عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 60 إلى 74]

{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {للّذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السّوء وللّه المثل الأعلى} إنّه: {لم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك}
قال: {وهو العزيز الحكيم} سعيدٌ عن قتادة في قوله: {وللّه المثل الأعلى} قال: الإخلاص والتّوحيد). [تفسير القرآن العظيم: 1/70]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السّوء...}
ولو كان {مثل السّوء} نصباً لجاز، فيكون في المعنى على قولك: ضرب للذين لا يؤمنون مثل السوء، كما كان في قراءة أبيّ (وضرب مثلاً كلمةً خبيثةً) وقراءة العوامّ ها هنا وفي إبراهيم بالرفع لم نسمع أحداً نصب). [معاني القرآن: 2/107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وللّه المثل الأعلى}: شهادة أن لا إله إلا هو). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى} وروى سعيد عن قتادة قال المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد المعنيان واحد أي لله جل وعز التوحيد ونفى كل معبود دونه). [معاني القرآن: 4/77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولله المثل الأعلى} أي شهادة أن لا إله إلا الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّةٍ} لحبس المطر فأهلك حيوان الأرض.
{ولكن يؤخّرهم} يؤخّر المشركين.
{إلى أجلٍ مسمًّى} إلى السّاعة، لأنّ كفّار هذه الأمّة أخّر عذابها بالاستئصال إلى النّفخة الأولى.
{فإذا جاء أجلهم} بعذاب اللّه.
{لا يستأخرون} عنه، عن العذاب.
{ساعةً ولا يستقدمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}
معنى {عليها} على الأرض، ودل الإضمار على الأرض لأن الدوابّ إنما هي على الأرض.
وقوله: {وللّه المثل الأعلى}.
جاء في التفسير أنه، قوله: لا إله إلا اللّه، وتأويله أن اللّه - جل ثناؤه - له التوحيد، ونفي كل إله سواه). [معاني القرآن: 3/207-206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} أي على الأرض ولم يجر لها ذكر لأنه قد عرف المعنى). [معاني القرآن: 4/77]

تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويجعلون للّه ما يكرهون} يجعلون له البنات ويكرهونها لأنفسهم.
{وتصف ألسنتهم الكذب} سعيدٌ عن قتادة: أي: يتكلّمون به ويعلنون به.
{أنّ لهم الحسنى} ، أي: الغلمان.
وقال السّدّيّ: البنين، وهو واحدٌ.
وفي تفسير الحسن: أنّ لهم الجنّة، يقولون: أي إن كانت جنّةٌ.
كقوله: قول الكافر: {ولئن رجعت إلى ربّي إنّ لي عنده للحسنى}، أي: إن رجعت، وكانت ثمّ جنّةٌ.
قال اللّه: {لا جرم} وهي كلمة وعيدٍ.
{أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال: معجّلون إلى النّار في تفسير الحسن.
أشعث عن جعفر بن أبي وحشيّة عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {مفرطون} منسيّون فيها، مضيّعون.
قال السّدّيّ: {وأنّهم مفرطون} ، يعني: وأنّهم مسلّمون.
وبعضهم يقرأ هذا الحرف: وأنّهم مفرّطون، يعني: أنّهم مفرطون كقولهم: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
قال يحيى: وكذلك قرأتها عند عمرٍو). [تفسير القرآن العظيم: 1/71-70]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى...}
أنّ في موضع نصب لأنه عبارة عن الكذب. ولو قيل: {وتصف ألسنتهم الكذب} تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذوبٌ وكذب، مثل رسول ورسل،
ومثله قوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب} وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضاً باللام التي في قوله (لما) لأنه عبارة عن (ما) والنصب فيه وجه الكلام، وبه قرأت العوامّ. ومعناه: ولا تقولوا لوصفها الكذب.
وقوله: {وأنّهم مّفرطون} يقول: منسيّون في النار. والعرب تقول: أفرطت منهم ناساً أي خلّفتهم ونسيتهم.
وتقرأ {وأنّهم مّفرطون} بكسر الراء، كانوا مفرطين في سوء العمل لأنفسهم في الذنوب. وتقرأ {مفرّطون} كقوله: {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله}
يقول: فيما تركت وضيّعت). [معاني القرآن: 2/108-107]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مفرطون} أي متروكون منسيون مخلفون). [مجاز القرآن: 1/361]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مفرطون}: معجلون مخسؤون مبعدون وقال بعضهم). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويجعلون للّه ما يكرهون} من البنات.
{وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى} أي الجنة. ويقال: البنين.
{وأنّهم مفرطون} أي معجلون إلى النار. يقال: فرط مني ما لم أحسبه.
أي سبق. والفارط: المتقدّم إلى الماء لإصلاح الأرشية والدّلاء حتى يرد القوم. وأفرطته: أي قدمته). [تفسير غريب القرآن: 245-244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويجعلون للّه ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون}أي يجعلون للّه البنات اللاتي يكرهونهن.
وقوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى}.
(أنّ) بدل من (الكذب) المعنى وتصف ألسنتهم أنّ لهم الحسنى، أي يصفون أن لهم - مع فعلهم هذا القبيح - من اللّه جل ثناؤه - الجزاء الحسن.
وقوله: {لا جرم أنّ لهم النّار}.
" لا " رد لقولهم. المعنى - واللّه أعلم - ليس ذلك كما وصفوا، جرم أن لهم النّار، المعنى جرم فعلهم هذا أن لهم النار، أي كسب فعلهم أن لهم النار.
وقيل إنّ " أنّ " في موضع رفع، ذكر ذلك قطرب، وقال المعنى أن لهم النار.
{وأنهم مفرطون}.
فيها أربعة أوجه: (مفرطون) بإسكان الفاء وفتح الراء، ومفرّطون بفتح الفاء وتشديد الراء وبفتحها، ومفرطون - بإسكان الفاء وكسر الراء، ومفرّطون بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها.
فأمّا تفسير (مفرطون) و (مفرّطون) فجاء عن ابن عباس، متروكون وقيل عنه: معجلون. ومعنى الفرط في اللغة: التقدم، وقد فرط إليّ منه قول أي تقدّم، فمعنى مفرطون مقدمون إلى النار، وكذلك مفرطون، ومن فسّر متروكون فهو كذلك، أي قد جعلوا مقدّمين في العذاب أبدا متروكين فيه.
ومن قرأ مفرّطون، فالمعنى أنه وصف لهم بأنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة وتصديق هذه القراءة قوله: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}.
ومن قرأ مفرطون، فالمعنى على أنهم أفرطوا في معصية اللّه، كما تقول: قد أفرط فلان في مكروهي.
وتأويله أنه آثر العجز وقدّمه). [معاني القرآن: 3/208-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويجعلون لله ما يكرهون} يعني البنات ثم قال تعالى: {وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى}
قال مجاهد هو قولهم لنا البنون وقال غيره الحسنى الجنة). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون} وقيل لا رد لكلامهم وجرم بمعنى وجب وحق،
وقال أبو جعفر وقد استقصينا القول فيه). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {وأنهم مفرطون}
كذا قرأ الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير بفتح الراء والتخفيف واختلفوا في تفسيره فقال الحسن مفرطون معجلون إلى النار،
وقال هشيم أخبرنا أبو بشر وحصين عن سعيد ابن جبير وأنهم مفرطون قال متروكون منسيون وروى ابن جريح عن مجاهد قال مفرطون منسيون،
قال أبو جعفر وقول الحسن أشهر في اللغة وأعرف وحكى أهل اللغة هو فارط وفرط وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه حتى تردوا على وأفرطته إذا قدمته وأنشد جماعة من أهل اللغة:

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا = كما تعجل فراط لوراد
وقال بقول سعيد بن جبير ومجاهد أبو عبيدة والكسائي والفراء قال أبو جعفر فعلى قول الحسن معجلون مقدمون إلى النار وعلى قول سعيد بن جبير ومجاهد متروكون في النار،
وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس وأنهم مفرطون مبالغون في الإساءة كما يقال فرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر ،
وقرأ أبو جعفر والسدي وأنهم مفرطون ومعناه مضيعون أي كانوا مضيعين في الدنيا). [معاني القرآن: 4/81-78]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وأنهم مفرطون} أي: متروكون منسيون في النار). [ياقوتة الصراط: 295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لهم الحسنى} أي الجنة.
{وأنهم مفرطون} أي معجلون. والفارط: المتقدم إلى الماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُفْرَطُونَ}: تفرّطوا في النار). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تاللّه} قسمٌ، أقسم اللّه بنفسه.
{لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك} ، يعني: من أهلك بالعذاب من الأمم السّالفة.
{فزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم} وإلى يوم القيامة.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أنزلنا عليك الكتاب} القرآن.
{إلا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه وهدًى ورحمةً} يقول: ما فيه هدًى ورحمةٌ.
{لقومٍ يؤمنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }
بنصب (رحمة) المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا هدى ورحمة، أي ما أنزلناه عليك إلا للهداية والرحمة، فهو مفعول له.
ويجوز: وهدى ورحمة في هذا الموضع، المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا للبيان رهو - مع ذلك - هدى ورحمة). [معاني القرآن: 3/208]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه أنزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها} الأرض اليابسة الّتي ليس فيها نباتٌ فيحييها بالمطر وتنبت بعد إذ لم يكن فيها نباتٌ.
{إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يسمعون} فيعلمون أنّ الّذي أحيا هذه الأرض الميتة حتّى أنبتت قادرٌ على أن يحيي الموتى؛ لأنّ المشركين لا يقرّون بالبعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبنًا خالصًا سائغًا للشّاربين} ،
يقول: ففي هذا اللّبن الّذي أخرجه اللّه من بين فرثٍ ودمٍ آية لقومٍ يعقلون، فيعلمون أنّ الّذي أخرجه من بين فرثٍ ودمٍ قادرٌ على أن يحيي الموتى). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نّسقيكم مّمّا في بطونه...}
العرب تقول لكلّ ما كان من بطون الأنعام ومن السّماء أو نهر يجري لقوم: أسقيت. فإذا سقاك الرّجل ماء لشفتك قالوا: سقاه. ولم يقولوا: أسقاه؛
كما قال الله عزّ وجل: {وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً} وقال {والّذي هو يطعمني ويسقين} وربما قالوا لما في بطون الأنعام ولماء السّماء سقى وأسقى،
كما قال لبيد:

سقى قومي بني مجد وأسقى = نميرا والقبائل من هلال
رعوه مربعاً وتصيّفوه = بلا وبأٍ سميّ ولا وبال
وقد اختلف القراء فقرأ بعضهم {نسقيكم} وبعضهم {نسقيكم}.
وأمّا قوله: {مّمّا في بطونه} ولم يقل بطونها فإنه قيل - والله أعلم - إن النّعم والأنعام شيء واحد، وهما جمعان، فرجع التذكير إلى معنى النّعم إذا كان يؤدى عن الأنعام،
أنشدني بعضهم:

إذا رأيت أنجما من الأسد = جبهته أو الخراة والكتد
بال سهيل في الفضيح. ففسد = وطاب ألبان الّلقاح وبرد
فرجع إلى اللبن لأن اللبن والألبان يكون في معنى واحد. وقال الكسائي {نسقيكم ممّا بطونه}: بطون ما ذكرناه، وهو صواب،
أنشدني بعضهم:
* مثل الفراخ نتقت حواصله *
وقال الآخر:
* كذاك ابنة الأعيار خافي بسالة الـ = ـرجال وأصلال الرجال أقاصره *
ولم يقل أقاصرهم. أصلال الرجال: الأقوياء منهم.
وقوله: {سائغاً للشّاربين} يقول: لا يشرق باللبن ولا يغصّ به). [معاني القرآن: 2/109-108]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه} يذكّر ويؤنث، وقال آخرون: المعنى على النّعم لأن النعم يذكر ويؤنث،
قال:
أكلّ عامٍ نعمٌ تحوونه= يلقحه قومٌ وتنتجونه
أربابه نوكي ولا يحمونه
والعرب قد تظهر الشيء ثم تخبر عن بعض ما هو بسببه وإن لم يظهروه كقوله:
قبائلنا سبعٌ وأنتم ثلاثةٌ= وللسّبع أزكي من ثلاثٍ وأكثر
قال أنتم أحياءٍ ثم قال: من ثلاث، فذهب به إلى القبائل وفي آية أخرى: {وعلى الله قصد السّبيل ومنها جائرٌ} أي من السبل سبيل جائر). [مجاز القرآن: 1/362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسقيكم ممّا في بطونه} ذهب إلى النّعم. والنّعم تؤنث وتذكر والفرث: ما في الكرش.
وقوله: {من بين فرثٍ ودمٍ لبناً} لأن اللبن كان طعاما فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فرث في الكرش، وخلص من الدم لبن.
{سائغاً للشّاربين} أي سهلا في الشراب لا يشجي به شاربه ولا يغص). [تفسير غريب القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشّاربين}
وتقرأ {نسقيكم} ويقال سقيته وأسقيته في معنى واحد.
قال سيبويه والخليل سقيته كما تقول ناولته فشرب. وأسقيته جعلت له سقيا، وكذلك قول الشاعر يحتمل المذهبين:
سقى قومي بني مجد وأسقى= نميرا والقبائل من هلال
وهذا البيت وضعه النحويون على أنّه سقى وأسقى بمعنى واحد، وهو يحتمل التفسير الثاني.
والأنعام لفظه لفظ جمع، وهو اسم للجنس يذكر ويؤنث، يقال هو الأنعام وهي الأنعام. نسقيكم مما في بطونه.
وفي موضع آخر {مما في بطونها}. فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن في إخراجه اللبن {من بين فرث ودم} دليلا على قدرة لا يقدر عليها إلا الله الذي ليس كمثله شيء).
[معاني القرآن: 3/209-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا} الفرث ما يكون في الكرش يقال أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها والمعنى أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم ثم يخلص اللبن من الدم
ثم قال تعالى: {سائغا للشاربين} أي سهلا لا يشجي به من شربه). [معاني القرآن: 4/81]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من بين فرث ودم} الفرث - هاهنا: السرجين). [ياقوتة الصراط: 295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سائغا للشاربين} أي: لذة للشاربين، قال ثعلب: وروي.
عن ابن عباس أنة قال: ما غص إنسان بلبن قط). [ياقوتة الصراط: 296-295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والفرث} ما يكون من كروش الأنعام، من غذائها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} ،
أي: وجعل لكم من ثمرات النّخيل والأعناب ما تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا.
تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {سكرًا} الخمر قبل تحريمها.
{ورزقًا حسنًا} طعامًا.
- المعلّى بن هلالٍ ومندل بن عليٍّ عن الأسود بن قيسٍ عن عمرو بن سفيان عن ابن عبّاسٍ قال: السّكر ما حرّم من ثمرتها، والرّزق الحسن ما أحلّ من ثمرتها.
همّامٌ وعثمان عن قتادة قال: نزلت قبل تحريم الخمر.
فأمّا الرّزق الحسن فهو ما أحلّ اللّه من ثمرتها ممّا تأكلون، وتعتصرون وتنتبذون، وتخلّلون، وأمّا السّكر فهو خمور الأعاجم.
- حمّادٌ عن عليّ بن زيدٍ عن صفوان بن محرزٍ عن أبي موسى الأشعريّ، قال: إنّ لكلّ قومٍ خمرًا وإنّ خمر المدينة البسر والتّمر، وإنّ خمر فارس العنب، وإنّ خمر اليمن البتع.
قال حمّادٌ: يعني العسل وإنّ خمر الحبشة السّكركة قال حمّادٌ: يعني الأرزّ.
- أبو أميّة عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي كثيرٍ عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (( إنّ الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة والعنبة )).
- أبو بكر بن عيّاشٍ عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ قال: قال عمر بن الخطّاب: إنّ هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء، من التّمر والزّبيب والعسل والبرّ والشّعير، فما خمّرتم منه فعتّقتم فهو خمرٌ.
قوله: {إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يعقلون} هي مثل الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/73-72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تتّخذون منه سكراً} أي طعماً، ويقال: جعلوا لك هذا سكراً أي طعماً، وهذا له سكرٌ أي طعم،
وقال جندل:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
وله موضع آخر مجازه: سكناً،
وقال:
جاء الشتاء واجثالّ القنبر= وجعلت عين الحرور تسكر
أي يسكن حرها ويخبو، ويقال ليلة ساكرة أي ساكنة،
وقال:
تريد الليالي في طولها= وليست بطلقٍ ولا ساكرة
ويروى تزيد ليالي في طولها). [مجاز القرآن: 1/363]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إنّ في ذلك لآيةً لّقومٍ يعقلون}
وقال: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} ولم يقل "منها" لأنه أضمر "الشيء" كأنه قال "ومنها شيءٌ تتّخذون منه سكراً "). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} {السكر}: الحرام {الرزق الحسن}: الحلال). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تتّخذون منه سكراً} أي خمرا. ونزل هذا قبل تحريم الخمر.
{ورزقاً حسناً} يعني التمر والزبيب.
وقال أبو عبيدة: السّكر: الطّعم.
ولست أعرف هذا في التفسير). [تفسير غريب القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرا ورزقا حسنا إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون}
أي فيما بيّنّا علامة تدل على توحيد اللّه.
وقالوا في تفسير قوله: {سكرا ورزقا حسنا} إنه الخمر من قبل أن تحرم.
والرزق الحسن يؤكل من الأعناب والتمور.
وقيل إن معنى السكر الطعم
وأنشدوا:
جعلت أعراض الكرام سكرا
أي جعلت دمهم طعما لك. وهذا بالتفسير الأول أشبه.
المعنى جعلت تتخمر بأعراض الكرام، وهو أبين - فيما يقال: الذي يتبرك. في أعراض الناس). [معاني القرآن: 3/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} روى عمرو بن سفيان عن ابن عباس
قال السكر ما حرم من ثمرتها والزرق الحسن ما كان حلالا من ثمرتها وروى شعبة عن مغيره عن إبراهيم والشعبي قالا السكر ما حرم وقد نسخ
وروى معمر عن قتادة قال السكر نبيذ للأعاجم وقد نسخت
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال السكر قد حرم وقال مجاهد السكر ما حرم من الخمر والرزق الحسن ما أحل من التمر والعنب قال أبو جعفر الأولى أن تكون الآية منسوخة
لأن تحريم الخمر كان بالمدينة والنحل مكية
والرواية عن ابن عباس كأن معناها أن الآية على الإخبار بأنهم يفعلون ذلك لا أنه أذن لهم في ذلك وذلك معناه وهي رواية تضعف من جهة عمرو بن سفيان
قال أبو جعفر وفي معنى السكر قول آخر قال أبو عبيدة السكر الطعم وأنشد:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما
قال أبو جعفر قال الزجاج وقول أبي عبيدة هذا لا يعرف وأهل التفسير على خلافة ولا حجة له في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس).
[معاني القرآن: 4/83-81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سكرا} أي خمرا، نزل هذا قبل تحريم الخمر.
وقيل: السكر الحرام. والرزق الحلال الحسن. وقيل: السكر: الطعم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَكَرُ}: الخمر.
{الرِزْقُ الحَسَنُ}: الحلال). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل} ، أي: ألهمها.
قال السّدّيّ: وكلّ شيءٍ من الحيوان إلهامٌ.
{أن اتّخذي من الجبال بيوتًا ومن الشّجر وممّا يعرشون}، أي: وممّا يبنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/73]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل...}
ألهمها ولم يأتها رسول.
وقوله: {أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشّجر وممّا يعرشون} وهي سقوف البيوت). [معاني القرآن: 2/109]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وممّا يعرشون} أي يجعلونه عريشاً، ويقال: يعرش ويعرش). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشّجر وممّا يعرشون}
وقال: {إلى النّحل أن اتّخذي} على التأنيث في لغة أهل الحجاز. وغيرهم يقول "هو النّحل" وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء نحو "البرّ" و"الشعير"
هو في لغتهم مؤنث). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأوحى ربّك إلى النّحل} [أي ألهمها. وقيل:] سخّرها.
وقد بينت في كتاب «المشكل» أنه قد يكون كلاما وإشارة وتسخيرا.
{وممّا يعرشون} كل شيء عرش من كرم أو نبات أو سقف: فهو عرش ومعروش.
{ثمّ كلي من كلّ الثّمرات} أي من الثمرات. وكل هاهنا ليس على العموم. ومثل هذا قوله تعالى: {تدمّر كلّ شيءٍ بأمر ربّها} ). [تفسير غريب القرآن: 245-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («اللام» مكان «إلى»
قال الله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، أي أوحى إليها.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}، أي إلى هذا.
يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقوله: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 572] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحيُ: كلُّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إلهام، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}، و{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، أي ألهمها). [تأويل مشكل القرآن: 489] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا ومن الشّجر وممّا يعرشون}
وبيوتا. فمن قرأ بيوتا بالضم فهو القياس، مثل كعب وكعوب وقلب وقلوب، ومن قرأ بيوتا بالكسر فهذا لم يذكر مثله أحد من البصريين لأنهم لا يجيزون مثله.
ليس في الكلام مثل فعل ولا فعول، والذين قرأوا به قلبوا الضمة إلى الكسرة من أجل الياء التي بعدها.
ومعنى الوحي في اللغة على وجهين يرجعان إلى معنى الإعلام والإفهام فمن الوحي وحي الله إلى أنبيائه بما سمعت الملائكة من كلامه، ومنه الإلهام كما قال اللّه:
(وأخرجت الأرض أثقالها) إلى {بأن ربّك أوحى لها} معناه ألهمها. فاللّه أوحى إلى كل دابّة وذي روح في التماس منافعها واجتناب مضارها، فذكر من ذلك أمر النحل.
وواحد النحل نحلة، مثل نخل ونخلة - لأن فيها من لطيف الصنعة وبديع الخلق ما فيه أعظم معتبر بأن ألهمها اتخاذ المنازل والمساكن، وأن تأكل من كل الثمرات على اختلاف طعومها..
ثم سهل عليها سبيل ذلك فقال جلّ وعزّ: {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون} ). [معاني القرآن: 3/210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} روى عن الضحاك أنه قال ألهمها وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في ستره فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي). [معاني القرآن: 4/84-83]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك} طرق ربّك الّتي جعل اللّه لك.
{ذللا} مطيعةً في تفسير قتادة.
يعني أنت مطيعةٌ.
وقال مجاهدٌ: {فاسلكي سبل ربّك ذللا} ، ذلّلت لها السّبل لا يتوعّر عليها مكانٌ.
{يخرج من بطونها شرابٌ} يعني العسل.
{مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنّاس} دواءٌ.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّ أخي يشتكي بطنه.
قال: اذهب فاسقه عسلا.
فذهب فسقاه عسلا، فلم ينفعه شيئًا.
فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه فقال: يا رسول اللّه إنّي سقيته، فلم ينفعه شيئًا.
فقال: اذهب فاسقه.
فذهب فسقاه، فلم ينفعه شيئًا، فجاء النّبيّ فأخبره فقال: اذهب فاسقه عسلا.
فذهب فسقاه، فلم يغن عنه شيئًا فأتى إلى النّبيّ فأخبره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه في الثّالثة أو في الرّابعة: «صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا،
فذهب فسقاه فبرأ بإذن اللّه».
قوله: {إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكّرون} هي مثل الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذللاً...}نعت للسبل.
يقال: سبيل ذلول وذلل للجمع ويقال: إن الذّلل نعت للنحل أي ذلّلت لأن يخرج الشراب من بطونها.
وقوله: {شفاء للنّاس} يعني العسل دواء ويقال {فيه شفاء للنّاس} يراد بالهاء القرآن، فيه بيان الحلال والحرام). [معاني القرآن: 2/109]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مّختلفٌ ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآيةً لّقومٍ يتفكّرون}
وقال: {ذللاً} وواحدها "الذلول" وجماعة "الذّلول" "الذلل"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاسلكي سبل ربّك ذللًا} أي منقادة بالتّسخير. وذل: جمع ذلول). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن. والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني المؤمنين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون}
أي قد ذللها اللّه لك وسهل عليك مسالكها.
ثم قال {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه}.
فهي تأكل الحامض والمرّ وما لا يوصف طعمه فيحيل الله ذلك عسلا يخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها ولكنه قال: {من بطونها} لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطون فيخرج بعضها من الفم كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم، فالنحل تخرج العسل من بطونها إلى أفواهها.
{فيه شفاء للنّاس} في هذا قولان، قيل إن. الهاء يرجع على العسل، المعنى في العسل شفاء للناس. وقيل إن الهاء للقرآن، المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا القول إذا فسّر علم أنه حسن، المعنى فيما قصصنا عليكم من قصة النحل في القرآن وسائر القصص التي تدل على أن اللّه واحد شفاء للناس.
والتفسير في العسل حسن جدا.
فإن قال قائل: قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره العسل، فكيف يكون فيه شفاء للناس؟
فجواب هذا أن يقال له الماء حياة كل شيء فقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يصادف من علة في البدن، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة، لأن الجلّاب والسكنجيين، إنما أصلهما العسل، وكذلك سائر المعجونات.
وهذا الاعتراض في أمر العسل إنما هو اعتراض جهلة لا يعرفون قدرة في النفع، فأمّا من عرف مقدار النفع فهو وإن كان من غير أهل هذه الملة فهو غير رافع أن في العسل شفاء).
[معاني القرآن: 3/211-210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاسلكي سبل ربك ذللا} روى معمر وسعيد عن قتادة قال مطيعة قال أبو جعفر ويحتمل في اللغة أن يكون قوله: {ذللا} للسبل لأنه يقال سبيل ذلول وسبل ذلل أي سهلة السلوك ويحتمل أن يكون للنحل أي هي منقادة مسخرة). [معاني القرآن: 4/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء} للشفاء فيه قولان: أحداهما أن المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا قول حسن
أي فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس
وقيل في العسل شفاء للناس وهذا القول بين أيضا لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل). [معاني القرآن: 4/85-84]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم} يميتكم.
{ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر}إلى الهرم.
{لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا} يصير بمنزلة الطّفل الّذي لا يعقل شيئًا.
{إنّ اللّه عليمٌ قديرٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/75-74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لكي لا يعلم...}
يقول: لكيلا يعقل من بعد عقله الأوّل (شيئاً) ). [معاني القرآن: 2/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر} وهو الهرم، لأن الهرم أسوأ العمر وشرّه.
{لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً} أي حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا لشدة هرمه). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}.
يريد: عدّلنا خلقه، وقوّمناه أحسن تعديل وتقويم.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}، والسّافلون: هم الضعفاء والزّمنى والأطفال، ومن لا يستطيع حيلة، ولا يجد سبيلا. وتقول: سفل يسفل فهو سافل، وهم سافلون.
كما تقول: علا يعلو فهو عال وهم عالون. وهو مثل قوله سبحانه: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}
وأراد: أنّ الهرم يخرف ويهتز وينقص خلقه، ويضعف بصره وسمعه، وتقلّ حيلته، ويعجز عن عمل الصالحات، فيكون أسفل من هؤلاء جميعا.
{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} في وقت القوّة والقدرة، فإنّهم في حال الكبر غير منقوصين، لأنّا نعلم أنا لو لم نسلبهم القدرة والقوّة لم يكونوا ينقطعون عن عمل الصّالحات، فنحن نجري لهم أجر ذلك ولا نمنّه،
أي لا نقطعه ولا ننقصه.
وهو معنى قول المفسرين. ومثله قوله سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، والخسر: النقصان {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
فإنهم غير منقوصين.
ونحوه قول رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله للكرام الكاتبين: إذا مرض عبدي فاكتبوا له ما كان يعمل في صحته، حتى أعاقبه أو أقبضه».
ثم قال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} أيها الإنسان {بِالدِّينِ}؟ أي: بمجازاتي إيّاك بعملك وأنا أحكم الحاكمين؟). [تأويل مشكل القرآن: 343-342] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إنّ اللّه عليم قدير}
أي منكم من يكبر ويسن حتى يذهب عقله خرفا فيصير بعد أن كان عالما جاهلا، والمعنى - واللّه أعلم - {لكيلا يعلم بعد علم شيئا} أي ليريكم من قدرته أنه كما قدر على إماتته وإحيائه أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل.
وأعلم - عزّ وجلّ - أن الموت والحياة بيده، وأنه [الإنسان] قد يتغذى بالأغذية التي يتعمّد فيها الغاية في الصلاح والبقاء، فلا يقدر أن يزيد في مقدار مدته شيئا).
[معاني القرآن: 3/212-211]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أي يهرم حتى ينقص عقله). [معاني القرآن: 4/85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لكي لا يعلم بعد علم شيئا} أي حتى يعود بعد العلم جاهلا أي لتعلموا أن الذي رده إلى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه). [معاني القرآن: 4/85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إلى أرذل العمر} الهرم.
{لكي لا يعلم بعد علم شيئا} أي الهرم، حتى لا يعلم شيئا بعد ما كان ذا علم، لشدة هرمه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132-131]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق فما الّذين فضّلوا} يعني في الرّزق.
{برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} ، سواءٌ يعني شرعًا، تفسير السّدّيّ.
يقول: هل منكم من أحدٍ يكون هو ومملوكه في أهله وماله سواءٌ؟ أي إنّكم لا تفعلون ذلك بمملوككم حتّى تكونوا في ذلك سواءً.
فاللّه أحقّ ألا يشرك به أحدٌ من خلقه.
وهو كقوله: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}
كخيفة بعضكم بعضًا.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه، فهل منكم من أحدٍ يشارك مملوكه في زوجته، وفراشه، وماله.
أفتعدلون باللّه خلقه؟ قال: {أفبنعمة اللّه يجحدون} على الاستفهام، أي: قد جحدوا بنعمة اللّه.
قال قتادة: والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة). [تفسير القرآن العظيم: 1/75]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما الّذين فضّلوا برآدّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم...}
فهذا مثل ضرب الله للذين قالوا: إن عيسى ابنه تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيراً، فقال: أنتم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون سواء فيه، فكيف جعلتم عبده شريكاً له تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق} يعني فضل السادة على المماليك.
{فما الّذين فضّلوا} يعني السادة {برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} أي لا يجعلون أموالهم لعبيدهم حتى يكونوا والعبيد فيها سواء.
وهذا مثل ضربه اللّه لمن جعل له شركاء من خلقه). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين.
يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 383] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 452-451] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعض في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة اللّه يجحدون}
أي قد فضل الله الملّاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه وأعلم أن المالك ليس يردّ على مملوكه من فضل ما في يده حتى يستوي حالهما في الملك.
وقيل لهم: إنكم كلكم من بني آدم، وأنتم لا تسوون بينكم فيما ملكت أيمانكم، وأنتم كلكم بشر.
فكيف تجعلون بعض الرزق الذي رزقكم اللّه له، وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين اللّه وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون لأنفسكم فيمن هو مثلكم بالشركة.
وقوله: {أفبنعمة اللّه يجحدون}.
فيها وجهان: يجوز أن يكون "، أَفَبِأنْ أنعم الله عليكم اتخذتم النعم لتجحدوا وتشركوا به الأصنام. وجائز أن يكون {أفبنعمة اللّه} أفبما أنعم اللّه عليكم بأن بين لكم ما تحتاجون إليه تجحدون). [معاني القرآن: 3/212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء} روى سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله أي إذا كان لأحدكم مملوك لم تسغ نفسه أن يعطيه مما يملك والله جل وعز أولى أن ينزه عن هذا
ومن هذا القول أنهم عمدوا إلى رزق الله فجعلوا للأصنام منه نصيبا وله نصيبا والمعنى إنكم كلكم بشر ويكون لأحدكم المملوك فلا يرد عليه مما يملك شيئا ولا يساويه فيه فكيف تعمدون إلى رزق الله فتجعلون منه نصيبا وللأوثان نصيبا). [معاني القرآن: 4/86-85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أفبنعمة الله يجحدون} أي أفأن أنعم الله عليهم جحدوا بالنعمة وجعلوا ما رزقهم لغيره،
وقيل المعنى أفأن أنعم عليهم بالبيان والبراهين جحدوا نعمه
قال الضحاك هذا المثل لله جل وعز وعيسى أي أنتم لا تفعلون هذا بعبيدكم فكيف ترضون لي باتخاذ بشر ولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا). [معاني القرآن: 4/87-86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} يعني فضل السادة على المماليك.
{فما الذين فضلوا} يعني السادة (برادين) ما في أيديهم فيشركون فيه عبيدهم، فيكونون سواء. هو مثل ضربه الله تعالى لمن جعل له شريكا في خلقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} ، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان.
قوله: {ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون} على الاستفهام، أي: قد آمنوا بالباطل، والباطل إبليس.
وقال السّدّيّ: {أفبالباطل يؤمنون} يعني: بعبادة الشّيطان، الشّرك، يصدّقون.
قوله: {وبنعمة اللّه هم يكفرون} هو كقوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرًا} وكقوله: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون}،
يقول: تجعلون مكان الشّكر التّكذيب). [تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت= بأكفّهن أزمّة الأجمال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت= بأكفّهنّ أزمّة الأجمال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} روى سعيد عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم). [معاني القرآن: 4/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفهن أزمة الأجمال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقًا} قال قتادة: وهي الأوثان.
{من السّموات والأرض شيئًا} ، يعني: آلهتهم الّتي يعبدون من دون اللّه.
{ولا يستطيعون} مثل قوله: {ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا} بعثًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/76]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً...}
نصبت (شيئاً) بوقوع الرزق عليه، كما قال تبارك وتعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً} أي تكفت الأحياء والأموات. ومثله {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة يتيماً}
ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه: لا يملك لهم رزق شيء من السموات. ومثله قراءة من قرأ {فجزاء مثل ما قتل من النّعم}.
وقوله: {ولا يستطيعون} وقال في أوّل الكلام (يملك) وذلك أن (ما) في مذهب جمع لآلهتهم التي يعبدون، فوحّد (يملك) على لفظ (ما) وتوحيدها، وجمع في (يستطيعون) على المعنى.
ومثله قوله: {ومنهم من يستمع إليك} وفي موضع آخر {ومنهم من يستمعون إليك}
ومثله: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحاً} و{يعمل صالحاً} فمن ذكره ردّ آخره على أوّله، ومن أنّث ذهب إلى أن (من) في موضع تأنيث، فذهب إلى تأنيثها.
وأنشدنا بعض العرب:

هيا أمّ عمرو من يكن عقر داره = جواءٌ عدي يأكل الحشرات
ويسودّ من لفح السموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي نكرات
فرجع في (كانوا) إلى معنى الجمع وفي قراءة عبد الله - فيما أعلم - (ومنكم من يكون شيوخاً) ولم يقل (شيخاً)
وقد قال الفرزدق:

تعشّ فإن واثقتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما = أخيّين كانا أرضعا بلبان
فثنّى (يصطحبان) وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه). [معاني القرآن: 2/111-110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون}
وقال: {رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً} فجعل "الشيء" بدلا من "الرزق" وهو في معنى "لا يملكون رزقاً قليلاً ولا كثيرا".
وقال بعضهم: "الرّزق فعل يقع بالشيء" يريد: "لا يملكون أن يرزقوا شيئا"). [معاني القرآن: 2/67-66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً من السّماوات والأرض شيئاً} نصب شيئا بإيقاع رزق عليه.
أي يعبدون مالا يملك أن يرزقهم شيئا. كما تقول: هو يخدم من لا يستطيع إعطاءه درهما). [تفسير غريب القرآن: 247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا} أي لا يملكون أن يرزقوهم شيئا). [معاني القرآن: 4/91-90]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فلا تضربوا للّه الأمثال} ، يعني: فتشبّهوا هذه الأوثان الميّتة الّتي لا تحيي ولا تميت ولا ترزق باللّه الّذي يحيي ويميت ويرزق، ويفعل ما يريد.
{إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
وقال السّدّيّ: {فلا تضربوا للّه الأمثال} ، يعني: لا تصفوا له الأشباه). [تفسير القرآن العظيم: 1/77-76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تضربوا للّه الأمثال إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
أي لا تجعلوا للّه مثلا لأنه واحد لا مثل له، جلّ وعزّ، ولا إله إلّا هو - عز وجل. ثم ضرب لهم المثل فقال:
{ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا هل يستوون الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون} ). [معاني القرآن: 3/213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يستطيعون * فلا تضربوا لله الأمثال} قال الضحاك لا تعبدوا من دونه ما لا ينفعكم ولا يضركم ولا يرزقكم). [معاني القرآن: 4/91]


رد مع اقتباس