عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (174) أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار (175) ذلك بأنّ اللّه نزل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ (176)}
يقول تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} ممّا يشهد له بالرّسالة {ما أنزل اللّه من الكتاب} يعني اليهود الّذين كتموا صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتبهم التي بأيديهم، ممّا تشهد له بالرّسالة والنّبوّة، فكتموا ذلك لئلّا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتّحف على تعظيمهم إيّاهم، فخشوا -لعنهم اللّه -إن أظهروا ذلك أن يتّبعه النّاس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاءً على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نزرٌ يسيرٌ، فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى واتّباع الحقّ وتصديق الرّسول والإيمان بما جاء عن اللّه بذلك النّزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدّنيا والآخرة؛ أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه أظهر لعباده صدق رسوله، بما نصبه وجعله معه من الآيات الظّاهرات والدّلائل القاطعات، فصدّقه الّذين كانوا يخافون أن يتّبعوه، وصاروا عونًا له على قتالهم، وباؤوا بغضبٍ على غضبٍ، وذمّهم اللّه في كتابه في غير موضعٍ. من ذلك هذه الآية الكريمة: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا} وهو عرض الحياة الدّنيا {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النّار} أي: إنّما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحقّ نارًا تأجّج في بطونهم يوم القيامة. كما قال تعالى: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النّساء: 10] وفي الحديث الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «الّذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضّة، إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»
وقوله: {ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ} وذلك لأنّه غضبان عليهم، لأنّهم كتموا وقد علموا، فاستحقّوا الغضب، فلا ينظر إليهم ولا يزكّيهم، أي يثني عليهم ويمدحهم بل يعذّبهم عذابًا أليمًا.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ وابن مردويه هاهنا الحديث الذي رواه مسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه، ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذّابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ»). [تفسير ابن كثير: 1/ 483-484]


تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخبرًا عنهم: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} أي: اعتاضوا عن الهدى، وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرّسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتّباعه وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضّلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم {والعذاب بالمغفرة} أي: اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة.
وقوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار} يخبر تعالى أنّهم في عذابٍ شديدٍ عظيمٍ هائلٍ، يتعجّب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك، مع شدّة ما هم فيه من العذاب، والنّكال، والأغلال عياذًا باللّه من ذلك.
وقيل معنى قوله: {فما أصبرهم على النّار} أي: ما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النّار ). [تفسير ابن كثير: 1/ 484]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّ اللّه نزل الكتاب بالحقّ} أي: إنّما استحقّوا هذا العذاب الشّديد لأنّ اللّه تعالى أنزل على رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحقّ وإبطال الباطل، وهؤلاء اتّخذوا آيات اللّه هزوًا، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره، فخالفوه وكذّبوه. وهذا الرّسول الخاتم يدعوهم إلى اللّه تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذّبونه ويخالفونه ويجحدونه، ويكتمون صفته، فاستهزؤوا بآيات اللّه المنزّلة على رسله؛ فلهذا استحقّوا العذاب والنّكال؛ ولهذا قال: {ذلك بأنّ الله نزل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 484]


رد مع اقتباس