عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 05:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم (163)}
يخبر تعالى عن تفرّده بالإلهيّة، وأنّه لا شريك له ولا عديل له، بل هو اللّه الواحد الأحد الفرد الصّمد، الذي لا إله إلّا هو وأنّه الرّحمن الرّحيم. وقد تقدّم تفسير هذين الاسمين في أوّل السّورة. وفي الحديث عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء بنت يزيد بن السّكن، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم} و {الم * اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} [آل عمران: 1، 2] »). [تفسير ابن كثير: 1/ 474]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون (164)}
ثمّ ذكر الدّليل على تفرّده بالإلهيّة بتفرده بخلق السموات والأرض وما فيهما، وما بين ذلك ممّا ذرأ وبرأ من المخلوقات الدّالّة على وحدانيّته، فقال: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون} يقول تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض} تلك في لطافتها وارتفاعها واتّساعها وكواكبها السّيّارة والثّوابت ودوران فلكها، وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع {واختلاف اللّيل والنّهار} هذا يجيء ثمّ يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه، لا يتأخّر عنه لحظةً، كما قال تعالى: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} [يس: 40] وتارةً يطول هذا ويقصر هذا، وتارةً يأخذ هذا من هذا ثمّ يتقارضان، كما قال تعالى: {يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [الحجّ: 61] أي: يزيد من هذا في هذا، ومن هذا في هذا {والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس} أي: في تسخير البحر لحمل السّفن من جانبٍ إلى جانبٍ لمعاش النّاس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى هؤلاء {وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها} كما قال تعالى: {وآيةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجّرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون} [يس: 33-36] {وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ} أي: على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها، وهو يعلم ذلك كلّه ويرزقه لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، كما قال تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ} [هودٍ: 6] {وتصريف الرّياح} أي: تارةً تأتي بالرّحمة وتارةً تأتي بالعذاب، تارةً تأتي مبشّرةً بين يدي السّحاب، وتارةً تسوقه، وتارةً تجمّعه، وتارةً تفرّقه، وتارةً تصرّفه، ثمّ تارةً تأتي من الجنوب وهي الشّاميّة، وتارةً تأتي من ناحية اليمن وتارةً صبا، وهي الشّرقيّة التي تصدم وجه الكعبة، وتارةً دبورٌ وهي غربيّةٌ تفد من ناحية دبر الكعبة والرّياح تسمّى كلّها بحسب مرورها على الكعبة. وقد صنّف النّاس في الرّياح والمطر والأنواء كتبًا كثيرةً فيما يتعلّق بلغاتها وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، واللّه أعلم. {والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض} أي: سائرٌ بين السّماء والأرض يسخّر إلى ما يشاء اللّه من الأراضي والأماكن، كما يصرّفه تعالى: {لآياتٍ لقومٍ يعقلون} أي: في هذه الأشياء دلالاتٌ بيّنةٌ على وحدانيّة اللّه تعالى، كما قال تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب * الّذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السّماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النّار} [آل عمران: 190، 191]. وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا أبو سعيدٍ الدّشتكيّ، حدّثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «أتت قريشٌ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا محمّد إنّما نريد أن تدعو ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، فنشتري به الخيل والسّلاح، فنؤمن بك ونقاتل معك. قال: «أوثقوا لي لئن دعوت ربّي فجعل لكم الصّفا ذهبًا لتؤمننّ بي» فأوثقوا له، فدعا ربّه، فأتاه جبريل فقال: «إنّ ربّك قد أعطاهم الصّفا ذهبًا على أنّهم إن لم يؤمنوا بك عذّبهم عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين». قال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ربّ لا بل دعني وقومي فلأدعهم يومًا بيومٍ»فأنزل اللّه هذه الآية: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس} الآية».
ورواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر، عن جعفر بن أبي المغيرة، به. وزاد في آخره: «وكيف يسألونك عن الصّفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصّفا».
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ، قال: «نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم} فقال كفّار قريشٍ بمكّة: «كيف يسع النّاس إلهٌ واحدٌ؟ فأنزل اللّه تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس} إلى قوله: {لآياتٍ لقومٍ يعقلون}»
فبهذا يعلمون أنّه إلهٌ واحدٌ، وأنّه إله كلّ شيءٍ وخالق كلّ شيءٍ.
وقال وكيعٌ: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى قال: «لمّا نزلت: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ} إلى آخر الآية، قال المشركون: «إن كان هكذا فليأتنا بآيةٍ». فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار} إلى قوله: {يعقلون}»
ورواه آدم بن أبي إياسٍ، عن أبي جعفرٍ -هو الرّازيّ -عن سعيد بن مسروقٍ، والد سفيان، عن أبي الضّحى، به). [تفسير ابن كثير: 1/ 474-476]


رد مع اقتباس