عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 05:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} ابتداء قصة الجن ووفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم. و"صرفنا" معناه: رددناهم عن حال ما، ويحتمل أنها الاستماع في السماء، ويحتمل أن تكون كفرهم قبل الوفادة، وذلك بحسب الاختلاف هنا، هل هم الوفد أو المتجسسون؟ وروي أن الجن كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم تسترق السمع من السماء، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حرست بالشهب الراجمة، فضاقت الجن ذرعا بذلك، وأتى رأي ملئهم على الافتراق في أقطار الأرض وطلب السبب الموجب لهذا الرجم والمنع من استراق السمع ففعلوا ذلك.
واختلف الرواة بعد فقالت فرقة: جاءت طائفة من الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يشعر، فسمعوا القرآن، وولوا إلى قومهم منذرين، ولم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك حتى عرفه الله تعالى بذلك كله، وكان سماعهم لقراءته وهو بنخلة عند سوق عكاظ، وهو يقرأ في صلاة الفجر، وقالت فرقة: بل أشعره الله تعالى بوفادة الجن عليه واستعد لذلك، ووفد عليه أهل نصيبين منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتحرير في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جن دون أن يعرف بهم، وهم المتفرقون من أجل الرجم، وهذا هو قوله تعالى: {قل أوحي إلي} الآية، ثم بعد ذلك وفد عليه وفد، وهو المذكور صرفه في هذه الآية. قال قتادة: صرفوا إليه من نينوى، أشعر به قبل وروده، وقال الحسن: لم يشعر به، واختلف في عددهم اختلافا متباعدا فاختصرته لعدم الصحة في ذلك، أما ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، وقال زر: كانوا تسعة فيهم زوبعة، وروي في ذلك أحاديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني خارج إلى وفد الجن، فمن شاء يتبعني"، فسكت أصحابه، فقالها ثانية، فسكتوا، فقال عبد الله: أنا أتبعك، قال: فخرجت معه حتى جاء شعب الحجون، فأدار لي دائرة وقال: "لا تخرج منها"، ثم ذهب عني، فسمعت لغطا ودويا كدوي النسور الكاسرة، ثم في آخر الليل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأ عليهم القرآن وعلمهم، وأعطاهم زادا في كل عظم وروثة، فقال: "يا عبد الله، ما رأيت؟" قال: فأخبرته، فقال: "لقد كنت أخشى أن تخرج فيخطفك بعضهم"، قلت: يا رسول الله، سمعت لهم لغطا، فقال: "إنهم تدارءوا في قتيل لهم، فحكمت بالحق بينهم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واضطربت الروايات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وروي عنه ما ذكرنا. وروي عنه أنه رأى رجالا من الجن وهم شبه رجال الزط السود الطوال حين رآهم بالكوفة، وروي عنه أنه قال: ما شاهد أحد منا ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصرت هذه الروايات وتطويلها لعدم صحتها.
وقوله تعالى: {نفرا من الجن} يقتضي أن المصروفين رجالا لا أنثى فيهم، فالنفر والرهط والقوم الذين لا أنثى فيهم، وقوله تعالى: {فلما حضروه قالوا أنصتوا} فيه تأدب مع العلم وتعليم كيف يتعلم، وقرأ جمهور الناس: "قضي" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ حبيب بن عبد الله بن الزبير، وأبو مجلز على بناء الفعل للفاعل، أي: قضى محمد صلى الله عليه وسلم القراءة، وقال ابن عمر، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم: قرأ عليهم سورة الرحمن عز وجل، فكان إذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان " قالوا: لا شيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد، ولما ولت هذه الجملة تفرقت على البلاد منذرة للجن، قال قتادة: ما أسرع ما عقل القوم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهنالك وقعت قصة سواد وشصار وخنافر وأشباههم صلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم).[المحرر الوجيز: 7/ 630-633]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين * أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}
المعنى: قال هؤلاء المنذرون لما بلغوا قومهم: يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى، وهو القرآن العظيم، وخصصوا موسى صلى الله عليه وسلم لأحد أمرين: إما لأن هذه الطائفة كانت تدين بدين اليهود، وإما لأنهم كانوا يعرفون أن موسى عليه السلام قد ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم وبشر به، فأشاروا إلى موسى عليه السلام من حيث كان الأمر مذكورا في توراته. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الثعلبي: لم يكونوا علموا أمر عيسى عليه السلام، فلذلك قالوا: من بعد موسى، وقولهم: {مصدقا لما بين يديه} يؤيد هذا. و"ما بين يديه" هي التوراة والإنجيل، و"الحق" و"الصراط المستقيم" هنا بمعنى متقارب، لكن من حيث اختلف اللفظ -وربما كان الحق أعم- وكأن أحدهما قد يقع في مواضع لا يقع فيها الآخر، حسن التكرار). [المحرر الوجيز: 7/ 633]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "داعي الله" هو محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في: "به" عائد على الله تعالى، وقوله تعالى: {يغفر لكم} معناه: يغفر الله لكم.
وقوله: "ويجركم" معناه: يمنعكم ويجعل دونكم جوار حفظه حتى لا ينالكم عذاب.
وقوله تعالى: {ومن لا يجب داعي الله} الآية، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بها إسماع الكفار، وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن: أجيبوا داعي الله، فلما حكى ذلك قيل: ومن لا يجب داعي الله فهو بحال كذا، والمعجز: الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "وليس لهم من دونه" بزيادة ميم).[المحرر الوجيز: 7/ 633-634]

رد مع اقتباس