عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130) إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون (132)}
من استفهام في موضع رفع بالابتداء، ويرغب خبره، والمعنى يزهد فيها ويربأ بنفسه عنها، والملة الشريعة والطريقة، وسفه من السفه الذي معناه الرقة والخفة، واختلف في نصب نفسه، فقال الزجاج: «سفه بمعنى جهل وعداه بالمعنى»، وقال غيره: سفه بمعنى أهلك، وحكى ثعلب والمبرد أن: «سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها»، وحكي عن أبي الخطاب أنها: «لغة»، وقال الفراء: «نصبها على التمييز».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «لأن السفه يتعلق بالنفس والرأي والخلق، فكأنه ميزها بين هذه ورأوا أن هذا التعريف ليس بمحض لأن الضمير فيه الإبهام الذي في من، فكأن الكلام: إلا من سفه نفسا»، وقال البصريون: لا يجوز التمييز مع هذا التعريف، وإنما النصب على تقدير حذف «في»، فلما انحذف حرف الجر قوي الفعل، وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم ضرب فلان الظهر والبطن أي في الظهر والبطن، وحكى مكي أن: «التقدير إلّا من سفه قوله نفسه على أن نفسه تأكيد حذف المؤكد وأقيم التوكيد مقامه قياسا على النعت والمنعوت».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول متحامل، و «اصطفى» «افتعل» من الصفوة معناه تخير الأصفى، وأبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق، ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا، وفي الآخرة متعلق باسم فاعل مقدر من الصلاح، ولا يصلح تعلقه ب الصّالحين لأن الصلة لا تتقدم الموصول، هذا على أن تكون الألف واللام بمعنى الذي، وقال بعضهم: الألف واللام هنا للتعريف ويستقيم الكلام، وقيل: المعنى أنه في عمل الآخرة لمن الصّالحين، فالكلام على حذف مضاف). [المحرر الوجيز: 1/ 353-354]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم}، العامل في إذ اصطفيناه، وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس. والإسلام هنا على أتم وجوهه). [المحرر الوجيز: 1/ 354]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ نافع وابن عامر «وأوصى»، وقرأ الباقون ووصّى، والمعنى واحد، إلا أن وصى يقتضي التكثير، والضمير في بها عائد على كلمته التي هي أسلمت لربّ العالمين، وقيل: على الملة المتقدمة، والأول أصوب لأنه أقرب مذكور، وقرأ عمرو بن فائد الأسواري «ويعقوب» بالنصب على أن يعقوب داخل فيمن أوصى، واختلف في إعراب رفعه، فقال قوم من النحاة: التقدير ويعقوب أوصى بنيه أيضا، فهو عطف على إبراهيم، وقال بعضهم: هو مقطوع منفرد بقوله يا بنيّ، فتقدير الكلام ويعقوب قال يا بني، واصطفى هنا معناه تخير صفوة الأديان، والألف واللام في الدّين للعهد، لأنهم قد كانوا عرفوه، وكسرت إنّ بعد وصّى لأنها بمعنى القول، ولذلك سقطت «إن» التي تقتضيها «وصى» في قوله «أن يا بني»، وقرأ ابن مسعود والضحاك «أن يا بني» بثبوت أن.
وقوله تعالى: {فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} إيجاز بليغ، وذلك أن المقصود منه أمرهم بالإسلام والدوام عليه، فأتى ذلك بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى؟ فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه، فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما، وحكى سيبويه فيما يشبه هذا المعنى قولهم: لا أرينك هاهنا، وليس إلى المأمور أن يحجب إدراك الأمر عنه، فإنما المقصود: اذهب وزل عن هاهنا، فجاء بالمقصود بلفظ يزيد معنى الغضب والكراهية، وأنتم مسلمون ابتداء وخبر في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 1/ 355-356]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون (133) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عمّا كانوا يعملون (134) وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (135)}
هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية، فرد الله تعالى عليهم وكذبهم، وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية والإسلام، وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم؟، أي لم تشهدوا بل أنتم تفترون، وأم تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن: «أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره»، وهذا منه، ومنه {أم يقولون افتراه} [يونس: 38، هود: 13، 35، السجدة: 3، الأحقاف: 8]، وقال قوم: أم بمعنى بل، والتقدير بل شهد أسلافكم يعقوب وعلمتم منهم ما أوصى به، ولكنكم كفرتم جحدا ونسبتموهم إلى غير الحنيفية عنادا، والأظهر أنها التي بمعنى بل وألف الاستفهام معا، و «شهداء» جمع شاهد أي حاضر، ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا، وقدم يعقوب على جهة تقديم الأهم، والعامل في إذ: شهداء، وإذ قال بدل من إذ الأولى، وعبر عن المعبود بما تجربة لهم، ولم يقل من لئلا يطرق لهم الاهتداء، وإنما أراد أن يختبرهم، وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله تعالى جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة فاستفهمهم عما يعبدون من هذه، ومن بعدي أي من بعد موتي، وحكي أن يعقوب عليه السلام حين خير كما يخير الأنبياء اختار الموت، وقال أمهلوني حتى أوصي بنيّ وأهلي، فجمعهم وقال لهم هذا فاهتدوا وقالوا: نعبد إلهك الآية، فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى، ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عمّ.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: «ردوا علي أبي، إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود».
وقال عنه في موطن آخر: «هذا بقية آبائي»، ومنه قوله عليه السلام: «أنا ابن الذبيحين» على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح.
وقرأ الحسن وابن يعمر والجحدري وأبو رجاء «وإله أبيك»، واختلف بعد فقيل هو اسم مفرد أرادوا به إبراهيم وحده، وقال بعضهم: هو جمع سلامة، وحكى سيبويه أب وأبون وأبين. قال الشاعر: زياد بن واصل السلمي:
فلمّا تبيّنّ أصواتنا ....... بكين وفدّيننا بالأبينا
وقال ابن زيد: «يقال قدم إسماعيل لأنه أسن من إسحاق»، وإلهاً بدل من إلهك، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية، وقيل إلهاً حال، وهذا قول حسن، لأن الغرض إثبات حال الوحدانية، نحن له مسلمون ابتداء وخبر، أي كذلك كنا نحن ونكون، ويحتمل أن يكون في موضع الحال والعامل نعبد، والتأويل الأول أمدح). [المحرر الوجيز: 1/ 356-358]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قد خلت} في موضع رفع نعت لأمة، ومعناه ماتت وصارت إلى الخلاء من الأرض، ويعني بالأمة الأنبياء المذكورون، والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى، أي أنتم أيها الناحلوهم اليهودية والنصرانية، ذلك لا ينفعكم، لأن كل نفس لها ما كسبت من خير وشر، فخيرهم لا ينفعكم إن كسبتم شرا، وفي هذه الآية رد على الجبرية القائلين لا اكتساب للعبد، ولا تسئلون عمّا كانوا يعملون فتنحلوهم دينا). [المحرر الوجيز: 1/ 359]


رد مع اقتباس