عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 05:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس «راعنا» من المراعاة بمعنى فاعلنا، أي: أرعنا نرعك، وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه، وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره، فقال من ذهب إلى هذا المعنى: إن الله تعالى نهى المؤمنين عنه لهذه العلة، ولا مدخل لليهود في هذه الآية على هذا التأويل، بل هو نهي عن كل مخاطبة فيها استواء مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالت طائفة: هي لغة كانت الأنصار تقولها، فقالها رفاعة بن زيد بن التابوت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليّا بلسانه وطعنا كما كان يقول: اسمع غير مسمع، فنهى الله المؤمنين أن تقال هذه اللفظة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووقف هذه اللغة على الأنصار تقصير، بل هي لغة لجميع العرب فاعل من المراعاة. فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة، يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل،
وحكى المهدوي عن قوم أن هذه الآية على هذا التأويل ناسخة لفعل قد كان مباحا وليس في هذه الآية شروط النسخ لأن الأول لم يكن شرعا متقررا.
وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن أبي ليلى وابن محيصن وأبو حيوة «راعنا» بالتنوين، وهذه من معنى الجهل، وهذا محمول على أن اليهود كانت تقوله فنهى الله
تعالى المؤمنين عن القول المباح سد ذريعة لئلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور، إذ المؤمنون إنما كانوا يقولون «راعنا» دون تنوين،
وفي مصحف ابن مسعود «راعونا»، وهي شاذة، ووجهها أنهم كانوا يخاطبون النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تخاطب الجماعة، يظهرون بذلك إكباره وهم يريدون في الباطن فاعولا من الرعونة.
و(انظرنا) مضمومة الألف والظاء معناها: انتظرنا وأمهل علينا، ويحتمل أن يكون المعنى تفقدنا من النظر، وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- على المعنيين،
والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال، وهذا هو معنى راعنا، فبدلت للمؤمنين اللفظة ليزول تعلق اليهود،
وقرأ الأعمش وغيره «أنظرنا» بقطع الألف وكسر الظاء، بمعنى: أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك.
ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر، حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة، واعلم أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما، وهو المؤلم، و(اسمعوا) معطوف على (قولوا) لا على معمولها). [المحرر الوجيز: 1/ 306-307]

تفسير قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ما يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خيرٍ من ربّكم واللّه يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (105) ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (106)}
التقدير: ولا من المشركين.
وعم الذين كفروا ثم بيّن أجناسهم من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان ليبين في الألف واللام في (الّذين) أنها ليست للعهد يراد بها معين،
ومعنى الآية أن ما أمرناكم به من أن تعظموا نبيكم خير من الله منحكم إياه، وذلك لا يودّه الكفار. ثم يتناول اللفظ كل خير غير هذا، و(أن) مع الفعل بتأويل المصدر،
و(من) زائدة في قول بعضهم. ولما كان ود نزول الخير منتفيا، قام ذلك مقام الجحد الذي يلزم أن يتقدم (من) الزائدة على قول سيبويه والخليل. وأما الأخفش فيجيز زيادتها في الواجب،
وقال قوم: (من) للتبعيض لأنهم يريدون أن لا ينزل على المؤمنين من الخير قليل ولا كثير، ولو زال معنى التبعيض لساغ لقائل أن يقول: نريد أن لا ينزل خير كامل ولا نكره أن ينزل بعض، فإذا نفي ود نزول البعض فذلك أحرى في نزول خير كامل،
والرحمة في هذه الآية عامة لجميع أنواعها التي قد منحها الله عباده قديما وحديثا،
وقال قوم: الرحمة هي القرآن،
وقال قوم: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم،
وهذه أجزاء الرحمة العامة التي في لفظ الآية). [المحرر الوجيز: 1/ 307-308]


رد مع اقتباس