عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 219 إلى 225]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {قل العفو...}
وجه الكلام فيه النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] نسخته الزكاة [تقول: قد عفا]). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الميسر} القمار.
{قل العفو}أي: الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي: ما صفا لك). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نّفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} إذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما).
وإن جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قل العفو} والأولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي ينفقون} فقال: "الذي ينفقون العفو".
وإذا نصبت فكأنه قال: "ما ينفقون" فقال: "ينفقون العفو" لأن (ما) إذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفو" منصوب بـ"ينفقون".
وإن جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} جعل {مّاذا} بمنزلة "الذي"
وقال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما".
وقد يكون إذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: "ما صنعت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان أيضاً جيدا لأنه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعت خيراً. كان صوابا. قال الشاعر:

دعي ماذا علمت سأتّقيه = ولكن بالمغيّب نبئّيني
جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز أن يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لأنك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما.
وقال أهل التأويل في قوله: {ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنتم أساطير الأولين" ليس على "أنزل ربّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم).
[معاني القرآن: 1/139-140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الميسر}: القمار كله.
{قل العفو}: العفو في التفسير ما فضل عن أهلك، وقال بعضهم: هو ما أطقته منن غير أن تجهد نفسك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والميسر}: القمار.
وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.

{ويسألونك ماذا ينفقون}؟ أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟
{قل العفو} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: «خذ ما عفا لك» أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف:199]، أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم). [تفسير غريب القرآن:82-83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
{الخمر} المجمع عليه، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر.
وأن يكون في التحريم بمنزلتها.
وتأويل الخمر في اللغة: أنه كل ما ستر العقل، يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "، ويقال دخل فلان في خمار أي في الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها، وإنما قيل له خمار لأنه يغطي، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض، وقيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه، وليس يقول أحد للشارب إلا مخمور - من كل سكر - وبه خمار، فهذا بيّن واضح.
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله عزّ وجلّ: {قل فيهما إثم كبير} وقرئت " كثير " قال قوم زهّد فيها في هذا الموضع وبين تحريمها في سورة المائدة في قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}: التحضيض على الانتهاء والتفديد على ترك الانتهاء.
وقال قوم: لا بل تحرم بما بين ههنا مما دل عليه الكتاب في موضع آخر.
لأنه قال: {إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصّا فقال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
والقمار: يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
وأما المنافع للناس فيه: فاللذة في الخمر والربح في المتجّر فيها، وكذلك المنفعة في
القمار، يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب فأعلم اللّه أن الإثم فيهما {إثم} أكبر من نفعهما.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون}.
النصنب والرفع في {العفو} جميعا، من " جعل {ماذا} اسما واحدا رد العفو عليه ومن جعل " ما " اسما و " إذا " خبرها وهي في معنى الذي رد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، ويجوز أن ينصب العفو وإن كان ما وحدها اسما فتحمل العفو علي ينفقون، كأنه قيل أنفقوا العفو.
ويجوز أيضا أن ترفع - وإن جعلت {ماذا} بمنزلة شيء واحد على "قل هو العفو".
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا.
فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه هذا قد روي في التفسير، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها.

وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر {يبين الله لكم الآيات}: لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}
ومثل هذا في القرآن كثير يحكي مخاطبة الإجماع بذلك، وذلكم أكثر في اللغة، وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " للجماعة - قال اللّه تعالى:
{يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا } -
والأصل ذلكن، إلا أن الجماعة في معنى القبيل.
وقوله عز وجل: {لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}يجوز أن يكون:
(تتفكرون في الدنيا والآخرة) من صلة تتفكرون المعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا وأمر الآخرة -،
ويجوز أن يكون في الدنيا والآخرة من صلة كذلك يبين الله لكم الآيات).

أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا وأمر الآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/291-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} ثم أنزل {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت {إنما الخمر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرمت)).
وقال عمرو بن شرحبيل: فقال عمر: انتهينا فإنها تذهب المال والعقل.
وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا.
وقال بعض الفقهاء: المحرم لها آيتان:
إحداهما: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم}.
قال أبو إسحاق: الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة: أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس، أي: الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة: قناعها لأنه يغطي الرأس.
والخمرة: التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد التحريم). [معاني القرآن: 1/170-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قال طاووس: اليسير من كل شيء .
وقال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى.
وقال قتادة: هو الفضل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى))
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر.
قال مجاهد: هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول). [معاني القرآن: 1/174-176]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال أبو جعفر: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال: يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
قال أبو جعفر: والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({والميسر}: القمار). [ياقوتة الصراط:179-180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والميسر} القمار.
{قل العفو} أي: يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله...). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَيْسِرِ}: القمار.
{الْعَفْوَ}:
ما عفي عنه ولم يطالبه به).
[العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويسألونك عن اليتامى...}
يقال للغلام يتم ييتم يتماً ويتماً. قال: وحكي لي يتم ييتم.
{وإن تخالطوهم فإخوانكم} ترفع الإخوان على الضمير (فهم)؛ كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا؛ يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} ولو نصبت ههنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم).
وفي قراءة عبد الله "إن تغذّبهم فعبادك" وفي قراءتنا "فإنّهم عبادك" وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فيه "هو" مع المرفوع. فإذا لم يحسن فيه "هو" أجريته على ما قبله؛ فقلت: إن اشتريت طعاما فجيّدا، أي فاشتر الجّيد، وإن لبست ثيابا فالبياض؛ تنصب لأن "هو" لا يحسن ههنا، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كلّ ما يلبس بياضا، ولا كلّ ما يشترى جيّدا. فإن نويت أن ما ولي شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول الله {فإن خفتم فرجالا} نصب؛ لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فيه "هو" ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلّوا قياما فصلّوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجّالة] فنصبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.

{واللّه يعلم المفسد من المصلح} المعنى في مثله من الكلام: الله يعلم أيّهم يفسد وأيّهم يصلح. فلو وضعت أيّا أو من مكان الأوّل رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعد،
قال [الفرّاء] سمعت العرب تقول: ما يعرف أي من أيّ. وذلك أن (أيّ) و(من) استفهامان، والمفسد خبر.
ومثله ما أبالى قيامك أو قعودك، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به).
[معاني القرآن: 1/141-142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم...} يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته الله إعناتا). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأعنتكم} أي: لأهلككم، من العنت). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولو شاء الله لأعنتكم}: أهلككم. والعنت الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها - خير.
{وإن تخالطوهم} فتوآكلوهم {فإخوانكم} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{ولو شاء اللّه لأعنتكم} أي: ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت). [تفسير غريب القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيز حكيم}
هذا مما نحكم تفسيره في سورة النساء إن شاء الله، إلا أن جملته أنهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوجون العشر ويأكلون أموالهم مع أموالهم، فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التزويج بنساء اليتامى ومخالطتهم، فأعلمهم اللّه أن الإصلاح لهم هو خير الأشياء، وأن مخالطتهم في التزويج وغيره جائزة مع تحري الإصلاح فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم.
فالرفع على هذا. والنصب جائز {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فإخوانكم تخالطون، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}
قال أبو عبيدة معناه: لأهلككم، وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون،
وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.

وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عزيز حكيم} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه دافع.
{حكيم} أي: ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} إلى آخرها). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم}
قال مجاهد: أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في الأدم والمرعى.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لأعنتكم قال: لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا.
وقال أبو عبيدة: لأعنتكم لأهلككم.
وقال أبو إسحاق: حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون.
قال: وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
{إن الله عزيز} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد.
{حكيم} ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/177-179]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والإعنات: تكليف غير الطاقة). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لأعْنَتَكُـــمْ}: لأهلككــم). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تنكحوا المشركات...}
يريد: لا تزوّجوا، والقرّاء على هذا، ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي: لا تزوّجوهن المسلمين كان صوابا.
ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.

وقوله: {ولو أعجبتكم...}
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان في المعنى.
ولذلك جاز أن يجازى لو بجواب إن، إن بجواب لو في قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون}. وقوله: "فرأوه" يعني بالهاء الزّرع).
[معاني القرآن: 1/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} أي: لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{ولا تنكحوا المشركين} [أي لا تزوجوا المشركين] {حتّى يؤمنّ}). [تفسير غريب القرآن:83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
معنى {لا تنكحوا}: لا تتزوجوا المشركات، ولو قرئت ولا تنكحوا المشركات كان وجها، ولا أعلم أحدا قرأ بها، والمعنى في هذا: ولا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن،
ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}

فإن قال قائل: من أين يقال لمن كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك وإن قال إن اللّه عزّ وجل واحد؟
فالجواب: في ذلك أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنما هو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
{ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم مسلمة.
وقوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} معناه: وإن أعجبكم، إلا أن " لو " تأتي فتنوب عن أن في الفعل الماضي.
ومعنى الكلام: أن الكافر شر من المؤمن لكم وإن أعجبكم أي أعجبكم أمره في باب الدنيا، لان الكافر والكافرة يدعوان إلى النار أي يعملان بأعمال أهل النار - فكأن نسلكم يتربى مع من هذه حاله.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي: يدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة.
ومعنى {بإذنه} أي: بعلمه الذي أعلم إنّه وصلة لكم إليها.

{ويبيّن آياته} أي: علاماته، يقال آية وآي، وآيات أكثر وعليها أتى القرآن الكريم.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّهم يتذكّرون}
معنى لعل ههنا: الترجي لهم أي ليكونوا هم راجين - واللّه أعلم أيتذكرون أم لا، ولكنهم خوطبوا على قدر لفظهم واستعمالهم). [معاني القرآن: 1/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
أكثر أهل العلم على هذه الآية: منسوخة نسخها {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والأوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به قال قلت فإن الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فقال: أهل الأوثان والمجوس.
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال: المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء). [معاني القرآن: 1/179-180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار
{أولئك يدعون إلى النار} أي: يعملون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}أي: يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة.
{والمغفرة بإذنه} أي: بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما.
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
{لعلهم يتذكرون} ليكونوا على رجاء التذكر). [معاني القرآن: 1/180-181]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى يطهرن...}
بالياء. وهي في قراءة عبد الله إن شاء الله "يتطهرن" بالتاء، والقرّاء بعد يقرءون "حتى يطهرن، ويطّهّرن" [يطهرن]: ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن: يغتسلن بالماء. وهو أحبّ الوجهين إلينا: يطّهّرن.
{فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} ولم يقل: في حيث، وهو الفرج. وإنما قال: من حيث كما تقول للرجل: ايت زيدا من مأتاه من الوجه الذي يؤتى منه. فلو ظهر الفرج ولم يكن عنه قلت في الكلام: ايت المرأة في فرجها. {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقال: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
قال: {ويسألونك عن المحيض} وهو: الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به "المفعل" نحو قولك: "ما في برّك مكالٌ" أي: كيلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مكيلٌ" وهو مثل "محيضٍ" من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّةٍ = لا يستطيع بها القراد مقيلا
يريد: "قيلولةً". وتقول: "جئت مجيئاً حسناً". فبنوه على "مفعل" وهو مصدره.
وقال: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} لأنك تقول: "طهرت المرأة" فـ"هي تطهر".
وقال بعضهم "طهرت".
وقالوا: "طلقت" "تطلق" "و "طلقت" "تطلق" أيضا.
ويقال للنفساء إذا أصابها النفاس: "نفست" فإذا أصابها الطلق [قيل]: طلقت").
[معاني القرآن: 1/140-141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} أي: ينقطع عنهن الدم.
يقال: طهرت وطهرت، إذا رأت الطّهر، وإن لم تغتسل بالماء.
ومن قرأ (يطّهرن) أراد: يغتسلن بالماء.
والأصل: «يتطهرون». فأدغم التاء في الطاء).
[تفسير غريب القرآن: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا،
وعند النحويين أن المصدر في هذا الباب "المفعل"، و "المفعل" جيّد بالغ فيه يقال ما في برّك "مكال" أي كيل ويجوز ما فيه "مكيل".

قال الشاعر وهو الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلّة... لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة،
ومعنى الآية: أن العرب كانت تفعل في أمر الحائض ما كانت تفعل المجوس، فكانوا يجتنبون تكليفها عمل أي شيء وتجتنب في الجماع وسائر ما تكلّفه النساء، يريدون أنها نجس، فأعلم اللّه أن الذي ينبغي أن يجتنب منها بضع فقط، وأنها لا تنخس شيئا، وأعلم أن المحيض أذى،
أي: مستقذر، ونهى أن تقرب المرأة حتى تتطهر من حيضها - بالماء بعد أن تطهر من الدم أي تنقى منه، فقال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} -
المعنى يتطهرن أي: يغتسلن بالماء، بعد انقطاع الدم - وقرئت حتى يطهّرن " ولكن {فإذا تطهّرن} يدل على {ولا تقربوهن حتى يطهرن}
وكلاهما (يطهرن) ويطهّرن - وقرئ بهما - جيّدان.
ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} أي: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب، أعني ولا تقربوهن صاحبات ولا عشيقات،
وقد قيل في التفسير: {من حيث أمركم اللّه} في الفروج، ولا يجوز أن يقربن في الدبر، والذي يروى عن مالك ليس بصحيح لأن إجماع المسلمين أن الوطء، حيث يبتغى
النسل، وأن أمر الدّبر فاحشة، وقد جاء الحديث أن محاشّ النساء حرام.
ويكنى به عن الدبر). [معاني القرآن: 1/296-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
قال قتادة: أي قذر.
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح))
فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع). [معاني القرآن: 1/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} أي: حتى ينقطع الدم عنهن.
وقرأ أهل الكوفة (يطهرن) أي: يغتسلن.
وكذا معنى يتطهرن قرأ به ابن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لأنه لا يحل المسيس حتى يغتسلن.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم
فيجوز أن يكون معناه كمعنى يطهرن.
ويجوز أن يكون معناه حتى يحل لهن أن يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله: {فإذا تطهرن}). [معاني القرآن: 1/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}
قال مجاهد: من حيث نهوا عنه في محيضهن.
وقال إبراهيم: في الفرج.
وقال ابن الحنيفة: من قبل التزويج من قبل الحلال.
وقال أبو رزين: من قبل الطهر.
وقال أبو العالية: ويحب المتطهرين من الذنوب.
وقال عطاء: بالماء.
قال أبو جعفر: وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء: ((إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني)) قالوا: يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}). [معاني القرآن: 1/183-184]

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم...}
[أي] كيف شئتم. حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني شيخ عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس: إن اليهود تزعم أن الرجل إذا أتى امرأته من ورائها في قبلها خرج الولد أحول، قال: فقال ابن عباس: كذبت يهود {نساؤكم حرثٌ لّكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نساؤكم حرثٌ لكم} كنايةٌ، وتشبيه، قال: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نساؤكم حرثٌ} لكم كناية.
وأصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.

{فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم.
{وقدّموا لأنفسكم}: في طلب الولد). [تفسير غريب القرآن:84-85]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
زعم أبو عبيدة أنه كناية، والقول عندي فيه أن معناه أن نساءكم حرث لكم منهن تحرثون الولد واللذة.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}أي: كيف شئتم، أي ائتوا موضع حرثكم كيف شئتم، وإنما قيل لهم كيف شئتم، لأن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل المرأة من خلف خرج الولد أحول، فأعلم اللّه أن الجماع إذا كان في الفرج حلال على كل جهة.
وقوله عزّ وجلّ: {وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه} أي: اتقوا الله فيما حدّ لكم من الجماع وأمر الحيض،
{وقدّموا لأنفسكم}
أي: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدّم لنفسه خيرا). [معاني القرآن: 1/298]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}أي: موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد). [معاني القرآن: 1/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}
أصح ما روي في هذا أن مالك بن أنس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول فأنزل الله: {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وكذلك قال مجاهد: قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج .
وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
قال أبو جعفر وقال الضحاك: {أنى شئتم} متى شئتم.
ومعناه: من أين شئتم، أي: من أي الجهات شئتم
قال أبو جعفر: وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد). [معاني القرآن: 1/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {واتقوا الله} فدل على العظة في أن لا يجاوزوا هذا). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وقدموا لأنفسكم} أي: الطاعة. وقيل في طلب الولد). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نساؤكم حرث لكم} أي: هن لكم للولد بمنزلة الأرض للزارع.
{أنى شئتم} أي: كيف شئتم في موضع الولد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا...}
يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا {أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} يقول: لا يمتنعنّ أحدكم أن يبرّ ليمين إن حلف عليها، ولكن ليكفّر يمينه ويأت الذي هو خير). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم) (224) أي نصباً). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عرضة لأيمانكم}: نصبا كقولك جعلت فلانا عرضة للناس). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا} يقول لا تجعلوا اللّه بالحلف به - مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر -: فكفّروا، أوتوا الذي هو خير). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميع عليم}
موضع " أن " نصب بمعنى عرضة المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبروا - فلما سقطت " في " أفضى لمعنى الاعتراض، فنصب أن.
وقال غير واحد من النحويين إن موضعها جائز أن يكون خفضا وإن سقطت " في " لأن " أن " الحذف معها مستعمل، تقول جئت لأن تضرب زيدا، وجئت أن تضرب زيدا، فحذفت اللام مع " أن " ولو قلت جئت ضرب زيد تريد لضرب زيد لم يجز كما جاز مع " أن " لأن " أن " إذا وصلت - دل ما بعدها على الاستقبال.
والمعنى: كما تقول: جئتك أن ضربت زيدا، وجئتك أن تضرب زيدا، فلذلك جاز حذف اللام.
وإذا قلت: جئتك ضرب زيد لم يدل الضرب على معنى الاستقبال.

والنصب في " أن " في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النحويين.
ومعنى الآية: أنهم كانوا يعتلون في البر بأنهم حلفوا، فأعلم اللّه أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقوى، وإن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور، فقال عزّ وجلّ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}). [معاني القرآن: 1/298-299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}
قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة أن تبروا). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي: لا تجعلوا يمينكم به مانعا لكم {أن تبروا وتتقوا}، ولكن إذا حلفتم على ألا تطيعوا، أو على أن تعصوا، فكفروا وأطيعوا، ولا تعصوا. وقيل {عرضة} نصبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عُرْضَــةً}: حجة تصدون بها). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم...}
فيه قولان:
يقال: هو ممّا جرى في الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله.
والقول الآخر: الأيمان أربع. فيمينان فيهما الكفّارة والاستغفار، وهو قولك: والله لا أفعل، ثم تفعل، ووالله لأفعلنّ ثم لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل]. واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو؛ إذ لم تكن فيهما كفّارة. وكان القول الأوّل - وهو قول عائشة: إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد - أشبه بكلام العرب). [معاني القرآن: 1/144]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):{اللّغو}: لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم} نقول: "لغوت في اليمين" فـ"أنا ألغو" "لغواً" ومن قال: "هو يمحا" قال: "هو يلغا" "لغواً" و"محواً".
وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لغيت باسم فلان" فـ"أنا ألغى به" "لغى" أي: أذكره). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}: ذكر بعض الفقهاء أنه لا والله وبلى والله وكل يمين لا تقتطع بها مالا ولا تظلم بها أحدا، وقال آخرون هو أن يحلف الرجل على اليمين لا يرى أنه كما حلف. وقال بعضهم هو الحلف على المعصية). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}،
واللغو في اليمين:
ما يجري في الكلام على غير عقد. ويقال: اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك، يقول: لا يؤاخذكم اللّه بهذا، {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي: بما تحلفون عليه وقلوبكم متعمدة، وتعلمون أنكم فيه كاذبون). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}
فقيل في معنى اللغو غير قول،
1- قال بعضهم معناه:
" لا واللّه " و " بلى واللّه "
2- وقيل: إن معنى اللغو الإثم - فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم.

وإنّما قيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}أي: بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم، ويقال: لغوت ألغو لغوا، ولغوت ألغى لغوا، مثل محوت أمحو محوا، وأمحى، ويقال لغيت في الكلام ألغى لغى، إذا أتيت بلغو، وكل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغى.
قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلم
وجملة الحلف أنه على أربعة أوجه،
فوجهان: منها الفقهاء يجمعون أن
الكفارة فيهما واجبة، وهو قولك: واللّه لا أفعل أو واللّه لأفعلنّ، ففي هاتين الكفارة إذا آثر أن يخالف ما حلف عليه، إذا رأى غيره خيرا منه فهذا فيه الكفارة لا محالة.
ووجهان: أكثر الفقهاء لا يرون فيهما الكفارة، وهما قولك: " واللّه ما قد فعلت "،. وقد فعل أو " واللّه لقد فعلت " ولم يفعل.
فهذا هو كذب أكّده بيمين، فينبغي أن يستغفر اللّه منه، فهذا جملة ما في اليمين.
ويجوز أن يكون موضع " أن ": رفعا، فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي البر والتقى أولى، ويكون أولى محذوفا كما جاء حذف أشياء في القرآن.
لأن في الكلام دليلا عليها، يشبه هذا منه: {طاعة وقول معروف} أي: طاعة وقول معروف أمثل.
والنصب في أن والجر مذهب النحويين ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد، ولأن الاتباع أحب وإن كان غيره جائزا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سميع عليم}معناه: في هذا الموضع يسمع أيمانكم ويعلم ما تقصدون بها). [معاني القرآن: 1/299-300]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه أقوال:
قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ أبي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك.
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك.
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله، وقال بهذا الشعبي.
وقال سعيد بن جبير: هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه.
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا: قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا
{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال قول عائشة لأن يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله.
فهذا إخبار منها عن علمها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية.
واللغو في اللغة: ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه.
وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم.
فأما قول سعيد بن جبير: فبعيد لأن ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر الله.
وقول زيد بن أسلم: محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين
وقيل اللغو قد ألغي إثمه.
ثم قال تعالى: {والله غفور رحيم}أي: غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا ألزمكم عقوبة {حليم} في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله أعلم). [معاني القرآن: 1/187-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال ابن جريج: قلت لعطاء قلت لشيء أعمده والله لا أفعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال عطاء: والتعقيد والله الذي لا إله إلا هو.

ففسر عطاء أن قوله والله لا أفعل مما اكتسبه القلب وفيه الكفارة وأن اليمين والله الذي لا إله إلا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال: بما عقدتم عليه). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{اللغو}: ما لم يكن باعتقاد منه). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (واللغو في اليمين: أن يحلف على الشيء بتحققه، ثم يظهر له أنه بخلاف ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اللَّغْـــوِ}: ما لم تعقــده). [العمدة في غريب القرآن: 90]


رد مع اقتباس