عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 01:49 AM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام تميمكم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله ويركع ويسجد ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم} [سورة الجاثية: 21] الآية كلها). [الزهد لابن المبارك: 2/41]


قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن محمّد بن عجلان، عن بشير مولى الرّبيع، قال: كان الرّبيع يصلّي ليلةً فمرّ بهذه الآية: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات} فردّدها حتّى أصبح). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 268]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات}.

يقول تعالى ذكره: أم ظنّ الّذين اجترحوا السّيّئات من الأعمال في الدّنيا، وكذّبوا رسل اللّه، وخالفوا أمر ربّهم، وعبدوا غيره، أن نجعلهم في الآخرة، كالّذين آمنوا باللّه وصدّقوا رسله وعملوا الصّالحات، فأطاعوا اللّه، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الأنداد والآلهة، كلاّ ما كان اللّه ليفعل ذلك، لقد ميّز بين الفريقين، فجعل حزب الإيمان في الجنّة، وحزب الكفر في السّعير.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات} الآية، لعمري لقد تفرّق القوم في الدّنيا، وتفرّقوا عند الموت، فتباينوا في المصير.
وقوله: {سواءً محياهم ومماتهم} اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {سواءً} فقرأت ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (سواءٌ) بالرّفع، على أنّ الخبر متناهٍ عندهم عند قوله: {كالّذين آمنوا} وجعلوا خبر قوله: {أن نجعلهم} قوله: {كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}، ثمّ ابتدأوا الخبر عن استواء حال محيا المؤمن ومماته، ومحيا الكافر ومماته، فرفعوا قوله: سواءٌ على وجه الابتداء بهذا المعنى، وإلى هذا المعنى وجّه تأويل ذلك جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {سواءً محياهم ومماتهم} قال: المؤمن في الدّنيا والآخرة مؤمنٌ، والكافر في الدّنيا والآخرة كافرٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا حسينٌ، عن شيبان، عن ليثٍ، في قوله: {" سواءً محياهم ومماتهم } قال: بعث المؤمن مؤمنًا حيًّا وميّتًا، والكافر كافرًا حيًّا وميّتًا.
وقد يحتمل الكلام إذا قرئ سواءٌ رفعا وجهًا آخر غير هذا المعنى الّذي ذكرناه عن مجاهدٍ وليثٍ، وهو أن يوجّه إلى: أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم والمؤمنين سواءً في الحياة والموت، بمعنى: أنّهم لا يستوون، ثمّ يرفع سواءٌ على هذا المعنى، إذ كان لا ينصرف، كما يقال: مررت برجلٍ خيرٌ منك أبوه، وحسبك أخوه، فرفع حسبك، وخيرٌ إذ كانا في مذهب الأسماء، ولو وقع موقعهما فعلٌ في لفظ اسمٍ لم يكن إلاّ نصبًا، فكذلك قوله: سواءٌ.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة {سواءً} نصبًا، بمعنى: أحسبوا أن نجعلهم والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أهل العلم بالقرآن صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
واختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله: {سواءً} ورفعه، فقال بعض نحويّي البصرة سواءٌ محياهم ومماتهم رفعٌ وقال بعضهم: إنّ المحيا والممات للكفّار كلّه قال: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} ثمّ قال: سواءً محيا الكفّار ومماتهم: أي محياهم محيا سوء، ومماتهم مماتٌ سوء، فرفع السّواء على الابتداء.
قال: ومن فسّر المحيا والممات للكفّار والمؤمنين، فقد يجوز في هذا المعنى نصب السّواء ورفعه، لأنّ من جعل السّواء مستويًا، فينبغي له في القياس أن يجريه على ما قبله، لأنّه صفةٌ، ومن جعله الاستواء، فينبغي له أن يرفعه لأنّه اسمٌ، إلاّ أن ينصب المحيا والممات على البدل، وينصب السّواء على الاستواء، وإن شاء رفع السّواء إذا كان في معنى مستوٍ، كما تقول: مررت برجلٍ خيرٌ منك أبوه، لأنّه صفةٌ لا يصرف والرّفع أجود.
وقال بعض نحويّي الكوفة قوله: {سواءً محياهم} بنصب سواءٍ وبرفعه، والمحيا والممات في موضع رفعٍ بمنزلة، قوله: رأيت القوم سواءً صغارهم وكبارهم بنصب سواءٍ لأنّه يجعله فعلاً لما عاد على النّاس من ذكرهم قال: وربّما جعلت العرب سواءً في مذهب اسمٍ بمنزلة حسبك، فيقولون: رأيت قومك سواءٌ صغارهم وكبارهم فيكون كقولك: مررت برجلٍ حسبك أبوه قال: ولو جعلت مكان سواءٍ مستوٍ لم يرفع، ولكن نجعله متبعًا لما قبله، مخالفًا لسواءٍ، لأنّ مستوٍ من صفة القوم، ولأن سواءً كالمصدر، والمصدر اسمٌ قال: ولو نصبت المحيا والممات كان وجهًا، يريد أن نجعلهم سواءً في محياهم ومماتهم.
وقال آخر منهم: المعنى: أنّه لا يساوي من اجترح السّيّئات المؤمن في المحيا، ولا الممات، إلاّ أنّه وقع موقع الخبر، فكان خبرًا لجعلنا قال: والنّصب للأخبار كما تقول: جعلت إخوتك سواءً، صغيرهم وكبيرهم، ويجوز أن يرفع، لأنّ سواءً لا ينصرف وقال: من قال: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} فجعل كالّذين الخبر استأنف بسواءٍ ورفع ما بعدها، وإن نصب المحيا والممات نصب سواءً لا غير.
وقد تقدّم بياننا الصّواب من القول في ذلك.
وقوله: {ساء ما يحكمون} يقول تعالى ذكره: بئس الحكم الّذي حسبوا أنّا نجعل الّذين اجترحوا السّيّئات والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، سواءً محياهم ومماتهم). [جامع البيان: 21/87-91]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد سواء محياهم ومماتهم يقول المؤمن في الدنيا مؤمن والكافر في الدنيا والآخرة كافر). [تفسير مجاهد: 591]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ) : حدّثنا أبو حاتمٍ محمّد بن حبّان القاضي إملاءً، ثنا أبو خليفة القاضي، ثنا محمّد بن سلّامٍ الجمحيّ، قال: سمعت أبا عامرٍ العقديّ، يقول: سمعت سفيان الثّوريّ، وتلا قول اللّه عزّ وجلّ {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية: 21] ، ثمّ قال: سمعت الأعمش يحدّث، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبعث كلّ عبدٍ على ما مات عليه» أخبرناه أبو عبد اللّه الصّفّار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن الأعمش فذكره. «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/491]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور، وابن سعد، وابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والطبراني عن أبي الضحى رضي الله عنه قال: قرأ تميم الداري رضي الله عنه سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات} الآية فلم يزل يكررها ويبكي حتى أصبح وهو عند المقام). [الدر المنثور: 13/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن بشير مولى الربيع بن خيثم رضي الله عنه قال: قام تميم الداري يصلي فمر بهذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات} فلم يزل يرددها حتى أصبح). [الدر المنثور: 13/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سواء محياهم ومماتهم} قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن والكافر في الدنيا والآخرة كافر). [الدر المنثور: 13/296]

تفسير قوله تعالى: (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وخلق اللّه السّموات والأرض بالحقّ ولتجزى كلّ نفسٍ بما كسبت وهم لا يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: {وخلق اللّه السّموات والأرض بالحقّ} للعدل والحقّ، لا لما حسب هؤلاء الجاهلون باللّه، من أنّه يجعل من اجترح السّيّئات، فعصاه وخالف أمره، كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في المحيا والممات، إذ كان ذلك من فعل غير أهل العدل والإنصاف، يقول جلّ ثناؤه: فلم يخلق اللّه السّماوات والأرض للظّلم والجور، ولكنّا خلقناهما للحقّ والعدل ومن الحقّ أن نخالف بين حكم المسيء والمحسن في العاجل والآجل.
وقوله: {ولتجزى كلّ نفسٍ بما كسبت}.
يقول تعالى ذكره: وليثيب اللّه كلّ عاملٍ بما عمل من عملٍ خلق السّماوات والأرض، المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله، لا لنبخس المحسن ثواب إحسانه، ونحمل عليه جرم غيره، فنعاقبه، أو نجعل للمسيء ثواب إحسان غيره فنكرمه، ولكن لنجزي كلاّ بما كسبت يداه، وهم لا يظلمون جزاء أعمالهم). [جامع البيان: 21/91-92]

تفسير قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/212]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ} قال: كانوا يعبدون الحجر فإذا رأوا حجرًا أحسن منه ألقوه وأخذوا الآخر [الآية: 23]). [تفسير الثوري: 275]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إسماعيل بن يعقوب، قال: حدّثنا ابن موسى، قال: حدّثني أبي، عن مطرّفٍ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23]، قال: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/254]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} فقال بعضهم: معنى ذلك: أفرأيت من اتّخذ دينه بهواه، فلا يهوى شيئًا إلاّ ركبه، لأنّه لا يؤمن باللّه، ولا يحرّم ما حرّم، ولا يحلّل ما أحل، إنّما دينه ما هويته نفسه يعمل به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} قال: ذلك الكافر اتّخذ دينه بغير هدًى من اللّه ولا برهانٍ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} قال: لا يهوى شيئًا إلاّ ركبه لا يخاف اللّه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفرأيت من اتّخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ قال: كانت قريشٌ تعبد العزّى، وهو حجرٌ أبيضٌ، حينًا من الدّهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأوّل وعبدوا الآخر، فأنزل اللّه {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه}.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: أفرأيت يا محمّد من اتّخذ معبوده هواه، فيعبد ما هوي من شيءٍ دون إله الحقّ الّذي له الألوهة من كلّ شيءٍ، لأنّ ذلك هو الظّاهر من معناه دون غيره.
وقوله: {وأضلّه اللّه على علمٍ} يقول تعالى ذكره: وخذله عن محجّة الطّريق، وسبيل الرّشاد في سابق علمه على علمٍ منه بأنّه لا يهتدي، ولو جاءته كلّ آيةٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {وأضلّه اللّه على علمٍ} يقول: أضلّه اللّه في سابق علمه.
- وقوله: {وختم على سمعه وقلبه} يقول تعالى ذكره: وطبع على سمعه أن يسمع مواعظ اللّه وآي كتابه، فيعتبر بها ويتدبّرها، ويتفكّر فيها، فيعقل ما فيها من النّور والبيان والهدى.
وقوله: {وقلبه} يقول: وطبع أيضًا على قلبه، فلا يعقل به شيئًا، ولا يعي به حقًّا.
وقوله: {وجعل على بصره غشاوةً} يقول: وجعل على بصره غشاوةً أن يبصر به حجج اللّه، فيستدلّ بها على وحدانيّته، ويعلم بها أن لا إله غيره.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وجعل على بصره غشاوةً} فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة {غشاوةً} بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنّها اسمٌ، وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة (غشوةً) بمعنى: أنّه غشاه شيئًا في دفعةٍ واحدةٍ، ومرّةٍ واحدةٍ، بفتح الغين بغير ألفٍ، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ
وقوله: {فمن يهديه من بعد اللّه} يقول تعالى ذكره: فمن يوفّقه لإصابة الحقّ، وإبصار محجّة الرّشد بعد إضلال اللّه إيّاه {أفلا تذكّرون} أيّها النّاس، فتعلموا أنّ من فعل اللّه به ما وصفنا، فلن يهتدي أبدًا، ولن يجد لنفسه وليًّا مرشدًا). [جامع البيان: 21/92-94]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ) : حدّثنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ أحمد بن بشرٍ المرثديّ، ثنا أحمد بن منيعٍ، ثنا أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم، ثنا مطرّفٌ، عن جعفر بن إياسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " كان الرّجل من العرب يعبد الحجر، فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/491]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 23.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} قال: ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان {وأضله الله على علم} يقول: أضله الله في سابق علمه). [الدر المنثور: 13/297]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} قال: لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله عز وجل). [الدر المنثور: 13/297]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل من العرب يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه أخذه وألقى الآخر فأنزل الله {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} ). [الدر المنثور: 13/297]


رد مع اقتباس