عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 10:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (65) فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظةً للمتّقين (66) وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتّخذنا هزواً قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين (67)}
علمتم معناه: عرفتم، كما تقول: علمت زيدا بمعنى عرفته، فلا يتعدى العلم إلا إلى مفعول واحد، واعتدوا معناه تجاوزوا الحد، مصرف من الاعتداء، وفي السّبت معناه في يوم السبت، ويحتمل أن يريد في حكم السبت، والسّبت مأخوذ إما: من السبوت الذي هو الراحة والدعة، وإما من السبت وهو: القطع، لأن الأشياء فيه سبتت وتمت خلقتها.
وقصة اعتدائهم فيه، أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة، وعرفه فضله، كما أمر به سائر الأنبياء، فذكر موسى عليه السلام ذلك لبني إسرائيل عن الله تعالى وأمرهم بالتشرع فيه، فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم فيه بأن أمرهم بترك العمل وحرم عليهم صيد الحيتان، وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية. قاله الحسن بن أبي الحسن. وقيل حتى تخرج خراطيمها من الماء، وذلك إما بالإلهام من الله تعالى، أو بأمر لا يعلل، وإما بأن فهمها معنى الأمنة التي في اليوم مع تكراره حتى فهمت ذلك، ألا ترى أن الله تعالى قد ألهم الدواب معنى الخوف الذي في يوم الجمعة من أمر القيامة، يقضي بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة فرقا من الساعة»، وحمام مكة قد فهم الأمنة، إما أنها متصلة بقرب فهمها.
وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر، فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان فلم تظهر إلى السبت الآخر، فبقوا على ذلك زمانا حتى اشتهوا الحوت، فعمد رجل يوم السبت فربط حوتا بخزمة، وضرب له وتدا بالساحل، فلما ذهب السبت جاء وأخذه، فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع، وقيل بل حفر رجل في غير السبت حفيرا يخرج إليه البحر، فإذا كان يوم السبت خرج الحوت وحصل في الحفير، فإذا جزر البحر ذهب الماء من طريق الحفير وبقي الحوت، فجاء بعد السبت فأخذه، ففعل قوم مثل فعله، وكثر ذلك حتى صادوه يوم السبت علانية، وباعوه في الأسواق، فكان هذا من أعظم الاعتداء، وكانت من بني إسرائيل فرقة نهت عن ذلك فنجت من العقوبة، وكانت منهم فرقة لم تعص ولم تنه، فقيل نجت مع الناهين، وقيل هلكت مع العاصين.
وكونوا لفظة أمر، وهو أمر التكوين، كقوله تعالى لكل شيء: {كن فيكون} [النحل: 40، مريم: 35، يس: 82، غافر: 68]، ولم يؤمروا في المصير إلى حال المسخ بشيء يفعلونه ولا لهم فيه تكسب.
وخاسئين معناه مبعدين أذلاء صاغرين، كما يقال للكلب وللمطرود اخسأ. تقول خسأته فخسأ، وموضعه من الإعراب النصب على الحال أو على خبر بعد خبر.
وروي في قصصهم أن الله تعالى مسخ العاصين قردةً بالليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم، فلم يروا أحدا من الهالكين، فقالوا إن للناس لشأنا، ففتحوا عليهم الأبواب كما كانت مغلقة بالليل، فوجدوهم قردةً يعرفون الرجل والمرأة، وقيل: إن الناجين كانوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار، تبريا منهم، فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين، فتسوروا عليهم الجدار فإذا هم قردة، يثب بعضهم على بعض.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام ووقع في كتاب مسلم عنه عليه السلام أن أمة من الأمم فقدت، وأراها الفأر، وظاهر هذا أن الممسوخ ينسل، فإن كان أراد هذا فهو ظن منه عليه السلام في أمر لا مدخل له في التبليغ، ثم أوحي إليه بعد ذلك أن الممسوخ لا ينسل، ونظير ما قلناه نزوله عليه السلام على مياه بدر، وأمره باطراح تذكير النخل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتكم برأي في أمور الدنيا فإنما أنا بشر».
وروي عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط وردّت أفهامهم كأفهام القردة، والأول أقوى، والضمير في «جعلناها»: يحتمل العود على المسخة والعقوبة، ويحتمل على الأمة التي مسخت، ويحتمل على القردة، ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها، وقيل يعود على الحيتان، وفي هذا القول بعد). [المحرر الوجيز: 1 / 241 -244]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والنكال: الزجر بالعقاب، والنكل والأنكال: قيود الحديد، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل، قال السدي: «ما بين يدي المسخة: ما قبلها من ذنوب القوم، وما خلفها: لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب»، وهذا قول جيد، وقال غيره: «ما بين يديها» أي من حضرها من الناجين، وما خلفها أي لمن يجيء بعدها، وقال ابن عباس: «لما بين يديها: أي من بعدهم من الناس ليحذر ويتقي، وما خلفها: لمن بقي منهم عبرة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وما أراه يصح عن ابن عباس رضي الله عنه، لأن دلالة ما بين اليد ليست كما في القول، وقال ابن عباس أيضا: « لما بين يديها وما خلفها، أي من القرى». فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزمان.
وموعظةً مفعلة من الاتعاظ والازدجار، وللمتّقين معناه للذين نهوا ونجوا، وقالت فرقة: معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، واللفظ يعم كل متق من كل أمة). [المحرر الوجيز: 1 / 244 -245]


رد مع اقتباس