عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 233 إلى 245]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الرّضاعة...}
القرّاء تقرأ بفتح الراء.
وزعم الكسائيّ أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر.
فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشيء مهارة ومهارة؛ والرّضاع والرّضاع فيه مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد).
[معاني القرآن: 1/149]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يريد: لا تضارّر، وهو في موضع جزم. والكسر فيه جائز "لا تضارّ والدة" ولا يجوز رفع الراء على نيّة الجزم، ولكن نرفعه على الخبر.
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا} فقد يجوز أن يكون: رفعا على نيّة الجزم؛ لأن الراء الأوّلى مرفوعة في الأصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز {لا تضارّ} بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهي مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون في معنى رفع. وقد قرأ عمر بن الخطّاب "ولا يضار كاتب ولا شهيد".

ومعنى {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول: لا ينزعنّ ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها.
{ولا مولودٌ لّه بولده}
يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيّها وألفها وعرفها فلا تضارّنّ الزوج في دفع ولده إليه).
[معاني القرآن: 1/149-150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تضارّ والدةٌ بولدها} رفعٌ، خبر، ومن قال: {لا تضارّ} بالنصب؛ فإنما أراد {لا تضارر}، نهىٌ). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ لّه بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ مّنهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم مّا آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} لأنه يقول: "بيني وبينك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللّؤم والرّضاعة" وهي في كل شيء مفتوحة.
وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول "الرّضاعة".

وقال: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينبغي" فلما حذف "ينبغي" وصار "تضارّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} فخبر {والّذين يتوفّون}{يتربّصن} بعد موتهم" ولم يذكر "بعد موتهم" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينبغي لهنّ أن يتربّصن" فلما حذف "ينبغي" وقع "يتربّصن" موقعه. قال الشاعر:
على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى = قضيّته أن لا يجور ويقصد
فرفع "ويقصد" على قوله: "وينبغي". ومن جعل {لا تضارّ} على النهي قال: {لا تضارّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فأما من ضعف فإنه يقول {لا تضارر} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت "لا تفاعل" وأنت تنهي. إلا أن "تضار" ههنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة). [معاني القرآن: 1/143-144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها} أي: طاقتها.
{لا تضارّ والدةٌ بولدها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{ولا مولودٌ له بولده}يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
و(الفصال): الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فصل عن أمه.
وأصل الفصل: التفريق).
[تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.

ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.

ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى {حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.

ومعنى {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.

الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى {لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك} أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الإلزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال: تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال {وفصاله في عامين}.
وقال ابن عباس: فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر.
والفائدة في {كاملين}: أن المعنى كاملين للرضاعة.
كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي: من الهدي.
وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن يأتي بعد هذا شيء آخر أو تكون العشرة ساعات.
ثم قال تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي: ذلك وقت لتمام الرضاعة وليس بعد تمام الرضاعة رضاع). [معاني القرآن: 1/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي: على الأب الذي ولد له {رزقهن وكسوتهن} أي: رزق الأمهات وكسوتهن {بالمعروف} أي: لا تقصير في النفقة والكسوة ولا شطط). [معاني القرآن: 1/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على النهي
وقرا أبان عن عاصم {لا تضارر والدة} بكسر الراء الأولى.
وقيل المعنى: لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على أبيه.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا تضار والدة} بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الإلزام.
وروى يونس عن الحسن قال: يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا أرضعه.
ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: {وعلى الوارث} أن لا يضار.
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك.
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع.
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه.
قال أبو جعفر: وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا
قال أبو جعفر: والقول الأول أبين لأن الأب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن). [معاني القرآن: 1/217-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}
قال مجاهد وقتادة: أي فطاما دون الحولين.
قال أبو جعفر: وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير إضرار منهما بالولد.
ثم قال: {فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أي: تسترضعوهم قوما
قال أبو إسحاق: أي: لأولادكم غير الوالدة.
{فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم} أي: سلمتم ما أعطيتم من ترك الإضرار.
وقال مجاهد: إذا سلمتم حساب ما أرضع به الصبي). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وسعها} طاقتها.
(والفصال) الفطام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن...}
يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن (الذين)؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر،
وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى.
قال: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إنّ ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلّة حلّت
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة * على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال: لعلّي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم} إلا أن الهاء من قوله: {وصيّة لأزواجهم} رجعت على {الذين} فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا؛ كقولك: عبد الله ضربته.
وقال: {وعشراً} ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام.
فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما} فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالي أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلّبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأمّا المختلط فقول الشاعر:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام.
وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام.
ومثل ذلك في الكلام أن تقول:
عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر.
وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة؛ فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة.
ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث.

وقوله: {من خطبة النّساء} الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة؛ يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول]: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا، ولو أراد مرّة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة؛ كما قال المشية.
وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعةٍ لي من أرضي؛ يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

وقوله: {أو أكننتم} للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ * من اللاتي تكنّ من الصقيع
وبعضهم [يرويه] تكنّ من أكننت. وأمّا قوله: "لؤلؤ مكنون" و"بيض مكنون" فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى). [معاني القرآن: 1/150-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ} أي: منتهى العدة.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح). [تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير}
هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة.
وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول:
1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم،
2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب.

3- وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك " الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول.
قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن.
وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما
المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه.
وهذا القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه.
والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين.
ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام.
زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب.
وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة "
أنشد سيبوبه:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا
قال سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور.
(قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ} أي: غاية هذه الأشهر والعشر.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها.
وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {والذين يتوفون منكم} بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون أعمارهم أي يستوفونها والله أعلم). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
العشر: عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها.
قال محمد بن يزيد: المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها إن كانت حاملا.
قال الأصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض.
وقال غيره: أركضت فهي مركض وأنشد:

ومركضة صريحي أبوها = تهان له الغلامة والغلام). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
قال الضحاك: أجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: النكاح الحلال الطيب). [معاني القرآن: 1/223-224]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} يقول: لا يصفنّ أحدكم نفسه في عدّتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه.
حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: السرّ في هذا الموضع النكاح.
وأنشد عنه بيت امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وألاّ يشهد السرّ أمثالي
قال الفرّاء: ويرى أنه مما كنى الله عنه قال: "أو جاء احد منكم من الغائط"). [معاني القرآن: 1/153]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} أي: في عدّتهن أن تقول: إني أريد أن أتزوجك وإن قضى شيء كان.
{لا تواعدوهنّ سرّاً} السّر: الإفضاء بالنكاح، قال الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
أي: ما استأنفت؛ وقال رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن إسرارها بعد العسق
يعني: غشيانها، أراد الجماع. قال امرؤ القيس بن حجر الكنديّ:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني... كبرت وألاّ يحسن السرّ أمثالي). [مجاز القرآن: 1/75-76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا قولاً مّعروفاً ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} فـ"الخطبة" الذكر، و"الخطبة": التشهّد.
وقال: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} لأنه لما قال: {لا جناح عليكم} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا} استثناء خارج على "ولكن"). [معاني القرآن: 1/144-145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تواعدهن سرا}: ذكر الفقهاء أنه كناية عن الفجور). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} وهو: أن يعرّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: واللّه إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمن حاجتي، ولعل اللّه أن يسوق إليك خيرا. هذا وما أشبهه.
{ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} أي: نكاحا.
يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك.
{إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً}
: لا تذكرون فيه نكاحا ولا رفثا.

{ولا تعزموا عقدة النّكاح} أي: لا تواقعوا عقدة النكاح {حتّى يبلغ الكتاب أجله}، يريد: حتى تنقضي العدة التي كتب على المرأة أن تعتدّها. أي فرض عليها.
{واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} أي: يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد، فاحذروه). [تفسير غريب القرآن: 89-90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفور حليم} المعنى: أنه لا جناح على الرجل أن يعرّض للمرأة التي هي في عدّة بالتزويج. والتعريض أن يقول إني فيك لراغب.
وإن قضى الله أمرا كان، وما أشبه هذا من القول.
ولا يجوز أن: يقطع أمر التزويج والمرأة لم تخرج من عدتها، ومعنى خطبة كمعنى خطب، أما خطبة فهو ماله أول وآخر نحو الرسالة، وحكي عن بعض العرب " اللهم ارفع عنا هذه الضغطة " فالضغطة ضغط له أول وآخر متصل.
ومعنى{أو أكننتم في أنفسكم}: يقال في كل شيء تستره أكننته وكننته، وأكننته فيما يستره أكثر، وما صنته تقول فيه كننته فهو مكنون.
قال اللّه عزّ وجلّ: {كأنّهنّ بيض مكنون} أي: مصون، وكل واحدة منهما قريبة من الأخرى.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرّا}.
قال أبو عبيدة: السّر الإفصاح بالنكاح وأنشد:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال غيره: كأن السّر كناية عن الجماع - كما أن الغائط كناية عن الموضع وهذا القول عندي صحيح.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النّكاح} معناه: لا تعزموا على عقد النكاح، وحذف " على " استخفافا كما تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، معناه على الظهر والبطن،
وقال سيبويه: إن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس.

وقوله عزّ وجلّ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} فعناه: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله،
ويجوز أن يكون: الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى حتى يبلغ الفرض أجله - كما قال: عزّ وجلّ: (كتب عليكم الصّيام) أي: فرض عليكم، وإنّما جاز أن يقع {كتب} في معنى فرض، لأن ما يكتب يقع في النفوس أنه ثبت، ومعنى هذا الفرض الذي يبلغ أجله أيام عدة المطلقة والمتوفي عنها زوجها).
[معاني القرآن: 1/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: هو أن يقول أريد أن أتزوج وكره أن يقول لا تسبقيني بنفسك في العدة.
وقال القاسم بن محمد: هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول.
وقالت: سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم ثم قال: كيف أصبحت فقلت: بخير جعلك الله بخير فقال: أنا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الإسلام وشرفي في العرب قالت: فقلت له غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال: ما فعلت إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى أثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة.
ثم قال تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} قيل: من أمر النكاح.
ثم قال تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن}
قال الحسن: أي في الخطبة.
وقال مجاهد: أي في نفسه.
ثم قال تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا}
قال سعيد بن جبير: السر أن يعاقدها على أن لا تتزوج غيره.
وقال مجاهد: هو أن يقول لا تفوتيني بنفسك.
وقال أبو مجلز وإبراهيم والحسن هو الزنا
وقال أبو عبيدة هو الإفصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد: قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطأ إنما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا} فليس هذا موضع الزنا
قال أبو جعفر: الذي قال محمد بن يزيد من أن السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال إلا أن الأشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير أن المعنى لا تواعدوهن نكاحا فسمي النكاح سرا لأن الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير أن أولى الأقوال بالصواب أن السر الزنا ولا يصح قول من قال السر أن يقول لها لا تسبقيني بنفسك لأنه قول علانية فإن أراد أن يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله أحد ولا يكون السر النكاح الصحيح لأنه لا يكون إلا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى {ستذكرونهن}: ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فيغرها بذلك حتى يصل إلى جماعها زنا.
ثم قال تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا}
قال مجاهد: هو التعريض.
وقال سعيد بن جبير: أن يقول لها إني لأرجو أن نجتمع وإني إليك لمائل.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} حتى تنقضي العدة.
والتقدير في اللغة: حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا.
ثم قال تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}أي: يعلم ما تحتالون به). [معاني القرآن: 1/224-230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا تواعدهن سرا} نكاحا في العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سِــــرّاً}: الزنـا النكــاح). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره...}
بالرفع. ولو نصب كان صوابا على تكرير الفعل على النيّة، أي: ليعط الموسع قدره، والمقتر قدره.
وهو مثل قول العرب: أخذت صدقاتهم، لكل أربعين شاةً شاة؛ ولو نصبت الشاة الآخرة كان صوابا.

وقوله: {متاعاً بالمعروف} منصوب خارجا من القدر؛ لأنه نكرة والقدر معرفة. وإن شئت كان خارجا من قوله "ومتّعوهنّ" متاعاً ومتعة.
فأمّا {حقّاً} فإنه نصب من نيّة الخبر لا أنه من نعت المتاع.
وهو كقولك في الكلام: عبد الله في الدار حقاً.
إنما نصب الحق من نيّة كلام المخبر؛ كأنه قال: أخبركم خبرا حقا، وبذلك حقا؛ وقبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنكرات؛ لأن الحق والباطل لا يكونان في أنفس الأسماء؛ إنما يأتي بالأخبار.
من ذلك أن تقول: لي عليك المال حقّا، وقبيح أن تقول: لي عليك المال الحق، أو: لي عليك مال حقّ، إلا أن تذهب به إلى أنه حقّ لي عليك، فتخرجه مخرج المال لا على مذهب الخبر.

وكل ما كان في القرآن مما فيه من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان في معنى الحق فوجه الكلام فيه النصب؛ مثل قوله "وعد الحق" و"وعد الصدق" ومثل قوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد اللّه حقاً} هذا على تفسير الأوّل.
وأمّا قوله: {هنالك الولاية للّه الحقّ} فالنصب في الحقّ جائز؛ يريد حقّا، أي أخبركم أن ذلك حقّ.
وإن شئت خفضت الحقّ، تجعله من صفة الله تبارك وتعالى.
وإن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية.
وكذلك قوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} تجعله من صفة الله عز وجلّ. ولو نصبت كان صوابا، ولو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا؛ كما قال {الحقّ من ربّك
فلا تكوننّ من الممترين} وأنت قائل إذا سمعت رجلا يحدث: [حقّا أي] قلت حقا، والحقّ، أي ذلك الحقّ.
وأمّا قوله في ص {قال فالحقّ والحقّ أقول} فإن الفرّاء قد رفعت الأوّل ونصبته.
وروي عن مجاهد وابن عباس أنهما رفعا الأوّل وقالا تفسيره: الحقّ مني، وأقول الحق؛ فينصبان الثاني بـ "أقول". ونصبهما جميعا كثير منهم؛ فجعلوا الأوّل على معنى: والحقّ "لأملأنّ جهنّم" وينصب الثاني بوقوع القول عليه. وقوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ} رفعه حمزة والكسائيّ، وجعلا الحق هو الله تبارك وتعالى، لأنها في حرف عبد الله " ذلك عيسى بن مريم قال اللّه" كقولك: كلمة الله، فيجعلون (قال) بمنزلة القول؛ كما قالوا: العاب والعيب. وقد نصبه قوم يريدون: ذلك عيسى ابن مريم قولا حقّا).
[معاني القرآن: 1/153-155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المقتر} يقال: قد أقتر فلان، إذا كان كان مقّلاً، قال الشاعر:
ولا من ربيع المقترين رزئته... بذي علقٍ فاقنى حياءك واصبري). [مجاز القرآن: 1/76]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وعلى المقتر قدره}: المقتر المقل). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو تفرضوا لهنّ فريضةً} يعني: المهر.
{ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} أي: أعطوهن متعة الطلاق على قدر الغنى والفقر). [تفسير غريب القرآن: 90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين}
فقد أعلم الله في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها من غير مهر كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بمهر، وأمر بأن تمتع المتزوج بها بغير مهر إذا طلقت ولم يدخل بها فقال الله عزّ وجلّ: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
و{قدره}، يقرآن جميعا، فقالوا إن التمتّع يكون بأشياء بأن تخدم المرأة وبأن تكسى، وبأن تعطى ما تنفقه، أيّ ذلك فعل يمتع، فذلك جائز له على قدر إمكانه.
وقوله عزّ وجلّ: {متاعا بالمعروف} أي: بما تعرفون أنه القصد وقدر الإمكان، ويجوز أن يكون نصب {متاعا بالمعروف}، على قوله: ومتعوهن متاعا، يجوز أن يكون: منصوبا على الخروج من قوله: على الموسع قدره متاعا أي ممتّعا متاعا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقا على المحسنين}.
منصوب على حق ذلك عليهم حقا، كما يقال حققت عليه القضاء وأحققته، أي أوجبته). [معاني القرآن: 1/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}
قال ابن عباس: الجماع.
{أو تفرضوا لهن فريضة} الفريضة ههنا المهر
قال أبو جعفر: وأصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي ومنه فرض السلطان لفلان.
ثم قال تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره} وهو الغني {وعلى المقتر قدره} وهو الفقير.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة.
وقال شريح: لا يقضى عليه لأنه قال {حقا على المحسنين}). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمُقْتـــِرِ}: المقــل). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ...}
تماسّوهن وتمسّوهن واحد، وهو الجماع؛ المماسّة والمسّ.
وإنما قال {إلاّ أن يعفون} بالنون لأنه فعل النسوة، وفعل النسوة بالنون في كل حال.
يقال: هنّ يضربن، ولم يضربن، ولن يضربن؛ لأنك لو أسقطت النون منهن للنصب أو الجزم لم يستبن لهنّ تأنيث. وإنّما قالت العرب "لن يعفوا" للقوم، و"لن يعفوا" للرجلين لأنهم زادوا للاثنين في الفعل ألفا ونونا، فإذا أسقطوا نون الاثنين للجزم أو للنصب دلّت الألف على الاثنين. وكذلك واو يفعلون تدلّ على الجمع إذا أسقطت النون جزما أو نصبا.
{أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}
وهو الزوج).
[معاني القرآن: 1/155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يعفون} هن: يتركن، يهبن، عفوت لك عن كذا وكذا: تركته لك). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {فنصف ما فرضتم}أي: فعليكم نصف ما فرضتم {إلاّ أن يعفون} وإن شئت نصبت {نصف ما فرضتم} على الأمر.
وقال: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}
وقال بعضهم (ولا تناسوا)، وكلٌّ صوابٌ.
وقال بعضهم {ولا تنسوا الفضل} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال: {اشتروا الضّلالة}).
[معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فنصف ما فرضتم}: من المهر، أي: فلهن نصف ذلك {إلّا أن يعفون} أي: يهبن، {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} يعني: الزوج.
وهذا في المرأة تطلّق من قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها المهر فلها نصف ما فرض لها، إلّا أن تهبه، أو يتمم لها الزوج الصداق كاملا.
وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأب. يراد: إلّا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك، فيكون عفوه جائزا عن ابنته.
{وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} حضّهم اللّه على العفو). [تفسير غريب القرآن:90-91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصير}أي: فعليكم نصف ما فرضتم، ويجوز النصب - {فنصف ما فرضتم}.
المعنى: فأدّوا نصف ما فرضتم، ولا أعلم أحدا قرأ بها فإن لم تثبت بها رواية فلا تقرأنّ بها.
وقوله عزّ وجلّ: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النّكاح} المعنى: إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا.
ومعنى عفو المرأة: - أن تعفو عن النصف المواجب لها من المهر فتتركه للزوج، أو يعفو الزوج عن النصف فيعطيها الكل.
وموضع {أن يعفون} نصب بأن، إلا أن جماعة المؤنث في الفعل المضارع تستوي في الرفع والنصب، والجزم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}.
ظاهر هذا الخطاب للرجال خاصة دون النساء، وهو محتمل أن يكون للفريقين لأن الخطاب إذا وقع على مذكرين ومؤنثين غلب التذكير لأن الأول أمكن.
والأجود في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} الضم.
ويجوز {ولا تنسوا الفضل بينكم} - وقد شرحنا العلة فيه). [معاني القرآن: 1/319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد بن جبير:لكل مطلقة متعة.
وقال آخرون: لا متعة لها.
روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي.
ثم قال تعالى: {إلا أن يعفون} قال الزهري والضحاك: المرأة إذا طلقت تدع النصف الذي جعل لها.
ثم قال تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى بن عاصم عن شريح قال: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب.
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم: هو الولي يعنون الأب خاصة.
قال أبو جعفر: حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي.
وأصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس.
قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس إن الله رضي العفو وأمر به فإن عفت فذلك وإن عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وإن أبت.
قال أبو جعفر: والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة أنه الولي وهو الذي يجوز أن يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال {ولا تعزموا عقدة النكاح} وإنما بيد الزوج أن يطلق
فإن قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله: {وقد فرضتم لهن فريضة} فلو كان للزوج لقيل أو تعفو وهذا أشبه بسياق الكلام وإن كان يجوز تحويل المخاطبة إلى الإخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب: إذا أعطي الصداق كاملا أن لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لأن العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك.
ثم قال جل وعز: {وأن تعفو أقرب للتقوى} قيل يعنى به:الأزواج وقيل يعني به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لأنه يقل وأن تعفون فيكون للنساء وأن يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح). [معاني القرآن: 1/231-237]

تفسير قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى...}
في قراءة عبد الله "وعلى الصلاة الوسطى" فلذلك آثرت القرّاء الخفض، ولو نصب على الحثّ عليها بفعل مضمر لكان وجها حسنا.
وهو كقولك في الكلام: عليك بقرابتك والأمّ، فخصّها بالبرّ).
[معاني القرآن: 1/156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قانتين}: مطيعين). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الصّلاة الوسطى} صلاة العصر. لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل.
{وقوموا للّه قانتين} أي: مطيعين. ويقال: قائمين. ويقال: ممسكين عن الكلام.
والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}
قالوا: {الصلاة الوسطى} العصر - وهو أكثر الرواية، وقيل إنها الغداة وقيل إنها الظهر.
واللّه قد أمر بالمحافظة على جميع الصلوات إلا أن هذه الواو إذا جاءت مخصصة فهي دالة على الفضل للذي تخصصه كما قال: عز وجل: {من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال} فذكرا مخصوصين لفضلهما على الملائكة، وقال يونس النحوي في قوله عزّ وجلّ: {فيهما فاكهة ونخل ورمّان} إنما خص النخل والرمان وقد ذكرت الفاكهة لفضلها على سائرها.
وقوله عزّ وجلّ: {وقوموا للّه قانتين}.
القانت المطيع والقانت - الذاكر اللّه، كما قال عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما} وقيل القانت العابد - وقالوا في قوله عزّ وجلّ: (وكانت من القانتين) أي: العابدين.
والمشهور في اللغة والاستعمال: أن القنوت الدعاء في القيام، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر اللّه، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له قانت،
لأنه ذاكر الله عزّ وجلّ وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله في حال القيام.
ويجوز أن: يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياما بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية). [معاني القرآن: 1/320-321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم وقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات} قال مسروق: على وقتها.
{والصلاة الوسطى}
روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال: هي صلاة الصبح.
وكذا روى عنه عكرمة إلا أنه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار.
وقيل: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال: هي الظهر.
وفيها قول ثالث هو: أولاها.
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا أبو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعز: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ((هي صلاة العصر))
وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس أن تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا واملأ بيوتهم نارا واملأ قبورهم نارا))
قال زر: قال علي: كنا نرى أنها صلاة الفجر.
وقيل لها الوسطى: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
ثم قال تعالى: {وقوموا لله قانتين}
قال ابن عباس والشعبي: القنوت الطاعة.
وقال مجاهد: القنوت السكوت.
قال أبو جعفر: وهذان القولان يرجعان إلى شيء واحد لأن السكوت في الصلاة طاعة.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا يحيى أخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}فأمرنا بالسكوت.
وقيل: هو القنوت في الصبح وهو طول القيام.
وروى الجعفي عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف في القرآن من القنوت فهو الطاعة)) ). [معاني القرآن: 1/237-242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَانِتِيـــنَ}: طائعين قائمين). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرجال}: واحدها: راجل، مثل قيام وقائم). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}
قال: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} يقول: "صلّوا رجالاً أو صلّوا ركبانا"). [معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}: الرجال الرجالة واحدها راجل مثل قائم وقيام). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإن خفتم} يريد: إن خفتم عدوا، {فرجالًا} أي: مشاة، جمع راجل، مثل قائم وقيام. {أو ركباناً} يقول: تصلي ما أمنت قائما، فإذا خفت صلّيت: راكبا، وماشيا. والخوف هاهنا بالتّيقن، لا بالظن). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فصلوا ركبانا أو رجالا، ورجال جمع راجل ورجال، مثل صاحب وصحاب، أي إن لم يمكنكم أن تقوموا قانتين أي عابدين موفّين الصّلاة حقها لخوف ينالكم، فصلوا رجالا أو ركبانا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فإذا أمنتم فقوموا قانتين مؤدّين للفرض). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}
روى أبو مالك عن ابن عباس أما رجالا فعلى أرجلكم إذا قاتلتم يصلي الرجل يومي برأسه أينما توجه.
وقال مجاهد: وكيف قدر). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَرِجَالاً}: رجالــة). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً...}
وهي في قراءة عبد الله: "كتب عليهم الوصية لأزواجهم" وفي قراءة أبيّ: "يتوفون منكم ويذرون أزواجا فمتاع لأزواجهم" فهذه حجّة لرفع الوصيّة.
وقد نصبها قوم منهم حمزة على إضمار فعل كأنه أمر؛ أي ليوصوا لأزواجهم وصيّة. ولا يكون نصبا في إيقاع "ويذرون" عليه.

{غير إخراجٍ} يقول: من غير أن تخرجوهن؛ ومثله في الكلام: أتيتك رغبة إليك.
ومثله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍٍ} لو ألقيت "من" لقلت: غير سوء. والسوء ههنا البرص.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء، قال حدثنا شريك عن يزيد بن زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: من غير برص.
قال الفراء كأنه قال: تخرج بيضاء غير برصاء).
[معاني القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من مّعروفٍ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {وصيّةً لأزواجهم} كأنه [قال]: "لأزواجهم وصيّةٌ {مّتاعاً إلى الحول} ونصب {متاعاً} لأنه حين قال: {لأزواجهم}{وصيّةً} فكأنه قد قال: "فمتّعوهنّ" {متاعاً} فعلى هذا انتصب قوله: {مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ} يقول "لا إخراجاً" أي: "متاعاً لا إخراجاً" أي: لا تخرجوهن إخراجاً. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود {كتب عليكم وصيّةٌ لأزواجكم}). [معاني القرآن: 1/145-146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال بعضهم {وصيّةٌ لأزواجهم}(240) فنصب على الأمر [ورفع] أي: عليكم وصيةٌ بذلك " [و] "أوصوا لهنّ وصيّةً"). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من معروف واللّه عزيز حكيم}
{وصيّة لأزواجهم} و {وصية لأزواجهم} يقرءان جميعا.
فمن نصب أراد فليوصوا وصية لأزواجهم.
ومن رفع فالمعنى فعليهم وصية لأزواجهم.
{متاعا إلى الحول غير إخراج}أي: متعوهنّ متاعا إلى الحول، ولا تخرجوهن، وهذا منسوخ بإجماع.
نسخه ما قبله وقد بيناه.
وقيل إنه نسخته آية المواريث وكلاهما - أعني ما أمر الله به من تربص أربعة أشهر وعشرا، وما جعل لهن من المواريث قد نسخه). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}
روى حبيب بن الشهيد عن ابن أبي ملكية عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} لم أثبتها وقد نسختها الآية الأخرى قال يا ابن أخي لا أغير شيئا عن مكانه.
وروى حميد عن نافع عن زينب بنت أم سلمة كانت المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر سنة ثم تعطى بعرة فترمي بها فأنزل الله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شاءت خرجت فاعتدت في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها إلى الحول ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشر.
وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله)) ). [معاني القرآن: 1/242-244]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف}: كانوا إذا طّلقوا يمتعونها من المقنعة فما فوق ذلك؛ متعها وحمّمها، أي: أعطاها). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ):
({وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً على المتّقين}

قال: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً} أي: أحقّ ذلك حقّاً). [معاني القرآن: 1/146]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تعقلون}
آياته علاماته ودلالاته على ما فرض عليكم، أي: مثل هذا البيان يبين لكم ما هو فرض عليكم، وما فرض عليكم.
ومعنى {لعلّكم تعقلون}: معنى يحتاج إلى تفسير يبالغ فيه، لأن أهل اللغة والتفسير أخبروا في هذا بما هو ظاهر، وحقيقة هذا أن العاقل ههنا أهو، الذي يعمل بما افترض عليه، لأنه إن فهم الفرض ولم يعمل به فهو جاهل ليس بعاقل، وحقيقة العقل هو استعمال الأشياء المستقيمة متى علمت، ألا ترى إلى قوله عزّ وجلّ: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب}، لو كان هؤلاء جهالا غير مميزين ألبتّة لسقط عنهم التكليف، لأن الله لا يكلف من لا يميز، ويقال جهال وإن كانوا مميزين. لأنهم آثروا هواهم على ما علموا أنه الحق). [معاني القرآن: 1/321-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}أي: لعلكم تتجنبون ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم). [معاني القرآن: 1/244]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم} على جهة التعجب.
كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!!). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}
معنى {ألم تر}: ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء وهذه الألف ألف التوقيف، و {تر} متروكة الهمزة، وأصله ألم ترء إلى الذين.
والعرب مجمعة على ترك الهمزة في هذا.

ونصب {حذر الموت} على أنه مفعول له والمعنى خرجوا لحذر الموت، فلما سقطت اللام نصب على أنه مفعول له وجاز أن يكون نصبه على المصدر، لأن خروجهم يدل على حذر الموت حذرا.
وقيل في تفسير الآية: إنهم كانوا ثمانية ألوف، أمروا في أيام بني إسرائيل إسرائيل أن يجاهدوا العدوّ، فاعتلوا بأن الموضع الذي ندبوا إليه ذو طاعون.
{فقال لهم اللّه موتوا} معناه: فأماتهم اللّه، ويقال إنهم أميتوا ثمانية أيام ثم أحيوا، وفي ذكر هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - احتجاج على مشركي العرب وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه أنبأ أهل الكتاب بما لا يدفعون صحته، وهو لم يقرأ كتابا - صلى الله عليه وسلم -.
فالذين تلا عليهم يعلمون إنّه لم يقرأ كتابا وأنه أمي، فلا يعلم هذه الأقاصيص إلا بوحي، إذ كانت لم تعلم من كتاب فعلم مشركو العرب أن كل من قرأ الكتب يصدقه - صلى الله عليه وسلم - في إخباره أنها كانت في كتبهم، ويعلم العرب الذين نشأ معهم مثل ذلك وأنه ما غاب غيبة يعلّم في مثلها أقاصيص الأمم وأخبارها على حقيقة وصحة، وفي هذه الآية أيضا معنى الحث على الجهاد وأن الموت لا يدفع بالهرب منه.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لذو فضل على النّاس} أي: تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد موتهم فأراهم البصيرة التي لا غاية بعدها.
وقوله عزّ وجلّ: يعقب هذه الآية:
{وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم}). [معاني القرآن: 1/322-323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء الذين سمعتم خبرهم، فلا ينفعكم الهرب.
ومعنى قوله عزّ وجلّ مع ذكر القتال: {واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: إن قلتم كما قال الذين تقدم ذكرهم بعلة الهرب من الموت سمع قولكم وعلم ما تريدون). [معاني القرآن: 1/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247] (م)

تفسير قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له...}
تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا لـ (من)؛ لأنها استفهام، والذي في الحديد مثلها). [معاني القرآن: 1/157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قال: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له}
وقال بعضهم {فيضعّفه له}.
وتقرأ نصبا أيضاً إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله: {فيضاعفه} "أن" حتى تكّون اسما فتجريه على الأوّل إذا نوى به الاسم.
والرفع لغة بني تميم لأنهم لا ينوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله: {يقرض اللّه} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: "لك عندي قرض صدقٍ" و"قرض سوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرّته أو مساءته. قال الشاعر:

لا تخلطنّ خبيثاتٍ بطيّبةٍ = واخلع ثيابك منها وانج عريانا
كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسناً = أو سيّئاً أو مدينا مثل ما دانا
فـ"القرض": ما سلف من صالح أو من سيء). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
معنى القرض في اللغة: البلاء السيئ، والبلاء الحسن، والعرب تقول: لك عندي قرض حسن وقرض سيئ، وأصله ما يعطيه الرجل أو يعمله ليجازى عليه، واللّه عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو الأخبار، فالقرض كما وصفنا، قال أمية بن أبي الصلت:
لا تخلطن خبيثات بطيبة... وأخلع ثيابك منها وانج عريانا
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا... أو سيئا أو مدينا كالذي دانا
وقال الشاعر:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
فمعنى القرض ما ذكرناه.
فأعلم اللّه أن ما يعمل وينفق يراد به الجزاء فاللّه يضاعفه أضعافا كثيرة.
والقراءة فيضاعفه، و(قرأوا): فيضاعفه، بالنّصب والرفع فمن رفع عطف على يقرض، ومن عطف نصب على جواب الاستفهام وقد بينا الجواب بالفاء - ولو كان قرضا ههنا مصدرا لكان إقراضا، ولكن قرضا ههنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء.
فأما قرضته أقرضه قرضا: فجاوزته، وأصل القرض في اللغة القطع.
والقراض من هذا أخذ، فإنما أقرضته قطعت له قطعة يجازى عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يقبض ويبسط}قيل في هذا غير قول:
1-
قال بعضهم: معناه يقتر ويوسع،
2- وقال بعضهم يسلب قوما ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين (وقيل معنى - يقبض) أي يقبض الصدقات ويخلفها، وإخلافها:
-جائز أن يكون ما يعطي من الثواب في الآخرة،
-وجائز أن يكون مع الثواب أن يخلفها في الدنيا).
[معاني القرآن: 1/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} أصل القرض: ما يفعل ليجازى عليه كما قال:
وإذا أجزيت قرضا فاجزه = إنما يجزي الفتى غير الجمل
ثم قال تعالى: {والله يقبض ويبسط} أي: يقتر ويوسع.
وقيل: يسلب قوما ما أنعم به عليهم ويوسع على آخرين.
وقيل: يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب أو في الدنيا). [معاني القرآن: 1/248]


رد مع اقتباس