عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 11:28 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيما أنزل إليهم من الآيات المنيرات، وفيما ضرب لهم من أمثال الماضين من الأمم ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه، وفيما ذكر لهم من المواعظ. وقرأ جمهور الناس: "مبينات" بفتح الياء، أي: بينها الله تعالى وأوضحها، وقرأ الحسن، وطلحة، وعاصم، والأعمش: "مبينات" بكسر الياء، أي: بينت الحق وأوضحته). [المحرر الوجيز: 6/384]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}
"النور" في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر، ويستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح، فيقال: "كلام له نور"، ومنه "الكتاب المنير" ومنه قول الشاعر:
نسب كأن عليه من شمس الضحى نورا ومن فلق الصباح عمودا
والله تعالى ليس كمثله شيء، فبين أنه ليس كالأضواء المدركة، ولم يبق للآية معنى إلا أنه أراد: الله ذو نور السماوات والأرض، أي بقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت
[المحرر الوجيز: 6/384]
أمورها، وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقرير للذهن، كما تقول: الملك نور الأمة، أي به قوام أمورها وصلاح جملتها، والأمر في الملك مجاز، وهو في صفة الله تعالى حقيقة محضة؛ إذ هو الذي أبدع الموجودات، وخلق العقل نورا هاديا؛ لأن ظهور الوجود به حصل، كما حصل بالضوء ظهور المبصرات، تبارك الله لا رب سواه.
وقالت فرقة: التقدير: دين الله نور السماوات والأرض، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: هادي أهل السماوات والأرض. والأول أعم للمعاني وأوضح مع التأمل.
وقرأ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلمي: "الله نور" بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء على أنه فعل.
وروي أن اليهود لما نزلت هذه الآية جسموا في تأويلها، واعترضوا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن قالوا: كيف هو نور الأرض والسماء بيننا وبينه، فنزلت حينئذ مثل نوره كمشكاة الآية، أي: ليس الأمر كما ظننتم، وإنما هو نور بأنه قوام كل شيء وخالقه وموجده، مثل نوره كذا وكذا.
واختلف المتأولون في الضمير في "نوره" على من يعود؟ فقال كعب الأحبار، وابن جبير: هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي: مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه، وابن جبير، والضحاك: هو عائد على المؤمنين، وفي قراءة أبي بن كعب: "مثل نور المؤمنين"، وروي أن في قراءته "مثل نور المؤمن"، وروي أن فيها
[المحرر الوجيز: 6/385]
"مثل نور من آمن به"، وقال الحسن: هو عائد على القرآن والإيمان، قال مكي بن أبي طالب: وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله: "والأرض".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه أقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر، وفيها قطع المعنى المراد بالآية.
وقالت فرقة: الضمير في "نوره" عائد على الله تعالى، ثم اختلفت هذه الفرقة في المراد بالنور الذي أضيف إلى الله تعالى إضافة خلق إلى خالق، كما تقول: سماء الله، وناقة الله، فقال بعضها: هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعضها: هو المؤمن، وقال بعضها: هو الإيمان والقرآن، وهذه الأقوال متجهة مطرد معها المعنى، فكأن اليهود لما تأولوا الله نور السماوات والأرض الآية بمعنى الضوء قيل لهم: ليس كذلك، وإنما هو نور بأنه قوام كل شيء وهاديه، مثل نوره في محمد صلى الله عليه وسلم، أو في المؤمن، أو في القرآن والإيمان كمشكاة، وهي الكوة غير النافذة فيها القنديل ونحوه.
وهذه الأقوال الثلاثة تضطرد فيها مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل، فعلى قول من قال: "الممثل به محمد صلى الله عليه وسلم -وهو قول كعب الخير - فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المشكاة، أو صدره، والمصباح هو النبوة وما يتصل بها من عمله وهداه، والزجاجة قلبه، والشجرة المباركة هي الوحي والملائكة رسل الله إليه وسببه المتصل به، والزيت هو الحجج والبراهين والآيات التي تضمنها الوحي.
وعلى قول من قال: "الممثل به المؤمن" -وهو قول أبي بن كعب - فالمشكاة صدره، والمصباح الإيمان والعلم، والزجاجة قلبه، والشجرة القرآن، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها، قال أبي: فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات.
ومن قال: "إن الممثل به القرآن والإيمان" فتقدير الكلام: مثل نوره -الذي هو الإيمان في صدر المؤمن- في قلبه كمشكاة، أي: كهذه الجملة. وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين، لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان.
[المحرر الوجيز: 6/386]
وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل به، بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة، [وذلك أن يريد: مثل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة] كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، أي: فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر.
و "المشكاة": الكوة في الحائط غير النافذة، قاله ابن جبير، وسعيد بن عياض، وجمهور المفسرين، وهي أجمع للضوء، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها، وقال مجاهد: المشكاة: العمود الذي يكون المصباح على رأسه، وقال أبو موسى: المشكاة: الحديدة أو الرصاصة التي يكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة، وقال مجاهد أيضا: المشكاة: الحدائد التي يعلق بها القنديل. والأول أصح هذه الأقوال.
وقوله تعالى: "في زجاجة" لأنه جسم شفاف، المصباح فيه أنور منه في غير الزجاج. و"المصباح": الفتيل بناره. وأمال الكسائي -فيما روى عنه أبو عمرو الداني - الألف من "مشكاة" فكسر الكاف التي قبلها، وقرأ نصر بن عاصم: "في زجاجة" بفتح الزاي و"الزجاجة" كذلك، وهي لغة.
وقوله تعالى: {كأنها كوكب دري} أي في الإنارة والضوء، وذلك يحتمل معنين: إما أن يريد أنها بالمصباح كذلك، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك، وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور، قال الضحاك: الكوكب الدري هو الزهرة، وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص: "دري" بضم الدال وشد الياء، ولهذه القراءة وجهان: إما أن ينسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، وإما أن يكون أصله "دريء" مهموز من الدراء وهو الدفع، وخففت الهمزة. وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: "دريء" بالهمزة، وهو فعيل من الدراء، بمعنى أنها تدفع بعضها بعضا، أو بمعنى أن بها ما يدفع خفاءها، وفعيل بناء لا يوجد في الأسماء إلا في قولهم: مريق
[المحرر الوجيز: 6/387]
للعصفر وفي السرية إذا اشتقت من السر، ووجه هذه القراءة أبو علي وضعفها غيره. وقرأ أبو عمرو، والكسائي: "دريء" على وزن فعيل بكسر الفاء، من الدرء، وهذه متوجهة. وقرأ قتادة: "دريء" بفتح الدال والهمزة، قال أبو الفتح: وهذا عزيز، وإنما حفظ منه "السكينة" بشد الكاف، وقرأ سعيد بن المسيب، وأبو رجاء، ونصر بن عاصم: "دري" بفتح الدال دون همز
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وطلحة، والأعمش، والحسن، وقتادة، وابن وثاب، وعيسى: "توقد" بضم التاء، أي الزجاجة. وقرأ أبو عمرو، وأهل الكوفة، والحسن، وابن محيصن: "توقد" بفتح التاء والواو وشد القاف وضم الدال، أي الزجاجة. وقرأ أبو عمرو أيضا، وابن كثير: "توقد" بفتح التاء والدال، أي المصباح، وقرأ عاصم -فيما روى عنه إسماعيل - "يوقد" بالياء المرفوعة، على معنى: يوقد المصباح، قال أبو الفتح: وقرأ السلمي، والحسن، وابن محيصن، وسلام، وقتادة: "يوقد" بفتح الياء والواو والقاف المشددة ورفع الدال، أصله: يتوقد.
وقوله تعالى: "من شجرة" أي: من زيت شجرة، و"المباركة": المنماة، و"الزيتون" من أعظم الثمار نماء واطراد أفنان وغضارة ولا سيما بالشام، والرمان كذلك، والعيان يقضي بذلك، وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس:
ليت شعري مسافر بن أبي عمـ ... ـرو، وليت يقولها المحزون
بورك الميت الغريب كما بو ... رك الرمان والزيتون
[المحرر الوجيز: 6/388]
وقوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} قرأ الجمهور فيهما بالخفض عطفا على "زيتونة"، وقرأ الضحاك: "لا شرقية ولا غربية" بالرفع، واختلف المتأولون في معناه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما -فيما حكى عنه الطبري -: معناه أنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها فهي غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول لا يصح عندي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن الوجود يقتضي أن الشجرة التي تكون بهذه الصفة ينفذ جناها.
وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله تعالى لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية.
وقال ابن زيد: أراد أنها من شجر الشام؛ لأن شجر الشام هي أفضل الشجر، ومن الأرض المباركة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم: المعنى في قوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} أنها في منكشف من الأرض، تصيبها الشمس طول النهار، تستدير عليها، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية، ولا للغرب فتسمى غربية.
وقوله تعالى: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} مبالغة في صفة من صفاته وحسنه وجودته، وقرأ الجمهور: "تمسسه" بالتاء من فوق، وقرأ ابن عباس، والحسن بالياء من تحت. وقوله: {نور على نور} أي هذه كلها معاون تكامل بها هذا النور الممثل به، وفي هذا الموضع تم المثال.
ثم ذكر تبارك وتعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده، وذكر تفضله في ضرب الأفعال للعباد ليقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان). [المحرر الوجيز: 6/389]

تفسير قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}
الباء في "بيوت" تضم وتكسر، واختلف في الفاء من قوله: "في" فقيل: هي متعلقة بـ "مصباح"، قال أبو حاتم: وقيل: متعلقة بـ "يسبح" المتأخر، فعلى هذا التأويل يوقف على "عليم"، قال الرماني: هي متعلقة بـ "يوقد".
واختلف الناس في البيوت التي أرادها بقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} فقال ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، ومجاهد: هي المساجد المخصوصة لله تعالى التي من عادتها أن تنور بذلك النوع من المصابيح، وقال الحسن بن أبي الحسن: أراد بيت المقدس، وسماه بيوتا من حيث فيه مواضع يتحيز بعضها عن بعض، ويؤثر أن عادة بني إسرائيل في وقيد بيت المقدس كانت غاية في التهمم به، وكان الزيت منتخبا مختوما على ظروفه، قد صنع صنعة وقدس حتى لا يجزي الوقيد بغيره، فكان أضوأ بيوت الأرض. وقال عكرمة: أراد بيوت الإيمان على الإطلاق، مساجد ومساكن، فهي التي يستصبح فيها بالليل للصلاة وقراءة العلم، وقال مجاهد: أراد بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والآصال} يقوي أنها المساجد.
وقوله تعالى: "أذن" بمعنى أمر وقضى، وحقيقة الإذن العلم والتمكين دون حظر، فإن اقترن بذلك أمر وإنفاذ كان أقوى، و"ترفع" قيل: معناه تبنى وتعلى، قاله مجاهد وغيره، فذلك نحو قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى مسجدا من ماله بنى الله له بيتا في الجنة، وفي هذا المعنى
[المحرر الوجيز: 6/390]
أحاديث. وقال الحسن بن أبي الحسن: معناه تعظم ويرفع شأنها. و"ذكر اسمه تعالى" هو بالصلاة والعبادة قولا وفعلا.
وقرأ ابن كثير، وعاصم: "يسبح" بفتح الباء المشددة، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: "يسبح" بكسر الباء المشددة، فـ "رجال" -على القراءة الأولى- مرتفع بفعل مضمر يدل عليه "يسبح"، تقديره: يسبحه رجال، فهذا عند سيبويه نظير قول الشاعر:
لبيك يزيد ضارع لخصومة ... ... ....
أي: يبكيه ضارع، و"رجال" -على القراءة الثانية- مرتفع بـ "يسبح" الظاهر، وروي عن يحيى بن وثاب أنه قرأ: "تسبح" بالتاء من فوق. و"الغدو والآصال" قال الضحاك: أراد الصبح والظهر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد ركعتي الضحى والعصر، وإن ركعتي الضحى لفي كتاب الله تعالى، وما يغوص عليها إلا غواص.
وقرأ أبو مجلز: "والإيصال"). [المحرر الوجيز: 6/391]

تفسير قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وصف الله تعالى المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمر الله تعالى وطلبهم لرضاه لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا. وقال كثير من الصحابة رضوان الله عليهم: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها، ورأى سالم بن عبد الله بن عمر أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين أراد الله تعالى بقوله: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}، وروي ذلك عن ابن مسعود.
[المحرر الوجيز: 6/391]
و "إقام" مصدر من أقام يقيم، أصله إقوام، نقلت حركة الواو إلى القاف فبقيت ساكنة والألف ساكنة، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فجاء "إقام"، فقال بعض النحويين: هو مصدر بنفسه قد لا يضاف، وقيل: لا يجوز أقمته إقاما، وإنما يستعمل مضافا، ذكره الرماني، وقال بعضهم من حيث رأوه لا يستعمل إلا مضافا: ألحقت به هاء عوضا من المحذوف فجاء "إقامة"، فهم إذا أضافوه حذفوا العوض لاستغنائهم عنه، فإن المضاف والمضاف إليه كاسم واحد. و"الزكاة" هنا عند ابن عباس رضي الله عنهما: الطاعة لله، وقال الحسن: هي الزكاة المفروضة في المال. و"اليوم المخوف" الذي ذكره الله تبارك وتعالى هو يوم القيامة.
واختلف الناس في تقلب القلوب والأبصار، كيف هو؟ فقالت فرقة: يرى الناس الحقائق عيانا فتتقلب قلوب الشاكين ومعتقدي الضلال عن معتقداتها إلى اعتقاد الحق على وجهه، وكذلك الأبصار، وقالت فرقة: هو تقلب على جمر جهنم، ومقصد الآية هو وصف هول يوم القيامة. فأما القول الأول فليس يقتضي هولا، وأما الثاني فليس التقلب في جمر جهنم في يوم القيامة، وإنما هو بعده، وإنما معنى الآية عندي أن ذلك -لشدة هوله ومطلعه- القلوب والأبصار فيه مضطربة قلقة متقلبة من طمع في النجاة إلى طمع، ومن حذر هلاك إلى حذر، ومن نظر في هول إلى النظر في الآخر. والعرب تستعمل هذا المعنى في الحروب ونحوها، ومنه قول الشاعر:
بل كان قلبك في جناحي طائر
ومنه قول بشار:
كأن فؤاده كرة تنزى ... ... .....
وهذا كثير). [المحرر الوجيز: 6/392]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} اللام في قوله تعالى: "ليجزيهم" متعلقة بفعل مضمر تقديره: فعلوا ذلك، ويسروا لذلك، ونحو هذا، ويحتمل أن تكون متعلقة بقوله سبحانه: "يسبح". وقوله: "أحسن ما عملوا" فيه حذف مضاف تقديره: ثواب أحسن ما عملوا، ثم وعدهم عز وجل بالزيادة من فضله على ما تقتضيه أعمالهم، فأهل الجنة أبدا في مزيد، ثم ذكر أنه يرزق من يشاء، ويخصه بما يشاء من رحمته دون حساب ولا تعديد، وكل تفضل لله فهو بغير حساب، وكل جزاء على عمل فهو بحساب). [المحرر الوجيز: 6/3930]

رد مع اقتباس