عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 20 إلى 40]

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {والّذين يدعون من دون اللّه} الأوثان.
{لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} يصنعون، يصنعونهم بأيديهم.
قال إبراهيم: {قال أتعبدون ما تنحتون * واللّه خلقكم وما تعملون } بأيديكم.
وقال السّدّيّ: {لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون}، يعني: وهم يصوّرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يدعون من دون اللّه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}
ويقرأ {تدعون من دون اللّه} بالتاء والياء.
{لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}.
يعنى به الأوثان التي كانت تعبدها العرب). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} يعني الأوثان
وقرأ محمد اليماني والذين يدعون من دون الله بضم الياء وفتح العين). [معاني القرآن: 4/62-61]

تفسير قوله تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أمواتٌ غير أحياءٍ} قال قتادة: هي الأوثان أمواتٌ لا روح فيها.
{وما يشعرون أيّان يبعثون} متى يبعثون، يعني البعث.
إنّ الأوثان تحشر بأعيانها فتخاصم عابدها عند اللّه بأنّها لم تدعهم إلى عبادتها، وإنّما كان دعاهم إلى عبادتها الشّياطين.
قال: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} إلا مواتًا، شيئًا ليس فيه روحٌ، {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمواتٌ غير أحياء...}
رفعته بالاستئناف. وإن شئت رددته إلى أنه خبر للذين فكأنه قال: والذين تدعون من دون الله أموات. الأموات في غير هذا الموضع أنها لا روح فيها يعني الأصنام.
ولو كانت نصباً على قولك يخلقون أمواتاً على القطع وعلى وقوع الفعل أي ويخلقون أمواتاً ليسوا بأحياء.
وقوله: {وما يشعرون أيّان يبعثون} يقول: هي أموات فكيف تشعر متى تبعث، يعني الأصنام. ويقال للكفار: وما يشعرون أيّان.
وقرأ أبو عبد الرحمن السّلميّ {إيّان يبعثون}بكسر ألف (إيّان) وهي لغة لسليم وقد سمعت بعض العرب يقول: متى إيوان ذاك والكلام أوان ذلك). [معاني القرآن: 2/99-98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أيّان يبعثون} مجازه: متى يحيون). [مجاز القرآن: 1/357]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون}
وقال: {أمواتٌ غير أحياء} على التوكيد). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أيان تبعثون}: متى). [غريب القرآن وتفسيره: 205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما يشعرون أيّان يبعثون} أي متى يبعثون). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أيان
أيّان: بمعنى متى، ومتى بمعنى: أيّ حين.
ونرى أصلها: أيّ أوان، فحذفت الهمزة والواو، وجعل الحرفان واحدا، قال الله تعالى: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ؟ أي متى يبعثون؟ و{أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} ). [تأويل مشكل القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أموات غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون} أي وهم أموات غير أحياء.
وقوله: {وما يشعرون أيّان يبعثون} أي ما يشعرون متى يبعثون، و (أيّان) في موضع نصب بقوله (يبعثون) ولكنه مبني غير منون، لأنه بمعنى الاستفهام فلا يعرب كما لا تعرب كم ومتى وكيف وأين، إلّا أن النون فتحت لالتقاء السّاكنين.
فإن قال قائل: فهلّا كسرت؟
قيل الاختيار إذا كان قبل الساكن الأخير ألف أن يفتح، لأن الفتح أشبه بالألف وأخف معها.
وزعم سيبويه والخليل أنك إذا رخّمت رجلا اسمه أسحار، قلت يا أسحارّ - بتشديد الراء - أقبل، ففتحت الراء لالتقاء السّاكنين، - وكذلك تختار مع المفتوح الفتح، تقول إذا أمرت من غضّ: غضّ يا هذا). [معاني القرآن: 3/194-193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أموات غير أحياء} أي هم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون يجوز أن يكون المعنى وما تشعر الأصنام ويجوز أن يكون المعنى وما يشعر المشركون
متى يبعثون). [معاني القرآن: 4/62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَيَّانَ}: متى). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إلهكم إلهٌ واحدٌ فالّذين لا يؤمنون بالآخرة} لا يصدّقون بالآخرة.
{قلوبهم منكرةٌ} له.
سعيدٌ عن قتادة، قال: لهذا القرآن.
وبعضهم يقول: لا إله إلا اللّه.
{وهم مستكبرون} عن عبادة اللّه، وعن ما جاء به رسوله في تفسير الحسن.
وقال قتادة: عن القرآن.
وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {لا جرم} وهي كلمة وعيدٍ.
{أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون} وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
{إنّه لا يحبّ المستكبرين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/58-57]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا جرم} أي حقاً، وقال أبو أسماء بن الضّريبة أو عطيّة بن عفيف:


يا كرز إنك قد منيت بفارسٍ= بطلٍ إذا هاب الكماة مجرّب
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة= جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي أحقت لهم الغضب، وجرم مصدر منه: وكرز: رجل من بني عقيل؛ وأبو عيينة حصن بن حذيفة بن بدر). [مجاز القرآن: 1/358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جرم}: أي حقا). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لا جَرَمَ} قالَ الفرَّاء: هي بمنزلةِ لا بُدَّ ولا مَحَالةَ، ثمَّ كَثُرَت في الكلام حتى صارت بمنزلة حقًّا.
وأصلها من جَرَمْتُ: أي كَسَبْتُ.
وقال في قول الشاعر:
ولقد طعنتُ أبا عيينةَ طعنةً = جَرَمَتْ فَزَارَةُ بعدَها أَن يَغْضَبُوا
أي: كَسَبْتُهُمُ الغَضَبَ أَبَدًا.
قال: وليس قول من قال: (حُقَّ لِفَزَارَةَ الغَضَبُ) بِشيء.
ويقال: فلان جَارِمُ أَهْلِهِ، أَي كاسبُهُم وَجَرِيمَتُهُم.
ولا أحسبُ الذَّنبَ سُمِّيَ جُرْمًا إِلاَّ مِن هَذَا: لأَنَّهُ كَسْبٌ واقترِافٌ). [تأويل مشكل القرآن: 551-550] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا جرم أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه لا يحبّ المستكبرين}
معنى {لا جرم} حق أن اللّه يعلم، ووجب، وقوله: " لا " رد لفعلهم.
قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة= جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
المعنى أحقت فزارة بالغضب). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَرَمَ}: حق). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم} ، إذا قال المؤمنون للمشركين في الدّنيا: {ماذا أنزل ربّكم}.
{قالوا أساطير الأوّلين} وإنّما ارتفعت لأنّهم قالوا لهم أساطير الأوّلين.
وهذه حكايةٌ.
قال قتادة: أي: كذب الأوّلين وباطلهم، وليس يقرّون أنّ اللّه أنزل كتابًا، ويقولون إنّ النّبيّ افتراه من عنده.
سعيدٌ عن قتادة، قال: قال ذلك ناسٌ من مشركي العرب كانوا يتصدّون بالطّريق من أتى نبيّ اللّه، فإذا مرّ بهم من المؤمنين من يريد نبيّ اللّه قالوا: إنّما هو أساطير الأوّلين، أي: كذب الأوّلين وباطلهم.
وفي تفسير الكلبيّ: إنّ المقتسمين الّذين تفرّقوا على أعقاب مكّة أربعة نفرٍ على كلّ طريقٍ، أمرهم بذلك الوليد بن المغيرة فقال: من سألكم عن محمّدٍ من النّاس وقد كان حضر الموسم.
فقال لهم: إنّ النّاس سائلوكم عنه غدًا بعد الموسم، فمن سألكم عنه من النّاس فليقل بعضكم: ساحرٌ، وليقل الآخران: كاهنٌ، وليقل الآخرون: شاعرٌ، وليقل الآخرون: مجنونٌ يهذي من أمّ رأسه.
فإن رجعوا بذا ورضوا بقولكم فذاك، وإلا لقوني عند البيت، فإذا سألوني صدّقتكم كلّكم.
فسمع بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشقّ عليه، وبعث مع كلّ أربعةٍ أربعةً من أصحابه.
فقال: إذا سألوكم عنّي فكذبوا عليّ، فحدّثوا النّاس بما أقول.
فكان إذا سئل المشركون ما صاحبكم؟ فقالوا: ساحرٌ، فقال الأربعة الّذين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه: انطلقوا، بل هو رسول اللّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويأمر بصلة ذي القرابة وبأن يقرى الضّيف، وأن يعبد اللّه، في كلامٍ حسنٍ جميلٍ، فيقول النّاس للمسلمين: واللّه ما تقولون أنتم أحسن ممّا يقول هؤلاء، واللّه لا نرجع حتّى نلقاه، فهو قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم} ، يعني: المشركين {قالوا أساطير الأوّلين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين}
" ما " مبتدأ، و " ذا " في موضع الذي. المعنى ما الذي أنزل ربكم.
وأساطير مرفوعة على الجواب، كأنهم قالوا: الّذي أنزل أساطير الأولين.
أي أكاذيب الأولين، واحدها أسطورة). [معاني القرآن: 3/194]

تفسير قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليحملوا أوزارهم} آثامهم، في تفسير الحسن والسّدّيّ.
وقال قتادة: ذنوبهم.
وهو واحدٌ.
{كاملةً يوم القيامة} ، يعني: الّذين قالوا: أساطير الأوّلين.
{ومن أوزار} قال قتادة: ومن ذنوب.
{الّذين يضلّونهم} وقال السّدّيّ: ومن آثام الّذين يضلّونهم.
وهو واحدٌ.
{بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} ، أي: بئس ما يحملون، يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الّذين دعوهم إلى الضّلال واتّبعوهم عليه.
وهو كقوله: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الّذين دعوهم إلى الضّلالة فاتّبعوهم عليها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزار الّذين اتّبعوهم شيءٌ.
- أبو الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أيّما داعٍ دعا إلى هدًى فاتّبع فله مثل أجر من اتّبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم، وأيّما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتّبع فعليه مثل وزر من اتّبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أوزارهم}: الأوزار هي الآثام، واحدها وزرٌ). [مجاز القرآن: 1/358]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}
هؤلاء كانوا يصدون من أراد اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا سئلوا عما أتى به - قالوا الذي جاء أساطير الأولين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم يحملون بذلك آثام الذين كفروا بقولهم.. ولا ينقص ذلك من إثم التابع.
وقوله: {ألا ساء ما يزرون}.
" ما " في موضع رفع، كما ترفع بنعم وبئس، المعنى ساء الشيء وزرهم، هذا كما تقول: بئس الشيء). [معاني القرآن: 3/195-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل).[معاني القرآن: 4/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}
قال مجاهد يحملون إثم من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شيء). [معاني القرآن: 4/63-62]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد}، يعني: الّذين أهلك بالرّجفة من الأمم السّالفة، رجفت بهم الأرض.
{فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} تناقضت سقوف منازلهم عليهم.
{وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} سعيدٌ عن قتادة، قال: أتاها أمر اللّه من أصلها، {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} والسّقف: أعالي البيوت، فانكفأت بهم بيوتهم.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: يعني مكر نمرود.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: مكر نمرود بن كنعان الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأتى الله بنيانهم من القواعد} مجازه مجاز المثل والتشبيه والقواعد الأساس. إذا استأصلوا شيئاً قالوا هذا الكلام،
وهو مثل؛ القواعد واحدتها قاعدة، والقاعد من النساء التي لا تحيض). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {القواعد}: الأساس). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} أي من الأساس. وهذا مثل.
أي أهلكهم كما أهلك من هدم مسكنه من أسفله فخرّ عليه). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}
أي من أساطين البناء التي تعمده.
{فخرّ عليهم السّقف من فوقهم}.
يروى أن ذلك في قصة نمرود بن كنعان، بنى صرحا يمكر به فخر سقفه عليه وعلى أصحابه، وقال بعضهم: هذا مثل، جعلت أعمالهم التي عملوها بمنزلة الباني بناء يسقط عليه فمضرة عملهم عليهم كمضرّة الباني إذا سقط عليه بناؤه). [معاني القرآن: 3/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف} من فوقهم،
وقرأ الأعرج السقف قال مجاهد يعني بهذا نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ويروي أنه بنى بنيانا عظيما فخر وقد قيل هذا تمثيل أي أهلكهم الله فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه وهلك وقيل أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه والفائدة في قوله تعالى: {من فوقهم} أنه قد يقال سقط على منزل كذا إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه).[معاني القرآن: 4/64-63]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فخر عليهم السقف من فوقهم} قال: وَكَّدَ-ليس بسماع - ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته،
والعرب تقول: خر علينا سقف، ووقع علينا حائط، فجاء بقوله: من فوقهم، ليخرج هذا الشك، الذي في كلام العرب، فقال فخر عليهم السقف من فوقهم، أي عليهم وقع، وكانوا تحته فهلكوا، وما افلتوا). [ياقوتة الصراط: 294-293]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من القواعد} أي من الأساس. وقيل: هذا مثل في إهلاكهم كما أهلك من تهدم مسكنه من أسفل، فخر عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {القَوَاعِدَ}: الأساس). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ يوم القيامة يخزيهم} في النّار بعد عذاب الدّنيا.
{ويقول أين شركائي} ، أي: الّذين زعمتم أنّهم شركائي.
{الّذين كنتم تشاقّون فيهم} تفارقون فيهم، يعني: المحاربة والعداوة.
عادوا اللّه في الأوثان فعبدوها من دونه.
وقال السّدّيّ: {تشاقّون فيهم} ، يعني: تحاجّون فيهم.
{قال الّذين أوتوا العلم} وهم المؤمنون.
{إنّ الخزي اليوم} ، يعني: إنّ الهوان اليوم.
{والسّوء} ، يعني: العذاب.
وهو تفسير السّدّيّ.
{على الكافرين} وهذا الكلام يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم} أي تحاربون فيهم). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تشاقون فيهم}: تحاربون). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم قال الّذين أوتوا العلم إنّ الخزي اليوم والسّوء على الكافرين}
و {تشاقّون فيهم} بكسر النون، وقد فسرنا مثل هذا، وإنّما... شركائي
حكاية لقولهم، واللّه - جل ثناؤه - لا شريك له.
المعنى أين الذين في دعواكم أنهم شركائي). [معاني القرآن: 3/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم} المعنى أين الذين كنتم تدعون أنهم شركائي أي أين شركائي على قولكم
والله جل وعز لا شريك له). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُشَاقُّونَ}: تحاربون). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} قال بعضهم: توفّاهم عند الموت.
وقال الحسن: هي وفاةٌ إلى النّار، حشرٌ إلى النّار.
{فألقوا السّلم} تفسير قتادة: استسلموا.
وتفسير الحسن: فأعطوا الإسلام، أسلموا فلم يقبل ذلك منهم.
وقال: إنّ في القيامة مواطن، فمنها موطنٌ يقرّون فيه بأعمالهم الخبيثة وهو قوله: {وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}،
ومنها موطنٌ يجحدون فيه فقالوا: {ما كنّا نعمل من سوءٍ}.
فقيل لهم: {بلى إنّ اللّه عليمٌ بما كنتم تعملون} في الدّنيا أنّكم مشركون.
وقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}.
قال: {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} فادّعوا أنّهم لم يكونوا مشركين، {وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} من عبادتهم الأوثان، فلم تغن عنهم شيئًا.
وإنّ آخرها موطنًا أن يختم على أفواههم وتكلّم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، يعملون.
وقال السّدّيّ في قوله: {ما كنّا نعمل من سوءٍ}، يعني: من شركٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/61-60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فألقوا السّلم} أي صالحوا وسالموا والسلم والسلم والسلام واحد). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فألقوا السلم}: الاستسلام). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فألقوا السّلم} أي انقادوا واستسلموا والسلّم: الاستسلام). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء بلى إنّ اللّه عليم بما كنتم تعملون}
{فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء} أي ألقوا الاستسلام، وذكر السّلم، والسّلم الصّلح، - لذكره المشاقة.
وبإزاء المشاقة والمعاداة الصلح.
{ما كنّا نعمل من سوء} أي قالوا: ما كنا نعمل من سوء). [معاني القرآن: 3/196-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فألقوا السلم} أي الاستسلام أي أذعنوا واستسلموا). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّلَمَ}: الاستسلام). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فادخلوا أبواب جهنّم} .
قد فسّرناها قبل هذا الموضع.
{خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين} عن عبادة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/61]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرًا} ، أي: أنزل خيرًا.
ثمّ انقطع الكلام.
ثمّ قال: {للّذين أحسنوا} آمنوا.
{في هذه الدّنيا حسنةٌ ولدار الآخرة خيرٌ}
- همّامٌ عن قتادة عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنةً يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ويجزى بها في الآخر)).
قال يحيى: وبلغني عن عليٍّ في تفسيرها نحو ذلك.
وتفسير الحسن يقول: للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا تكون لهم حسنتهم في الآخرة الجنّة.
قال: {ولدار الآخرة خيرٌ} من الدّنيا.
{ولنعم دار المتّقين} الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/61]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنعم دار المتّقين...}
{جنّات عدنٍ...} ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تقول: نعم الدار دارٌ تنزلها. وأن شئت جعلت {ولنعم دار المتّقين} مكتفياً بما قبله، ثم تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف.
وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها في {يدخلونها}). [معاني القرآن: 2/99]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً لّلّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ ولدار الآخرة خيرٌ ولنعم دار المتّقين}
وقال: {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} فجعل "ماذا" بمنزلة "ما" وحدها). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرا للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}
" ما " و "ذا " كالشيء الواحد، والمعنى أي شيء أنزل ربكم.
{قالوا خيرا}.
على جواب " ماذا " المعنى أنزل خيرا.
{للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة}.
جائز أن يكون هذا الكلام ذكر ليدل على أن الذي قالوه اكتسبوا به حسنة، وجائز أن يكون تفسيرا لقولهم خيرا، وحسنة، بالرفع القراءة. ويجوز " للذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة "، ولا تقرأنّ بها،
وجوازها أن معناها أن " أنزل خيرا " - جعل للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، أي جعل لهم مكافأة في الدنيا قبل الآخرة.
وقوله: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}.
المعنى، ولنعم دار المتقين دار الآخرة، ولكن المبيّن لقوله {دار المتقين} هو، قوله: {جنّات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}
وهي مرفوعة بإضمار " هي " كأنك لما قلت، ولنعم دار المتقين على جواب السائل أي دار هي هذه الممدوحة، فقلت: (جنّات عدن يدخلونها).
وإن شئت رفعت على الابتداء، ويكون المعنى: جنات عدن نعم دار المتقين). [معاني القرآن: 3/196]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {جنّات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار} وقد فسّرنا (عدنٍ) قبل هذا الموضع.
نسبت الجنان كلّها إليها.
قال: {لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}. [تفسير القرآن العظيم: 1/61]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنعم دار المتّقين...}
{جنّات عدنٍ...} ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تقول: نعم الدار دارٌ تنزلها.
وأن شئت جعلت {ولنعم دار المتّقين} مكتفياً بما قبله، ثم تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف.
وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها في {يدخلونها} ). [معاني القرآن: 2/99] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}.
المعنى، ولنعم دار المتقين دار الآخرة، ولكن المبيّن لقوله {دار المتقين} هو، قوله: {جنّات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}
وهي مرفوعة بإضمار " هي " كأنك لما قلت، ولنعم دار المتقين على جواب السائل أي دار هي هذه الممدوحة، فقلت: {جنّات عدن يدخلونها}.
وإن شئت رفعت على الابتداء، ويكون المعنى: جنات عدن نعم دار المتقين). [معاني القرآن: 3/196]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {الّذين تتوفّاهم الملائكة} تقبض أرواحهم.
{طيّبين}
قال ابن مجاهدٍ عن أبيه: أحياءً وأمواتًا، قدّر اللّه ذلك لهم.
{يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون} حيوة بن شريحٍ، ذكره بإسنادٍ قال: إنّ الملائكة تأتي وليّ اللّه عند الموت فتقول: السّلام عليك يا وليّ اللّه، اللّه يقرأ عليك السّلام.
وتبشّره بالجنّة.
قال يحيى: فهو قوله: {تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلامٌ عليكم}.
الخليل بن مرّة ذكره بإسنادٍ قال: يقول اللّه: ادخلوا الجنّة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (( الدّرجة فوق الدّرجة كما بين السّماء والأرض، وإنّ العبد ليرفع بصره فيلمع له برقٌ يكاد أن يختطف بصره، فيفزع لذلك فيقول: ما هذا؟ فيقال له: هذا نور أخيك فلانٍ، فيقول: أخي فلانٌ، كنّا في الدّنيا نعمل جميعًا وقد فضّل عليّ هكذا.فيقال له إنّه كان أفضل منك عملا.
ثمّ يجعل في قلبه الرّضى حتّى يرضى)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/61-62]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {هل ينظرون} ما ينظرون.
{إلا أن تأتيهم الملائكة} وهو عند الموت.
{أو يأتي أمر ربّك} ذاك يوم القيامة.
وهذا تفسير قتادة.
وتفسير الحسن: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} بعذابهم، يعني: مشركي العرب.
{أو يأتي أمر ربّك} ، يعني: النّفخة الأولى الّتي يهلك اللّه بها آخر كفّار هذه الأمّة الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه قبل عذاب الآخرة.
قال: {كذلك فعل الّذين من قبلهم} كذلك كذّب الّذين من قبل مشركي العرب كما كذّب مشركو العرب، فأهلكناهم بالعذاب.
قال: {وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} يضرّون.
وقال الحسن: ينقصون). [تفسير القرآن العظيم: 1/62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربّك كذلك فعل الّذين من قبلهم وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
أي: لقبض أرواحهم، أو يأتي ما وعدهم اللّه به من عذابه.
وقوله: {كذلك فعل الّذين من قبلهم وما ظلمهم اللّه}
أي كذلك فعلوا فأتاهم أمر اللّه بالعذاب، {فأصابهم سيئات ما عملوا} ). [معاني القرآن: 3/197-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} أي لقبض أرواحهم أو يأتي أمر ربك أي بالعذاب والزلزلة والخسف). [معاني القرآن: 4/64]

تفسير قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فأصابهم سيّئات ما عملوا} ثواب ما عملوا.
وقال السّدّيّ: أي عذاب ما عملوا من الشّرك.
{وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} ثواب ما كانوا به يستهزئون بآيات اللّه وبالرّسل). [تفسير القرآن العظيم: 1/63-62]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيءٍ}
وهو ما حرّموا على أنفسهم من البحيرة والسّائبة، والوصيلة، والحام، والزّرع.
وهو قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا} إلى آخر الآية.
قالوا: لو كره اللّه هذا الّذي نحن عليه لحوّلنا عنه.
فقال اللّه جوابًا لقولهم: {كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل}.
وقد ذكر عنهم في سورة الأنعام مثل هذا فقال: {قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا} أي: من حجّةٍ، أنّه لا يكره ما أنتم عليه، {إن تتّبعون إلا الظّنّ}.
وقال في هذه الآية: {كذلك فعل الّذين من قبلهم}يعني: فما {فهل على الرّسل}.
تفسير السّدّيّ.
{إلا البلاغ المبين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}
و{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟ ،و{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟ .
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن: 539-538] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيء كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين}
هذه الآية وأشباهها فيه تنازع وينبغي أن يقف أهل القرآن والسنة على حقيقة تفسيرها لأن قوما زعموا أن من قال هذا فقد كفر وأن من قال من العباد أن لا يفعل إلا ما شاء الله فقد كفر، وهذا تأويل رديء، وإنما كفر أولئك وكذبوا، لأنهم كانوا يقولون: لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء على جهة الهزؤ، والدليل على ذلك أنّ قوم شعيب قالوا لشعيب:
{أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرّشيد}.
فلو قالوا له هذا معتقدين لكانوا مؤمنين، وإنما قالوه مستهزئين.
وقد اتفقت الأمّة على أن الله لو شاء ألا يعبد غيره مشيئة اضطرار إلى ذلك لم يقدر أحد على غير ذلك، ولكن اللّه جل ثناؤه تعبّد العباد ووفق من أحبّ توفيقه، وأضل من أحب إضلاله، وهؤلاء قالوا هذه محقّقين ما قيل لهم أنهم مكذبون إذ كان الإجماع على أن اللّه - عزّ وجلّ - يقدر على أن يجبر العباد على طاعته وأعلم اللّه أنهم مكذبون كما كذب الذين من قبلهم فقال:
{فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين} أي الإبلاغ. الذي يبينون معه أنهم أنبياء). [معاني القرآن: 3/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا}
قال قوم ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته وقال قوم من قال هذا فقد كفر
قال أبو جعفر هذا غلط في التأويل ولا يقبل في التفسير على أنهم قالوا هذا على جهة الهزء كما قال قوم شعيب لنبيهم إنك لأنت الحليم الرشيد أي إنك أنت الحليم الرشيد على قولك وقد تبين هذا بقوله:
{إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} وفي قراءة أبي (فإن الله لا هادي لمن أضل الله) وهو شاهد لمن قرأ: {لا يهدي} وهي القراءة البينة كما قال: {وما توفيقي إلا بالله}
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ لا يهدي من يضل وأحسن ما قيل في هذا ما رواه أبو عبيد عن الفراء أنه يقال هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي قال تعالى: {أمن لا يهدي إلا أن يهدى} بمعنى يهتدي
قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال أبو جعفر حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى لا يهدي من يضل من علم ذلك منه وسبق له ذلك عنده قال ولا يكون يهدي بمعنى يهتدي إلا أن
تقول يهدي أو يهدي). [معاني القرآن: 4/66-64]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا}، يعني: من أهلك بالعذاب.
{أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} والطّاغوت: الشّيطان، هو دعاهم إلى عبادة الأوثان، مثل قوله: {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا}.
وقال السّدّيّ: {واجتنبوا الطّاغوت} ، يعني: واجتنبوا الأوثان.
قال: {فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة} كقوله: {شقيٌّ وسعيدٌ}.
{فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} سعيدٌ عن قتادة، قال: كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم، ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
فأعلم اللّه أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة، وهو من وراء الإضلال والهداية،
فقال: {فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة}.فهذا يدل على أنهم لو قالوا ذلك معتقدين لكانوا صادقين،
ثم أكد ذلك فقال: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم من ناصرين} ). [معاني القرآن: 3/198-197]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ}
كقوله: {من يضلل اللّه فلا هادي له}.
حمّادٌ عن قيس بن سعيدٍ عن مجاهدٍ، أنّه كان يقرؤها كذلك.
قال حمّادٌ: وهي قراءة ابن كثيرٍ.
وهي تقرأ على وجهٍ آخر: لا يهدى من يضلّ.
حدّثني فطرٌ، عن الشّعبيّ، قال: أشهد على علقمة أنّي سمعته يقرأ: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ}، أي: من أضلّه اللّه، فوجبت عليه الضّلالة فإنّ اللّه لا يهديه.
وقوله في الحرص كقوله: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}.
قال: {وما لهم من ناصرين} إذا جاءهم العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/64-63]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ...}
قرأها أصحاب عبد الله {يهدّي} يريدون: يهتدي من يضلّ. والعرب تقول للرجل: قد هدّي الرجل يريدون: اهتدى. ومثله {أم من لا يهدّي إلاّ أن يهدى} ... حدثني الحسن بن عيّاش أخو أبى بكر بن عيّاش وقيس بن الربيع وغيرهما عن الأعمش عن الشّعبي عن علقمة أنه قرأ (لا يهدي من يضل) كذلك.
وقرأها أهل الحجاز {لا يهدى من يضلّ} وهو وجه جيّد لأنها في قراءة أبيّ (لا هادي لمن أضل الله) ومن في الوجهين جميعاً في موضع رفع ومن قال {يهدي} كانت رفعاً إذ لم يسمّ فاعلها ومن قال {لا يهدي} يريد: يهتدي يكون الفعل لمن). [معاني القرآن: 2/99]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم مّن نّاصرين}
وقال: {إن تحرص} لأنها من "حرص" "يحرص"). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم من ناصرين}
وقرئت فإن اللّه لا يهدى من يضل، كما قال: {من يضلل اللّه فلا هادي له}.
وفيها وجه ثالث في القراءة.. " لا يهدي من يضل " وهو أقلّ الثلاثة). [معاني القرآن: 3/198]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت} قال: {بلى وعدًا عليه} ليبعثنّهم.
ثمّ قال: {حقًّا} فأقسم بقوله: {حقًّا}
{ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون * ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه} ما كانوا يختلفون فيه في الدّنيا، المؤمنون والكافرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {بلى وعداً عليه حقّاً...}
بلى ليبعثنّهم وعداً عليه حقّاً. ولو كان رفعاً على قوله: {بلى وعد عليه حقٌّ} كان صواباً). [معاني القرآن: 2/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدا عليه حقّا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}
{وعدا} منصوب مؤكد، المعنى بلى يبعثهم اللّه وعدا عليه حقا، {ليبين لهم الذي يختلفون فيه}.
فهذا على ضربين، جائز أن يكون معلقا بالبعث، ويكون المعنى: بلى يبعثهم الله ليبيّن - لهم وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، وجائز أن يكون {ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه} معلقا بقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا}
ليبيّن لهم اختلافهم، وأنهم كانوا من قبله على ضلالة). [معاني القرآن: 3/198]

تفسير قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين} بقولهم في الدّنيا: {لا يبعث اللّه من يموت} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه} يحتمل معنيين أحدهما أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه جملة الكلام وهو أن يكون المعنى بل يبعثهم ليبين لهم الذي يختلفون فيه والقول الآخر أن يكون متعلقا بقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} فيكون المعنى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} ). [معاني القرآن: 4/66]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} قبل أن يكون {كن فيكون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون...}
القول مرفوع بقوله: (أن نقول) كما تقول: إنما قولنا الحقّ. وأمّا قوله: {فيكون} فهي منصوبة بالردّ على نقول. ومثلها التي في يس منصوبة، وقد رفعها أكثر القراء.
وكان الكسائيّ يردّ الرفع في النحل. وفي يس وهو جائز على أن تجعل {أن تقول له} كلاماً تامّاً ثم تخبر بأنه سيكون، كما تقول للرجل: إنّما يكفيه أن آمره ثم تقول: فيفعل بعد ذلك ما يؤمر). [معاني القرآن: 2/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: {إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}
القراءة الرفع، وقد قرئت بالنصب، فالرفع على فهو، ويكون على معنى ما أراد اللّه فهو يكون، والنصب على ضربين أحدهما أن يكون قوله فيكون عطفا على {أن نقول فيكون}.
ويجوز أن يكون نصبا على جواب (كن) فـ (قولنا) رفع بالابتداء.
وخبره {أن نقول}، المعنى إنما قولنا لكل مراد قولنا كن، وهذا خوطب العباد فيه بما يعقلون وما أراد اللّه فهو كائن على كل حال وعلى ما أراده من الإسراع ولو أراد خلق الدنيا - السّماوات والأرض - في قدر لمح البصر لقدر على ذلك ولكنّ العباد خوطبوا بما يعقلون، فأعلمهم الله سهولة خلق الأشياء عليه قبل أن تكون، فأعلم أنه متى أراد الشيء كان، وأنه إذا قال كن كان. ليس أن الشيء قبل أن يخلق كان موجودا.
إنما المعنى: إذا أردنا الشيء نقول من أجله " كن " أيها المراد فيكون على قدر إرادة اللّه، لأن القوم أعني المشركين أنكروا البعث، {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت}.
وهو معنى قوله: {وكانوا يصرّون على الحنث العظيم} أي كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون.
ولقد جاء في التفسير أن الحنث الشرك لأن من اعتقد هذا فضلا أن يحلف عليه فهو مشرك. فقال جلّ وعلا.
{بلى وعدا عليه حقّا}أي بلى يبعثهم وعدا عليه حقا، و {حقّا} منصوب مصدر مؤكد لأنه إذا قال يبعثهم دل على " وعد بالبعث وعدا "). [معاني القرآن: 3/199-198]


رد مع اقتباس