عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 01:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 106 إلى 123]

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}

تفسير قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها...} (أو ننسئها) , (أو نُنْسِهَا), عامة القرّاء يجعلونه من النسيان، وفي قراءة عبد الله: (ما ننسك من آيةٍ أو ننسخها نجئ بمثلها أو خيرٍ منها), وفي قراءة سالم مولى أبي حذيفة: (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسكها)، فهذا يقوّي النّسيان, والنّسخ: أن يعمل بالآية, ثم تنزل الأخرى, فيعمل بها, وتترك الأولى.
والنّسيان ها هنا على وجهين:
أحدهما: على الترك؛ نتركها فلا ننسخها، كما قال الله جل ذكره: {نسوا اللّه فنسيهم} يريد: تركوه فتركهم.
والوجه الآخر: من النّسيان الذي ينسى، كما قال الله: {واذكر ربّك إذا نسيت}, وكان بعضهم يقرأ: (أو ننسأها) يهمز، يريد: نؤخرها من النّسيئة؛ وكلٌّ حسن ...
- وحدثني قيس, عن هشام بن عروة بإسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا ً يقرأ, فقال: ((يرحم الله هذا، هذا أذكرني آياتٍ قد كنت أنسيتهنّ)) ). [معاني القرآن: 1/64-65]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ما ننسخ من آية} أي: ننسخها بأية أخرى، {أو ننسها} من النّسيان: نذهب بها, ومن همزها جعلها من "نؤخرها" من التأخير، ومن قال: تنسُوها, كان مجازها تمضيها، وقال جرير:
= ولا أنسأتكم غضبي
ونسأت الناقة: سقتها، وقال طرفة:
وعنسٍ كألواح الإران نسأتُها= على لاحبٍ كأنه ظهر برجد
يعني أنه يسوقها, ويمضيها.
{نأت بخيرٍ منها} أي: نأتيك منها بخير). [مجاز القرآن: 1/49-50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ مّنها أو مثلها ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ مّنها أو مثلها}, وقال بعضهم: (ننسأها) أي: نؤخّرها، وهو مثل {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر}؛ لأنّه تأخير, و{النسيئة} و{النسيء} أصله واحدٌ من "أنسأت" إلاّ أنّك تقول: "أنسأت الشيء" أي: أخّرته, ومصدره: النسيء,
و"أنسأتك الدين" أي: جعلتك تؤخّره, كأنه قال: "أنسأتك" , فـ"نسأت",
و"النسيء" أنّهم كانوا يدخلون الشهر في الشهر, وقال بعضهم: (أو نَنْسَها) كل ذلك صواب, وجزمه بالمجازاة, و النسيء في الشهر: التأخير.
{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل}
قال: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل}, ومن خفف قال: (سيل),
فإن قيل: كيف جعلتها بين بين وهي تكون بين الياء الساكنة وبين الهمزة، والياء الساكنة لا تكون بعد ضمة، والسين مضمومة؟
قلت: أمّا في "فُعِلَ", فقد تكون الياء الساكنة بعد الضمة؛ لأنهم قد قالوا "قيل" و"بيع", وقد تكون الياء في بعض "فُعِلَ" واواً خالصة لانضمام ما قبلها, وهي معه في حرف واحد كما تقول: "لم توطؤ الدابّة", وكما تقول: "قد رؤس فلان"). [معاني القرآن: 1/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ما ننسخ من آية أو ننساها}: نؤخرها، ومنه: البيع بنسيئة أي: بتأخير، ومنه: نسأ الله في أجلك.
ومن قال: (نَنْسَها) فمعنى نتركها من النسيان ومنه {نسوا الله فنسيهم}).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها} أراد: أو ننسكها, من النسيان.
ومن قرأها: (أو ننسأها) بالهمز؛ أراد: نؤخّرها فلا ننسخها إلى مدة, ومنه: النّسيئة في البيع، إنما هو: البيع بالتّأخير.
ومنه: النّسيء في الشهور، إنما هو: تأخير تحريم «المحرّم».
{نأت بخيرٍ منها} أي: بأفضل منها, ومعنى فضلها: سهولتها وخفتها). [تفسير غريب القرآن: 60-61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير (106)}
في {ننسها} غير وجه قد قرئ به: (أو نُنْسِهَا)، و(نَنْسَهَا)، و(نَنْسَؤُها).
فأما النسخ في اللغة؛ فإبطال شيء, وإقامة آخر مقامه، العرب تقول: نسخت الشمس الظل، والمعنى: أذهبت الظل, وحلّت محلّه،
وقال أهل اللغة في معنى {أو ننسها} قولين:-
1- قال بعضهم: (أو نَنْسَهَا) من النسيان، وقالوا: دليلنا على ذلك قوله عزّ وجلّ: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه}, فقد أعلم اللّه أنه يشاء أن ينسى، وهذا القول عندي ليس بجائز؛ لأن اللّه عزّ وجل قد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك} أنّه لا يشاء أن يذهب بالذي أوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله {فلا تنسى * إلا ما شاء اللّه} قولان يبطلان هذا القول الذي حكينا عن بعض أهل اللغة:-
أحدهما: {فلا تنسى} أي: لست تترك إلا ما شاء اللّه أن تترك،
ويجوز أن يكون: إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية، ثم تذكر بعد، ليس أنه على طريق السلب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أوتيه من الحكمة.
2- وقيل في {أو ننسها} قول آخر, وهو خطأ أيضاً, قالوا: أو نتركها, وهذا يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت أي: تركت، وإنما معنى {أو ننسها}: أو نتركها, أي: نأمر بتركها،
فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ؟ وما الفرق بين الترك والنسخ؟
فالجواب في ذلك: أن النسخ يأتي في الكتاب في نسخ الآية بآية , فتبطل الثانية العمل بالأولى.
ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل , فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تأتي ناسخة للتي قبلها، نحو: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}, ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة, فهذا معنى الترك، ومعنى النسخ قد بيّنّاه, فهذا هو الحق.
ومن قرأ (أو ننسؤها) أراد: نؤخرها, والنّسء في اللغة التأخير، يقال: نسأ اللّه في أجله, وأنسأ اللّه أجله, أي: أخر أجله.
وقوله: {نأت بخير منها}المعنى: بخير منها لكم ، {أو مثلها}، فأما ما يؤتى فيه بخير من المنسوخ , فتمام الصيام الذي نسخ الإباحة في الإفطار لمن استطاع الصيام, ودليل ذلك قوله: {ولتكملوا العدّة}, فهذا هو خير لنا كما قال اللّه عزّ وجلّ.
وأمّا قوله {أو مثلها} أي: نأتي بآية ثوابها كثواب التي قبلها، والفائدة في ذلك أن يكون الناسخ أسهل في المأخذ من المنسوخ، والإيمان به أسوغ, والناس إليه أسرع نحو القبلة التي كانت على جهة, ثم أمر اللّه النبي صلى الله عليه وسلم بجعل البيت قبلة المسلمين وعدل بها عن القصد لبيت المقدس، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساوياً في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح، والأدعى للعرب, وغيرهم إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/190-191]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{ننسها} أي: ننسكها يا محمد، من النسيان.
ومن قرأ (ننسأها) فهو من التأخير، أي: نؤخرها ولا ننسخها إلى مدة، ومنه النسأة في البيع أي: التأخير، والنسيء في الشهور: تأخيرها عن وقتها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 32]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (نَنْسَأَهَا): نؤخرها. (نَنْسَاهَا): نتركها). [العمدة في غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
لفظ {ألم} ههنا لفظ استفهام, ومعناه: التوقيف، وجزم {ألم} ههنا كجزم "لم"؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله،
ومعنى الملك في اللغة: تمام القدرة واستحكامها, فما كان مما يقال فيه ملك سمي: الملك، وما نالته القدرة مما يقال فيه مالك, فهو ملك، تقول: ملكت الشيء أملكه ملكا.
وكقوله تعالى {على ملك سليمان} أي: في سلطانه وقدرته.
وأصل هذا من قولهم: ملكت العجين أملكه إذا بالغت في عجنه، ومن هذا قيل في التزويج شهدنا "إملاك" فلان، أي: شهدنا عقد أمر نكاحه, وتشديده.
ومعنى الآية: إن اللّه يملك السّماوات والأرض, ومن فيهن, فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به، من ناسخ , ومنسوخ, ومتروك, وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
هذا خطاب للمسلمين يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم، وأن اللّه جلّ وعزّ ناصرهم، والفائدة فيه: أنه بنصره إياهم, يغلبون من سواهم). [معاني القرآن: 1/191]

تفسير قوله تعالى:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم...}
{أم} في المعنى تكون ردّا على الاستفهام على جهتين؛
إحداهما: أن تفرّق معنى "أيّ",
والأخرى: أن يستفهم بها, فتكون على جهة النسق، والذي ينوى بها الابتداء إلاّ أنه ابتداء متّصلٌ بكلام, فلو ابتدأت كلاماً ليس قبله كلامٌ، ثم استفهمت لم يكن إلاّ بالألف أو بهل؛ ومن ذلك قول الله: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين * أم يقولون افتراه}، فجاءت "أم" وليس قبلها استفهام، فهذا دليل على أنها استفهامٌ مبتدأ على كلامٍ قد سبقه,
وأمّا قوله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} فإن شئت جعلته على مثل هذا، وإن شئت قلت: قبله استفهام, فردّ عليه؛ وهو قول الله: {ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير},
وكذلك قوله: {ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم مّن الأشرار * اتّخذناهم سخريًّا أم زاغت عنهم الأبصار} فإن شئت جعلته استفهاماً مبتدأ قد سبقه كلامٌ، وإن شئت جعلته مردوداً على قوله: {مالنا لا نرى رجالاً}, وقد قرأ بعض القرّاء: {أتّخذناهم سخرياً} يستفهم في {أتّخذناهم سخرياً} بقطع الألف لينسّق عليه "أم" ؛ لأن أكثر ما تجيء مع الألف؛ وكلٌّ صواب,
ومثله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}, ثم قال: {أم أنا خيرٌ من هذا} والتفسير فيهما واحد, وربّما جعلت العرب "أم" إذا سبقها استفهام لا تصلح "أي" فيه على جهة "بل"؛ فيقولون: هل لك قبلنا حق أم أنت رجلٌ معروفٌ بالظّلم, يريدون: بل أنت رجلٌ معروف بالظّلم؛ وقال الشاعر:
فواللّه ما أدري أسلمى تغوّلت = أم النّوم أم كلٌّ إليّ حبيبٌ
معناه: بل كلّ إليّ حبيب.
وكذلك تفعل العرب في "أو" فيجعلونها نسقاً مفرّقة لمعنى ما صلحت فيه "أحدٌ"، و"إحدى" كقولك: اضرب أحدهما زيداً أو عمراً, فإذا وقعت في كلام لا يراد به أحدٌ , وإن صلحت جعلوها على جهة بل؛ كقولك في الكلام: اذهب إلى فلانٍ , أو دع ذلك, فلا تبرح اليوم, فقد دلّك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأوّل , وجعل "أو" في معنى "بل"؛ ومنه قول الله: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون}, وأنشدني بعض العرب:
بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى = وصورتها أو أنت في العين أملح
يريد: بل أنت). [معاني القرآن: 1/71-72]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فقد ضلّ سواء السّبيل...} و "سواء" في هذا الموضع قصد، وقد تكون "سواء" في مذهب غير؛ كقولك للرجل: أتيت سواءك). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء السّبيل} أي: وسطه،
قال عيسى بن عمر: ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي: أي: وسطي،
وقال حسّان بن ثابت يرثى عثمان بن عفّان:
يا ويح أنصار النبي ونسله= بعد المغيّب في سواء الملحد). [مجاز القرآن: 1/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سواء السبيل}: وسطه وقصده، ومثله {في سواء الجحيم}).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({فقد ضلّ سواء السّبيل} أي: ضلّ عن وسط الطريق، وقصده). [تفسير غريب القرآن: 61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل (108)}
أجود القراءة بتحقيق الهمزة، ويجوز جعلها بين بين، يكون بين الهمزة والياء فيلفظ بها (سُيل), وهذا إنما تحكمه المشافهة؛ لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المتحقق والمليّن, وما جعل ياء خالصة، ويجوز (كما سِيلَ موسى من قبل), من قولك: سِلْت أَسَال، في معنى: سُئِلت أُسْأَل, وهي لغة للعرب حجاها جميع النحويين، ولكن القراءة على الوجهين اللذين شرحناهما قبل هذا الوجه من تحقيق الهمزة, وتليينها.
ومعنى {أم} ههنا, وفي كل مكان لا تقع فيه عطفاً على ألف الاستفهام إلا أنها لا تكون مبتدأة, أنها تؤذن بمعنى بل,
ومعنى ألف الاستفهام، المعنى "بل أتريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل",
فمعنى الآية: أنهم نهوا أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا خير لهم في السؤال عنه , وما يكفّرهم، وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم , وإقامتها على مخالفتهم , وقد شرحنا ذلك في قوله: {فتمنّوا الموت}, وما أشبه ذلك مما تقدم شرحه, فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر، كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}, وقوله: {ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل} أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وضوح الحق , فقد ضل سواء السبيل, أي: قصد السبيل).
[معاني القرآن: 1/192-193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( "السَوَاء": الوسط, {السَّبِيلِ}: الطريق). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كفّاراً...} ها هنا انقطع الكلام، ثم قال: {حسداً} كالمفسّر لم ينصب على أنه نعتٌ للكفار، إنما هو كقولك للرجل: هو يريد بك الشر حسداً وبغياً). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {مّن عند أنفسهم...} من قبل أنفسهم لم يؤمروا به في كتبهم). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فاعفوا واصفحوا} عن المشركين، وهذا قبل أن يؤمر بالهجرة والقتال؛ فكل أمر نهى عنه عن مجاهدة الكفار فهو قبل أن يؤمر بالقتال، وهو مكي). [مجاز القرآن: 1/50]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
يعني به: علماء اليهود.
وقوله: {حسداً من عند أنفسهم} موصول بـ{ود الذين كفروا}، لا بقوله {حسداً}؛ لأن حسد الإنسان لا يكون من عند نفسه،
ولكن المعنى: مودتهم بكفركم من عند أنفسهم، لا أنهم عندهم الحق الكفر، ولا أن كتابهم أمرهم بما هم عليه من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، الدليل على ذلك قوله: {من بعد ما تبيّن لهم الحق}.
وقوله عزّ وجلّ: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره} هذا في وقت لم يكن المسلمون أمروا فيه بحرب المشركين، وإنما كانوا يدعون بالحجج البينة وغاية الرفق حتى بين الله أنهم إنما يعاندون بعد وضوح الحق عندهم , فأمر المسلمون بعد ذلك بالحرب.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه على كلّ شيء قدير} أي: قدير على أن يدعو إلى دينه بما أحب مما هو عنده الأحكم والأبلغ,
ويقال: أَقدر على الشيء, قَدْراً, وقَدَرًا, وقُدْرة، وقُدْرَانا، ومَقْدِرَة , ومقدُرة , ومقدَرة.
هذه سبعة أوجه, مروية كلها، وأضعفها مقدِرة بالكسر). [معاني القرآن: 1/193-194]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وآتوا الزّكاة} أي: أعطوا). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({آتوا الزكاة} أي: أعطوا).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ)
: ({آتُوا}: أعطوا). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى...} يريد: يهوديّاً, فحذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية,
وهي في قراءة أبيّ وعبد الله: {إلاّ من كان يهوديا أو نصرانيً},
وقد يكون أن تجعل "اليهود" جمعاً، واحده "هائد" ممدود، وهو مثل: حائل ممدود-من النوق- وحول، وعائط, وعوط, وعيط, وعوطط).
[معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({برهانكم}: بيانكم , وحجتكم). [مجاز القرآن: 1/51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}
قال: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى} فزعموا أن "الهود": جماعة "الهائد"، و"الهائد": التائب الراجع إلى الحق,
وقال في مكان آخر: {وقالوا كونوا هوداً} أي: كونوا راجعين إلى الحق، ويقال: "هائد", و"هوّد" مثل: "ناقه" و"نقّه"، و"عائد" و"عوّد"، و"حائل" و"حوّل"، و"بازل" و"بزّل,
وجعل {من كان} واحداً؛ لأنّ لفظ {من} واحدٌ، وجمع في قوله: {هوداً أو نصارى}, وفي هذا الوجه تقول: "من كان صاحبك"). [معاني القرآن: 1/110-111]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}
الإخبار في هذا عن أهل الكتاب، وعقد النصارى معهم في قوله: {وقالوا}؛ لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، فلذلك قال اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا} فأجملوا.
فالمعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وجاز أن يلفظ بلفظ جمع؛ لأن معنى {من} معنى جماعة, فحمل الخبر على المعنى.
والمعنى: إلا الذين كانوا هوداً, وكانوا نصارى,
وهو جمع هائد, وهود، مثل: حائل, وحول، وبازل, وبزل, وقد فسّرنا واحد النصارى, وجمعه فيما مضى من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك أمانيّهم} هذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن حقيقته: إنما أنت متمن.
و{أمانيّهم} مشددة، ويجوز في العربية: (تلك أَمَانِيهِمْ), ولكن القراءة بالتشديد لا غير، للإجماع عليه، ولأنه أجود في العربية.
وقوله عزّ وجلّ: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}أي: إن كنتم عند أنفسكم صادقين, فبينوا ما الذي دلكم على ثبوت الجنة لكم). [معاني القرآن: 1/194]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ} ذهب إلى لفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع).
[مجاز القرآن: 1/51]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} (؟) ). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن فله أجره عند ربّه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي: فهذا يدخل الجنة، فإن قال قائل: فما برهان من آمن في قولكم؟
قيل: ما بيناه من الاحتجاج للنبي صلى الله عليه وسلم , ومن إظهار البراهين بأنبائهم ما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي، وبما قيل لهم في تمني الموت، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على تثبيت الرسالة، فهذا برهان من أسلم وجهه للّه). [معاني القرآن: 1/195]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يتلون الكتاب}: يقرؤنه). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيء وقالت النّصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
يعني به: أن الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهم هذا الاختلاف, وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر, فتفهموا هذا المكان, فإن فيه حجة عظيمة, وعظة في القرآن.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم} يعني به الذين ليسوا بأصحاب كتاب نحو: مشركي العرب, والمجوس.
المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.
وقوله عزّ وجلّ: {فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة} المعنى: يريهم من يدخل الجنة عياناً, ويدخل النار عياناً.
وهذا هو حكم الفصل فيما تصير إليه كل فرقة، فأما الحكم بينهم في العقيدة فقد بينه اللّه عزّ وجلّ فيما أظهر من حجج المسلمين، وفي عجز الخلق عن أن يأتوا بمثل القرآن). [معاني القرآن: 1/195]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين...} هذه الرّوم كانوا غزوا بيت المقدس فقتلوا, وحرّقوا وخرّبوا المسجد, وإنما أظهر الله عليهم المسلمين في زمن عمر -رحمه الله- فبنوه، ولم تكن الروم تدخله إلا مستخفين، لو علم بهم لقتلوا). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّهم في الدّنيا خزيٌ...}
يقال: إن مدينتهم الأولى أظهر الله عليها المسلمين, فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا الذراري والنساء، فذلك الخزي). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ} يقول فيما وعد الله المسلمين من فتح الروم، ولم يكن بعد). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ومن أظلم ممّن مّنع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين لّهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ}
قال: {ومن أظلم ممّن مّنع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} إنما هو "من أن يذكر فيها اسمه" ولكن حروف الجرّ تحذف مع "أن" كثيراً ويعمل ما قبلها فيها حتى تكون في موضع نصب، أو تكون {أن يذكر} بدلًا من "المساجد" يريدون: "من أظلم ممّن منع أن يذكر".
وقال: {وسعى في خرابها}, فهذا على "منع" , و"سَعَى" .
ثم قال: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} فجعله جميعاً لأنّ {من} تكون في معنى الجماعة). [معاني القرآن: 1/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} نزلت في «الرّوم» حين ظهروا على «بيت المقدس» فخرّبوه, فلا يدخله أحد أبداً منهم إلّا خائف.
{لهم في الدّنيا خزيٌ} أي: هوان, ذكر المفسرون: أنه فتح مدينتهم رومية). [تفسير غريب القرآن: 61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
موضع (من) رفع , ولفظها لفظ استفهام، المعنى: وأي أحد أظلم ممن منع مساجد اللّه، و (أظلم) رفع بخبر الابتداء، وموضع "أن" نصب على البدل من مساجد اللّه، المعنى: ومن أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد اللّه اسمه.
وقد قيل في شرح هذه الآية غير قول: -
جاء في التفسير: أن هذا يعني به الروم، لأنهم كانوا دخلوا بيت المقدس وخربوه.
وقيل: يعني به مشركو مكة؛ لأنهم سعوا في منع المسلمين من ذكر اللّه في المسجد الحرام.
وقال بعض أهل اللغة غير هذا؛ زعم أنه يعني به جميع الكفار الذين تظاهروا على الإسلام، ومنعوا جملة المساجد، لأن من قاتل المسلمين حتى منعهم الصلاة , فقد منع جميع المساجد , وكل موضع متعبّد فيه فهو مسجد، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا))، فالمعنى على هذا المذهب: ومن أظلم ممن خالف ملة الإسلام.
وقوله عزّ وجلّ: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين} أعلم اللّه في هذه الآية أن أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفاً, وهذا كقوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}.
قوله: {لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} يرتفع (خزي) من وجهتين:
إحداهما: الابتداء،
والأخرى: الفعل الذي ينوب عنه (لهم),
المعنى: وجب لهم خزي في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم، والخزي الذي لهم في الدنيا: أن يقتلوا إن كانوا حرباًً, ويجزوا إن كانوا ذمة، وجعل لهم عظيم العذاب؛ لأنهم أظلم من ظلم لقوله: {ومن أظلم ممّن منع}). [معاني القرآن: 1/195-197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} نزلت في منع الروم المسلمين من بيت المقدس، فلا يدخله أحد منهم إلا خائفاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ("الْخِزْي": الهوان). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولله المشرق والمغرب} ما بين قطري المغرب، وما بين قطري المشرق، والمشارق والمغارب فيهما، فهو مشرق كلّ يوم تطلع فيه الشمس من مكان لا تعود فيه إلى قابلٍ، والمشرقين والمغربين: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وكذلك مغربهما، (القطر , والقتر , والحدّ , والتّخوم واحد).
{إنّ الله واسعٌ}أي: جواد يسع لما يسأل). [مجاز القرآن: 1/51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}, قال: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}؛ لأنّ {أينما} من حروف الجزم من المجازاة , والجواب في الفاء). [معاني القرآن: 1/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فثم وجه الله}: قبلة الله.
قال مجاهد: "قبلة الله أين ما كنت من شرق أو غرب؛ فاستقبلها").[غريب القرآن وتفسيره:79-80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({وللّه المشرق والمغرب} نزلت في ناس من أصحاب رسول اللّه -صلى اللّه عليه وعلى آله- كانوا في سفر, فعميت عليهم القبلة: فصلّى ناس قبل المشرق، وآخرون قبل المغرب, وكان هذا قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة).
[تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عز وجل: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسع عليم}
يرتفعان كما وصفنا من جهتين، ومعنى {للّه} أي: هو خالقهما.
وقوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}
{تولّوا}جزم بـ{أينما}, والجواب {فثمّ وجه اللّه}, وعلامة الجزم في {تولّوا} سقوط النون, و (ثمّ) موضع نصب ولكن مبني على الفتح لا يجوز أن تقول ثمّا زيد.
وإنما بني على الفتح لالتقاء السّاكنين، و"ثم" في المكان أشارة بمنزلة: هنا زيد؛ فإذا أردت المكان القريب قلت: هنا زيد، وإذا أردت المكان المتراخي عنك قلت: ثمّ زيد، وهناك زيد، فإنما منعت (ثمّ) الإعراب لإبهامها, ولا أعلم أحدا شرح هذا الشرح؛ لأن هذا غير موجود في كتبهم.
ومعنى الآية:
أنه قيل فيها: أنه يعني به البيت الحرام، فقيل: {أينما تولوا فثم وجه الله} أي: فاقصدوا وجه اللّه بتيمّمكم القبلة، ودليل من قال هذا القول قوله: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فقد قيل: إن قوماً كانوا في سفر , فأدركتهم ظلمة ومطر , فلم يعرفوا القبلة فقيل: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
وقال بعض أهل اللغة: إنما المعنى : معنى قوله: {وهو معكم أين ما كنتم}, فالمعنى على قوله هذا: أن اللّه معكم أينما تولوا؛ كأنه أينما تولوا فثم الله, {وهو معكم},
وإنّما حكينا في هذا ما قال الناس: وليس عندنا قطع في هذا، واللّه عزّ وجلّ أعلم بحقيقته؛ ولكن قوله: {إنّ اللّه واسع عليم} يدل على توسيعه على الناس في شيء رخص لهم به). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَجْهُ اللّهِ}: قبلة الله). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كلٌّ لّه قانتون...} يريد: مطيعون، وهذه خاصّة لأهل الطاعة ليست بعامّة).
[معاني القرآن: 1/74]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قانتون}: كل مقرٌّ بأنه عبد له، قانتات: مطيعات). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كل له قانتون} أي: كل يقر بأنه له عبد بالقول، وقانتات: مطيعات).
[غريب القرآن وتفسيره: 80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كلٌّ له قانتون}: مقرّون بالعبودية، موجبون للطاعة, و"القنوت" يتصرف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا اتّخذ اللّه ولدا سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون}
{قالوا} للنصارى, ومشركي العرب؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن اللّه، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات اللّه، فقال اللّه عزّ وجلّ: {بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون}
"القانت" في اللغة: المطيع، وقال الفرّاء: {كل له قانتون}, هذا خصوص, إنما يعني به أهل الطاعة،
والكلام يدل على خلاف ما قال؛ لأن قوله: {ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون} "كل" إحاطة, وإنما تأويله: كل ما خلق اللّه في السّماوات والأرض فيه أثر الصنعة, فهو قانت للّه, والدليل على أنه مخلوق,
و"القانت" في اللغة: القائم -أيضاً-؛ ألا ترى أن القنوت إنما يسمى به من دعا قائماً في الصلاة: قانتاً, فالمعنى: كل له قانت مقر بأنه خالقه، لأن أكثر من يخالف ليس بدفع أنه مخلوق, وما كان غير ذلك, فأثر الصنعة بين فيه، فهو قانت على العموم، وإنما القانت الداعي). [معاني القرآن: 1/198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كل له قانتون} أي: مقرون بالعبودية, والقنوت في غير هذا: طول القيام، وهو الدعاء أيضاً, وأصله كله الطاعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَانِتُونَ}: طائعون). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإنّما يقول له كن فيكون...} رفعٌ, ولا يكون نصباً, إنما هي مرودة على "يقول" , "فإنما يقول فيكون", وكذلك قوله: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ} رفعٌ لا غير, وأمّا التي في النحل: {إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون} فإنها نصب، وكذلك التي في "يس" نصبٌ؛ لأنّها مرودةٌ على فعل قد نصب بـ"أن"، وأكثر القرّاء على رفعهما, والرفع صوابٌ، وذلك أن تجعل الكلام مكتفياً عند قوله: {إذا أردناه أن نّقول له كن} فقد تمّ الكلام، ثم قال: فسيكون ما أراد الله, وإنّه لأحبّ الوجهين إليّ، وإن كان الكسائيّ لا يجيز الرفع فيهما, ويذهب إلى النّسق). [معاني القرآن: 1/74-175]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بديع}: مبتدع؛ وهو البادىء الذي بدأها, {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} أي: أحكم أمراً، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السّوابغ تبّع
أي: أحكم عملهما،
فرفع {فيكون}؛ لأنه ليس عطفاً على الأول، ولا فيه شريطة فيجازى، إنما يخبر أن الله تبارك وتعالى إذا قال: كن، كان).[مجاز القرآن: 1/52]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}
قال: {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} فرفعه على العطف؛ كأنه إنما يريد أن يقول: "إنّما يقول كن فيكون" , وقد يكون أيضاً رفعه على الابتداء, وقال: {إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون}, فإن جعلت {يكون} ههنا معطوفةً, نصبت لأنّ {أن نقول} نصب بـ"أن" كأنه يريد: "أن نقول فيكون", فإن قال: كيف والفاء ليست في هذا المعنى؟
فإن الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما، وإن لم يكن في معناه نحو "ما أنت وزيداً"، وإنما يريد "لم تضرب زيداً" , وترفعه على "ما أنت وما زيد" وليس ذلك معناه, ومثل قولك: "إيّاك والأسد",
والرفع في قوله: {فيكون} على الابتداء نحو قوله: {لّنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء} , وقال: {ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزواً}, وقد يكون النصب في قوله: {ويتّخذها}, وفي {نقرّ في الأرحام} أيضاً على أول الكلام, قال الشاعر -فرفع على الابتداء- :
يعالج عاقراً أعيت عليه = ليلقحها فينتجها حوارا
وقال الشاعر أيضاً :
وما هو إلاّ أنّ أراها فجاءةً = فأبهت حتّى ما أكاد أجيب
والنصب في قوله: {فأبهت} على العطف, والرفع على الابتداء). [معاني القرآن: 1/111-112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بديع السموات}: مبتدعها. {إذا قضى أمرا}: أحكم أمرا). [غريب القرآن وتفسيره: 80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({بديع السّماوات والأرض}: مبتدعهما). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}
يعني: أنشاهما على غير حذاء, ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه؛ قيل له: أبدعت، ولهذا قيل لكل من خالف السّنّة والإجماع مبتدع؛ لأنه يأتي في دين الإسلام بما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون.
وقوله: عزّ وجلّ: {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}؛ رفع {يكون} من جهتين:
إن شئت على العطف على {يقول}، وإن شئت الاستئناف، المعنى: فهو يكون،
ومعنى الآية: قد تكلم الناس فيها بغير قول:
قال بعضهم: {إنما يقول له كن فيكون}, إنما يريد: فيحدث, كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني= مهلا رويدا قد ملأت بطني
والحوض لم يقل.
وقال بعض أهل اللغة: {إنّما يقول له كن فيكون} يقول له, وإن لم يكن حاضرا: كن؛ لأن ما هو معلوم عنده بمنزلة الحاضر.
وقال قائل: {إنّما يقول له كن فيكون} له معنى من أجلها؛ فكأنه إنما يقول من أجل إرادته إياه {كن}أي: أحدث, فيحدث،
وقال قوم: هذا يجوز أن تكون لأشياء معلومة أحدث فيها أشياء فكانت، نحو قوله: {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} واللّه أعلم).
[معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَدِيعُ}: مبتدع, {قَضَى}: حكم). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {تشابهت قلوبهم...} يقول: تشابهت قلوبهم في اتفاقهم على الكفر, فجعله اشتباهاً, ولا يجوز (تشّابهت) بالتثقيل؛ لأنّه لا يستقيم دخول تاءين زائدتين في "تفاعلت" ولا في أشباهها, وإنما يجوز الإدغام إذا قلت في الاستقبال: تتشابه (عن قليل), فتدغم التاء الثانية عند الشين). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لولا يكلّمنا الله}: هلاّ يكلمنا الله, قال الأشهب ابن رميلة:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم= بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا
يقول: هلاّ تعدّون الكمىّ المقنّعا, يقال: رجل ضوطرى, وامرأة ضوطرة, أي: ضخمة كثيرة الشحم, ومثله ضيطار). [مجاز القرآن: 1/52-53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لولا يكلمنا الله}: هلا يكلمنا الله). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({لولا يكلّمنا اللّه}: هلّا يكلمنا, {تشابهت قلوبهم}: في الكفر, والفسق, والقسوة).
[تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آية كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بيّنّا الآيات لقوم يوقنون}
{لولا}: معنى هلا، المعنى: هلا يكلمنا اللّه, أو تأتينا آية، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن كفرهم في التعنّت بطلب الآيات على اقتراحهم كقول الذين من قبلهم لموسى: {أرنا اللّه جهرة} وما أشبه هذا، فأعلم الله أن كفرهم متشابه، وأن قلوبهم قد تشابهت في الكفر.
وقوله عزّ وجلّ: {قد بيّنّا الآيات لقوم يوقنون} المعنى فيه: أن من أيقن وطلب الحق , فقد آتته الآيات البينات، نحو المسلمين, ومن لم يشاق من علماء اليهود، لأنه لما أتاهم صلى الله عليه وسلم بالآيات التي يعجز عنها من أنبائهم بما لا يعلم إلا من وحي، ونحو انشقاق القمر , وآياته التي لا تحصى عليه السلام، والقرآن الذي قيل لهم , فأتوا بسورة من مثله , فعجزوا عن ذلك, ففي هذا برهان شاف). [معاني القرآن: 1/200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَوْلاَ}: هلا). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم...}
قرأها ابن عباس, وأبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين جزماً, وقرأها بعض أهل المدينة جزماً, وجاء التفسير بذلك إلا أنّ التفسير على فتح التاء على النهي, والقرّاء بعد على رفعها على الخبر: (ولست تسئل)، وفي قراءة أبيّ: (وما تسأل), وفي قراءة عبد الله: (ولن تسأل), وهما شاهدان للرفع). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
قال: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}, وقد قرئت: (ولا تَسْأَلُ) وكلّ هذا رفعٌ ؛ لأنه ليس بنهيٍ, وإنّما هو حال؛ كأنه قال: {أرسلناك بشيراً ونذيراً}, وغير سائلٍ, أو غير مسئول, وقد قرئتا جزما جميعاً على النهي). [معاني القرآن: 1/112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
نصب {بشيراً ونذيراً} على الحال، ومعنى {بشيراً} أي: مبشراً المؤمنين بما لهم من الثواب، وينذر المخالفين بما أعد لهم من العقاب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وتقرأ: (ولا تَسْأَلُ), ورفع القراءتين جميعاً من جهتين:
إحداهما: أن يكون {ولا تسأل} استئنافاً, كأنّه قيل: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، كما قال عزّ وجلّ: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}, ويجوز أن يكون له الرفع على الحال، فيكون المعنى: أرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم.
ويجوز أيضاً: (ولا تَسْأَلْ عن أصحاب الجحيم), وقد قرئ به , فيكون جزماً بلا.
وفيه قولان على ما توجبه اللغة:
أن يكون أمره اللّه بترك المسألة، ويجوز أن يكون النهي لفظاً, ويكون المعنى على تفخيم ما أعد لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي تعلم أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه في حال جميلة, أو حال قبيحة، فتقول: لا تسأل عن فلان, أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، ويقال: سألته أسأله مسألة وسؤالاً, والمصادر على فعال تقلّ في غير الأصوات والأدواء, فأمّا في الأصوات فنحو: الدعاء, والبكاء, والصراخ, وأما في الأدواء فنحو: الزكام, والسعال, وما أشبه ذلك، وإنما جاء في السؤال؛ لأن السؤال لا يكون إلا بصوت). [معاني القرآن: 1/200-201]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حتّى تتّبع ملّتهم} أي: دينهم، والملل: الأديان). [مجاز القرآن: 1/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير}
قد شرحنا معنى: اليهود والنصارى, و "ترضى" يقال في مصدره: رضي، يرضى، رضا ومرضاة، ورِضواناً ورُضواناً.
ويروي عن عاصم في كل ما في القرآن من {رضوان} الوجهان جميعا، فأمّا ما يرويه عنه أبو عمرو فـ"رِضوان" بالكسر، وما يرويه أبو بكر بن عياش: فـ"رُضوان"، والمصادر تأتي على فِعلان وفُعلان، فأمّا فِعلان، فقولك: عرفته عرفاناً, وحسبته حسباناً, وأما فُعلان كقولك: غفرانك لا كفرانك.
وقوله عزّ وجلّ: {حتّى تتّبع ملّتهم}
{تتّبع} نصب بـ{حتى}، والخليل , وسيبويه, وجميع من يوثق بعلمه يقولون: إن الناصب للفعل بعد "حتى" (أن) إلّا أنها لا تظهر مع "حتى"، ودليلهم أن "حتى" غير ناصبة هو: أن "حتى" بإجماع خافضة، قال اللّه عزّ وجلّ: {سلام هي حتى مطلع الفجر} فخفض {مطلع} بـ{حتى}، ولا نعرف في العربية أن ما يعمل في اسم يعمل في فعل، ولا ما يكون خافضاً لاسم يكون ناصباً لفعل، فقد بان أن "حتى" لا تكون ناصبة، كما أنك إذا قلت: جاء زيد ليضربك , فالمعنى: جاء زيد لأن يضربك، لأن اللام خافضة للاسم، ولا تكون ناصبة للفعل، وكذلك: ما كان زيد ليضربك، اللام خافضة، والناصب لـ"يضربك" أن المضمرة, ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام، وإنما لم يجز ؛ لأنها جواب لما يكون مع الفعل , وهو حرف واحد يقول القائل: سيضربك، وسوف يضربك، فجعل الجواب في النفي بحرف واحد كما كان في الإيجاب بشيء واحد.
ونصب {ملتهم} بـ{تتبع}، ومعنى {ملتهم} في اللغة: سنتهم وطريقتهم، ومن هذا الملة أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها كما يؤثّر في الطريق.
وكلام العرب إذا اتفق لفظه, فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: الصراط الذي دعا إليه , وهدى إليه هو الطريق , أي: طريق الحق.
وقوله عزّ وجلّ: {ولئن اتّبعت أهواءهم} إنما جمع ولم يقل هواهم؛ لأن جميع الفرق ممن خالف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم, وجمع هوى على أهواء، كما يقال: جمل وأجمال، وقتب وأقتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير} الخفض في {نصير} القراءة المجمع عليها، ولو قرئ: (ولا نصيرٌ) بالرفع كان جائزاً؛ لأن معنى من ولي: ما لك من اللّه ولي, ولا نصير.
ومعنى الآية: أن الكفار كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة , ويرون إنّه إن هادنهم وأمهلهم أسلموا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللّه , ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه، ثم أعلمه اللّه عزّ وجل وسائر الناس أن من كان منهم غير متعنت , ولا حاسد, ولا طالب لرياسة , تلا التوراة كما أنزلت , فذكر فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, فآمن به , فقال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}). [معاني القرآن: 1/202-203]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَقَّ تِلاَوَتِهِ}: حق تلاوته). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يتلونه حقّ تلاوته} أي: يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه, {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} وقع على الجميع). [مجاز القرآن: 1/53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}
قال: {يتلونه حقّ تلاوته} كما يقولون: "هَذَا حقٌّ عالمٍ" , وهو مثل "هَذا عالمٌ كلّ عالمٍ"). [معاني القرآن: 1/113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يتلونه حق تلاوته}: يحلون حلاله ويحرمون حرامه.
وقال بعضهم: يتبعونه حق اتباعه). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } يعني: أن الذين تلوا التوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل: أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم.
و{الذين} يرفع بالابتداء، وخبر الابتداء {يتلونه}, وإن شئت كان خبر الابتداء {يتلونه} و{أولئك} جميعاً, فيكون للابتداء خبران، كما تقول: هذا حلو حامض). [معاني القرآن: 1/203]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين }
{يا بني إسرائيل} نصب ؛ لأنه نداء مضاف، وأصل النداء: النصب، ألا ترى أنك إذا قلت: يا بني زيد، فقال لك قائل: ما صنعت؛ قلت: ناديت بني زيد، فمحال أن تخبره بغير ما صنعت، وقد شرحناه قبل هذا شرحا أبلغ من هذا، و"إسرائيل" لا يتصرف، وقد شرحنا شرحه في مكانه , وما فيه من اللغات.
وقوله عزّ وجلّ: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين} موضع (أن) نصب كأنه قال: اذكروا أني فضلتكم على العالمين.
والدليل من القرآن على أنهم فضلوا قول موسى صلى الله عليه وسلم كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين}
وتأويل تفضيلهم في هذه الآية: ما أوتوا من الملك , وأن فيهم أنبياء , وأنهم أعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به، فذكرهم اللّه عزّ وجلّ ما هم عارفون، ووعظهم فقال: {واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}). [معاني القرآن: 1/203-204]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يقبل منها عدلٌ...} يقال: فديةٌ). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا تجزى نفسٌ عن نفسٍ شيئاً} أي: لا تغنى.
{ولا يقبل منها عدلٌ} أي: مثلٌ، يقال: هذا عدل هذا؛ والعدل: الفريضة، والصّرف: النافلة؛
وقال أبو عبيدة: العدل: المثل، والصّرف: المثل، والعدل: الفداء، قال الله تبارك وتعالى: {وإن تعدل كلّ عدل}). [مجاز القرآن: 1/53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لا يقبل منها عدل} العدل: الفداء، ومنه {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} وقالوا: الفريضة والصرف والنافلة). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تنفعها شفاعةٌ} هذا للكافر, فليس له شافع فينفعه، ولذلك قال الكافرون: {فما لنا من شافعين ولا صديقٍ حميمٍ} حين رأوا تشفيع اللّه في المسلمين). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون} العدل: الفدية، وقيل لهم: {ولا تنفعها شفاعة}؛ لأنهم كانوا يعتمدون على أنهم أبناء أنبياء اللّه، وأنهم يشفعون لهم، فأيئسهم اللّه عزّ وجلّ من ذلك, وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فليس ينجيه من عذاب اللّه شيء , وهو كافر). [معاني القرآن: 1/204]


رد مع اقتباس