عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 06:53 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مبيّناتٍ} [النور: 34] الحلال، والحرام، والأمر، والنّهي والإحكام.
{ومثلا من الّذين خلوا من قبلكم} [النور: 34] أخبار الأمم السّالفة.
وقال السّدّيّ: سنن العذاب في الأمم الخالية.
قال: {وموعظةً للمتّقين} [النور: 34] قال قتادة: وهو القرآن.
- وحدّثني النّضر بن معبدٍ، عن أبي قلابة، عن أبي الدّرداء قال: نزل القرآن على ستّ آياتٍ: آيةٌ مبشّرةٌ، وآيةٌ منذرةٌ، وآية فريضةٍ، وآية قصصٍ وإخبارٍ، وآيةٌ تأمرك، وآيةٌ تنهاك). [تفسير القرآن العظيم: 1/448]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مّبيّناتٍ...}

قرأ يحيى بن وثّاب (مبيّناتٍ) بالكسر. والناس بعد {مبيّناتٍ} بفتح الياء، هذه والتي في سورة النساء الصغرى. فمن قال {مبيّنات} جعل الفعل واقعاً عليهنّ، وقد بيّنهن الله وأوضحهنّ {ومبيّنات}: هاديات واضحات). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبيّنات ومثلا من الّذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتّقين}
يقرأ بالفتح والكسر - فمن قرأ مبيّناب بالفتح فالمعنى أنه ليس فيها لبس، ومن قرأ بالكسر فالمعنى أنها تبيّن لكم الحلال من الحرام). [معاني القرآن: 4/43]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات}
قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من الحرام
ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات). [معاني القرآن: 4/534]
تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اللّه نور السّموات والأرض} [النور: 35] يعني هدى السّموات والأرض.
{مثل نوره} [النور: 35] يعني مثل هداه.
وهو تفسير السّدّيّ.
{كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم
[تفسير القرآن العظيم: 1/448]
تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] أمّا قوله: {مثل نوره} [النور: 35]
- حدّثني أشعث، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {اللّه نور السّموات والأرض مثل نوره} [النور: 35] لا مثل لنور اللّه، مثل نور المؤمن كمشكاةٍ.
قال يحيى: يقول مثل نوره الّذي أعطى المؤمن في قلبه كمشكاةٍ.
- قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عمر قال: المشكاة: الكوّة في البيت الّتي ليست بنافذةٍ.
وهي بلسان الحبشة.
وهي مثل صدر المؤمن.
- أشعث، عن عاصمٍ الجحدريّ، عن سليمان بن قتّة، عن ابن عبّاسٍ قال: المشكاة الرّزونة في البيت.
قال يحيى: وهي بالفارسيّة.
قال: {فيها مصباحٌ} [النور: 35] وهو النّور الّذي في قلب المؤمن.
قال: {المصباح في زجاجةٍ} [النور: 35] صافيةٍ.
والزّجاجة القنديل.
وهو مثل قلب المؤمن.
قلبٌ صافٍ.
{الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد} [النور: 35] من قرأها بالياء يعني المصباح، ومن قرأها بالتّاء: توقد يعني الزّجاجة بما فيها.
فكذلك قلب المؤمن يتوقّد نورًا.
{من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ} [النور: 35] وهي مثل المؤمن.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} [النور: 35] قال بعضهم: لا شرقيّةٌ تصيبها الشّمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت، ولا غربيّةٌ تصيبها الشّمس إذا غربت ولا تصيبها إذا أشرقت ليس يغلب عليها الشّرق دون الغرب، ولا الغرب دون الشّرق، ولكن يصيبها الشّرق والغرب.
وقال قتادة: لا يفيء عليها ظلٌّ شرقيٌّ ولا غربيٌّ.
كنّا نحدّث أنّها ضاحيةٌ للشّمس.
وهي أصفى الزّيت، وأعذبه، وأطيبه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/449]
وقال بعضهم: لا تصيبها في شرقٍ ولا في غربٍ.
هي في سفح جبلٍ، وهي شديدة الخضرة، وهي مثل المؤمن.
لا شرقيّةٌ، لا نصرانيّةٌ تصلّي إلى الشّرق، ولا غربيّةٌ، ولا يهوديّةٌ تصلّي إلى المغرب، إلى بيت المقدس.
الموضع الّذي نزل فيه القرآن غربيّه بيت المقدس.
{يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ} [النور: 35] يكاد زيت الزّجاجة يضيء ولو لم تمسسه نارٌ وهو مثل قلب المؤمن يكاد أن يعرف الحقّ من قبل أن يبيّن له فيما يذهب إليه قلبه من موافقة الحقّ فيما أمر به وفيما يذهب إليه من كراهية ما نهي عنه.
وهو مثلٌ لقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ} [النور: 35] قال مجاهدٌ: نور النّار على الزّيت في المصباح، فكذلك قلب المؤمن، إذا تبيّن له صار نورًا على نورٍ كما صار المصباح حين جعلت فيه النّار نورًا على نورٍ.
فكذلك قلب المؤمن نورًا على نورٍ، نور الزّجاجة، ونور الزّيت، ونور المصباح.
{يهدي اللّه لنوره} [النور: 35] قال السّدّيّ: يعني لدينه.
وقال في قوله: {نورٌ على نورٍ} [النور: 35] يعني: نبيًّا من نسل نبيٍّ.
قال: {من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/450]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كمشكاةٍ...}

المشكاة الكوّة التي ليست بنافذة، وهذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن والإيمان فيه. وقوله: {الزّجاجة} اجتمع القراء على ضمّ الزجاجة. وقد يقال زجاجة وزجاجة.
وقوله: {كوكبٌ درّيٌّ} يخفض أوله ويهمز، ... حدثني بذلك المفضّل الضبيّ قال قرأها عاصم كذلك {درّيء} بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش: قرأها عاصم {درّيء} بضم الدال والهمز. وذكر عن الأعمش أنه قرأ {درّيء} و{درّي} بهمزٍوغير همز رويا عنه جميعاً ولا تعرف جهة ضمّ أوله وهمزه لا يكون في الكلام فعيل إلاّ عجمياً. فالقراءة إذا ضممت أوّله بترك الهمز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك: درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان فدمغه.
ويقال في التفسير: إنه واحد من الخمسة: المشتري وزحل عطارد والزهرة والمريّخ. والعرب قد تسمّى الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز.
ومن العرب من يقول: كوكب درّي فينسبه إلى الدّرّ فيكسر أوّله ولا يهمز؛ كما قالوا: سخري وسخري، ولجّيّ ولجّيّ.
وقوله: {توقد من شجرةٍ} (تذهب إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) . ومن قال (يوقد) ذهب إلى المصباح ويقرأ (توقّد) مرفوعة مشدّدة. ويقرأ (توقّد) بالنصب والتشديد.
من قال (توقّد) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقّد) نصبا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.
وقوله: {شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} وهي شجرة الزيت تنبت على تلعة من الأرض، فلا يسترها عن الشمس شيء. وهو أجود لزيتها فيما ذكر.
والشرقيّة: التي تأخذها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا.
والغربية التي تصيبها الشمس بالعشيّ ولا تصيبها بالغداة، فلذلك قال لا شرقيّة وحدها ولا غربيّةٍ وحدها ولكنها شرقية غربية.
وهو كما تقول في الكلام: فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم، معناه؛ أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا بسفر.
وقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ} انقطع الكلام ها هنا ثم استأنف فقال {نّورٌ على نورٍ} ولو كان: نوراً على نورٍ كان صواباً تخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح).
[معاني القرآن: 2/253-252]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل نوره كمشكاةٍ} وهي الكوة في الحائط التي ليست بنافذة، ثم رجع إلى المشكاة فقال: {كأنّها كوكبٌ درّيٌ} بغير همز أي مضيءٌ ويراد كالدر إذا ضممت أوله، فإن كسرت جعلته فعيلا من درأت وهو من النجوم الدراريء اللاتي يدرأن). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةّ ولا غربيّةٍ} مجازه لا بشرقية تضحى للشمس ولا تصيب ظلاً ولا بغربية في الظل ولا يصيبها الشرق ولكنها شرقية وغربية يصيبها الشرق والغرب وهو خير الشجر والنبات). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد من شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نّورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {كمشكاةٍ} أي: كمثل مشكاةٍ.
وقال: {كوكبٌ درّيٌّ} إذا جعله من "الدرّ" و{درّيء} من "درأ" همزها وجعلها "فعّيل" وذلك من تلالئه. وقال بعضهم{درّيٌ} مثل (فعّيل).
وأمّا {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} فالمصباح في المعنى أن مثل ما أنار من الحق في بيانه كمثل المشكاة. ليس لله مثل تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 3/15-14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {المشكاة}: الكوة في الحائط ليست بنافذة.
{كوكب دريء}: من كسر الدال فهو من قولهم درأ من مطلعه أي طلع. ومن ضم الدال ولم يهمز أراد به مضيء كالدر.
{لا شرقية ولا غربية}: يقول: لا شرقية: لا تضحى للشرق، ولا غربية لا تضحى للغرب، ولكنها شرقية غربية يصيبها الشرق والغرب أي الشمس والظل.
يقولون: لا خير في شجرة في مقناه. لا يصيبها شمس ولا خير فيها مضحاة ((وهي التي تبرز للشمس ولا يصيبها الظل)).
المقناة ما كان في أسفل الجبل مما لا تصيبه الشمس والمضحاة ما كان أعلى الجبل مما تصيبه الشمس). [غريب القرآن وتفسيره: 273-371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض، مثل نوره} في قلب المؤمن.
{كمشكاةٍ} وهي: الكوّة غير النافذة. {فيها مصباحٌ} أي سراج {كوكبٌ درّيٌّ}: مضيء، منسوب إلى الدّر.
ومن قرأ: دري: بالهمز وكسر الدال، فإنه من الكواكب الدّراري وهن: اللائي يدرأن عليك، أي يطلعن. وتقديره: فعّيل، من «درأت» أي دفعت.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} أي ليست في مشرقة أبدا، فلا يصيبها ظلّ.
ولا في مقنأة أبدا، فلا تصيبها الشمس. ولكنها قد جمعت الأمرين فهي شرقية غريبة: تصيبها الشمس في وقت وتصيبها الظل في وقت الظلّ في وقت.
{تتقلّب فيه القلوب والأبصار} أي تتقلب عمّا كانت عليه في الدنيا: من الشك والكفر، وتتفتّح فيه الأبصار من الأغطية). [تفسير غريب القرآن: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قول الله عز وجل:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
هذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن، وما أودعه بالإيمان والقرآن من نوره فيه. فبدأ فقال:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي بنوره يهتدي من في السموات والأرض.
ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ}، يعني في قلب المؤمن. كذلك قال المفسّرون. وكان أبيّ يقرأ: الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن، روى ذلك عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرّازي،
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
كمشكاةٍ، وهي: الكوّة غير النافذة.
فيها مصباحٌ، أي سراج المصباح في قنديل، القنديل كأنه من شدة بياضه وتلألئه، كوكب درّي، يتوقّد ذلك المصباح بزيت من شجرة لا شرقيّةٍ، أي لا بارزة للشمس كلّ النهار ولا غربيّةٍ لا مستترة في الظلّ كلّ النهار. ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس في بعض النهار، والظلّ في بعض النهار. وإذا كان كذلك فهو أنضر لها، وأجود لحملها، وأكثر لنزلها، وأصفى لدهنها.
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ} يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}
ثم قال: هذا المصباح في بيوتٍ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما كانت عليه من الشك والكفر، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
ثم ضرب مثلا للكافرين، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً}، أي كالسراب يحسبه العطشان من البعد ماء يرويه {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}.
كذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا، لأنّ الله، عزّ وجلّ، قد أبطله بالكفر ومحقه، ووجد الله عنده، أي عند عمله فوفّاه حسابه.
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}، يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} في قلبه، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 329-327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم عزّ وجلّ أنه قد بيّن جميع أمر السماء، وأمر الأرض بيانا نيّرا لا غاية بعد نوره فقال:
(اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزّجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيء عليم}
{اللّه نور السّماوات والأرض} أي مدبّر أمرهما بحكمة بالغة وحجة نيّرة.
ثم مثل مثل نوره ذلك في القلوب بأبين النور الذي لم يدرك بالأبصار فقال:
{مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}.
فنوره يجوز أن يكون ما ذكرنا من تدبيره، وجائز أن يكون كتابه الذي بيّن به فقال: {قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين} وجائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النور الذي قال مثل نوره، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المرشد والمبيّن والناقل عن الله ما هو نيّر، بيّن.
وقال: (كمشكاة)، وهي الكوّة، وقيل إنها بلغة الحبش، والمشكاة من كلام العرب، ومثلها - وإن كانت لغير الكوّة - الشكوة وهي معروفة، وهي الزُّقيق الصغير أو ما يعمل مثله.
{فيها مصباح المصباح في زجاجة}.
والمصباح السراج.
وقال: {المصباح في زجاجة}- لأن النور في الزّجاج.
وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزّجاج.
ثم وصف الزجاجة فقال:
{كأنّها كوكب درّيّ}.
و (درّيّ)، منسوب إلى أنه كالدّر، في صفائه وحسنه، وقرئت درّيّ ودرّيّ - بالكسر والفتح - وقد رويت بالهمز.
والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه، لأنه ليس في كلام العرب شيء على فعّيل، ولكن الكسر جيّد بالهمز - يكون على وزن فعّيل، ويكون من النجوم الدّراري التي تدر.
أي ينحط ويسير متدافعا، ويجوز أن يكون درّيّ بغير همز مخففا من هذا.
قال أبو إسحاق: ولا يجوز أن يضم الدال ويهمز، لأنه ليس في الكلام
فعّيل، ومثال " درّيّ " فعليّ منسوب إلى الدّرّ، ومن كسر الدال قال درّيّ - فكان له، أن يهمز ولا يهمز، فمن همز أخذه من درأ يدرأ الكوكب إذا تدافع منقضّا، فتضاعف ضوءه، يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا، ويكون وزنه على فعّيل.
ومن كسرها فإنما أصله الهمز فخفف، وبقيت كسرة الدال على أصلها.
ووزنه أيضا فعّيل كما كان وهو مهموز.
وقوله: {يوقد من شجرة مباركة} ويقرأ (توقد) بالتاء، فمن قرأ بالياء عنى به المصباح، وهو مذكر.
ومن قرأ بالتاء عنى به الزجاجة.
ويجوز " في زجاحة " بفتح الزاي وفيها وجهان آخران قرئ بهما - توقّد - بفتح الدال وضمها وتشديد القاف فيهما جميعا.
فمن قرأ توقّد، فالمعنى تتوقد الزجاجة، ومن قرأ توقّد فتحه لأنه فعل ماض.
ويكون المعنى: المصباح في زجاجة توقّد المصباح.
وقوله: {من شجرة مباركة زيتونة} وليس شيء في الشجر يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان
قال الشاعر:
بورك الميت الغريب كما=بورك نظم الرمان والزيتون

قوله عزّ وجلّ: {لا شرقيّة ولا غربيّة}.
أكثر التفسير أنها ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها فقط أو عند الغروب، أي ليس يسترها في وقت من النهار شيء، أي فهي شرقية غربيّة، أي تصيبها الشمس بالغداة، والعشى، فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها.
وقال الحسن: إن تأويل قوله: {لا شرقيّة ولا غربيّة} أنها ليست من شجر الدّنيا أي هي من شجر الجنّة). [معاني القرآن: 4/43-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الله نور السموات والأرض}
هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض
والتقدير الله ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور ثم قال جل وعز: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}
روى علي بن طلحة عن ابن عباس {الله نور السموات والأرض} قال: هادي أهل أهل السموات والأرض، كما هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء، كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور
كما قال إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه
قال ابن عباس هذا للمؤمن
وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور المؤمن
وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن
قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن
ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة
قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية
وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها
ثم قال تعالى: {يكاد زيتها يضيء} أي لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام). [معاني القرآن: 4/537-534]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {نور على نور}
قال الضحاك أي الإيمان والعمل
وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل
وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان). [معاني القرآن: 4/537]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا شرقية ولا غربية} قال الإمامان جميعا: معناه: لا شرقية كلها، ولا غربية كلها، هي شرقية وغربية، وهو أحسن ما يكون من الشجر تطلع عليها الشمس، وتغرب عليها الشمس). [ياقوتة الصراط: 378]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مثل نوره كمِشْكَاةٍ}: وهو الكوة غير النافذة.
{دُرِّيٌّ}: منسوب إلى الدر. في قراءة من قرأ ولم يهمز. ومن كسر وهمز نسبه إلى الدراري من الكواكب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169-168]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المِشْكَـاةُ}: الكوة التي لا منفذ لها.
{دُرِّيٌّ}: كلون البدر
{لَّا شَرْقِيَّةٍ}: هي شرقية
{وَلَا غَرْبِيَّةٍ}: وغربية). [العمدة في غريب القرآن: 220-219]

تفسير قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} [النور: 36] ابن مجاهدٍ عن أبيه قال: أن تبنى.
{ويذكر فيها اسمه} [النور: 36] سعيدٌ عن قتادة قال: هي المساجد.
- مندلٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاةٍ بني له بيتٌ في الجنّة».
- ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزّبير، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه:
[تفسير القرآن العظيم: 1/450]
«من بنى مسجدًا من ماله بنى اللّه له بيتًا في الجنّة».
سعيدٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: إنّ في التّوراة مكتوبًا: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ زارني في بيتي أكرمته، وحقٌّ على المزور كرامة الزّائر.
قوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] الغدوّ صلاة الصّبح، والآصال العشيّ، الظّهر والعصر.
وقد ذكر في غير هذه الآية المغرب والعشاء وجميع الصّلوات الخمس في غير آيةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/451]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال...}

قرأ الناس بكسر الباء. وقرأ عاصم (يسبّح) بفتح الباء. فمن قال {يسبّح} رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يسبّح له رجال لا تلهيهم تجارة. ومن قال {يسبّح} بالكسر جعله فعلاً للرجال ولم يضمر سواه.
وأمّا وقوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} فإن دخول (في) لذكر المصباح الذي وصفه فقال: كمثل مصباح في مسجد. ولو جعلت (في)
لقوله: {يسبّح} كان جائزاً، كأنه: قال في بيوت أذن الله أن ترفع يسبح له فيها رجال.
وأمّا قوله: {أذن اللّه أن ترفع} أي تبنى). [معاني القرآن: 2/254-253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن تبنى، وقال الحسن: تأويل " أن ترفع " أن تعظّم.
و " في " من صلة قوله (كمشكاة).
المعنى كمشكاة في بيوت، أي في مساجد.
وقال الحسن يعنى به بيت المقدس.
ويجوز أن تكون " في " متصلة بـ (يسبّح)
ويكون فيها تكريرا على التوكيد، فيكون المعنى يسبح للّه رجال في بيوت أذن اللّه لأن ترفع.
وتقرأ (يسبّح) له فيها، فيكون رفع رجال ههنا على تفسير ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى على أنه لما قال: (يسبّح له فيها) كأنّه قيل: من يسبّح الله فقيل يسبّح رجال كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة=ومختبط مما تطيح الطّوائح
(والآصال): واحدها أصل، وهي العشايا). [معاني القرآن: 4/46-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}
والمعنى كمشكاة في بيوت
وقيل المعنى المصباح في بيوت
وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت
قال الحسن في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان
وقال عكرمة هي البيوت كلها
وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى). [معاني القرآن: 4/538]

تفسير قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ} [النور: 37] التّجارة، الجالب، والبيع الّذي يبيع على يديه.
قال: {عن ذكر اللّه} [النور: 37] قال السّدّيّ: يعني عن الصّلوات الخمس.
قال: {وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} [النور: 37] كانوا إذا سمعوا المؤذّن تركوا بيعهم وقاموا إلى الصّلاة.
وذكر اللّه في هذا الموضع الأذان والصّلاة، والصّلوات الخمس.
وإيتاء الزّكاة، الزّكاة المفروضة.
عاصم بن حكيمٍ، عن مسلمٍ أبي عبد اللّه، عن إبراهيم قال: قومٌ لا تلهيهم التّجارة عن وقت الصّلاة، وهم هؤلاء الّذين سمّى اللّه.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صفوان بن سليمٍ أنّ رسول اللّه رأى امرأةً في المسجد فقال: «يا أيّها النّاس كفّوا عليكم نساءكم فإنّما عذّبت بنو إسرائيل حين أرسلوا نساءهم إلى المساجد والأسواق».
- حمّاد بن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي عمرٍو الشّيبانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: ما صلّت امرأةٌ في مكانٍ خيرٌ من قعر بيتها، إلا أن يكون المسجد الحرام ومسجد النّبيّ، إلا أن تخرج في منقليها.
قال حمّادٌ: المنقلان: الخفّان.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن أسيد بن سليمان السّاعديّ، عن سعيد بن المنذر، عن أمّ حميدٍ السّاعديّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلاة المرأة في بيتها
[تفسير القرآن العظيم: 1/451]
أفضل من صلاتها في حجرتها، وحجرتها خيرٌ لها من دارها، ودارها خيرٌ لها من مسجد عشيرتها، ومسجد عشيرتها خيرٌ لها من مسجدي».
همّامٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في حجرتها.
ثمّ يتبعه قتادة: وما ستر امرأةٍ فهو خيرٌ لها.
قال يحيى: وهذا الحرف يقرأ على وجهين: {يسبّح له فيها} [النور: 36] في المسجد {رجالٌ} [النور: 37]، قال: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ} [النور: 36-37] والحرف الآخر {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] ثمّ قال: {رجالٌ} [النور: 37] فهم الّذين يسبّحون له فيها بالغدوّ والآصال.
قوله: {يخافون يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار} [النور: 37] قلوب الكفّار وأبصارهم.
وتقلّب القلوب أنّ القلوب انتزعت من أماكنها، فغصّت به الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج وهو قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] وأمّا تقلّب الأبصار، فالزّرق بعد الكحل، والعمى بعد البصر). [تفسير القرآن العظيم: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لاّ تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ...}

فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه كذا جاء في التفسير.
وقوله: {تتقلّب فيه القلوب والأبصار} يقول: من كان في دنياه شاكاً أبصر ذلك في أمر آخرتته، ومن كان يشكّ ازداد قلبه بصرا؛ لأنه لم يره في دنياه: فذلك تقلّبها.
وأمّا قوله: {وإقام الصّلاة...}
فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامةً وإجارةً وإجابةً لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغي أن يقال: أقمته إقواماً وإجوابا فلمّا سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكّنتا سقطت الأولى منهما. فجعلوا فيها الهاء كأنها تكثير للحرف. ومثله ممّا أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم: وعدته عدة ووجدت في المال جدةٍ، وزنة ودية وما أشبه ذلك، لما أسقطت الواو من أوّله كثّر من آخره بالهاء.
وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله: {وإقام الصّلاة} لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها في الإضافة.
وقال الشاعر:
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا=وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يريد عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها). [معاني القرآن: 2/254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}
ومعنى: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة}.
أي لا يشغلهم أمر عن ذلك.
ويروى أن ابن مسعود رأى قوما من أهل السوق، وقد نودي بالصّلاة فتركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصّلاة، فقال: هؤلاء من الذين قال اللّه - عز وجل - فيهم، {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه}.
وقوله: (وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة)
الكلام أقمت الصلاة إقامة، وأصلها أقمت إقواما، ولكن قلبت الواو أيضا فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء السّاكنين، فبقي أقمت الصلاة إقامة وأدخلت الهاء عوضا من المحذوف، وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة.
وهذا إجماع من النحويين.
وقوله: {يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}.
ويجوز تقلّب فيه القلوب والأبصار، في غير القرآن، ولا يجوز في القران " تقلّب، لأن القراءة سنة لا تخالف وإن جاز في العربية ذلك.
ومعنى تتقلب أي ترجف وتجف من الجزع والخوف، ومعناه أن من كان قلبه موقنا بالبعث والقيامة ازداد بصيرة، ورأى ما يحبّه مما وعد به، ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث، فعلم ذلك بقلبه وشاهده ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار). [معاني القرآن: 4/47-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}
قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة
وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة).
[معاني القرآن: 4/539-538]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}
أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). [معاني القرآن: 4/540-539]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار}: أي تتقلب عما كانت عليه في الدنيا من الكفر، وتنكشف الأغطية عن الأبصار).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا} [النور: 38] ثواب ما عملوا، الجنّة.
{ويزيدهم من فضله} [النور: 38] فأهل الجنّة أبدًا في مزيدٍ.
حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن مطرّف بن عبد اللّه، عن كعبٍ قال: وجدت في التّوراة: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ في بيته ثمّ زارني في بيتي أكرمته وحقٌّ على المزور أن يكرم الزّائر، ووجدت في القرآن: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون
يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار {37}
[تفسير القرآن العظيم: 1/452]
ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ {38}} [النور: 36-38] قوله: {بغير حسابٍ} [النور: 38] بغير أن يحاسب نفسه، أي: لا ينقص ما عند اللّه كما ينقص ما في أيدي النّاس.
وقال السّدّيّ: {بغير حسابٍ} [النور: 38] يقول: ليس فيه تباعةٌ فيما يرزق.
ويقول: أنا الملك أعطي من شئت بغير حسابٍ أخافه من أحدٍ، ليس فوقي ملكٌ يحاسبني.
وبعضهم يقول: لا أحدٌ يحاسبهم بما أعطاهم اللّه كقوله: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] غير محسوبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/453]


رد مع اقتباس