عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (75) بلى من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين (76)}
يخبر تعالى عن اليهود بأنّ فيهم الخونة، ويحذّر المؤمنين من الاغترار بهم، فإنّ منهم {من إن تأمنه بقنطارٍ} أي: من المال {يؤدّه إليك} أي: وما دونه بطريق الأولى أن يؤدّيه إليك {ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائمًا} أي: بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقّك، وإذا كان هذا صنيعه في الدّينار فما فوقه أولى ألّا يؤدّيه.
وقد تقدّم الكلام على القنطار في أوّل السّورة، وأمّا الدّينار فمعروفٌ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا سعيد بن عمرٍو السّكوني، حدّثنا بقيّة، عن زياد بن الهيثم، حدّثني مالك بن دينارٍ قال: إنّما سمّي الدّينار لأنّه دينٌ ونارٌ. وقال: معناه: أنّه من أخذه بحقّه فهو دينه، ومن أخذه بغير حقّه فله النّار.
ومناسبٌ أن يكون هاهنا الحديث الّذي علّقه البخاريّ في غير موضعٍ من صحيحه، ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال: وقال اللّيث: حدّثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل [بعض] بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم. فقال: كفى باللّه شهيدًا. قال: ائتني بالكفيل. قال: كفى باللّه كفيلا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها فأدخل فيها ألف دينارٍ، وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها، ثمّ أتى بها إلى البحر، فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي استسلفت فلانًا ألف دينارٍ فسألني كفيلا فقلت: كفى باللّه كفيلا فرضي بك. وسألني شهيدًا، فقلت: كفى باللّه شهيدًا فرضي بك، وإنّي جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي استودعتكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبًا يجيئه بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلمّا كسرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان تسلّف منه، فأتاه بألف دينارٍ، وقال: واللّه ما زلت جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيءٍ؟ قال: ألم أخبرك أنّي لم أجد مركبًا قبل هذا؟ قال: فإنّ اللّه قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بألف دينارٍ راشدًا.
هكذا رواه البخاريّ في موضعه معلّقًا بصيغة الجزم، وأسنده في بعض المواضع من الصّحيح عن عبد اللّه بن صالحٍ كاتب اللّيث عنه. ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطوّلًا عن يونس بن محمّدٍ المؤدّب، عن اللّيث به ورواه البزّار في مسنده، عن الحسن بن مدرك، عن يحيى بن حمّادٍ، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، ثمّ قال: لا يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد. كذا قال، وهو خطأٌ، لما تقدّم.
وقوله: {ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} أي: إنّما حملهم على جحود الحقّ أنّهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأمّيّين، وهم العرب؛ فإنّ اللّه قد أحلّها لنا. قال اللّه تعالى: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون} أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوا بهذه الضّلالة، فإن اللّه حرم عليهم أكل الأموال إلّا بحقّها، وإنّما هم قومٌ بهت.
قال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن [أبي] صعصعة بن يزيد ؛ أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ، قال: إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل الذّمّة الدجاجة والشاة؟ قال ابن عبّاسٍ: فتقولون ماذا؟ قال: نقول ليس علينا بذلك بأسٌ. قال: هذا كما قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} إنّهم إذا أدّوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلّا بطيب أنفسهم.
وكذا رواه الثّوريّ، عن أبي إسحاق بنحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ حدّثنا يعقوب، حدّثنا جعفرٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} قال نبيّ اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] كذب أعداء الله، ما من شيٍء كان في الجاهليّة إلا وهو تحت قدميّ هاتين إلا الأمانة، فإنّها مؤدّاةٌ إلى البرّ والفاجر"). [تفسير القرآن العظيم: 2/60-62]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتّقى} أي: لكن من أوفى بعهده منكم يا أهل الكتاب الّذي عاهدكم اللّه عليه، من الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث، كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك، واتّقى محارم اللّه تعالى واتّبع طاعته وشريعته الّتي بعث بها خاتم رسله وسيّد البشر " فإنّ اللّه يحبّ المتّقين "). [تفسير القرآن العظيم: 2/62]

رد مع اقتباس