الموضوع: سورة النساء
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1434هـ/25-04-2013م, 11:50 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا(15)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري (ت: 124هـ):(في سورة النساء)وقال تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم....} إلى قوله: {سبيلاً}.
وهذه المرأة وحدها ليس معها رجل، فقال رجلٌ كلاماً، فقال الله عز وجل: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما}. أي فأعرضوا عن عذابهما. *)[الناسخ والمنسوخ للزهري:22- 26]

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال:( ومن سورة النساء)وعن قتادة {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم إلى أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فئاذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما} قال كان هذا بدء عقوبة الزنا كانت المرأة تحبس فيؤذيان جميعا فيعيران بالقول جميعا في الشتيمة بعد ذلك ثم أن الله عز وجل نسخ ذلك بعد في سورة النور فجعل لهن سبيلا فقال : {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وصارت السنة فيمن أحصن جلد مائة ثم الرجم بالحجارة وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة هذا سبيل الزانية والزاني)[الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/38-40]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (سورة النساء)قوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم...} الآية [15 مدنية / النساء / 4] كانت المرأة إذا زنت وهي محصنة حبست في بيت
فلا تخرج منه حتى تموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني قد جعل لهن السبيل الثيب بالثيب الرجم، والبكر جلد مائة، وتغريب عام.
فهذه الآية منسوخة بعضها بالكتاب بقوله تعالى: {أو يجعل الله لهن سبيلا} [15 مدنية / النساء / 4] وبعضها بالسنة، وكنى فيها بذكر النساء عن ذكر النساء والرجال.)[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 31-35]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (سورة النّساء)قال جلّ وعزّ: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلًا واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] إلى آخر الآية
أخبرنا أبو جعفرٍ، قال: حدّثنا أحمد بن محمّدٍ بن نافعٍ قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله تعالى {فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت} [النساء: 15] قال: نسختها الحدود "
وفي قوله جلّ وعزّ {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] قال نسختها الحدود قال أبو جعفرٍ: وفي الآيتين ثلاثة أقوالٍ للعلماء الّذين اتّفقوا على نسخهما فمنهم من قال كان حكم الزّاني والزّانية إذا زنيا وكانا ثيّبين أو بكرين أن يحبس كلّ واحدٍ منهما في بيتٍ حتّى يموت ثمّ نسخ هذا بالآية الأخرى وهي {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] فصار حكمهما أن يؤذيا بالسّبّ والتّعيير ثمّ نسخ ذلك فصار حكم البكر من الرّجال والنّساء إذا زنا أن يجلد مائة جلدةٍ وينفى عامًا وحكم الثّيّب من الرّجال والنّساء أن يجلد مائةً ويرجم حتّى يموت
وهذا القول مذهب عكرمة وهو مرويٌّ عن الحسن عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ عن عبادة بن الصّامت فهذا قولٌ
والقول الثّاني إنّه كان حكم الزّاني والزّانية الثّيّبين إذا زنيا أن يحبسا حتّى يموتا وحكم البكرين أن يؤذيا وهذا قول قتادة وإليه كان يذهب محمّد بن جريرٍ واحتجّ بأنّ الآية الثّانية {واللّذان يأتيانها منكم} [النساء: 16] فدلّ هذا على أنّه يراد
الرّجل والمرأة البكران قال: ولو كان لجميع الزّناة لكان والّذين كما أنّ الّذي قبله واللّاتي يأتين الفاحشة قال ولأنّ العرب لا توعد اثنين إلّا أن يكونا شخصين مختلفين
والقول الثّالث أن يكون قوله تعالى: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} [النساء: 15] عامًّا لكلّ من زنت من ثيّبٍ وبكرٍ وأن يكون {واللّذان يأتيانها منكم}[النساء: 16] عامًّا لكلّ من زنى من الرّجال ثيّبًا كان أو بكرًا وهذا قول مجاهدٍ وهو مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ وهو أصحّ الأقوال لحججٍ بيّنةٍ سنذكرها
فأمّا قول من قال إنّ الآية الثّانية ناسخةٌ للأولى وإن كان يحتمل ذلك فالحديث عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يدلّ على غير ذلك
كما قرئ على عليّ بن سعيد بن بشيرٍ، عن عمرو بن رافعٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا منصورٌ، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ، عن عبادة بن الصّامت، عن، رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((خذوا عنّي قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ والرّجم)) فتبيّن بقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا أنّ الآية لم تنسخ قبل هذا
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث أصلٌ من أصول الفقه وإن كان قد تؤوّل فيه شيءٌ سنذكره في موضعه
وممّا يدلّ أيضًا على ما قلنا إنّ أحمد بن محمّدٍ الأزديّ حدّثنا، قال:
حدّثنا أبو شريحٍ محمّد بن زكريّا، وابن أبي مريم، قالا: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا قيس بن الرّبيع، قال: حدّثنا مسلمٌ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت} [النساء: 15] قال: «فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتّى نزلت في سورة النّور {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} ونزلت سورة الحدود فكان من عمل سوءًا جلد وأرسل»
قال أبو جعفرٍ: ودلّ هذا على أنّ ابن عبّاسٍ لم يكن يقول بنفي الزّاني
فأمّا القول الثّاني الّذي اختاره محمّد بن جريرٍ ففيه شيءٌ وذلك أنّه جعل
{واللّذان يأتيانها منكم} [النساء: 16] للرّجل والمرأة وهذا إنّما يجوز في العربيّة على مجازٍ ولا يحمل الشّيء على مجازٍ ومعناه صحيحٌ في الحقيقة
والّذي عارض به من قوله إنّ العرب لا توعد اثنين إلّا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا إن صحّ فهما شخصان مختلفان لأنّه إذا كان واللّذان للرّجلين الثّيّبين والبكرين فهما مختلفان ومعارضته أنّه لو كان هكذا لوجب أن يكون والّذين لا يلزم لأنّ العرب تحمل على اللّفظ وعلى المعنى كما قال جلّ وعزّ {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] ومثل هذا كثيرٌ
والقول الّذي اخترناه هو قول ابن عبّاسٍ
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " وقوله جلّ وعزّ {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} [النساء: 15] وكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتّى تموت ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد ذلك {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما فهذا السّبيل الّذي جعله اللّه جلّ وعزّ لهما " قال وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16] كان الرّجل إذا زنى أوذي بالتّعيير وضرب النّعال فأنزل اللّه عزّ وجلّ بعد هذا {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما في سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
قال أبو جعفرٍ: هذا نصّ كلام ابن عبّاسٍ فتبيّن أنّ قوله جلّ وعزّ {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} [النساء: 15] عامٌّ لكلّ من زنى من النّساء وأنّ قوله تعالى {واللّذان يأتيانها منكم} [النساء: 16] عامٌّ لكلّ من زنى من الرّجال ونسخ اللّه جلّ وعزّ الآيتين في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم بحديث عبادة الّذي ذكرناه
فمرّ بعض العلماء على استعمال حديث عبادة وأنّه يجب على الزّاني والزّانية البكرين جلد مائةٍ وتغريب عامٍ وأنّه يجب على الثّيّبين جلد مائةٍ والرّجم هذا قول عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه لا اختلاف عنه في ذلك أنّه جلد شراحة مائةً ورجمها بعد ذلك وقال:
جلدتها بكتاب اللّه سبحانه ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
وقال بهذا القول من الفقهاء الحسن بن صالح بن حيٍّ وهو قول الحسن بن أبي الحسن وإسحاق بن راهويه
والحجّة فيه قول اللّه تعالى: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فثبت الجلد بالقرآن والرّجم بالسّنّة ومع هذا فقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ والرّجم
وقال جماعةٌ من العلماء بل على الثّيّب الرّجم بلا جلدٍ وهذا يروى عن
عمر وهو قول الزّهريّ والنّخعيّ، ومالكٍ والثّوريّ، والأوزاعيّ، والشّافعيّ، وأصحاب الرّأي، وأحمد وأبي ثورٍ
فمنهم من احتجّ بأنّ الجلد منسوخٌ عن المحصن بالرّجم ومنهم من قال آية الجلد مخصوصةٌ
ومنهم من قال حديث عبادة منسوخٌ منه الجلد الّذي على الثّيّب واحتجّوا بأحاديث سنذكر منها ما فيه كفايةٌ
فمنها ما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبيرٍ، عن كثير بن الصّلت، قال قال زيد بن ثابتٍ سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة))
وقرئ على أحمد، عن قتيبة، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن سماك بن حربٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لماعز بن مالكٍ: " أحقٌّ ما بلغني عنك؟ قال: ما بلغك عنّي؟ قال: «بلغني عنك
أنّك وقعت على جارية آل بني فلانٍ» قال: نعم، فشهد أربع شهاداتٍ ثمّ أمر به فرجم "
قالوا فليس في هذين الحديثين ذكر الجلد مع الرّجم،
وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت بالزّنا فارجمها» ولم يذكر الجلد فدلّ هذا على نسخه
وقال المخالف لهم: لا حجّة لكم في هذه الأحاديث لأنّه ليس في واحدٍ منها أنّه لم يجلد وقد ثبت الجلد بكتاب اللّه تعالى فليس يمتنع أن يسكت عنه لشهرته
وقد تكلّم العلماء منهم الشّافعيّ في نظير هذا فقالوا قد يحفظ البعض ما لا يحفظ الكلّ وقد يروى بعض الحديث ويحذف بعضه
واختلفوا في موضعٍ آخر من أحكام الزّنا
فقال قومٌ في البكر يجلد وينفى وقال قومٌ يجلد ولا ينفى وقال قومٌ
النّفي إلى الإمام على حسب ما يرى فممّن قال يجلد وينفى الخلفاء الرّاشدون المهديّون أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ وهو قول ابن عمر، وقال به من الفقهاء عطاءٌ، وطاوسٌ، وسفيان، ومالكٌ، وابن أبي ليلى
والشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثورٍ
وقال بترك النّفي حمّاد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، ومحمّد بن الحسن
قال أبو جعفرٍ: وحجّة من قال بالنّفي الحديث المسند بدءًا ثمّ كثرة من قال به وجلالتهم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن قتيبة، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، وزيد بن خالدٍ، وشبلٍ، قالوا: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام رجلٌ فقال: أنشدك باللّه إلّا قضيت بيننا بكتاب اللّه جلّ وعزّ فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: صدق اقض بيننا بكتاب اللّه جلّ وعزّ وائذن لي أن أتكلّم، قال: قل، قال: إنّ ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته فافتديت بمائة شاةٍ وخادمٍ كأنّه أخبر أنّ على ابنه الرّجم فافتدى منه بمائة شاةٍ وخادمٍ، قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب اللّه جلّ وعزّ أمّا مائة الشّاة والخادم فردٌّ عليك وعلى ابنك جلد مائةٍ وتغريب عامٍ اغد يا
أنيس على
امرأة هذا فإن اعترفت بالزّنا فارجمها» فغدا عليها فاعترفت بالزّنا فرجمها قال أبو جعفرٍ: فثبت التّغريب بلفظ رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم فمن ادّعى نسخه فعليه أن يأتي بالتّوقيف بذلك
فأمّا المعارضة بأنّ العبد لا ينفى بالزّنا فغير لازمةٍ وقد صحّ عن
عبد اللّه بن عمر أنّه ضرب أمته في الزّنا ونفاها ولو وجب ألّا ينفي الأمة والعبد لما وجب ذلك في الأحرار، وكان هذا مخرجًا من الحديث وكذا القول في النّساء على أنّ المزنيّ قد حكى أنّ الأولى بقول الشّافعيّ أن تنفى الأمة نصف سنةٍ لقول اللّه جلّ وعزّ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب
ومن قال النّفي إلى الإمام احتجّ بأنّ في حديث مالكٍ عن الزّهريّ عن عبيد اللّه عن أبي هريرة، وزيد بن خالدٍ:
أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جلد وغرّب وليس فيه كما
في حديث ابن عيينة
وفي الآية السّادسة موضعان قد أدخلا في النّاسخ والمنسوخ )[ (الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/138-231]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (سورة النّساء)قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} إلى قوله {لهنّ سبيلاً}
كان الرجل والمرأة في بدء الإسلام إذا زنيا حبسا في بيت فلا يخرجان منه حتّى يموتا وهذه الآية نسخت بالسنة لا بالكتاب فكنى الله تعالى بذكر النّساء عن ذكر النّساء والرّجال فخرج النّبي (صلى الله عليه وسلم) يومًا على أصحابه فقال خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثّيّب بالثّيّب الرّجم فصارت هذه السّنة ناسخة لتلك الآية)
[الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 65-78]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (سورة النساء)قوله تعالى: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلاً}
كان الله جلّ ذكره قد فرض في الزانيين المحصنين إذا شهد عليهما بالزنا أربعة شهود أن يحبسا في البيت حتى يموتا، أو يجعل الله لهما سبيلاً، فجعل الله السبيل بالرّجم المتواتر نقله الثابت حكمه المنسوخ تلاوته.
قال قتادة وغيره: نسخها الله بالحدود والميراث. وعلى هذا القول أكثر العلماء.
وقد قيل: إن هذه الآية في البكرين، فيكون نسخ ذلك بالجلد مائةً المفترض في سورة النور.
وأكثر النّاس على أن هذه الآية في المحصنين. والذي بعده في البكرين.
وقد قيل: إنه ليس في هذا نسخٌ، لأن الله قال: {أو يجعل الله لهنّ سبيلاً}، فعلّق الفرض بوقت. فقد جعل "السبيل" بالحدود فليس بنسخٍ وإنما كان حكمًا منتظرًا فقد أتى الله به.
قال أبو محمد: وهذا لا يلزم؛ لأنه لم يبيّن وقتًا معلومًا محدودًا، وإنما كان يمتنع من النسخ لو قال: {حتّى يتوفّاهنّ الموت} أو يبلغن إلى وقت كذا أو كذا.
وقيل: إنّ هذه الآية منسوخةٌ بقوله بعد ذلك: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16]. فصار حكم الزانيين الأذى بالقول والضّرب بالأيدي والنعال، ثم نسخ ذلك بالجلد المذكور في سورة النور للبكرين، وبالرجم المنسوخ لفظه من التلاوة الباقي حكمه للمحصنين.
قال أبو محمد: وهذا إنما يصحّ على قول من قال: الآيتان في البكرين. فأما من قال: الأولى في المحصنين، والثانية في البكرين، فلا يحسن على قوله نسخ الأولى بالثانية؛ لاختلاف الحكمين والمحكوم فيهم. لكن يكونان منسوخين بالحدود بالرجم للأولى، والجلد للثانية.)
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 207-253]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة والسّابعة: قوله تعالى: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما}. الآيتان.
أمّا الآية الأولى فإنّها دلّت على أنّ حدّ الزّانية كان أوّل الإسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل اللّه لها سبيلا، وهو عامٌّ في البكر والثّيّب.
والآية الثّانية اقتضت أنّ حدّ الزّانيين الأذى فظهر من الآيتين أنّ حدّ المرأة كان الحبس والأذى جميعًا، وحدّ الرّجل كان الأذى فقط، لأنّ الحبس ورد خاصًّا في النّساء، والأذى ورد عامًّا في الرّجل والمرأة، وإنّما خصّ النّساء في الآية الأولى بالذّكر، لأنّهنّ ينفردن بالحبس دون الرّجال، وجمع بينهما في الآية الثّانية، لأنّهما يشتركان في الأذى، ولا يختلف العلماء في
نسخ (هذين) الحكمين عن الزّانيين، أعني: الحبس والأذى، وإنّما اختلفوا بماذا نسخا؟ فقال قومٌ نسخ بقوله تعالى: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال:
حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} قال: كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتّى تموت، وكان الرّجل إذا زنى أوذي بالتعيير، والضّرب بالنّعال، فنزلت: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}. وإن كانا محصنين رجما بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
أبنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو طاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا عبد الرّحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد {فآذوهما} يعني سبًّا ثمّ نسختها {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد اللّه، قال: بنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمرٌ عن قتادة، {فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت} قال: نسختها الحدود.
قال أحمد: وبنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} قال: كانت هذه الآية قبل الحدود ثم أنزلت: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} قال: كانا يؤذيان بالقول والشّتم وتحبس المرأة ثمّ إنّ اللّه تعالى نسخ ذلك فقال: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
قال أحمد: وبنا عليّ بن حفصٍ عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {والّذان يأتيانها منكم فآذوهما} قال: "نسخته الآية الّتي في النور بالحد المفروض".
وقال قومٌ: نسخ هذان الحكمان بحديث عبادة بن الصّامت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "خذوا عنّي خذوا عنّي قد جعل اللّه لهنّ سبيلا، الثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ ورجمٌ
بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنة".
قالوا فنسخت الآية بهذا الحديث وهؤلاء يجيزون نسخ القرآن (بالسّنّة) وهذا قولٌ مطرحٌ، لأنّه لو جاز نسخ القرآن بالسّنّة لكان ينبغي أن يشترط التّواتر في ذلك الحديث، فأمّا أن ينسخ القرآن بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك وهذا من أخبار الآحاد.
وقال الآخرون: السّبيل الّذي جعل اللّه لهنّ هو الآية: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
وقال آخرون: بل السّبيل قرآنٌ نزل ثمّ رفع رسمه وبقي حكمه.
وظاهر حديث عبادة يدلّ على ذلك، (لأنّه) قال: (قد جعل الله لهن سبيلاً) فأخبر أن اللّه تعالى جعل لهنّ السّبيل. والظّاهر أنّه بوحيٍ لم تستقرّ تلاوته وهذا يخرج على قول من لا يرى نسخ القرآن بالسّنّة، وقد اختلف العلماء بماذا ثبت الرجم على قولين:
أحدهما: أنّه نزل به قرآنٌ ثمّ نسخ لفظه، وانعقد الإجماع على بقاء حكمه.
والثّاني: أنّه ثبت بالسّنّة.)
[نواسخ القرآن: 247-296]

قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (سورة النساء) {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} وقوله {والّذان يأتيانها منكم} فالأولى دلت على أن حد الزانية في ابتداء الإسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل اللّه لها سبيلا وهو عامٌّ في البكر والثيب والثانية أفضت أنّ حدّ الزّانيين الأذى فظهر من الآيتين أنّ حدّ المرأة كان الحبس والأذى جميعًا وحد الرجل كان الأذى فقط ونسخ الحكمان بقوله {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} .)[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 23-26]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة النساء) قوله عز وجل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم...} الآية [النساء: 15] والتي بعدها، هي منسوخه بالحدود، وهذه الآية في النساء المحصنات والأبكار، والتي بعدها في الرجال الثيب منهم والبكر، ونسخ الجميع بالحدود.
وقيل: إن الآية الأولى: في المحصنين، والثانية: في البكرين، وعليه جماعة، والأول هو الصحيح، وهو قول ابن عباس.
وقيل: ليس هذا بنسخ؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {أو يجعل الله لهن سبيلا} الآية [النساء: 15]؛ لأنه قد كان الحكم منتظرا.)
[جمال القراء:1/276-294]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس