عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 10:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي الآيات من 1 إلى 5]

{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}

تفسير قوله تعالى: {الم (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {الم * ذلك الكتاب...} الهجاء موقوف في كل القرآن، وليس بجزم يسمّى جزماً، إنما هو كلام جزمه نّية الوقوف على كل حرف منه؛ فافعل ذلك بجميع الهجاء فيما قلّ أو كثر، وإنما قرأت القرّاء :{الم * الله} في "آل عمران" ففتحوا الميم؛ لأن الميم كانت مجزومة لنيّة الوقفة عليها، وإذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف، فكانت القراءة "ا ل م الله " فتركت العرب همزة الألف من "الله" فصارت فتحتها في الميم لسكونها، ولو كانت الميم جزماً مستحقّاً للجزم لكسرت، كما في {قيل ادخل الجنة}، وقد قرأها رجل من النحويين، وهو: أبو جعفر الرؤاسيّ -وكان رجلاً صالحاً- : {الم الله} بقطع الألف، والقراءة بطرح الهمزة، قال الفراء: وبلغني عن عاصم أنه قرأ بقطع الألف.
وإذا كان الهجاء أوّل سورة فكان حرفاً واحداً؛ مثل قوله "ص" و"ن" و"ق" كان فيه وجهان في العربية؛ إن نويت به الهجاء: تركته جزماً وكتبته حرفاً واحداً، وإن جعلته اسماً للسورة أو في مذهب قسم: كتبته على هجائه "نون" و"صاد" و"وقاف" وكسرت الدال من صاد، والفاء من قاف، ونصبت النون الآخرة من "نون"، فقلت: "نون والقلم" و"صاد والقرآن" و"قاف"؛ لأنه قد صار كأنه أداة؛ كما قالوا "رجلان"، فخفضوا النون من رجلان؛ لأن قبلها ألفاً، ونصبوا النون في "المسلمون والمسلمين" ؛ لأن قبلها ياء وواواً، وكذلك فافعل بـ "ياسين والقرآن"، فتنصب النون من "ياسين" وتجزمها، وكذلك "حم" و"طس"، ولا يجوز ذلك فيما زاد على هذه الأحرف مثل "طا سين ميم"؛ لأنها لا تشبه الأسماء، و"طس" تشبه قابيل، ولا يجوز ذلك في شيء من القرآن مثل : "الم" و"المر" ونحوهما). [معاني القرآن: 1/9-10]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الم} سكّنت الألف واللام والميم؛ لأنه هجاء، ولا يدخل في حروف الهجاء إعراب، قال أبو النّجم العجليّ:


أقبلت من عند زياد كالخرف
=
أجرّ رجليّ بخٍطّ مخٌتلف
=
كأنمّا تكتّبان لام ألف
فجزمه؛ لأنه هجاء، ومعنى {الم}: افتتاح مبتدأ كلامٍ، شعار للسورة). [مجاز القرآن: 1/28]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الم} أما قوله: {الم} فإن هذه الحروف أسكنت؛ لأن الكلام ليس بمدرج، وإنما يكون مدرجاً لو عطف بحرف العطف، وذلك إن العرب تقول في حروف المعجم كلها بالوقف إذا لم يدخلوا حروف العطف، فيقولون: "ألف باء تاء ثاء" ويقولون: "ألفٌ وباءٌ وتاءٌ وثاءٌ"، وكذلك العدد عندهم ما لم يدخلوا حروف العطف، فيقولون: "واحد اثنان ثلاثه"، وبذلك على أنه ليس بمدرج قطع ألف "اثنين" وهي من الوصل، فلو كان وصلها بالذي قبلها لذهبت ولكن هذا من العدد، والعدد والحروف كل واحد منها شيء مفصول على حياله، ومثل ذلك: {المص} و{الر} و{المر} و{كهيعص} و{طسم} و{يس} و{طه} و{حم} و{ق} و{ص} إلا أن قوماً قد نصبوا {يس} و{طه} و{حم} وهو كثير في كلام العرب، وذلك أنهم جعلوها أسماء كالأسماء الأعجمية "هابيل" و"قابيل"، فإما أن يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنه قال: "اذكر حم وطس ويس"، أو جعلوها كالأسماء التي هي غير متمكنة فحرّكوا آخرها حركة واحدة كفتح "أين"، وكقول بعض الناس {الحمد للّه}، وقرأ بعضهم {ص} و{ن} و{ق} بالفتح وجعلوها أسماء ليست بمتمكنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماء للسورة، فصارت أسماء مؤنثة، ومن العرب من لا يصرف المؤنث إذا كان وسطه ساكناً نحو "هند" و"جمل" و"دعد"، قال الشاعر:

وإني لأهوى بيت هندٍ وأهلها = على هنواتٍ قد ذكرن على هند
وهو يجوز في هذه اللغة، أو يكون سماها بالحرف، والحرف مذكر وإذا سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف، فجعل {ص} وما أشبهها اسماً للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب.
وقال بعضهم "صاد والقرآن" فجعلها من "صاديت" ثم أمر كما تقول "رام"، كأنه قال: "صاد الحقّ بعملك" أي: تعمده، ثم قال: {والقرآن} فأقسم، ثم قال: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} فعلى هذا وقع القسم، وذلك أنهم زعموا أن "بل" هاهنا إنما هي "أن" ؛ فلذلك صار القسم عليها.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم: "إنما هي حروف يستفتح بها"، فإن قيل "هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى؟" فإن معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى، فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول:

...... = بل وبلدةٍ ما الإنس من أهّالها
أو يقول

....... = بل ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا
فـ"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر، وقال قوم: إنها حروف إذا وصلت كانت هجاء لشيء يعرف معناه، وقد أوتى بعض الناس علم ذلك؛ وذلك أن بعضهم كان يقول: "الر" و"حم" و"ن" هذا هو اسم "الرحمن" جل وعزّ، وما بقي منها فنحو هذا.
وقالوا أن قوله: {كهيعص} كاف هاد عالم صادق، فاظهر من كل اسم منها حرفًا ليستدل به عليها، فهذا يدل على أن الوجه الأول لا يكون إلا وله معنى؛ لأنه يريد معنى الحروف، ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك، لأن {الم} و{طسم} و{كهيعص} ليست مثل شيء من الأسماء، وإنما هي حروف مقطعة.
وقال: {الم * اللّه لا إله إلاّ هو} فالميم مفتوحة؛ لأنها لقيها حرف ساكن، فلم يكن من حركتها بد، فإن قيل: "فهلا حركت بالجر؟" فإن هذا لا يلزم فيها و إنما أرادوا الحركة، فإذا حركوها بأي حركة كانت فقد وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز، ولا أعلمها إلا لغة.
وقال بعضهم: فتحوا الحروف التي للهجاء إذا لقيها الساكن ليفصلوا بينها وبين غيرها، وقالوا: منَ الرجل؟، ففتحوا لاجتماع الساكنين، ويقولون: "هل الرجل" و"بل الرجل"، وليس بين هذين وبين "من الرجل" فرق إلا أنهم قد فتحوا "من الرجل" لئلا تجتمع كسرتان، وكسروا {إذ الظّالمون} وقد اجتمعت كسرتان؛ لأن من أكثر استعمالاً في كلامهم من "إذ"، فأدخلوها الفتح ليخف عليهم، وإن شئت قلت "الم" حروف منفصل بعضها من بعض؛ لأنه ليس فيها حرف عطف، وهي أيضاً منفصلة مما بعدها، فالأصل فيه أن تقول:{الم ألله} فتقطع ألف {الله} إذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت "واحد، اثنان" فقطعت، وكما قرأ القراء {ن والقلم} فبينوا النون لأنها منفصلة، ولو كانت غير منفصلة لم تبين إلا أن يلقاها أحد الحروف الستة ألا ترى أنك تقول "خذه من زيد" و "خذه من عمرو"، فتبين النون في "عمرو" ولا تبين في "زيد"، فلما كانت ميم ساكنة وبعدها حرف مقطوع مفتوح: جاز أن تحرك الميم بفتحة الألف، وتحذف الألف في لغة من قال: "من أبوك" فلا تقططع، وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج فقالوا {نون والقلم} فأثبتوا النون ولم يبينوها، وقالوا: {يس والقرآن} فلم يبينوا أيضاً، وليست هذه النون ههنا بمنزلة قول {كهيعص} و{طس تلك} و{حم عسق} فهذه النونات لا تبين في القراءة في قراءة أحد؛ لأن النون قريبة من الصاد؛ لأن الصاد والنون من مخرج طرف اللسان، وكذلك التاء والسين في {طس تلك} وفي {حم عسق}، فلذلك لم تبين النون إذ قربن منها، وتبينت النون في {يس} و{نون} لبعد النون من الواو؛ لأن النون بطرف اللسان والواو بالشفتين). [معاني القرآن: 1/15]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الم} فما أشبهها من " قاف" و" صاد " فواتح للسور). [غريب القرآن وتفسيره: 63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({الم} قد ذكرت تأويله وتأويل غيره من الحروف المقطعة في كتاب: «المشكل»).
[تفسير غريب القرآن: 39]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تبارك وتعالى: {الم}، زعم أبو عبيدة معمر بن المثنى أنّها -حروف الهجاء- افتتاح كلام، وكذلك: {المر} و {المص}، وزعم أبو الحسن الأخفش أنّها افتتاح كلام، ودليل ذلك أن الكلام الذي ذكر قبل السورة قد تم.
وزعم قطرب أن:{الم} و{المص} و{المر} و{كهيعص} و{ق} و{يس} و{نون} حروف المعجم ذكرت؛ لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي حروف أ. ب. ت. ث، فجاء بعضها مقطعاً وجاء تمامها مؤلفاً؛ ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن أنه بحروفهم التي يعقلونها لا ريب فيه.
ويروى عن الشعبي أنه قال: للّه في كل كتاب سر، وسره في القرآن حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور.
ويروى عن ابن عباس ثلاثة أوجه في {الم} وما أشبهها، فوجه منها أنه قال: " أقسم اللّه بهذه الحروف أن هذا الكتاب الّذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: هو الكتاب الذي عنده، عزّ وجلّ لا شك فيه" ، والقول الثاني عنه أن: "{الر} و {حم} و {نون} اسم للرحمن عزّ وجلّ مقطع في اللفظ موصول في المعنى".
والثالث عنه أنّه قال: " {الم} معناه: أنا اللّه أعلم، و{الر} معناه: أنا الله أرى، و{المص} معناه: أنا الله أعلم وأفصل، و{المر} معناه: أنا الله أعلم وأرى".
فهذا جميع ما انتهى إلينا من قول أهل اللغة والنحويين في معنى {الم}، وجميع ما انتهى إلينا من أهل العلم بالتفسير.
ونقول في إعراب {الم} و {الر} و {كهيعص} وما أشبه هذه الحروف، هذا باب حروف التهجي، وهي: الألف والباء والتاء والثاء، وسائر ما في القرآن منها.
فإجماع النحويين أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، ومعنى قولنا "مبنية على الوقف" أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها، فالنطق: ألف، لام، ميم ذلك.
والدليل على أنك تقدر السكت عليها: جمعك بين ساكنين في قولك: (لام) وفي قولك (ميم).
والدّليل على أن حروف الهجاء مبنيّة على السكت كما بني العدد على السكت: أنك تقول فيها بالوقف مع الجمع بين ساكنين، كما تقول إذا عددت واحد، اثنان، ثلاثه، أربعه، ولولا أنك تقدر السكت لقلت: (ثلاثة) بالتاء كما تقول: ثلاثاً يا هذا، فتصير الهاء تاء مع التنوين واتصال الكلام.
وحقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر، زعم سيبويه أنك أردت أن المعجم حروف يحكى بها ما في الأسماء المؤلفة من الحروف فجرى مجرى ما يحكى به نحو: «غاق» وغاق يا فتى، إنما حكى صوت الغراب.
والدليل أيضاً على أنها موقوفة قول الشاعر:

أقبلت من عند زياد كالخرف
=
تخطّ رجلاي بخط مختلف
=
تكتبان في الطريق لام ألف
كأنه قال: لام ألف، بسكون "لام" ولكنه ألقى حركة همزة " ألف" على الميم، ففتحها.
قال أبو إسحاق: وشرح هذه الحروف وتفسيرها: أنها ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة، والأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب، وإنما هي تقطيع الاسم المؤلف الذي لا يجب الإعراب فيه إلا مع كماله، فقولك "جعفر" لا يجب أن تعرب منه الجيم ولا العين ولا الفاء ولا الراء، دون تكميل الاسم، فإنما هي حكايات وضعت على هذه الحروف، فإن أجريتها مجرى الأسماء وحدثت عنها قلت: هذه كاف حسنة، وهذا كاف حسن.
وكذلك سائر حروف المعجم، فمن قال: هذه كاف أنث لمعنى الكلمة، ومن ذكر فلمعنى الحرف، والإعراب وقع فيها؛ لأنك تخرجها من باب الحكاية.
قال الشاعر:

......... = كافا وميمين وسينا طاسما
وقال أيضاً:

.......... = كما بينت كاف تلوح وميمها
ذكر طاسماً؛ لأنه جعله صفة للسين، وجعل السين في معنى الحرف،
وقال: (تلوح)، فأنث الكاف، ذهب بها مذهب الكلمة، قال الشاعر -يهجو النحويين، وهو يزيد بن الحكم-:

إذا اجتمعوا على ألف وواو = وياء لاح بينهمو جدال
فأما إعراب (أبي جاد) و (هوز) و (حطي)، فزعم سيبويه أن هذه معروفات الاشتقاق في كلام العرب، وهي مصروفة، تقول: علمت أبا جاد وانتفعت بأبي جاد، وكذلك (هوز) تقول: نفعني (هوز)، وانتفعت بـ(هوز)، وكذلك (حطي)، وهن مصروفات منوّنات.
فأما (كلمون) و (سعفص) و (قريشيات)، فأعجميات، تقول: هذه كلمون يا هذا، وتعلمت كلمون، وانتفعت بكلمون، وكذلك (سعفص)، فأما قريشيات؛ فاسم للجمع مصروفة بسبب الألف والتاء تقول: هذه قريشيات يا هذا، وعجبت من قريشيات يا هذا.
ولقطرب قول آخر في {الم}: زعم أنه يجوز: لما لغا القوم في القرآن، فلم يتفهموه حين قالوا: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} أنزل ذكر هذه الحروف، فسكتوا لمّا سمعوا الحروف؛ طمعاً في الظفر بما يحبون؛ ليفهموا بعد الحروف القرآن وما فيه، فتكون الحجة عليهم أثبت إذا جحدوا بعد تفهم وتعلم.
قال أبو إسحاق: والذي أختاره من هذه الأقوال التي قيلت في قوله عزّ وجلّ {الم}: بعض ما يروى عن ابن عباس رحمة اللّه عليه.
وهو أن المعنى: {الم}: أنا اللّه أعلم، وأن كل حرف منها له تفسيره. والدليل على ذلك : أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التي هو منها. قال الشاعر:

قلنا لها قفي قالت قاف = لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف
فنطق بقاف فقط، يريد قالت: أقف.
وقال الشاعر أيضاً:

نادوهمو أن الجموا ألا تا = قالوا جميعا كلهم ألا فا
تفسيره: نادوهموا أن الجموا، ألا تركبون، قالوا جميعاً: ألا فاركبوا.
فإنما نطق بتاء وفاء كما نطق الأول بقاف.
وأنشد بعض أهل اللغة للقيم بن سعد بن مالك:

إن شئت أشرفنا كلانا فدعا = اللّه ربا جهده فاسمعا
بالخير خيرات وإن شرا فآي = ولا أريد الشر إلا أن تآء
وأنشد النحويون:

بالخير خيرات وإن شرا فا= ولا أريد الشر إلا إن تا
يريدون: إن شراً فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء.
أنشد جميع البصريين ذلك، فهذا الذي أختاره في هذه الحروف، واللّه أعلم بحقيقتها.
فأما {ص}؛ فقرأ الحسن: "صادِ والقرآن"، فكسر الدال، فقال أهل اللغة: معناه: صاد القرآن بعملك، أي: تعمّده، وسقطت الياء للأمر، ويجوز أن تكون كسرت الدال لالتقاء السّاكنين إذا نويت الوصل,، وكذلك قرأ عبد الله بن أبي إسحاق: "صاد والقرآن"، وقرأ أيضا "قاف والقرآن المجيد".
فالكسر في مذهب بن أبي إسحاق لالتقاء السّاكنين.
وقرأ عيسى بن عمر: "صادَ والقرآن" بفتح الدّال، وكذلك قرأ "نون والقلم " و" قاف والقرآن " بالفتح أيضًا، لالتقاء السّاكنين.
قال سيبويه: إذا ناديت أسحار، والأسحارّ اسم نبت -مشدد الراء-، قلت في ترخيمه: يا أسحارَ أقبل، ففتحت لالتقاء الساكنين كما اخترت الفتح في قولك: عضَّ يا فتى، فإتباع الفتحة الفتحة كإتباع الألف الفتحة، ويجوز: يا أسحارِ أقبل، فتكسر لالتقاء الساكنين.
وقال أبو الحسن الأخفش: يجوز أن يكون "صاد" و"قاف" و"نون" أسماء للسور منصوبة إلا أنها لا تصرف كما لا تصرف جملة أسماء المؤنث.
والقول الأول أعني التقاء السّاكنين، والفتح والكسر من أجل التقائها أقيس؛ لأنه يزعم أنه ينصب هذه الأشياء كأنه قال: أذكر صاد.
وكذلك يجيز في {حم} و{طس} النصب و{ياسين} أيضاً على أنها أسماء للسور، ولو كان قرئ بها؛ لكان وجهه الفتح لالتقاء السّاكنين.
فأما {كهيعص} فلا تبين فيها النون مع الصاد في القراءة، وكذلك {حم * عسق} لا تبين فيها النون مع السين.
قال الأخفش وغيره من النحويين: لم تبين النون؛ لقرب مخرجها من السين والصاد.
فأما {نون * والقلم} فالقراءة فيها تبيين النون مع الواو التي في {والقلم} وبترك التبيين، إن شئت بينت وإن شئت لم تبيّن، فقلت "نون والقلم"؛ لأن النون بعدت قليلاً عن الواو.
وأما قوله عزّ وجلّ {الم اللّه}: ففي فتح الميم قولان:
أحدهما لجماعة من النحويين: وهو أن هذه الحروف مبنية على الوقف، فيجب بعدها قطع ألف الوصل، فيكون الأصل: "أ. ل. م. اللّه لا إله إلا هو"، ثم طرحت فتحة الهمزة على الميم، وسقطت الهمزة كما تقول: واحد. اثنان، وإن شئت قلت: واحدِ. اثنان فألقيت كسرة "اثنين" على الدال.
وقال قوم من النحويين: لا يسوغ في اللفظ أن ينطق بثلاثة أحرف سواكن، فلا بد من فتحة الميم في: {الم اللّه} لالتقاء السّاكنين، يعني: الميم واللام والتي بعدها، وهذا القول صحيح لا يمكن في اللفظ غيره.
فأمّا من زعم أنه إنما ألقي حركة الهمزة فيجب أن يقرأ: {الم الله} وهذا لا أعلم أحداً قرأ به إلا ما ذكر عن الرؤاسي، فأما من رواه عن عاصم؛ فليس بصحيح الرواية.
وقال بعض النحويين: لو كانت محركة لالتقاء السّاكنين لكانت مكسورة، وهذا غلط، لو فعلنا في التقاء السّاكنين إذا كان الأول منهما ياء لوجب أن تقول: "كيف زيد وابن زيد" وهذا لا يجوز، وإنما وقع الفتح؛ لثقل الكسرة بعد الياء). [معاني القرآن: 1/55-66]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (من ذلك قوله تعالى: {الم} اختلف أهل التفسير وأهل اللغة في معنى {الم} وما أشبهها .
قال: فحدثنا عبد الله بن إبراهيم البغدادي بالرملة، قال: حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي أبو عمرو، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا شريك، عن عطاء، عن أبي الضحى، عن ابن عباس في قوله تعالى {الم}، قال: "أنا الله أعلم، {الر} أنا الله أرى، {المص} أنا الله أفصل".
وروى أبو اليقظان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير مثله.
وشرح هذا القول: أن الألف تؤدي عن معنى "أنا"، واللام تؤدي عن اسم الله جل وعز، والميم تؤدي عن معنى "أعلم".
ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول ويقول: أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى .
وحدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " {المص} و{طه} و{طس} و{طسم} و{يس} و{ص} و{حم عسق} و} و{ن والقلم} وأشباه هذا هو قسم أقسم الله به وهن من أسماء الله تعالى" .
وروى ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة قال: "{الم} قسم".
وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله تعالى {الم}، قال: "اسم من أسماء القرآن".
وروي عن مجاهد قولان:
قال أبو عبيد: حدثنا أبو مهدي، عن سفيان، عن خصيف أو غيره: هكذا، قال: عن مجاهد، قال -في كله- : "هي فواتح السور" .
والقول الآخر: حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري، قال: حدثني محمد بن بحر، قال: حدثنا موسى، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " {الم} اسم من أسماء القرآن".
قال أبو العباس: وهو اختياره، روي عن بعض أهل السلف أنه قال: هي تنبيه. وقال أبو عبيده والأخفش: هي افتتاح كلام.
وقطرب يذهب إلى أنها جيء بها؛ لأنهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا {الم} و{المص} استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له، أقبل عليهم بالقرآن المؤلف، ليثبت في أسماعهم وآذانهم، ويقيم الحجة عليهم.
وقال الفراء: المعنى: هذه الحروف يا محمد: ذلك الكتاب.
وقال أبو إسحاق: ولو كان كما قال لوجب أن يكون بعده ابدأ ذلك الكتاب أو ما أشبهه.
وهذه الأقوال يقرب بعضها من بعض؛ لأنه يجوز أن تكون أسماء للسورة، وفيها معنى التنبيه.
فأما القسم فلا يجوز؛ لعلة أوجبت ذلك من العربية.
وأبين هذه الأقوال: قول مجاهد الأول: "أنها فواتح السور"، وكذلك قول من قال: "هي تنبيه"، وقول من قال: "هي افتتاح كلام"، ولم يشرحوا ذلك بأكثر من هذا؛ لأنه ليس من مذهب الأوائل، وإنما باقي الكلام عنهم مجملاً، ثم تأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى.
ومعنى "افتتاح كلام" و"تنبيه": أنها بمنزلة "ها" في التنبيه و"يا" في النداء، والله تعالى أعلم بما أراد.
وقد توقف بعض العلماء عن الكلام فيها وأشكالها، حتى قال الشعبي: لله تعالى في كل كتاب سر، وسره في القرآن فواتح السور.
وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله تعالى بها). [معاني القرآن: 1/73-78]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الم}: وفواتح السور قد كثر الاختلاف في ذلك، فقيل: هي فواتح، وقيل: هي أحرف مأخوذة من أسماء الله تعالى، كالصاد من صادق، والعين من عليم ونحوه، وقيل: هي أقسام، وقيل: هي أسماء للسور، وقيل: هي مما لا يعلم تأويله إلا الله، وقيل: تنبيه، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "{الم} الألف الله، واللام جبريل، والميم محمد". روي ذلك عن عطاء والضحاك. وكل ما ذكرنا في تفسير أوائل السور عن ابن عباس؛ فهو مما رواه عنه عطاء والضحاك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 23-24]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الم}: أنا الله أعلم). [العمدة في غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله تعالى: {ذلك الكتاب...} يصلح فيه "ذلك" من جهتين، وتصلح فيه "هذا" من جهة؛ فأما أحد الوجهين من "ذلك" فعلى معنى: هذه الحروف يا أحمد، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك، والآخر أن يكون "ذلك" على معنى يصلح فيه "هذا"؛ لأن قوله "هذا" و"ذلك" يصلحان في كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه، ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان؛ فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا ذلك الخبر، فصلحت فيه "هذا"؛ لأنه قد قرب من جوابه، فصار كالحاضر الذي تشير إليه، وصلحت فيه "ذلك" لانقضائه، والمنقضي كالغائب، ولو كان شيئاً قائماً يرى لم يجز مكان "ذلك": "هذا"، و لا مكان "هذا": "ذلك"، وقد قال الله جل وعز: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق} إلى قوله: {وكلّ من الأخيار}، ثم قال: {هذا ذكرٌ}.
وقال جلّ وعزّ في موضع آخر: {وعندهم قاصرات الطّرف أترابٌ}، ثم قال: {هذا ما توعدون ليوم الحساب}،
وقال جلّ ذكره: {وجاءت سكرة الموت بالحقّ}، ثم قال: {ذلك ما كنت منه تحيد}،
ولو قيل في مثله من الكلام في موضع "ذلك": "هذا"، أو في موضع "هذا": "ذلك" لكان صواباً، وفي قراءة عبد الله بن مسعود: (هذا فذوقوه)، وفي قراءتنا: {ذلكم فذوقوه}.
فأما مالا يجوز فيه "هذا" في موضع "ذلك"، ولا "ذلك" في موضع "هذا" فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذي تعرف: من هذا الذي معك؟، ولا يجوز هاهنا: "من ذلك؟" ؛ لأنك تراه بعينه.
وأما قوله تعالى: {هدىً لّلمتّقين...}: فإنه رفع من وجهين، ونصب من وجهين:-
إذا أردت بـ "الكتاب" أن يكون نعتًا لـ "ذلك" كان الهدى في موضع رفع؛ لأنه خبر لـ "ذلك"؛ كأنك قلت: ذلك هدًى لا شكّ فيه.
وإن جعلت {لا ريب فيه} خبره، رفعت أيضاً {هدىً} تجعله تابعاً لموضع: {لا ريب فيه} كما قال الله عزّ وجلّ: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ} كأنه قال: وهذا كتاب، وهذا مبارك، وهذا من صفته كذا وكذا.
وفيه وجه ثالث من الرفع: إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله، كما قرأت القرّاء: {الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدًى ورحمةٌ للمحسنين} بالرفع والنصب، وكقوله في حرف عبد الله: (ءألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخٌ) وهي في قراءتنا: {شيخاً}.
فأما النصب في أحد الوجهين: فأن تجعل "الكتاب" خبرًا لـ"ذلك" فتنصب "هدًى" على القطع؛ لأن "هدًى" نكرة اتصلت بمعرفة قد تمّ خبرها فنصبتها؛ لأن النكرة لا تكون دليلاً على معرفة.
وإن شئت نصبت "هدىً" على القطع من الهاء التي في "فيه"؛ كأنك قلت: لا شك فيه هادياً.
واعلم أن "هذا" إذا كان بعده اسم فيه الألف واللام جرى على ثلاثة معان:
أحدها: أن ترى الاسم الذي بعد "هذا" كما ترى "هذا" ففعله حينئذ مرفوع؛ كقولك: هذا الحمار فاره جعلت الحمار نعتاً لهذا إذا كانا حاضرين، ولا يجوز ها هنا النصب.
والوجه الآخر: أن يكون ما بعد "هذا" واحدا يؤدّى عن جميع جنسه، فالفعل حينئذ منصوب؛ كقولك: ما كان من السباع غير مخوف فهذا الأسد مخوفاً؛ ألا ترى أنك تخبر عن الأُسْد كلّها بالخوف.
والمعنى الثالث: أن يكون ما بعد "هذا" واحداً لا نظير له؛ فالفعل حينئذ أيضاً منصوب، وإنما نصبت الفعل؛ لأن "هذا" ليست بصفة للأسد إنما دخلت تقريباً، وكان الخبر بطرح "هذا" أجود؛ ألا ترى أنك لو قلت: ما لا يضرّ من السباع فالأسد ضارّ، كان أبين.
وأما معنى التقريب: فهذا أوّل ما أخبركم عنه، فلم يجدوا بدّاً من أن يرفعوا "هذا" بـ"الأسد"، وخبره منتظر، فلما شغل الأسد بمرافعة "هذا" نصب فعله الذي كان يرافعه لخلوته، ومثله:{والله غفور رحيم}، فإذا أدخلت عليه "كان" ارتفع بها، والخبر منتظر يتم به الكلام، فنصبته لخلوته.
وأما نصبهم فعل الواحد الذي لا نظير له مثل قولك: هذه الشمس ضياءً للعباد، وهذا القمر نوراً؛ فإن القمر واحد لا نظير له، فكان أيضاً عن قولك "هذا" مستغنياً، ألا ترى أنك إذا قلت: طلع القمر، لم يذهب الوهم إلى غائب، فتحتاج أن تقول "هذا" لحضوره، فارتفع بهذا ولم يكن نعتاً، ونصبت خبره للحاجة إليه). [معاني القرآن: 1/11-13]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ذلك الكتاب} معناه: هذا القرآن؛ وقد تخاطب العرب الشاهد فتظهر له مخاطبة الغائب.
قال خفاف بن ندبة السلمىّ، وهي أمه، كانت سوداء، حبشية، وكان من غربان العرب في الجاهلية:

فإن تك خيلي قد أصيب صميمها= فعمداً على عين تيممّت مالكا
أقول له والرّمح يأطر متنه= تأمّل خفافاً إنّني أنا ذلكا
يعني: مالك بن حمّاد الشمخيّ، وصميم خيله: معاوية أخو خنساء، قتله دريد وهاشم ابنا حرمله المريّان.
{لا ريب فيه}: لا شكّ فيه، وأنشدني أبو عمرو الهذليّ لساعدة بن جؤيّة الهذليّ:

فقالوا تركنا الحيّ قد حصروا به = فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم
أي: قتيل، يقال: فلان قد لحم، أي: قتل، وحصروا به: أي: أطافوا به، لا ريب: لا شكّ.
{هدىً للمّتقين} أي: بياناً للمتقين). [مجاز القرآن: 1/29]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى لّلمتّقين}
قال: {لا ريب فيه هدًى لّلمتّقين}، وقال: {فلا إثم عليه} فنصبهما بغير تنوين، وذلك أن كل اسم منكور نفيته بـ"لا" وجعلت "لا" إلى جنب الاسم فهو مفتوح بغير تنوين، لأن "لا" مشبهة بالفعل، كما شبهت "أن" و"ما" بالفعل.
و{فيه} في موضع خبرها وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و(لا) بمنزلة الفعل. وإنما حذفت التنوين منه؛ لأنك جعلته و"لا" اسما واحدا، وكل شيئين جعلا اسماً لم يصرفا، والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها، وجعل غير متمكن. والاسم الذي بعد "لا" في موضع نصب عملت فيه "لا".
وأما قوله: {لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} فالوجه فيه الرفع؛ لأن المعطوف عليه لا يكون إلا رفعاً، ورفعته لتعطف الآخر عليه، وقد قرأها قوم نصباً، وجعلوا الآخر رفعاً على الابتداء.
وقوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ} فالوجه النصب؛ لأن هذا نفي؛ ولأنه كله نكرة؛ وقد قال قوم: {فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ في الحجّ} فرفعوه كله، وذلك أنه قد يكون هذا المنصوب كله مرفوعاً في بعض كلام العرب، قال الشاعر:
وما صرمتك حتى قلت معلنةً = لا ناقةٌ لي في هذا ولا جمل
وهذا جواب لقوله: «هل فيه رفثٌ أو فسوقٌ؟» فقد رفع الأسماء بالابتداء وجعل لها خبراً، فلذلك يكون جوابه رفعاً، وإذا قال: "لا شيء" فإنما هو جواب: «هل من شيءٍ أولى؟»؛ لأن «هل من شيء» قد أعمل فيه "من" بالجر، وأضمر الخبر، والموضع مرفوع، مثل : "بحسبك أن تشتمني" فإنما هو "حسبك أن تشتمني" فالموضع مرفوع، والباء قد عملت.
وقد قال قوم (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدال في الحجّ) فرفعوا الأول على ما يجوز في هذا من الرفع، أو على النهي، كأنه قال "فلا يكونن فيه رفثٌ ولا فسوقٌ" كما تقول: "سمعك إليّ" تقولها العرب فترفعها، وكما تقول للرجل: "حسبك" و"كفاك"، وجعل الجدال نصباً على النفي. وقال الشاعر:

ذاكم وجدّكم الصّغار بأسره = لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب
فرفع أحدهما، ونصب الآخر.
وأما قوله: {لا فيها غولٌ} فرفع؛ لأن "لا" لا تقوى أن تعمل إذا فصلت، وقد فصلتها بـ"فيها" فرفع على الابتداء، ولم تعمل "لا".
وقوله: {فيه هدًى لّلمتّقين} فـ"فيه" و"عليه" و"إليه"، وأشباه ذلك في القرآن كثير، وذلك أن العرب إذا كان قبل هذه الهاء التي للمذكر ياء ساكنة، حذفوا الياء التي تجيء من بعد الهاء أو الواو؛ لأن الهاء حرف خفي وقع بين حرفين متشابهين فثقل ذلك؛
فمن كان من لغته إلحاق الواو إذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء: ترك الهاء مضمومة إذا كان قبلها الياء الساكنة،
ومن كان من لغته إلحاق الواو إذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء: ترك الهاء مضمومة إذا كان قبلها الياء الساكنة،
ومن كان من لغته إلحاق الياء: ترك الهاء مكسورة إذا كان قبلها الياء الساكنة، وكذلك إذا كان قبل الهاء ألف ساكنة أو واو: فإنه يحذف الواو التي تكون بعد الهاء، ولكن الهاء لا تكون إلا مضمومة نحو {فألقى موسى عصاه}، وقوله: {فكذّبوه}، وقوله: {فأنجيناه} وأشباه هذا في القرآن كثير.
ومن العرب من يتم؛ لأن ذلك من الأصل فيقول: (فكذّبوهو) (فأنجيناهو) (وألقى موسى عصاهو) و(لا ريب فيهو هدىً للمتقين)، وهي قراءة أهل المدينة، وقد قال قوم: {إني لكم مّنه نذيرٌ مّبينٌ} فألقوا الواو، وشبهوا الساكن بالياء والواو والألف، وهذا ليس بجيّد في العربية، وأجوده (منهو نذير) تلحق الواو وإن كانت لا تكتب، وكل هذا إذا سكت عليه لم تزد على الهاء شيئاً.
ولا تكسر هذه الهاء إلا أن تكون قبلها ياء ساكنة أو حرف مكسور، وإنما يكسر بنو تميم، فأما أهل الحجاز؛ فإنهم يضمون بعد الكسر وبعد الياء أيضاً، قال: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون} وأهل الحجاز يقولون: (من بعدهو) فيثبتون الواو في كل موضع.
ومن العرب من يحذف الواو والياء في هذا النحو أيضاً، وذلك قليل قبيح يقول: "مررت بِهِ قَبْلُ" و"بِهُ قَبْلُ" يكسرون ويضمون، ولا يلحقون واواً ولا ياء، فيقولون "رَأَيْتُهُ قَبْلُ" فلا يلحقون واواً، وقد سمعنا بعض ذلك من العرب الفصحاء.
قد قرأ بعض القراء {فيه هدى} فأدغم الهاء الأولى في هاء {هدى}؛ لأنهما التقتا وهما مثلان، وزعموا أن من العرب من يؤنث "الهدى"، ومنهم من يسكن هاء الإضمار للمذكر، قال الشاعر:

فظلت لدى البيت العتيق أخيله = ومطواي مشتاقان له أرقان
وهذه في لغة أسد السراة، زعمواكثير). [معاني القرآن: 1/15-18]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لا ريب فيه}: لا شكّ فيه، {هدىً للمتّقين} أي: رشداً لهم إلى الحق).
[تفسير غريب القرآن: 39]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين (2)}
زعم الأخفش وأبو عبيدة أن معناه: هذا الكتاب، قال الشاعر:

أقول له والرمح يأطر متنه= تأمّل خفافا إنني أنا ذلكا
قال: المعنى: إنني أنا هذا.
وقال غيرهما من النحويين: إن معناه: القرآن، ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم، ودليل ذلك قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به}، وكذلك قوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون (146)}
فالمعنى هذا ذلك الكتاب.
ويجوز أن يكون قوله: {الم * ذلك الكتاب}، فيقال " ذلك " للشيء الذي قد جرى ذكره، فإن شئت قلت فيه: "هذا" وإن شئت قلت فيه: "ذلك"، كقولك: "أنفقت ثلاثة وثلاثة، فذلك ستة" وإن شئت قلت: "هذا ستة".
أو كقوله عزّ وجلّ في قصة فرعون: {فحشر فنادى (23) فقال أنا ربّكم الأعلى (24) فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى (25)}، ثم قال بعد ذلك: {إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى (26)}، وقال في موضع آخر: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون (105)}، ثم قال:{إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين (106)}، وقال عزّ وجلّ: {المر تلك آيات الكتاب والّذي أنزل إليك من ربّك الحقّ}، فقال {ذلك}.
فجائز أن المعنى: تلك علامات الكتاب، أي: القرآن متكلم به بحروف العرب التي نعقلها -على ما وصفنا في شرح حروف الهجاء-.
وموضع {ذلك} رفع؛ لأنه خبر ابتداء على قول من قال: هذا القرآن، ذلك الكتاب.
و{الكتاب} رفع يسميه النحويون عطف البيان نحو قولك: هذا الرجل أخوك، فـ(الرجل) عطف البيان، أي: يبين من الذي أشرت إليه.
والاسم من ذلك "ذا" والكاف زيدت للمخاطبة ولا حظ لها في الإعراب، قال سيبويه: لو كان لها حظ في الإعراب؛ لقلت: " ذاك نفسه زيد"، وهذا خطأ لا يجوز إلا هذاك نفسه زيد.
ولذلك "ذانك" يشهد أن الكاف لا موضع لها؛ لو كان لها موضع لكان جراً بالإضافة، والنون لا تدخل مع الإضافة.
واللام تزاد مع "ذلك" للتوكيد، أعني: توكيد الاسم؛ لأنها إذا زيدت أسقطت معها "ها" تقول: "ذلك الحق" و"ذاك الحق" و"ها ذاك الحق".
ويقبح "هذلك الحق"؛ لأن اللام قد أكدت معنى الإشارة، وكسرت اللام للالتقاء السّاكنين، أعني الألف من "ذا" واللام التي بعدها، وكان ينبغي أن تكون ساكنة، ولكنها كسرت لما قلناه.
وكذلك يجب أن يكون موضع ذلك رفعاً فيمن جعل ذلك خبراً عن {الم}.
وقوله عزّ وجلّ: {لا ريب فيه}
معناه : لا شك فيه تقول: رابني فلان إذا علمت الريبة فيه، وأرابني إذا أوهمني الريبة، قال الشاعر:
أخوك الذي إن ربته قال إنما = أربت وإن عاتبته لان جانبه
وموضع {لا ريب} نصب، قال سيبويه: "لا" تعمل فيما بعدها فتنصبه، ونصبها لما بعدها كنصب "إن" لما بعدها إلا أنها تنصبه بغير تنوين؛ وزعم أنها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد كأنها جواب قول القائل: هل من رجل في الدار، فـ(من) غير منفصلة من (رجل)، فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكلون جواب: هل رجل في الدار؟
قيل: معنى "لا رجل في الدار" عموم النفي، لا يجوز أن يكون في الدار رجل ولا أكثر منه من الرجال إذا قلت: "لا رجل في الدار".
فكذلك "هل من رجل في الدار؟" استفهام عن الواحد وأكثر منه، فإذا قلت: "هل رجل في الدار؟" أو "لا رجل في الدار".
جاز أن يكون في الدار رجلان؛ لأنك إنما أخبرت أنه ليس فيها واحد، فيجوز أن يكون فيها أكثر، فإذا قلت: لا رجل في الدار؛ فهو نفي عام، وكذلك {لا ريب فيه}.
وفي قوله {فيه} أربعة أوجه: القراءة منها على وجه واحد ولا ينبغي أن يتجاوز إلى غيره، وهو {فيه هدى} بكسر الهاء، ويجوز في الكلام وفي القراءة لو كان قرئ به: (فيهي هدى) بإثبات الواو، و (فيهي هدي) بإثبات الياء، وقد شرحنا هذه الأوجه في إعراب الحمد.
فأما قراءة {فيه هدى} بإدغام الهاء في الهاء، فهو ثقيل في اللفظ، وهو جائز في القياس؛ لأن الحرفين من جنس واحد إلا أنه يثقل في اللفظ؛ لأن حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام، والحرفان من كلمتين، وحكى الأخفش أنها قراءة.
وموضع {هدى} نصب، ومعناه: بيان، ونصبه من وجهين:
أحدهما: أن يكون منصوباً على الحال من قولك: القرآن، ذلك الكتاب هدى، ويجوز أن يكون انتصب بقولك: {لا ريب فيه} في حال هدايته، فيكون حالًا من قولك: لا شك فيه هادياً.
ويجوز أن يكون موضعه رفعاً من جهات:
إحداها أن يكون خبراً بعد خبر، كأنه قال: هذا ذلك الكتاب هدى، أي: قد جمع أنه الكتاب الذي وعدوا به وأنه هدى، كما تقول: هذا حلو حامض، تريد: أنه قد جمع الطعمين،
ويجوز أن يكلون رفعه على إضمار "هو"، كأنه لما تم الكلام فقيل: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}، قيل: هو هدى.
ويجوز أن يكون رفعه على قولك: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} كأنك قلت: ذلك الكتاب حقّاً؛ لأن لا شك فيه بمعنى حق، ثم قال: بعد ذلك:{فيه هدى للمتقين}). [معاني القرآن: 1/67-70]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}
روى خالد الحذاء، عن عكرمة قال: "{ذلك الكتاب}: هذا الكتاب"، وكذا قول أبي عبيدة، وأنكره أبو العباس قال: لأن "ذلك" لما بعُد و"ذا" لما قرُب؛ فإن دخل واحد منهما على الآخر انقلب المعنى، قال: ولكن المعنى: هذا القرآن، ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا.
وقال الكسائي: كأن الإشارة إلى القرآن الذي في السماء، والقول من السماء، والكتاب والرسول في الأرض، فقال: ذلك الكتاب يا محمد. قال ابن كيسان: وهذا حسن .
قال الفراء: يكون كقولك للرجل وهو يحدثك "ذلك -والله- الحق"، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب، والمعنى عنده: ذلك الكتاب الذي سمعت به.
وقيل: كتاب لما جمع فيه، يقال: كتبت الشيء، أي: جمعته، والكتب: الخرز، وكتبت البغلة منه أيضاً، والكتيبة: لفرقة المجتمع بعضها إلى بعض.
ثم قال تعالى: {لا ريب فيه}، قال قتادة: "لا شك فيه"، وكذا هو عند أهل اللغة .
قال أبو العباس يقال: رابني الشيء: إذا تبينت فيه الريبة، وأرابني: إذا لم أتبينها منه .
وقال غيره: أراب في نفسه، وراب غيره، كما قال الشاعر:

وقد رابني قولها يا هنا = ه ويحك ألحقت شرا بشر
ومنه ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ، ومنه: {ريب المنون} أي: حوادث الدهر، وما يستراب به .
وأخبر تعالى أنه لا ريب فيه، ثم قال بعد: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا}
فالقول في هذا المعنى: وإن كنتم في قولكم في ريب وعلى زعمكم وإن كنا قد أتيناكم بما لا ريب فيه؛ لأنهم قالوا كما قال الذين من قبلهم {وإنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب}). [معاني القرآن: 1/79-81]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {هدى للمتقين}، والهدى: البيان والبصيرة .
ثم قال تعالى: {للمتقين} أي: الذين يتقون ما نهوا عنه، والتقوى أصلها من التوقي وهو: التستر من أن يصيبه ما يهلك به). [معاني القرآن: 1/81]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (قال: الريب: الشك). [ياقوتة الصراط: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لا ريب}: لا شك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ رَيْبَ فِيهِ}: لا شك فيه، {هُدًى}: بيان). [العمدة في غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون}
قوله: {وممّا رزقناهم ينفقون} ففيها لغتان، منهم من يقولها بالوقف إذا وصل، ومنهم من يلحق فيها الواو، وكذلك هو في كل موضع من القرآن والكلام إلاّ أن يكون ما قبلها مكسوراً أو ياء ساكنة.
فإن كانت ياء ساكنة أو حرف مكسور نحو "عليهم" و"بهم" و"من بعدهم": فمن العرب من يقول: "عليهِمِي" فيلحق الياء ويكسر الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليهُمُو" فيلحق الواو ويضم الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليهُم" و"عليهِم"، فيرفعون الهاء ويكسرونها ويقفون الميم، ومنهم من يقول: "عليهِمُو" فيكسرون الهاء ويضمون الميم ويلحقون الواو، ومنهم من يقول: "عليهُمِي" فيضمون الهاء ويكسرون الميم ويلحقون الياء. وكل هذا إذا وقفت عليه: فآخره ساكن والذي قبله مكسور هو بمنزلة ما قبله ياء، وهذا في القرآن كثير.
ومنهم من يجعل "كم" في "عليكم" و"بكم" إذا كانت قبلها ياء ساكنة أو حرف مكسور بمنزلة "هم"، وذلك قبيح لا يكاد يعرف، وهي لغة لبكر بن وائل سمعناها من بعضهم يقولون: "عليكمي" و"بكمي"، وأنشد الأخفش قال سمعته من بكر بن وائل:

وإن قال مولاهم على جلّ حاجةٍ = من الأمر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
وكل هذا إذا لقيه حرف ساكن: حركت الميم بالضم إن كان بعدها واو، فإن كان بعدها واو حذفت الواو، وإن كان ياء حذفت الياء وحركت الميم بالكسر، وكذلك الهاء التي للواحد المذكر من نحو: "مررت به اليوم" و"رأيته اليوم".
وزعموا أن بعض العرب يحرك الميم ولا يلحق ياء ولا واواً في الشعر، وذا لا يكاد يعرف، وقال الشاعر:
تالله لولا شعبتي من الكرم = وشعبتي فيهم من خالٍ وعم).
[معاني القرآن: 1/18-19]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين يؤمنون بالغيب} أي: يصدقون بإخبار اللّه عز وجل عن الجنة والنار، والحساب والقيامة، وأشباه ذلك.
{وممّا رزقناهم ينفقون} أي: يزكّون ويتصدقون). [تفسير غريب القرآن: 39]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)}
معناه: يصدقون، وكل مؤمن بشيء فهو مصدق به، فإذا ذكرت مؤمناً ولم تقل هو مؤمن بكذا وكذا: فهو الذي لا يصلح إلا في اللّه عزّ وجلّ، وموضع {الذين} جر تبعاً للمتقين، ويجوز أن يكون موضعهم رفعاً على المدح كأنّه لما قيل هدى للمتقين، قيل: من هم؟ فقيل: {الّذين يؤمنون بالغيب}. ويجوز أن يكون موضع {الذين} نصباً على المدح أيضاً، كأنه قيل: اذكر الذين.
{والذين} لا يظهر فيهم الإعراب، تقول في النصب والرفع والجر: أتاني الذين في الدار، ورأيت الذين في الدار، ومررت بالذين في الدار، وكذلك: الذي في الدار، وإنما منع الإعراب؛ لأن الإعراب إنما يكون في آخر الأسماء، و"الذي" و"الذين" مبهمان لا تتمان إلا بصلاتهما، فلذلك منعت الإعراب.
وأصل "الذي":لَذٍ على وزن عَمٍ فاعلم، كذلك قال الخليل وسيبويه والأخفش وجميع من يوثق بعلمه.
فإن قال قائل: فما بالك تقول: أتاني اللذان في الدار، ورأيت اللذَيْن في الدار، فتعرب كل ما لا يعرب في تثنيته نحو "هذان" و"هذين"، وأنت لا تعرب "هذا" ولا "هؤلاء"؟
فالجواب في ذلك: أن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإذا ثنيته فقد بطل شبه الحرف الذي جاء لمعنى؛ لأن حروف المعاني لا تثنى.
فإن قال قائل: فلم منعته الإعراب في الجمع؟
قلت: لأن الجمع الذي ليس على حد التثنية كالواحد، ألا ترى أنك قلت في جميع هذا "هؤلاء يا فتى" فجعلته اسماً واحداً للجمع، وكذلك قولك: "الذين" إنما هو اسم للجمع، كما أن قولك: "سنين يا فتى" اسم للجمع، فبنيته كما بنيت الواحد، ومن جمع "الذين" على حد التثنية قال: جاءني الذونَ في الدار، ورأيت الذين في الدار، وهذا لا ينبغي أن يقع؛ لأن الجمع مستغنى فيه عن حد التثنية، والتثنية ليس لها إلا ضرب واحد.
ومعنى قوله {بالغيب}: ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب والنشور والقيامة، وكل ما غاب عنهم مما أنبأهم به فهو غيب.
وقوله عزّ وجلّ {ويقيمون الصّلاة} معناه: يتمّون الصلاة كما قال: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}.
وضمت الياء من {يؤمنون} و{يقيمون}؛ لأن كل ما كان على أربعة أحرف نحو: أكرم وأحسن وأقام وآمن، فمستقبله: يكرم، ويحسن، ويؤمن، ويقيم، وإنما ضمت أوائل المستقبل ليفرق بين ذوات الثلاثة نحو: ضرب، وبين ذوات الأربعة نحو: دحرج. فما كان على ثلاثة: فهو ضرب يضرب أو تضرب أو نضرب، ففصل بالضمة بينهما.
فإن قال قائل: فهلا فصل بالكسرة؟
قيل: الكسرة قد تدخل في نحو تعلم وتبيض؛ ولأن الضمة مع الياء مستعملة، والكسرة لا تستعمل مع الياء. فمن قال: أنت تعلم، لم يقل: هو يعلم، فوجب أن يكون الفرق بينهما بالضمة لا غير.
والأصل في (يقيم): يؤقيم، والأصل في يكرم: يؤكرم، ولكن الهمزة حذفت؛ لأن الضم دليل على ذوات الأربعة، ولو ثبت لوجب أن تقول إذا أنبأت عن نفسك: أنا أؤقوم، وأنا أؤكرم، فكانت تجتمع همزتان فاستثقلتا، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل، وتبع سائر الفعل باب الهمزة، فقلت: أنت تكرم، ونحن نكرم، وهي تكرم، كما أنّ باب "يعد" حذفت منه الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، الأصل فيه "يوعد" ثم حذفت في "تعد" و"نعد" و"أعد".
وقوله عزّ وجلّ: {وممّا رزقناهم ينفقون} معناه: يصدّقون، قال عزّ وجلّ: {وأنفقوا من ما رزقناكم} إلى قوله: {قريب فأصّدّق}). [معاني القرآن: 1/70-73]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}، أصل الإيمان: التصديق، ومنه قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا}، يقال: آمنت بكذا، أي: صدقت به. فإذا قلت "مؤمن" فمعناه: مصدق بالله تعالى لا غير .
ويجوز: أن يكون مأخوذاً من الأمان، أي: يؤمن نفسه بتصديقه وعمله، و"الله المؤمن" أي: يؤمن مطيعه من عذابه .
وروى شيبان، عن قتادة: "{الذين يؤمنون بالغيب} أي: آمنوا بالبعث والحساب والجنة والنار، فصدقوا بموعد الله تعالى".
قال أبو رزين في قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين} يعني: القرآن .
قال ابن كيسان: وقيل: {يؤمنون بالغيب } أي: القدر .
والغيب في اللغة: ما اطمأن من الأرض ونزل عما حوله، يستتر فيه من دخله.
وقيل: كل شيء مستتر: غيب، وكذلك المصدر). [معاني القرآن: 1/81-83]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ويقيمون الصلاة} أي: يؤدون الصلاة المفروضة، تقول العرب: قامت السوق وأقمتها، أي: أدمتها ولم أعطلها، و"فلان يقوم بعمله" منه.
ومعنى إقامة الصلاة: إدامتها في أوقاتها، وترك التفريط في أداء ما فيها من الركوع والسجود.
وقيل: الصلاة: مشتقة من "الصلوين" وهما عرقان في الردف ينحيان في الصلاة .
وقيل: الصلاة: الدعاء فيها معروف قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا = يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي = نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
والصلاة من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الدعاء، ومن الناس تكون: الدعاء والصلاة المعروفة). [معاني القرآن: 1/83-84]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} أي: يتصدقون ويزكون، كما قال تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}
قال الضحاك: كانت النفقة قرباناً يتقربون بها إلى الله تعالى على قدر جدتهم، حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في "براءة").
[معاني القرآن: 1/84-85]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و"الغيب": الله جل وعز، ومنه قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب}، قال: بالله جل اسمه، و"الغيب": ما غاب عن العين، وكان محصلاً في القلوب، و"الغيب": المطمئن من الأرض، و"الغيب": شحم ثرب الشاة). [ياقوتة الصراط: 170]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومما رزقناهم ينفقون} أي: يزكون ويتصدقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْمِنُونَ}: يصدقون.{بِالْغَيْبِ}: ما غاب عنهم. {يُنفِقُونَ}: يزكون). [العمدة في غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4)}
وقوله عزّ وجلّ: {بما أنزل إليك} إن شئت خففت الهمزة في "أنزل" وكذلك في قوله "أُلئِك"، وهذه لغة غير أهل الحجاز، فأما أهل الحجاز: فيخففون الهمزة بين الواو والهمزة.
قال سيبويه: إنما فعل بالهمزة ذلك دون سائر الحروف؛ لأنها بعد مخرجها، ولأنها نبرة في الصدر، وهي أبعد الحروف مخرجاً.
وأمّا "إليك" و"إليهم" و"عليك" و"عليهم"، فالأصل في هذا "إلاك" و"علاك" و"إلاهم" و"علاهم"، كما تقول: "إلى زيد" و"على إخوتك"، إلا أن الألف غيرت مع المضمر فأبدلت ياء؛ ليفصل بين الألف التي في آخر المتمكنة وبين الألف التي في أواخر غير المتمكنة التي الإضافة لازمة لها، ألا ترى أن "إلى" و"على" و"لدى" لا تنفرد من الإضافة، ولذلك قالت العرب في "كلا" في حال النصب والجر: "رأيت كليهما" و"كليكما" و"مررت بكليهما" و"كليكما"، ففصلت بين الإضافة إلى المظهر والمضمر، لما كان "كلا" لا ينفرد، ولا يكون "كلامًا إلا بالإضافة). [معاني القرآن: 1/73-74]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي: لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما فعله اليهود والنصارى). [معاني القرآن: 1/85]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون} سميت "آخرة" لأنها بعد "أولى"، وقيل: لتأخرها من الناس، وجمعها "أواخر").[معاني القرآن: 1/85]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({المفلحون}: كل من أصاب شيئا من الخير فهو مفلح، ومصدره: الفلاح وهو: البقاء، وكل خير، قال لبيد بن ربيعة:

نحلّ بلاداً كلها حلّ قبلنا= ونرجو الفلاح بعد عادٍ وحمير
الفلاح أي البقاء، وقال عبيد بن الأبرص:

أفلح بما شئت فقد يدرك= بالضعف وقد يخدع الأريب
والفلاح في موضع آخر: السّحور أيضاً، وفي الأذان: "حيّ على الفلاح" و"حيّ على الفلح" جميعاً، والفلاّح: الأكار، وإنما اشتّق من: يفلح الأرض أي: يشقّها ويثيرها، ومن ذلك قولهم:

.......... = إنّ الحديد بالحديد يفلح
أي: يفلق، والفلاح هو: المكاري في قول ابن أحمر أيضاً:

لها رطل تكيل الزيت فيه= وفلاّحٌ يسوق لها حمارا
فلاّح: مكارٍ، وقال لبيد:

اعقلي إن كنت لمّا تعقلي= ولقد أفلح من كان عقل
أي: ظفر وأصاب خيراً). [مجاز القرآن: 1/29-31]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({المفلحون}: كل من أصاب شيئا من الخير فقد أفلح، والفعل الفلاح هو أيضا من البقاء).[غريب القرآن وتفسيره: 64]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأولئك هم المفلحون}: من الفلاح، وأصله البقاء ومنه قول عبيد:

أفلح بما شئت فقد يبلغ = بالضعف وقد يخدع الأريب
أي: ابق بما شئت من كيس أو غفلة.
فكأنه قيل للمؤمنين "مفلحون" لفوزهم بالبقاء في النعيم المقيم، هذا هو الأصل.
ثم قيل ذلك لكل من عقل وحزم، وتكاملت فيه خلال الخير). [تفسير غريب القرآن: 39-40]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك على هدى من ربّهم وأولئك هم المفلحون (5)}
موضع {أولئك} رفع بالابتداء، والخبر: {على هدى من ربّهم} إلا أن {أولئك} لا يعرب؛ لأنه اسم للإشارة، وكسرت الهمزة فيه لالتقاء السّاكنين.
وكذلك قوله: {وأولئك هم المفلحون} إلا أنّ (هم) دخلت فصلاً، وإن شئت كانت تكريراً للاسم، كما تقول: "زيد هو العالم"، فترفع "زيداًَ" بالابتداء، وترفع "هو" ابتداء ثانياً، وترفع "العالم" خبراً لـ"هو"، و"العالم" خبراً لـ"زيد".
فكذلك قوله: {أولئك هم المفلحون} وإن شئت جعلت (هو) فصلاً ، وترفع "زيداً" و"العالم" على الابتداء وخبره، والفصل: هو الذي يسميه الكوفيون عماداً.
وسيبويه يقول: إن الفصل لا يصلح إلا مع الأفعال التي لا تتم نحو: "كان زيد هو العالم"، و"ظننت زيدا هو العالم".
وقال سيبويه: دخل الفصل في قوله عزّ وجلّ: {.. تجدوه عند اللّه هو خيراً} وفي قوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم} وفي قوله: {ويرى الّذين أوتوا العلم الّذي أنزل إليك من ربّك هو الحقّ} وفي قوله: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك} وما أشبه هذا مما ذكر الله عزّ وجلّ.
وكذلك لك في الكلام في الابتداء والخبر، وفي قولك: كان زيد هو العالم، ذكر "هو" و"أنت" و"أنا" و"نحن"، دخلت إعلاماً بأن الخبر مضمون وأن الكلام لم يتم، وموضع دخولها إذا كان الخبر معرفة أو ما أشبه المعرفة.
وأن "هو" بمنزلة "ما" اللغو في قوله عزّ وجلّ: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم} فإنما دخولها مؤكدة.
وقوله عزّ وجلّ: {المفلحون} يقال: لكل من أصاب خيراً مفلح، وقال عزّ وجل: {قد أفلح المؤمنون}، وقال: {قد أفلح من زكاها}، والفلاح: البقاء.
قال لبيد بن ربيعة:

نحل بلادا كلها حل قبلنا= ونرجو الفلاح بعد عاد وتبّعا
أي : نرجو البقاء.
وقال عبيد:

أفلح بما شئت فقد يدرك = بالضعف وقد يخدع الأريب
أي: أصب خيراً بما شئت.
والفلاح: الأكار، والفلاحة صناعته، وإنما قيل له: الفلاح؛ لأنه يشق الأرض، ويقال: فلحت الحديد: إذا قطعته.
قال الشاعر:

قد علمت خيلك أني الصّحصح= إن الحديد بالحديد يفلح
ويقال للمكاري: الفلاح، وإنما قيل له فلاح تشبيها بالأكار.
قال الشاعر:
لها رطل تكيل الزيت فيه= وفلاح يسوق لها حماراً).
[معاني القرآن: 1/75-76]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {أولئك على هدى من ربهم}
روى إبراهيم بن سعيد، عن محمد بن إسحاق، قال: على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم من عند الله). [معاني القرآن: 1/85]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وأولئك هم المفلحون}
قال ابن إسحاق: أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا .
وأصل الفلاح في اللغة: البقاء، وقيل للمؤمن: مفلح؛ لبقائه في الجنة .
وقال عبيد:

أفلح بما شئت فقد يدرك = بالضعف وقد يخدع الأريب
أي: ابق بما شئت من كيس وحمق.
ثم اتسع في ذلك، حتى قيل لكل من نال شيئاً من الخير: مفلح). [معاني القرآن: 1/86]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و"الهدى": البيان، و"الهدى": إخراج شيء إلى شيء، و"الهدى": الورع والطاعة، و"الهدى": الهادي، قال: ومنه قوله تعالى: {أو أجد على النار هدى} أي: هادياً). [ياقوتة الصراط: 169-170]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ("المفلح": الباقي، و"المفلح": السعيد، من السعادة، والفلاح: البقاء.
والخداع وإظهار خلاف ما في النفس: مرض ونفاق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 24]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمُفْلِحُونَ}: الفائزون). [العمدة في غريب القرآن: 70]


رد مع اقتباس