عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:27 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... (نشرًا) : «متفرّقةً» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {نشرًا}؛ متفرّقةً تقدّم في بدء الخلق). [فتح الباري: 8/ 300]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (نشرا متفرّقةً
أشار به إلى قوله تعالى: {وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا} وفسّر نشرا بقوله: متفرّقة وفن التّفسير: النشر جمع نشور وهي الرّيح الطّيبة الهبوب تهب من كل ناحية وجانب، وقيل: النشور بمعنى المنشور كالركوب بمعنى المركوب، وقال ابن الأنباري: النشر المنتشرة الواسعة الهبوب أرسلها الله منشورة بعد انطوائها). [عمدة القاري: 18/ 234]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {الرياح} {نشرًا} بالنون المضمومة أي (متفرقة) قيل لا تقع قطرة من الغيث إلا بعد عمل أربع رياح: الصباح تهيج السحاب، والشمال تجمعه، والجنوب تدره، والدبور تفرّقه). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابًا ثقالاً سقناه لبلدٍ ميّتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّكم الّذي خلق السّموات والأرض والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره هو الّذي يرسل الرّياح نشرًا بين يدي رحمته.
والنّشر بفتح النّون وسكون الشّين في كلام العرب من الرّياح الطّيّبة اللّيّنة الهبوب الّتي تنشئ السّحاب، وكذلك كلّ ريحٍ طيّبةٍ عندهم فهي نشرٌ، ومنه قول امرئ القيس:
كأنّ المدام وصوب الغمام ....... وريح الخزامى ونشر القطر
وبهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين خلا عاصم بن أبي النّجود، فإنّه كان يقرؤه: {بشرًا} على اختلافٍ عنه فيه، فروى ذلك بعضهم عنه: {بشرًا} بالباء وضمّها وسكون الشّين، وبعضهم بالباء وضمّها وضمّ الشّين، وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: {ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّراتٍ}: تبشّر بالمطر، وأنّه جمع بشيرٍ بشرًا، كما يجمع النّذير نذرًا.
وأمّا قرّاء المدينة وعامّة المكّيّين والبصريّين، فإنّهم قرءوا ذلك: (وهو الّذي يرسل الرّياح نشرًا) بضمّ النّون والشّين، بمعنى جمع نشورٍ جمع نشرًا، كما يجمع الصّبور صبرًا، والشّكور شكرًا.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك أنّها الرّيح الّتي تهبّ من كلّ ناحيةٍ وتجيء من كلّ وجهٍ.
وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضمّ النّون فينبغي أن تسكّن شينها، لأنّ ذلك لغةً بمعنى النّشر بالفتح، وقال: العرب تضمّ النّون من النّشر أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحدٍ. قال: فاختلاف القرّاء في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير الخسف والخسف بفتح الخاء وضمّها.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ قراءة من قرأ ذلك (نشرًا) و(نشرًا) بفتح النّون وسكون الشّين وبضمّ النّون والشّين، قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار، وأمّا قراءة الباء فلا أحبّ القراءة بها، وإن كان لها معنًى صحيحٌ ووجهٌ مفهومٌ في المعنى والإعراب كما ذكرنا من العلّة.
وأمّا قوله: {بين يدي رحمته}، فإنّه يقول: قدّام رحمته وأمامها، والعرب كذلك تقول لكلّ شيءٍ حدث قدّام شيءٍ وأمامه جاء بين يديه، لأنّ ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم حتّى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يد له.
والرّحمة الّتي ذكرها جلّ ثناؤه في هذا الموضع المطر.
فمعنى الكلام إذن: واللّه الّذي يرسل الرّياح ليّنًا هبوبها، طيّبًا نسيمها، أمام غيثه الّذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالاً، حتّى إذا أقلّتها، والإقلال بها: حملها، كما يقال: استقلّ البعير بحمله وأقلّه: إذا حمله فقام به. ساقه اللّه لإحياء بلدٍ ميّتٍ قد تعفّت مزارعه ودرست مشاربه وأجدب أهله، فأنزل به المطر وأخرج به من كلّ الثّمرات.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: (وهو الّذي يرسل الرّياح نشرًا بين يدي رحمته) إلى قوله: {لعلّكم تذكّرون} قال: إنّ اللّه يرسل الرّيح فتأتي بالسّحاب من بين الخافقين طرف السّماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثمّ، ثمّ ينشره فيبسطه في السّماء كيف يشاء، ثمّ يفتح أبواب السّماء، فيسيل الماء على السّحاب، ثمّ يمطر السّحاب بعد ذلك. وأمّا رحمته: فهو المطر.
وأمّا قوله: {كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون}، فإنّه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميّت بما ننزل به من الماء الّذي ننزله من السّحاب، فنخرج به من الثّمرات بعد موته وجدوبته وقحوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياء بعد فنائهم ودروس آثارهم {لعلّكم تذكّرون}، يقول تعالى ذكره للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذّبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثّواب والعقاب: ضربت لكم أيّها القوم هذا المثل الّذي ذكرت لكم من إحياء البلد الميّت بقطر المطر الّذي يأتي به السّحاب، الّذي تنشره الرّياح الّتي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكّروا وتعلموا أنّ من كان ذلك من قدرته فيسير في إحياء الموتى بعد فنائها وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دروسها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون} وكذلك تخرجون، وكذلك النّشور، كما نخرج الزّرع بالماء.
وقال أبو هريرة: إنّ النّاس إذا ماتوا في النّفخة الأولى أمطر عليهم من ماءٍ تحت العرش يدعى ماء الحيوان أربعين سنةً، فينبتون كما ينبت الزّرع من الماء، حتّى إذا استكملت أجسامهم نفخ فيهم الرّوح، ثمّ يلقى عليهم نومةٌ، فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصّور الثّانية، عاشوا وهم يجدون طعم النّوم في رءوسهم وأعينهم، كما يجد النّائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}، فناداهم المنادي: {هذا ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {كذلك نخرج الموتى}، قال: تمطر السّماء حتّى تتشقّق عنهم الأرض.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كذلك نخرج الموتى} قال: إذا أراد اللّه أن يخرج الموتى أمطر السّماء حتّى تتشقّق عنهم الأرض، ثمّ يرسل الأرواح فتعود كلّ روحٍ إلى جسدها، فكذلك يحيي اللّه الموتى بالمطر كإحيائه الأرض). [جامع البيان: 10/ 251-256]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابًا ثقالًا سقناه لبلدٍ ميّتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون (57)}
قوله تعالى: {وهو الّذي يرسل الرّياح}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا قال: إنّ اللّه يرسل الرّياح فتأتي بالسّحاب من بين الخافقين طرف السّماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثمّ، ثمّ ينشره فيبسطه في السّماء كيف يشاء، ثمّ يفتح أبواب السّماء ليسيل الماء على السّحاب، ثمّ يمطر السّحاب بعد ذلك.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني إسحاق ابن محمّدٍ المسيّبيّ، عن نافع بن عبد الرّحمن بن أبي نعيمٍ، عن جماعةٍ من التّابعين، عن ابن كعبٍ رضي اللّه عنه قال: كلّ شيءٍ في القرآن من الرّياح فهي رحمةٌ، وكلّ شيءٍ في القرآن من الرّيح فهو عذابٌ.
قوله تعالى: {بشرًا بين يدي رحمته}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته}؛ قال: فيستبشر بها النّاس.
- ذكر عبيد اللّه بن إسماعيل، ثنا خلفٌ، ثنا الخفّاف، عن إسماعيل قال: كان عبد اللّه اليماميّ، يقرؤها بشرٌ من قبل مبشّراتٍ.
قوله تعالى: {بين يدي رحمته}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {بين يدي رحمته}؛ وأمّا رحمته فهو المطر.
قوله تعالى: {حتّى إذا أقلّت سحابًا ثقالاً سقناه ... الآية}.
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن يزيد، عن عبد الجليل، عن شهر بن حوشبٍ، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه قال: ما نزل مطرٌ إلا بميزانٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا محمود بن غيلان، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا الحسين بن واقدٍ، ثنا علياء بن أحمر، عن عكرمة قال: ينزل اللّه الماء من السّماء السّابعة فتقع القطرة منه على السّحابة مثل البعير.
قوله تعالى: {فأخرجنا به من كلّ الثّمرات}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الأشعث، ثنا معتمرٌ قال: سمعت أبي، عن سيّارٍ، عن خالد بن يزيد قال: كنّا عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السّماء، ومنه ممّا يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرّعد والبرق، وأمّا ما كان من البحر فلا يكون له نباتٌ، وأمّا النّبات فممّا كان من السّماء.
قوله تعالى: {كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {كذلك نخرج الموتى}؛ نمطر السّماء حتّى تشقّق عنهم الأرض.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ كتابةً، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون} وكذلك تخرجون، وكذلك النّشور كما يخرج الزّرع بالماء). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1501-1503]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {كذلك نخرج الموتى}؛ يعني نمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض).[تفسير مجاهد: 238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: {وهو الذي يرسل الرياح} على الجماع (بشرا) خفيفة بالباء.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين - طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان - فيخرجه من ثم ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {بشرا بين يدي رحمته}؛ قال: يستبشر بها الناس.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن اليماني أنه كان يقرأها: {بشرا}؛ من قبل مبشرات.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {بين يدي رحمته}
قال: هو المطر، وفي قوله: {كذلك نخرج الموتى}، قال: وكذلك تخرجون كذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كذلك نخرج الموتى}، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى تمطر الماء حتى تشقق الأرض ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض). [الدر المنثور: 6/ 430-432]

تفسير قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}، قال: هذا مثل ضربه الله تعالى في المؤمن والكافر). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 230]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {نكدًا} : «قليلًا» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: نكدًا قليلًا قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {والّذي خبث لا يخرج إلا نكدا}؛ أي قليلًا عسرًا في شدّةٍ قال الشّاعر: لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا وروى بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال النّكد الشّيء القليل الّذي لا ينفع). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (نكدا قليلاً
أشار به إلى قوله تعالى: {والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدا} وفسّر قوله: نكدا بقوله: قليلا وفسره أبو عبيدة بقوله: قليلا عسرا في شدّة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السّديّ. قال: النكد الشّيء القليل الّذي لا ينفع). [عمدة القاري: 18/ 234]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {والذي خبث لا يخرج إلا} {نكدًا} أي (قليلًا) عديم النفع ونصبه على الحال وتقدير الكلام والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدًا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعًا مستترًا وهذا مثل من يسمع الآيات وينتفع بها ومن لا يرفع رأسه ولم يتأثر بالمواعظ). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدًا كذلك نصرّف الآيات لقومٍ يشكرون}.
يقول تعالى ذكره: والبلد الطّيّبة تربته العذبة مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل اللّه الغيث وأرسل عليه الحيا بإذنه طيّبًا ثمره في حينه ووقته. {والّذي خبث} فردؤت تربته وملحت مشاربه، {لا يخرج} نباته {إلاّ نكدًا} يقول: إلاّ عسرًا في شدّةٍ.
كما قال الشّاعر:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ....... أعطيت أعطيت تافهًا نكدا
يعني بالتّافه: القليل، وبالنّكد، العسر، يقال منه: نكد ينكد نكدًا ونكدًا، فهو نكدٌ ونكدٌ، والنّكد المصدر، ومن أمثالهم نكدًا وجحدًا ونكدًا وجحدًا، والجحد: الشّدّة والضّيق، ويقال إذا شفه وسئل قد نكدوه ينكدونه نكدًا، كما قال الشّاعر:
وأعط ما أعطيته طيّبًا ....... لا خير في المنكود والنّاكد
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل المدينة: (إلاّ نكدًا) بفتح الكاف.
وقرأه بعض الكوفيّين بسكون الكاف: (نكدًا).
وخالفهما بعض سائر القرّاء في الأمصار، فقرءوه: {إلاّ نكدًا} بكسر الكاف.
وكأنّ من قرأه: (نكدًا) بنصب الكاف أراد المصدر، وكأنّ من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها فسكّنها على لغة من قال: هذه فخذٌ وكتدٌ، وكان الّذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر النّون من (نكدٍ) حتّى يكون قد أصاب القياس.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: {نكدًا} بفتح النّون وكسر الكاف لإجماع الحجّة من قرّاء الأمصار عليه.
وقوله: {كذلك نصرّف الآيات لقومٍ يشكرون} يقول: كذلك نبيّن آيةً بعد آيةٍ، وندلي بحجّةٍ بعد حجّةٍ، ونضرب مثلاً بعد مثلٍ، لقومٍ يشكرون اللّه على إنعامه عليهم بالهداية وتبصيره إيّاهم سبيل أهل الضّلالة، باتّباعهم ما أمرهم باتّباعه وتجنّبهم ما أمرهم بتجنّبه من سبل الضّلالة. وهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فالبلد الطّيّب الّذي يخرج نباته بإذن ربّه مثلٌ للمؤمن، والّذي خبث فلا يخرج نباته إلاّ نكدًا مثلٌ للكافر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدًا} فهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن يقول: هو طيّبٌ وعمله طيّبٌ، كما البلد الطّيّب ثمره طيّبٌ. ثمّ ضرب مثل الكافر كالبلدة السّبخة المالحة الّتي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث وعمله خبيثٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {والبلد الطّيّب} {والّذي خبث} قال: كلّ ذلك من أرض السّباخ وغيرها مثل آدم وذرّيّته، فيهم طيّبٌ وخبيثٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدًا}، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه في الكافر والمؤمن.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث} هي السّبخة، {لا يخرج} نباتها، {إلاّ نكدًا} والنّكد: الشّيء القليل الّذي لا ينفع، كذلك القلوب لمّا نزل القرآن، فالقلب المؤمن لمّا دخله القرآن آمن به، وثبّت الإيمان فيه، والقلب الكافر لمّا دخله القرآن لم يتعلّق منه بشيءٍ ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيءٌ إلاّ ما لا ينفع، كما لم يخرج هذا البلد إلاّ ما لا ينفع من النّبات.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكدًا}، قال: الطّيّب ينفعه المطر فينبت، والّذي خبث السّباخ لا ينفعه المطر لا يخرج نباته إلاّ نكدًا، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه لآدم وذرّيّته كلّهم، إنّما خلقوا من نفسٍ واحدةٍ، فمنهم من آمن باللّه وكتابه فطاب، ومنهم من كفر باللّه وكتابه فخبث). [جامع البيان: 10/ 256-259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلّا نكدًا كذلك نصرّف الآيات لقومٍ يشكرون (58)}
قوله تعالى: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أى طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه}، فهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمنين يقول: هو طيّبٌ وعمله طيّبٌ كما أنّ البلد الطّيّب ثمرها طيّبٌ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {والبلد الطّيّب}، والّذي خبث كلّ ذلك من الأرض السّباخ وغيرها مثل آدم وذرّيّته كلّهم منهم الخبيث ومنهم الطّيّب.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه} فذلك مثلٌ ضربه اللّه يقولون ينزل الماء فيخرج البلد الطّيّب نباته بإذن اللّه، فكذلك القلوب لمّا نزل القرآن فالقلب المؤمن آمن به وثبت الإيمان في قلبه، وقلب الكافر لمّا دخله الإيمان لم يتعلّق منه شيءٌ ينفعه ولم يثبت فيه من الإيمان شيءٌ إلا ما لا ينفع، كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لم ينفع من النّبات.
قوله تعالى: {بإذن ربّه}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلا، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ بإذن اللّه يقول: بأمر الله.
قوله تعالى: {والّذي خبث لا يخرج إلا نكدًا}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس: قوله تعالى:{ والّذي خبث لا يخرج إلا نكدًا}؛ يقول: ضرب مثل للكافر كالبلد السّبخة المالحة الّتي لا يخرج منه البركة، والكافر هو الخبيث وعمله خبيثٌ.
قوله تعالى: {إلا نكدًا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يخرج إلا نكدًا}، والنّكد مفضلٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ لا يخرج إلا نكدًا والنّكد الشّيء القليل الّذي لا ينفع.
قوله تعالى: {كذلك نصرّف الآيات لقومٍ يشكرون}
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني حيوة بن شريحٍ، عن زهرة بن معبدٍ القرشيّ، أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يقول: الصّلاة شكرٌ والصّيام شكرٌ، وكلّ خيرٍ تفعله للّه شكرٌ، وأفضل الشّكر الحمد). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1503-1504]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: البلد الطيب والذي خبث كل ذلك من الأرض السباخ وغيرها مثل بني آدم منهم الخبيث والطيب).[تفسير مجاهد: 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والبلد الطيب} الآية، قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول: هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب والذي خبث ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة التي لا يخرج منها البركة والكافر هو الخبيث وعمله خبيث.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث} قال: كل ذلك في الأرض السباخ وغيرها مثل آدم وذريته فيهم طيب وخبيث.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {والبلد الطيب}، قال: هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فوعاه وأخذ به وعمل به وانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت {والذي خبث}، قال: هذا مثل الكافر لم يعقل القرآن ولم يعمل به ولم يأخذ به ولم ينتفع فهو كمثل الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولم تمرع.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: هذا مثل ضربه للقلوب يقول: ينزل الماء فيخرج البلد الطيب نباته بإذن الله {والذي خبث} هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدا فكذلك القلوب لما نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به وثبت الإيمان في قلبه وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفعه كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لم ينفع من النبات والنكد: الشيء القليل الذي لا ينفع.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (والبلد الطيب يخرج نباته) بنصب الياء ورفع الراء.
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد: {والبلد الطيب} الآية، قال: الطيب ينفعه المطر فينبت {والذي خبث} السباخ لا ينفعه المطر {لا يخرج إلا نكدا} هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم إنما خلقوا من نفس واحدة فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبث.
- وأخرج ابن جرير عن قتادة: {والبلد الطيب} الآية، قال: هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها بقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم ينفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به»). [الدر المنثور: 6/ 432-435]


رد مع اقتباس