عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1439هـ/29-07-2018م, 08:23 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فوربك لنحشرنهم} الآية وعيد يكون مابعده على أصعب وجوهه، والضمير في قوله: {لنحشرنهم}، عائد للكفار القائلين ما تقدم، ثم أخبر أنه يقرن بهم الشياطين المغوين لهم، وقوله: {جثيا} جمع جاث كقاعد وقعود وجالس وجلوس، وأصله: جثووا، وليس في كلام العرب واو متطرفة قبلها ضمة فوجب أن تعل، ولم يعتد ها هنا بالساكن الذي بينهما لخفته وقلة حوله فقلبت ياء فجاء جثويا، فاجتمع الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت ياء، ثم أدغمت الياء في الياء ثم كسرت الثاء للتناسب بين الكسرة والياء. وقرأ الجمهور "جثيا" و"صليا" بضم الجيم والصاد، وقرأ ابن وثاب والأعمش: "جثيا" و"صليا" بكسر الجيم والصاد. وأخبر الله تعالى أنه يحضر هؤلاء المنكرين للبعث مع الشياطين فيجثون حول جهنم، وهي قعدة الخائف الذليل على ركبتيه كالأسير ونحوه، قال قتادة: "جثيا" معناه: على ركبهم، وقال ابن زيد: الجثي شر الجلوس). [المحرر الوجيز: 6/54]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "الشيعة": الفرقة المرتبطة بمذهب واحد، المتعاونة فيه، كأن بعضهم يشيع بعضا، أي ينبه منه، ومنه تشييع النار بالحطب، وهو وقدها به شيئا بعد شيء، ومنه قيل للشجاع: مشيع القلب، فأخبر الله أنه ينزع من كل شيعة أعتاها وأولاها بالعذاب فتكون تلك مقدمتها إلى النار، قال أبو الأحوص: المعنى: نبدأ بالأكابر جرما، ثم أخبر تعالى في الآية بعد أنه أعلم بمستحقي ذلك وأبصر؛ لأنه لم تخف عليه حالهم من أولها إلى آخرها.
وقرأ بعض الكوفيين، ومعاذ بن مسلم، وهارون القارئ: "أيهم" بالنصب، وقرأ الجمهور: "أيهم" بالضم، إلا أن طلحة والأعمش سكنا ميم "أيهم"، واختلف الناس في وجه رفع "أي" - فقال الخليل: رفعه على الحكاية بتقدير: الذي يقال فيه من أجل عتوه: أيهم أشد، وقرنه بقول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 6/54]
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي: فأبيت يقال في: لا حرج ولا محروم، ورجح الزجاج قول الخليل، وذكر عنه النحاس أنه غلط سيبويه في هذه المسألة، قال سيبويه: ويلزم على هذا أن يجوز: أضرب السارق الخبيث، أي الذي يقال له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس بلازم؛ من حيث هذه أسماء مفردة والآية جملة، وتسلط الفعل على المفرد أعظم منه على الجملة، ومذهب سيبويه أن "أيهم" مبني على الضم؛ إذ هي أخت لـ "الذي" ولـ "ما"، وخالفتهما في جواز الإضافة فيها فأعربت لذلك، فلما حذف من صلتها ما يعود عليها ضعفت فرجعت إلى البناء، وكان التقدير: أيهم هو أشد. قال أبو علي: حذف ما الكلام مفتقر إليه فوجب البناء، وقال يونس: علق عنها الفعل فارتفعت بالابتداء، قال أبو علي: معنى ذلك أنه معمل في موضع "من كل شيعة" إلا أنه ملغى لأنه تعلق جملة، إلا أفعال الشك كظننت ونحوها مما لم يتحقق وقوعه. وقال الكسائي: لننزعن معناه: لننادين، فعومل معاملة الفعل المراد فلم يعمل في "أي"، وقال المبرد: "أيهم" متعلق بـ "شيعة" فلذلك ارتفع، والمعنى: من الذين تشايعوا أيهم أشد، كأنهم يتبارون إلى هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويلزمه أن يقدر مفعولا لـ "ننزعن" محذوفا.
وقرأ طلحة بن مصرف: "أيهم أكبر". و"عتيا" مصدر، أصله: عتووا، وأعل بما أعل به "جثيا"، وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: يندلق عنق من النار
[المحرر الوجيز: 6/55]
فيقول: إني أمرت بكل جبار عنيد، فتلتقطهم ... الحديث). [المحرر الوجيز: 6/56]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}
أي: نحن في ذلك النزع لا نضع شيئا غير موضعه؛ لأننا قد أحطنا علما بكل أحد، فالأولى بصلي النار نعرفه، و"الصلي" مصدر صلي يصلى إذا باشره. قال ابن جريج: المعنى: أولى بالخلود). [المحرر الوجيز: 6/56]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} حتم، والواو تقتضيه، ويفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: من مات له ثلاث من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم. وقرأ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعكرمة، وجماعة: "وإن منهم" بالهاء، على إرادة الكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فلا شغب في هذه القراءة.
وقالت فرقة من الجمهور القارئين "منكم": المعنى: قل لهم يا محمد، فإنما المخاطب بـ "منكم" الكفرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتأويل هؤلاء أيضا سهل التناول.
وقال الأكثر: المخاطب العالم كله، ولا بد من ورود الجميع، واختلفوا في كيفية
[المحرر الوجيز: 6/56]
ورود المؤمنين - فقال عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وخالد بن معدان، وابن جريج، وغيرهم: ورود دخول، لكنها لا تعدو على المؤمنين، ثم يخرجهم الله منها بعد معرفتهم بحقيقة ما نجوا منه. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي: أما أنا وأنت فلا بد أن نردها، فأما أنا فينجيني الله منها، وأما أنت فما أظنه ينجيك، وقالوا: في القرآن أربعة أوراد معناها الدخول، هذا أحدها، وقوله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار}، وقوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا}، وقوله سبحانه: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}، وقالوا: كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أدخلني النار سالما، وأخرجني منها غانما". وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الورود في هذه الآية هو الدخول. وأشفق كثير من العلماء من تحقق الورود والجهل بالصدور.
وقالت فرقة: بل هو ورود إشراف واطلاع وقرب، كما تقول: وردت الماء إذا جئته، وليس يلزم أن تدخل فيه، قالوا: وحسب المؤمنين بهذا هولا، ومنه قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين}.
[المحرر الوجيز: 6/57]
وروت فرقة أن الله تعالى يجعل يوم القيامة النار جامدة الأعلى كأنها هالة، فيأتي الخلق كلهم برهم وفاجرهم، فيقفون عليها، ثم تسوخ بأهلها، ويخرج المؤمنون الفائزون ولم ينلهم ضر، فقالوا: هذا هو الورود.
وروت حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية "، فقالت: فقلت: يا رسول الله، وأين قول الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمه، ثم ننجي الذين اتقوا، ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
وذكر النقاش عن بعضهم أنه قال: نسخ قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، وليس هذا موضع نسخ.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ورودهم هو جوازهم على الصراط، وذلك أن الحديث الصحيح تضمن أن الصراط مضروب على جسر جهنم، فيمر الناس كالبرق الخاطف، وكالريح، وكالجواد من الخيل، على مراتب، ثم يسقط الكافر في جهنم وتأخذهم كلاليب، قالوا: فالجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية.
وقال مجاهد: ورود المؤمنين هو الحمى التي تصيبهم في دار الدنيا، وفي الحديث الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء، وفي الحديث أيضا الحمى حظ كل
[المحرر الوجيز: 6/58]
مؤمن من النار، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل مريض عاده من الحمى: إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من نار الآخرة فهذا هو الورود.
و "الحتم": الأمر المنفذ المجذوم). [المحرر الوجيز: 6/59]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "ثم" بفتح الثاء على الظرف، وقرأ ابن أبي ليلى: "ثمة" بفتح الثاء وهاء السكت، وقرأ نافع وابن كثير، وجمهور من الناس: "ننجي" بفتح النون الثانية وشد الجيم، وقرأ يحيى، والأعمش: "ننجي" بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم، وقرأت فرقة: "نجي" بضم النون واحدة وشد جيم، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ثم" بفتح الثاء "نحي" بالحاء غير منقوطة.
و{الذين اتقوا} معناه: اتقوا الكفر. وقال بعض العلماء: لا يضيع أحد بين الإيمان والشفاعة. و"نذر" دالة على أنهم كانوا فيها، و"الظلم" هنا هو ظلم الكفر. وقد تقدم القول في قوله: " جثيا "، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "ثم ننجي الذين اتقوا منها ونترك الظالمين"). [المحرر الوجيز: 6/59]


رد مع اقتباس