الموضوع: سورة النساء
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م, 08:04 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(24)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (سورة النساء وهى مدنية)
قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} [24 / النساء / 4] فنسخت بقوله صلى الله عليه وسلم إني كنت أحللت هذه المتعة ألا وإن الله ورسوله قد حرماها ألا فليبلغ الشاهد الغائب.
ووقع ناسخها من القرآن موضع ذكر ميراث الزوجة الثمن والربع فلم يكن لها في ذلك نصيب.
وقال محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه موضع تحريمها في سورة المؤمن وناسخها قوله تعالى: {والذين هم لفوجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم...} [5 مكية / المؤمن / 23] وأجمعوا على أنها ليست بزوجة ولا ملك يمين فنسخها الله بهذه الآية.)
[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 31-35]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (سورة النساء)قال جلّ وعزّ: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24] وفيها {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} [النساء: 24]
فقوله جلّ وعزّ: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24]، لولا ما جاء فيه من النّسخ لم يكن تحريمٌ سوى ما في الآية وحرّم اللّه جلّ وعزّ على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم من لم يذكر في الآية
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا يجمع بين المرأة وعمّتها ولا بين المرأة وخالتها))
قال أبو جعفرٍ قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن إبراهيم بن الحسن، قال: حدّثنا حجّاج، عن ابن جريجٍ، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، قال: «نهى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن تنكح المرأة على عمّتها أو على خالتها»
قال أبو جعفرٍ: ولهذا الحديث طرقٌ غير هذين الطّريقين فاجتزأنا بهما لصحّتهما واستقامة طريقهما قال
حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ المؤدّب، قال: حدّثنا عليّ بن معبد بن شدّادٍ العبديّ، قال: حدّثنا مروان بن شجاعٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «نهى أن يجمع بين العمّة والخالة وبين الخالتين وبين العمّتين»
قال أبو جعفرٍ: وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل العلم وتحيّر في معناه حتّى حمله على ما يبعد أو لا يجوز فقال معنى بين العمّتين على المجاز أي بين العمّة وبنت أخيها فقيل لهما عمّتان كما قيل سنّة العمرين يعنون أبا بكرٍ، وعمر رضي اللّه عنهما قال وبين الخالتين مثله على المجاز قال وفي الأوّل حذفٌ أي بين العمّة وبنت أخيها وهذا
من التّعسّف الّذي لا يكاد يسمع بمثله وفيه أيضًا مع التّعسّف أنّه يكون كلامًا مكرّرًا لغير فائدةٍ لأنّه إذا كان المعنى نهيٌ أن يجمع بين العمّة وبنت أخيها وبين العمّتين يعني به العمّة وبنت أخيها صار الكلام مكرّرًا بغير فائدةٍ وأيضًا فلو كان كما قال: وجب أن يكون وبين الخالة وليس كذا الحديث لأنّ الحديث نهى أن يجمع بين العمّة والخالة
فالواجب على لفظ الحديث أنّه نهى أن يجمع بين امرأتين إحداهما عمّة الأخرى والأخرى خالة الأخرى وهذا يخرج على معنًى صحيحٍ يكون رجلٍ وابنه تزوّجا امرأةً وابنتها تزوّج الرّجل البنت وتزوّج الابن الأمّ فولد لكلّ واحدٍ منهما ابنةٌ من هاتين الزّوجتين، فابنة الأب عمّة ابنة الابن وابنة الابن خالة ابنة الأب
وأمّا الجمع بين الخالتين فهذا يوجب أن يكونا امرأتين كلّ واحدةٍ منهما خالة صاحبتها وذلك أن يكون رجلٌ تزوّج ابنة رجلٍ وتزوّج الآخر ابنته فولد لكلٍّ واحدٍ منهما ابنةٌ فابنة كلّ واحدٍ منهما خالة الأخرى
وأمّا الجمع بين العمّتين فيوجب ألّا يجمع بين امرأتين كلّ واحدةٍ منهما عمّة الأخرى وذلك أن يتزوّج رجلٌ أمّ رجلٍ ويتزوّج الآخر أمّ الآخر فيولد لكلّ واحدٍ منهما ابنةٌ فابنة كلّ واحدٍ منهما عمّة الأخرى فهذا ممّا حرّمه اللّه سبحانه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس في القرآن وقد قال اللّه جلّ وعزّ: {واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات اللّه والحكمة}[الأحزاب: 34] فقيل الحكمة السّنّة
ثمّ قاس الفقهاء على هذا فقالوا: كلّ امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا
لم يجز أن يتزوّج الأخرى لا يجوز الجمع بينهما، ثمّ حرّم اللّه سبحانه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس في الآية
ما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن سليمان بن يسارٍ، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال:((تحرّم الرّضاعة ما تحرّم الولادة)) ولهذا الحديث طرقٌ اجتزأنا بهذا منها لأنّه لا مطعن فيه وليس في القرآن إلّا تحريم الأمّهات والأخوات من الرّضاعة فقط
ثمّ اختلف العلماء في الرّضاع بعد الحولين فقال أكثرهم: لا رضاع بعد حولين فممّن قال هذا أزواج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلّا عائشة
وهو أحد قولي مالكٍ، والقول الآخر عنه بعد الحولين بيسيرٍ نحو الشّهر وقال أبو حنيفة بعد الحولين بستّة أشهرٍ وقال زفر بعد الحولين بسنةٍ
وقالت طائفةٌ أخرى الرّضاع للصّغير والكبير بمعنًى واحدٌ فممّن صحّ
هذا عنه عائشة وأبو موسى الأشعريّ وقال به من الفقهاء اللّيث بن سعدٍ وكان يفتي به
قال عبد اللّه بن صالحٍ سألته امرأةٌ تريد الحجّ وليس لها ذو محرمٍ فقال
امضي إلى امرأة رجلٍ فترضعك فيكون زوجها أباك فتحجّي معه والحجّة لهذا القول أنّه
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا ابن عيينة، قال سمعناه من عبد الرّحمن بن القاسم بن محمّدٍ، عن أبيه، عن عائشة، قالت جاءت سهلة بنت سهيلٍ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي أرى في وجه أبي حذيفة عليّ إذا دخل سالمٌ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأرضعيه» قالت: كيف أرضعه وهو رجلٌ كبيرٌ؟ قال: ألست أعلم أنّه رجلٌ؟ " ثمّ جاءت بعد فقالت: واللّه يا رسول اللّه ما أرى في وجه أبي حذيفة بعد شيئًا أكرهه "
قال أبو جعفرٍ: واحتجّ من قال الرّضاع في الحولين لا غير بقول اللّه جلّ وعزّ {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ
الرّضاعة}[البقرة: 233] فعارضهم الآخرون فقالوا: ليس في هذا دليلٌ على نفي ما بعد الحولين
واحتجّ الآخرون أيضًا بأنّ الحديث المسند إنّما فيه إزالة كراهةٍ فعارضهم الآخرون فقالوا: لم تزل عائشة رضي اللّه عنها تقوم برضاع الكبير معروفًا ذلك غير أنّ ربيعة بن أبي عبد الرّحمن كان يقول: هذا الحديث مخصوصٌ في سالمٍ وحده وقال غيره: وهو منسوخٌ، واستدلّ على ذلك بأنّ مسروقًا روى عن عائشة:
كنّ عشر رضعاتٍ نزلن في الشّيخ الكبير ثمّ نسخن
وروى أيضًا، مسروقٌ عن عائشة، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:((إنّما الرّضاعة من المجاعة)) قال أهل اللّغة معنى هذا إنّما
الرّضاعة للصّبيّ الّذي إذا جاع أشبعه اللّبن ونفعه من الجوع فأمّا الكبير فلا رضاعة له
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن قتيبة، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أمّ سلمة، عن، رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ((لا رضاع إلّا ما فتق الأمعاء في الثّدي وكان قبل الفطام))
وأمّا قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} [النساء: 24] فقد اختلف العلماء فيها بعد اجتماع من تقوم به الحجّة أنّ المتعة حرامٌ بكتاب اللّه تعالى وسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقول الخلفاء
الرّاشدين المهديّين وتوقيف عليّ بن أبي طالبٍ ابن عبّاسٍ وقوله له إنّك رجلٌ تائهٌ وإنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد حرّم المتعة
ولا اختلاف بين العلماء في صحّة الإسناد عن عليّ بن أبي طالبٍ واستقامة طريقه بروايته عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم تحريم المتعة وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه إن شاء اللّه
فقال قومٌ فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً هو النّكاح بعينه وما أحلّ اللّه جلّ وعزّ المتعة قطّ في كتابه
فممّن قال هذا من العلماء الحسن، ومجاهدٌ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: حدّثنا الفريابيّ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فما استمتعتم به منهنّ} [النساء: 24] قال: «النّكاح»
قال أبو جعفرٍ حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، {فما استمتعتم به منهنّ} [النساء: 24]
قال: «النّكاح» وكذا يروى عن ابن عبّاسٍ
قال أبو جعفرٍ: وسنذكره بإسناده وشرحه
وقال جماعةٌ من العلماء: كانت المتعة حلالًا ثمّ نسخ اللّه تعالى ذلك بالقرآن
وممّن قال هذا سعيد بن المسيّب وهو يروي عن ابن عبّاسٍ وعائشة وهو قول القاسم، وسالمٍ وعروة
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا عليّ بن هاشمٍ عن عثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ،
في قول اللّه تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ} [النساء: 24] قال: " نسختها {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] يقول: الطّلاق للطّهر الّذي لم يجامعها فيه "
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: «نسخت المتعة آية الميراث يعني ولكم نصف ما ترك أزواجكم»
قال أبو جعفرٍ: وذلك أنّ المتعة لا ميراث فيها فلهذا قال بالنّسخ وإنّما المتعة أن يقول لها: أتزوّجك يومًا أو ما أشبهه على أنّه لا عدّة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك وهذا هو الزّنا بعينه ولذلك قال عمر رضي اللّه عنه:
لا أوتى برجلٍ تزوّج متعةً إلّا غيّبته تحت الحجارة
قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، قال: قال لي سالم بن عبد اللّه وهو يذاكرني: «يقولون بالمتعة هؤلاء فهل رأيت نكاحًا لا طلاق فيه ولا عدّة له ولا ميراث فيه؟» قال: وقال لي القاسم بن محمّد بن أبي بكرٍ، " كيف يجترئون على الفتيا بالمتعة وقد قال اللّه جلّ وعزّ: {والّذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 6] "
قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ بيّنٌ لأنّه إذا لم تكن تطلّق ولا تعتدّ ولا ترث فليست بزوجةٍ
وقال قومٌ من العلماء النّاسخ للمتعة الحديث عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، عن إبراهيم بن أبي داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن أسماء، قال: حدّثنا جويرية، عن مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، أنّ عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن أبي طالبٍ، والحسن بن محمّدٍ، حدّثاه، عن أبيهما، أنّه سمع عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه يقول لابن عبّاسٍ إنّك رجلٌ تائهٌ إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن المتعة»
قال أبو جعفرٍ: ولهذا الحديث طرقٌ فاجتزأنا بهذا لصحّته ولجلالة جويرية بن أسماء ولأن ابن عبّاسٍ لمّا خاطبه عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه بهذا لم يحاججه فصار تحريم المتعة إجماعًا لأنّ الّذين يحلّونها اعتمادهم على ابن عبّاسٍ
وقال قومٌ نسخت المتعة بالقرآن والسّنّة جميعًا وهذا قول أبي عبيدٍ
وقد روى، الرّبيع بن سبرة، عن، أبيه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «حرّم المتعة يوم الفتح»
فقد صحّ من الكتاب والسّنّة التّحريم ولم يصحّ التّحليل من الكتاب لما ذكرنا من قول من قال إنّ الاستمتاع النّكاح
على أنّ الرّبيع بن سبرة قد روى عن، أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم ((استمتعوا من هذه النّساء)) قال: «والاستمتاع عندنا يومئذٍ التّزوّج»
قال أبو جعفرٍ حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: أخبرني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} [النساء: 24] يقول: " إذا تزوّج الرّجل المرأة فنكحها مرّةً واحدةً وجب لها الصّداق كلّه والاستمتاع النّكاح قال وهو قوله
جلّ وعزّ: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} [النساء: 4] "
فبيّن ابن عبّاسٍ أنّ الاستمتاع هو النّكاح بأحسن بيانٍ، فالتّقدير في العربيّة فما استمتعتم به ممّن قد تزوّجتموه بالنّكاح مرّةً أو أكثر من ذلك فأعطوها الصّداق كاملًا إلّا أن تهبه أو تهب منه وقيل التّقدير فمن استمتعتم به، وما بمعنى من وقيل التّقدير فما استمتعتم به من دخولٍ بالمرأة فلها الصّداق كاملًا أو النّصف إن لم يدخل بها
قال أبو جعفرٍ أمّا قوله {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} [النساء: 24] فتأوّله قومٌ من الجهّال المجترئين على كتاب اللّه جلّ وعزّ أنّ المتمتّع إن أراد الزّيادة بغير استبراءٍ ورضيت بذلك زادته وزادها، وهذا الكذب على اللّه جلّ وعزّ
قال أبو جعفرٍ: ومن أصحّ ما قيل فيه أنّه لا جناح على الزّوج والمرأة أن
يتراضيا بعدما انقطع بينهما من الصّداق أن تهبه له أو تنقصه منه أو يزيدها فيه
واختلف العلماء في الآية السّابعة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي ناسخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ غير ناسخةٍ ولا منسوخةٍ )
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/138-231]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (سورة النساء مدنية)قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} [النساء: 24]؛
هذه الآية نزلت: فيما كان أباح النبيّ عليه السلام من نكاح المتعة ثلاثة أيام.
كان الرجل يقول للمرأة: أتزوجك إلى أجل كذا وكذا، على ألاّ ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد، وأعطيك كذا.
فنسخ الله ذلك بما جعل بيد الزّوج من الطّلاق في سورة البقرة وغيرها، وبما فرض من الميراث بين الزّوجين، وبالعدّة والصّداق والشهادة والوليّ - هذا معنى قول ابن عباس وعائشة وعروة والقاسم وابن المسيّب، وهو قول السّدّي -.
وعن ابن عباسٍ: أن الآية محكمةٌ غير منسوخة، لكنها نزلت في النكاح الصحيح.
فالمعنى على هذا القول: فما استمتعتم به ممّن تزوجتم وإن قلّ الاستمتاع فلها صداقها فريضةً. فالاستمتاع على هذا القول: النكاح الصحيح.
وعلى القول الأول: النكاح إلى أجل، بغير شاهد ولا ولي.
وبهذا القول الثاني قال الحسن ومجاهد.
وفي قراءة ابن عباس وأبيّ ما يدلّ على أن الآية في جواز نكاح المتعة نزلت، ثم نسخت بما ذكرنا. روي عنهما أنهما قرآ: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى فآتوهنّ أجورهن - وبذلك قرأ ابن جبير -.
ولا يجوز لأحدٍ اليوم أن يقرأ بذلك؛ لأنها قراءةٌ على التفسير مخالفةٌ للمصحف؛ ولأن القرآن لا يؤخذ بأخبار الآحاد.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: هي في المتعة، ونسخها قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1]، لأن المتعة كانت بشرط أن لا طلاق بينهما.
وأكثر الناس على أنّ آية الميراث نسخت المتعة التي كانت نكاحًا بشرط ألاّ توارث بينهما.
وقالت عائشة رضي الله عنها: حرّم الله المتعة بقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 5، والمعارج: 29].
وهذا قولٌ حسن؛ لأن المتعة لم تكن زواجًا صحيحًا ولا ملك يمين. ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلاّ على زوجةٍ أو ملك يمين، ونكاح
المتعة ليس بملك يمين، ولا بنكاحٍ صحيحٍ يثبت به نسبٌ. والنكاح الصحيح ما ثبت به نسب فدخل تحت هذا التّحريم تحريم نكاح المتعة؛ إذ ليس بنكاح يثبت به نسب.
قال أبو محمد: وهذا إنما يجوز على أن تكون إباحة المتعة بالسنّة، ثم نسخت بالقرآن. ولا يجوز أن تكون إباحة المتعة على هذا القول بالقرآن؛ لأنها إنما نزلت في سورة مدنية، وهي النّساء. وقوله: {إلاّ على أزواجهم} الآية: مكيٌّ، والمكيّ لا ينسخ المدنيّ؛ لأنه قبل المدنيّ نزل، ولا ينسخ القرآن قرآنًا لم ينزل بعد.
وقيل: إن المتعة كانت بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنها. فهو من نسخ السّنة بالسّنّة. والآية إنما هي في النكاح الصحيح الجائز.
وكان نسخ المتعة في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم قيل: في غزوة خيبر، وقيل في فتح مكة، وقيل في حجة الوداع، وقيل في غزوة تبوك، وقيل: في غزوة أوطاس.
وروي أن الإباحة في المتعة من النبي عليه السلام كانت ثلاثة أيام. ثم نهى عنها فنسخت بنهي النبي عليه السلام.
وقيل: بل أبيحت في أول الإسلام مدةً ثم نسخت بالنهي عنها من النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} [النساء: 24].
من قال: إن قوله: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ} [النساء: 24] في جواز المتعة نزل ثم نسخ. قال: إن قوله: {فلا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} منسوخٌ أيضًا؛ لأن معناه عنده: لا حرج عليكم إذا تمّ الأجل الذي اشترطتم في الاستمتاع أن تزيدك المرأة في أجل الاستمتاع، وتزيدها أنت في الأجرة على ما تراضيتم به قبل أن تستبرئ نفسها.
وهذا كلّه منسوخ بما نسخت به المتعة بما ذكرنا.
قال السّدّي: كان الرجل إن شاء أرضاها بعد الفريضة الأولى وتقيم معه بأجرة أخرى إلى أجل آخر.)

فأما من قال: إن آية الاستمتاع محكمةٌ، يراد بها النكاح الصحيح المباح قال: هذا أيضًا محكمٌ غير منسوخ مرادٌ به النكاح الصحيح المباح، ومعناه عنده: لا حرج عليكم فيما وهبت الزّوجة لزوجها من صداقها إذا تراضوا على ذلك.
قال ابن زيد: إن وضعت له شيئًا من صداقها فهو سائغ له.
وقد قيل: إن هذه الآية محكمةٌ غير منسوخة لكنها مخصوصةٌ نزلت في المعسر. وذلك أن ينكح الرجل على صداق، فتعرض له عسرةٌ بعد أن فرض، فلا جناح عليه إن أسقطت له الزوجة بعض الصّداق، أو أسقطه له الوليّ.)
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 207-253]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (قوله تعالى: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم}.
وقد ذكر في هذه الآية موضعان منسوخان:
الأوّل: قوله: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم}، وهذا عند (عموم) العلماء لفظٌ عامٌّ دلّه التّخصيص بنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "أن تنكح
المرأة على عمتها أو أعلى خالتها" وليس هذا على سبيل النّسخ.
وقد ذهب قومٌ لا فقه لهم إلى أنّ التّحليل المذكور في الآية منسوخٌ بهذا الحديث، وهذا إنّما يأتي من عدم فهم النّاسخ والمنسوخ والجهل بشرائطه وقلّة المعرفة بالفرق بين التّخصيص والنّسخ.
وأمّا الموضع الثّاني: فقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ}.
اختلف العلماء في المراد بهذا الاستمتاع على قولين:
أحدهما: أنّه النّكاح، والأجور المهور. وهذا مذهب ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ والجمهور.
والثّاني: أنّه المتعة الّتي كانت في أول الإسلام، كان الرّجل ينكح المرأة إلى أجلٍ مسمًّى، ويشهد شاهدين، فإذا انقضت المدّة ليس له عليها سبيلٌ. قاله قومٌ منهم السّدّيّ ثمّ اختلفوا هل هي محكمةٌ أو منسوخةٌ، فقال قومٌ: هي محكمةٌ.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا ابن أيّوب، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: حدّثنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أبنا أبو داود السّجستانيّ، قال: بنا محمد ابن المثنى، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شعبة عن الحكم، قال: سألته عن هذه الآية: {فما استمتعتم به منهنّ} أمنسوخةٌ هي؟ قال: لا. قال الحكم: وقال عليٌّ رضي اللّه عنه: "لولا أنّ عمر نهى عن المتعة - فذكر شيئًا –".
وقال آخرون: هي منسوخةٌ، واختلفوا بماذا نسخت على قولين:
أحدهما: بإيجاب العدة.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا (أبو عليّ بن شاذان) قال: أبنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أبنا أبو داود السّجستانيّ، قال: أبنا أحمد بن محمّدٍ، قال: أبنا هاشم بن مخلدٍ، عن ابن المبارك، عن عثمان ابن عطاءٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} فنسختها {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ}.
[نواسخ القرآن: 270]
والثّاني: أنّها نسخت بنهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المتعة.
وهذا القول ليس بشيءٍ لوجهين:
أحدهما: أنّ الآية سيقت لبيان عقدة النكاح بقوله: {محصنين} أي: متزوّجين، عاقدين النّكاح، فكان معنى الآية {فما استمتعتم به منهنّ} على وجه النّكاح الموصوف فآتوهنّ مهورهنّ، وليس في الآية ما يدلّ على أنّ المراد نكاح المتعة الّذي نهى عنه، ولا حاجة إلى التكلف، وإنما أجاز المتعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ منع منها.
والثّاني: أنّه لو كان ذلك لم يجز. نسخه بحديثٍ واحدٍ.)
[نواسخ القرآن: 247-296]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة النساء)قوله عز وجل: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} الآية [النساء: 24]، قالوا: هي في المتعة، وقد نسخت، واختلفوا في ناسخها: فقيل: هو قوله عز وجل: {ولهن الربع مما تركتم} الآية [النساء: 12]، {فلهن الثمن مما تركتم} الآية [النساء: 12]، وعن الشافعي رضي الله عنه: موضع تحريم المتعة قوله عز وجل: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم..} إلى قوله تعالى: {فأولئك هم العادون} الآية [المؤمنون: 6-7]، قال: وقد أجمعوا على أنها ليست زوجة ولا ملك اليمين، وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها كما[1] الشافعي رضي الله عنه، قالت: (كانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم ويشترط الإطلاق بينهما ولا ميراث ولا عدة)، قالت: (فحرمها الله تعالى بقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون} الآية [المؤمنون: 5])، وقال ابن المسيب: نسخت المتعة آية المواريث.
والظاهر قول من قال من العلماء: ليس قوله: {فما استمتعتم به منهن} الآية [النساء: 24]، في المتعة وإنما ذلك في الزوجات، وفي إيتاء الصداق، فتكون الآية محكمة.)

[جمال القراء:1/276-294]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس