياء مدركات تقوم بها الحجة على كل منكر لله أو جاهل به.
[المحرر الوجيز: 6/452]
وقرأ الجمهور: "سراجا"، وهي الشمس، وقرأ حمزة، والكسائي، وعبد الله بن مسعود، وعلقمة، والأعمش: "سرجا"، وهو اسم جميع الأنوار، وقد خص القمر بالذكر تشريفا، وقرأ النخعي، وابن وثاب، والأعمش أيضا: "سرجا" بسكون الراء، قال أبو حاتم، روى عصمة عن الحسن: "وقمرا" بضم القاف ساكنة الميم، ولا أدري ما أراد إلا أن يكون جمعا كثمر وثمر، وقال أبو عمرو: وهي قراءة الأعمش، والنخعي). [المحرر الوجيز: 6/453]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "خلفة" أي: هذا يخلف هذا، ومن المعنى قول زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
ومن هذا قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا:
ولهـا بالمـاطـرون إذا ... أكـل النمـل الـذي جمعـا
خلفـة حتـى إذا ارتبعت ... سكنـت مـن جلـق بيعــا
في بيـوت وسط دسكرة ... حـولهـا الزيتـون قـد ينعـا
[المحرر الوجيز: 6/453]
وقال مجاهد: "خلفة" من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود، نحو ما قدمناه، وقال مجاهد وغيره: لمن أراد أن يذكر أي: يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله تبارك وتعالى على نعمه عليه في العقل والفكر والفهم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والحسن، وابن عباس: معناه: لمن أراد أن يذكر ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه، وقرأ حمزة وحده: "يذكر" بسكون الذال وضم الكاف، وهي قراءة ابن وثاب، وطلحة، والنخعي، وقرأ الباقون: "يذكر" بشد الذال، وفي مصحف أبي بن كعب: "يتذكر" بزيادة تاء.
ثم لما قال تعالى: {لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا} جاء بصفة عباده الذين هم أهل التذكر والشكور). [المحرر الوجيز: 6/454]

تفسير قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"العباد" و"العبيد" بمعنى، إلا أن العباد تستعمل في مواضع التنويه، وسمي قوم من عبد القيس العباد لأن كسرى ملكهم دون العرب، وقيل: لأنهم تألهوا مع نصارى الحيرة فصاروا عباد الله، وإليهم ينسب عدي بن زيد العبادي، وقرأ الحسن: وعبد الرحمن، ذكره الثعلبي.
وقوله تبارك وتعالى: {الذين يمشون} خبر ابتداء، والمعنى: وعباده حق عباده هم الذين يمشون، وقوله: {يمشون على الأرض هونا} عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم، فذكر من ذلك المعظم، لا سيما وفي ذلك الانتقال في الأرض معاشرة الناس وخلطتهم. ثم قال: "هونا" بمعنى أمره كله هون، أي لين حسن، قال مجاهد: بالحلم والوقار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بالطاعة والعفاف والتواضع، وقال الحسن: حلما، إن جهل عليهم لم يجهلوا، وذهبت فرقة إلى أن "هونا" مرتبط بقوله تعالى: {يمشون على الأرض} أي المشي هو الهون، ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هونا مناسبة لمشيه، فيرجع القول إلى نحو ما بيناه، وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل؛ لأنه رب ماش هونا رويدا وهو ذئيب أطلس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيه كأنما يمشي في صبب، وهو عليه الصلاة والسلام الصدر
[المحرر الوجيز: 6/454]
في هذه الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: من مشى منكم في طمع فليمش رويدا إنما أراد في عقد نفسه، ولم يرد المشي وحده، ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط حتى قال فيهم الشاعر ذما لهم:
كلهم يمشي رويـد ... كلهم يطلـب صيـد
وقال الزهري: سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يريد الإسراع الحثيث؛ لأنه يخل بالوقار، والخير في التوسط، وقال زيد بن أسلم: كنت أسأل عن تفسير قوله تبارك وتعالى: {الذين يمشون على الأرض هونا} فما وجدت في ذلك شفاء، فرأيت في النوم من جاءني فقال لي: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا للتفسير في الخلق. و"هونا" معناه: رفقا وقصدا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحبب حبيبك هونا ما الحديث، وقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}. اختلفوا في تأويل ذلك، فقالت فرقة: ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل: "سلاما" بهذا اللفظ، أي: سلمنا سلاما وتسليما ونحو هذا، فيكون العامل فيه فعلا من لفظه على طريقة النحويين. والذي أقول: إن قوله: "قالوا" هو العامل في "سلاما"؛ لأن المعنى: قالوا هذا اللفظ، وقال مجاهد: معنى "سلاما": قولا سدادا، أي: يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين، فقالوا في هذا التأويل: العامل في قوله "سلاما" على طريقة النحويين، وذلك أنه بمعنى: قولا، وهذه الآية كانت قبل آية السيف، فنسخ منها ما يخص الكفرة، وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة، وذكر سيبويه النسخ في
[المحرر الوجيز: 6/455]
هذه الآية في كتابه، وما تكلم على نسخ سواه، ورجح به أن المراد السلامة لا التسليم؛ لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على غير المسلمين، والآية مكية نسختها آية السيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ورأيت في بعض [مصاحف] التواريخ أن إبراهيم بن المهدي -وكان من المائلين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه- قال يوما بمحضر المأمون -وعنده جماعة-: كنت أرى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم، فكنت أقول له: من أنت؟ فيقول: أنا علي بن أبي طالب، فكنت أجيء معه إلى قنطرة، فيذهب يتقدمني في عبورها، فكنت أقول له: إنما تدعي هذا الأمر بامرأة، ونحن أحق به منك، فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه، فقال المأمون: وبماذا جاوبك؟ قال: فكان يقول لي: سلاما سلاما، قال الراوي: فكأن إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية، أو ذهبت عنه في ذلك الوقت، فنبه المأمون على الآية أمام من حضره، وقال: هو والله يا عم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد جاوبك بأبلغ جواب، فحزن إبراهيم واستحيا، وكانت رؤياه لا محالة صحيحة). [المحرر الوجيز: 6/456]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما}.
هذه آية فيها تحريض على القيام بالليل للصلاة، قال الحسن: لما فرغ من وصف نهارهم وصف في هذه ليلهم، وقال بعض الناس: من صلى العشاء الآخرة، وشفع وأوتر، فهو داخل في هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
إلا أنه دخول غير مستوفى، وقرأ أبو البرهسم: "سجودا"). [المحرر الوجيز: 6/456]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ومدحهم تبارك وتعالى بدعائهم في صرف عذاب جهنم من حيث ذلك دليل على صحة عقيدتهم وإيمانهم، ومن حيث أعمالهم بحسبه، و"غراما" معناه: ملازما ثقيلا
[المحرر الوجيز: 6/456]
مجحفا، ومنه غرام الحب، ومنه قول الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما وإن يعـ ـط جزيلا فإنه لا يبالي
وقول بشر بن أبي خازم:
ويوم النسار ويوم الجفا ... ر كان عقابا وكان غراما). [المحرر الوجيز: 6/457]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: "مقاما" بضم الميم، من الإقامة، ومنه قول الشاعر:
حيوا المقام وحيوا ساكن الدار
وقرأت فرقة: "مقاما" بفتح الميم، من قام يقوم، فجهنم موضع مقام لهم، والأول أفصح وأشهر). [المحرر الوجيز: 6/457]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}
اختلف المفسرون في هذه الآية التي في الإنفاق، فعبارة أكثرهم أن الذي لا يسرف هو المنفق في الطاعة وإن أفرط، والمسرف هو المنفق في المعصية وإن قل إنفاقه، وأن المقتر هو الذي يمنع حقا عليه، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد. وقال عون بن عبد الله بن عتبة: الإسراف: أن تنفق مال غيرك. وغير هذا من الأقوال التي
[المحرر الوجيز: 6/457]
هي غير مرتبطة بلفظ الآية. وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والتقتير فيه نظر، والوجه أن يقال: إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي: العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه من الخصال، وخير الأمور أوسطها، ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه يتصدق بجميع ماله؛ لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين، ومنع غيره من ذلك، ونعم ما قال إبراهيم النخعي: هو الذي لا يجيع ولا يعري، ولا ينفق نفقة يقول الناس: قد أسرف. وقال يزيد بن أبي حبيب: هم الذين لا يلبسون الثياب للجمال، ولا يأكلون طعاما للذة. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين زوجه ابنته فاطمة: ما نفقتك؟ فقال له عمر: الحسنة بين سيئتين، ثم تلا هذه الآية. وقال يزيد بن حبيب أيضا في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع، ويقويهم على عبادة ربهم، ومن اللباس ما يستر عوراتهم، ويكنهم من الحر والبرد. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كفى بالمرء سرفا ألا يشتهي شيئا إلا اشتراه وأكله، وفي سنن ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من السرف أن تأكل ما اشتهيته، وقال الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر، ومجاهد، وحفص عن عاصم: "يقتروا" بفتح
[المحرر الوجيز: 6/458]
الياء وكسر التاء. وقرأ حمزة، والكسائي بفتح الياء وضم التاء، وهي قراءة الحسن، والأعمش -، وعاصم بخلاف-. وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح التاء.
وقرأ أبو عمرو والناس: "قواما" بفتح القاف، أي: معتدلا، وقرأ حسان بن عبد الرحمن بكسر القاف، أي: مبلغا وسدادا وملاك حال. و"قواما" خبر "كان"، واسمها مقدر، أي: الإنفاق، وجوز الفراء أن يكون اسمها قوله: "بين ذلك"). [المحرر الوجيز: 6/459]

رد مع اقتباس