عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 11:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ (7)}
معنى الكفر مأخوذ من قولهم كفر إذا غطى وستر، ومنه قول الشاعر لبيد بن ربيعة:

في ليلة كفر النجوم غمامها

أي سترها ومنه سمي الليل كافرا لأنه يغطي كل شيء بسواده، قال الشاعر: [ثعلبة بن صغيرة]:

فتذكر ثقلا رثيدا بعد ما ....... ألقت ذكاء يمينها في كافر

ومنه قيل للزراع كفار، لأنهم يغطون الحب، فــــ «كفر» في الدين معناه غطى قلبه بالرّين عن الإيمان أو غطى الحق بأقواله وأفعاله.
واختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها.
فقال قوم: «هي فيمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن أراد الله تعالى أن يعلم أن في الناس من هذه حاله دون أن يعين أحد».
وقال ابن عباس: «نزلت هذه الآية في حيي بن أخطب، وأبي ياسر وابن الأشرف ونظرائهم»، وقال الربيع بن أنس: «نزلت في قادة الأحزاب وهم أهل القليب ببدر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هكذا حكي هذا القول، وهو خطأ، لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم، وإنما ترتيب الآية في أصحاب القليب، والقول الأول مما حكيناه هو المعتمد عليه، وكل من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر أنه في ضمن الآية.
وقوله: {سواءٌ عليهم} معناه معتدل عندهم، ومنه قول الشاعر: [أعشى قيس]:

وليل يقول الناس من ظلماته ....... سواء صحيحات العيون وعورها

قال أبو علي: في اللفظة أربع لغات: سوى بكسر السين، وسواء بفتحها والمد، وهاتان لغتان معروفتان، ومن العرب من يكسر السين ويمد، ومنهم من يضم أوله ويقصره، وهاتان اللغتان أقل من تينك.
ويقال سي بمعنى سواء كما قالوا: «قي، وقواء»، وسواءٌ رفع على خبر إنّ، أو رفع على الابتداء وخبره فيما بعده، والجملة خبر إنّ، ويصح أن يكون خبر إنّ لا يؤمنون.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع: «آنذرتهم» بهمزة مطولة، وكذلك ما أشبه ذلك في جميع القرآن، وكذلك كانت قراءة الكسائي إذا خفف، غير أن مد أبي عمرو أطول من مد ابن كثير، لأنه يدخل بين الهمزتين ألفا، وابن كثير لا يفعل ذلك.
وروى قالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع إدخال الألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية، وروى عنه ورش تخفيف الثانية بين بين دون إدخال ألف بين الهمزتين، فأما عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق وابن عامر: فبالهمزتين «أأنذرتهم»، وما كان مثله في كل القرآن.
وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما.
وقرأ الزهري وابن محيصن «أنذرتهم» بحذف الهمزة الأولى، وتدل أم على الألف المحذوفة، وكثر مكي في هذه الآية بذكر جائزات لم يقرأ بها، وحكاية مثل ذلك في كتب التفسير عناء. والإنذار إعلام بتخويف، هذا حده، وأنذرت فعل يتعدى إلى مفعولين.
قال الله عز وجل: {فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} [فصلت: 13]، وقال: {إنّا أنذرناكم عذاباً قريباً} [النساء: 40] وأحد المفعولين في هذه الآية محذوف لدلالة المعنى عليه.
وقوله تعالى: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام لأن فيه التسوية التي هي في الاستفهام، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرا سواء عليّ أقعدت أم ذهبت، وإذا قلت مستفهما أخرج زيد أم قام، فقد استوى الأمران عندك، هذان في الخبر، وهذان في الاستفهام وعدم علم أحدهما بعينه، فلما عمتهما التسوية جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته إياه في الإبهام، وكل استفهام تسوية، وإن لم تكن كل تسوية استفهاما). [المحرر الوجيز: 1/ 110-112]

تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ختم اللّه} مأخوذ من الختم وهو الطبع، والخاتم الطابع، وذهبت طائفة من المتأولين إلى أن ذلك على الحقيقة، وأن القلب على هيئة الكف ينقبض مع زيادة الضلال والإعراض إصبعا إصبعا.
وقال آخرون: ذلك على المجاز، وإن ما اخترع له في قلوبهم من الكفر والضلال والإعراض عن الإيمان سماه ختما.
وقال آخرون ممن حمله على المجاز: «الختم هنا أسند إلى الله تعالى لما كفر الكافرون به وأعرضوا عن عبادته وتوحيده، كما يقال أهلك المال فلانا وإنما أهلكه سوء تصرفه فيه».
وقرأ الجمهور: وعلى سمعهم.
وقرأ ابن أبي عبلة: «وعلى أسماعهم»، وهو في قراءة الجمهور مصدر يقع للقليل والكثير، وأيضا فلما أضيف إلى ضمير جماعة دل المضاف إليه على المراد، ويحتمل أن يريد على مواضع سمعهم فحذف وأقام المضاف إليه مقامه.
والغشاوة الغطاء المغشي الساتر، ومنه قول النابغة:

هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ....... إذا الدخان تغشى الأشمط البرما

وقال الآخر: [الحارث بن خالد المخزومي]:

تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ....... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

ورفع غشاوة على الابتداء وما قبله خبره.
وقرأ عاصم فيما روى المفضل الضبي عنه «غشاوة» بالنصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة، والختم على هذا التقدير في القلوب والأسماع، والغشوة على الأبصار، والوقف على قوله وعلى سمعهم.
وقرأ الباقون «غشاوة» بالرفع.
قال أبو علي: «وقراءة الرفع أولى لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعترض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به» وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه ختم تقديره وجعل على أبصارهم، فيجيء الكلام من باب:

... ... ... ... ....... «متقلدا سيفا ورمحا»

وقول الآخر:

... ... ... ... ....... علفتها تبنا وماء باردا

ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار. فقراءة الرفع أحسن، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة».
قال: «ولم أسمع من الغشاوة فعلا مصرفا بالواو، فإذا لم يوجد ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء من غشي يغشى بدلالة قولهم الغشيان فالغشاوة من غشي كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء، إذ لم يصرف منه فعل كما لم يصرف من الجباوة».
وقال بعض المفسرين: الغشاوة على الأسماع والأبصار، والوقف في قوله على قلوبهم.
وقال آخرون: «الختم في الجميع، والغشاوة هي الخاتم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ذكرنا اعتراض أبي عليّ هذا القول.
وقرأ أبو حيوة «غشوة»، بفتح الغين والرفع، وهي قراءة الأعمش.
وقال الثوري: «كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «غشية» بفتح الغين والياء والرفع».
وقرأ الحسن: «غشاوة» بضم الغين، وقرئت «غشاوة» بفتح الغين، وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة والأشياء التي هي أبدا مشتملة، فهكذا يجيء وزنها كالضمامة والعمامة والكنانة والعصابة والربابة وغير ذلك.
وقوله تعالى: {ولهم عذابٌ عظيمٌ}: معناه بمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله استوجبوا ذلك، وعظيمٌ: معناه بالإضافة إلى عذاب دونه يتخلله فتور، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما أشبع من الآخر، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد). [المحرر الوجيز: 1/ 112 -115]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون (9)}
كان أصل النون أن تكسر لالتقاء الساكنين، لكنها تفتح مع الألف واللام، ومن قال: استثقلت كسرتان تتوالى في كلمة على حرفين فمعترض بقولهم من ابنك ومن اسمك وما أشبهه.
واختلف النحويون في لفظة النّاس فقال قوم: «هي من نسي فأصل ناس نسي قلب فجاء نيس تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فقيل ناس، ثم دخلت الألف واللام».
وقال آخرون: ناس اسم من أسماء الجموع دون هذا التعليل، دخلت عليه الألف واللام.
وقال آخرون: «أصل ناس أناس دخلت الألف واللام فجاء الأناس، حذفت الهمزة فجاء الناس أدغمت اللام في النون لقرب المخارج».
وهذه الآية نزلت في المنافقين.
وقوله تعالى: {من يقول آمنّا باللّه} رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ من ومعناها، وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحيد، لو قلت ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز.
وسمى الله تعالى يوم القيامة باليوم الآخر لأنه لا ليل بعده، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل، ثم نفى تعالى الإيمان عن المنافقين، وفي ذلك رد على الكرامية في قولهم إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب). [المحرر الوجيز: 1/ 115-116]

تفسير قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في قوله تعالى: {يخادعون اللّه}.
فقال الحسن بن أبي الحسن: «المعنى يخادعون رسول الله فأضاف الأمر إلى الله تجوزا لتعلق رسوله به، ومخادعتهم هي تحيلهم في أن يفشي رسول الله والمؤمنون لهم أسرارهم فيتحفظون مما يكرهونه ويتنبهون من ضرر المؤمنين على ما يحبونه».
وقال جماعة من المتأولين: «بل يخادعون الله والمؤمنين، وذلك بأن يظهروا من الإيمان خلاف ما أبطنوا من الكفر ليحقنوا دماءهم ويحرزوا أموالهم ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا وفازوا، وإنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب وما شعروا لذلك».
واختلف القراء في يخادعون الثاني.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «يخادعون».
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: «وما يخدعون».
وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد والجارود بن أبي سبرة: «يخدعون» بضم الياء.
وقرأ قتادة ومورق العجلي: «يخدّعون» بضم الياء وفتح الخاء وكسر الدال وشدها.
فوجه قراءة ابن كثير ومن ذكر إحراز تناسب اللفظ، وأن يسمى الفعل الثاني باسم الفعل الأول المسبب له ويجيء ذلك كما قال الشاعر: [عمرو بن كلثوم]:

ألا لا يجهلن أحد علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فجعل انتصاره جهلا، ويؤيد هذا المنزع في هذه الآية أن فاعل قد تجيء من واحد كعاقبت اللص وطارقت النعل. وتتجه أيضا هذه القراءة بأن ينزل ما يخطر ببالهم ويهجس في خواطرهم من الدخول في الدين والنفاق فيه والكفر في الأمر وضده في هذا المعنى بمنزلة مجاورة أجنبيين فيكون الفعل كأنه من اثنين. وقد قال الشاعر: [الكميت]

تذكر من أنّى ومن أين شربه ....... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الإبل

وأنشد ابن الأعرابي:

لم تدر ما لا ولست قائلها ....... عمرك ما عشت آخر الأبد
ولم تؤامر نفسيك ممتريا في ....... ها وفي أختها ولم تكد


وقال الآخر:

يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة ....... أيستوتغ الذوبان أم لا يطورها

وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي:

وكنت كذات الضنء لم تدر إذ بغت ....... تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني

ووجه قراءة عاصم ومن ذكر، أن ذلك الفعل هو خدع لأنفسهم يمضي عليها، تقول: «خادعت الرجل» بمعنى أعملت التحيل عليه، فخدعته بمعنى تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد، والمصدر «خدع» بكسر الخاء وخديعة، حكى ذلك أبو زيد. فمعنى الآية وما ينفذون السوء إلا على أنفسهم وفيها.
ووجه قراءة أبي طالوت أحد أمرين: إما أن يقدر الكلام وما يخدعون إلا عن أنفسهم فحذف حرف الجر ووصل الفعل كما قال تعالى: {واختار موسى قومه} [الأعراف: 155] أي من قومه، وإما أن يكون «يخدعون» أعمل عمل ينتقصون لما كان المعنى وما ينقصون ويستلبون إلا أنفسهم، ونحوه قول الله تعالى: {ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] ولا تقول رفثت إلى المرأة ولكن لما كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك، ومنه قوله تعالى: {هل لك إلى أن تزكّى} [النازعات: 18] وإنما يقال هل لك في كذا، ولكن لما كان المعنى أجد بك إلى أن تزكى ساغ ذلك وحسن، وهو باب سني من فصاحة الكلام، ومنه قول الفرزدق:

كيف تراني قالبا مجني ....... قد قتل الله زيادا عنّي

لما كانت قتل قد دخلها معنى صرف. ومنه قول الآخر: [نحيف العامري]:

إذا رضيت عليّ بنو قشير ....... لعمر الله أعجبني رضاها

لما كانت رضيت قد تضمنت معنى أقبلت علي.
وأما الكسائي فقال في هذا البيت: «وصل رضي بوصل نقيضه وهو سخط وقد تجرى أمور في اللسان مجرى نقائضها».
ووجه قراءة قتادة المبالغة في الخدع، إذ هو مصير إلى عذاب الله.
قال الخليل: «يقال خادع من واحد لأن في المخادعة مهلة، كما يقال عالجت المريض لمكان المهلة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا من دقيق نظره وكأنه يرد فاعل إلى الاثنين، ولا بد من حيث ما فيه مهلة ومدافعة ومماطلة، فكأنه يقاوم في المعنى الذي تجيء فيه فاعل.
وقوله تعالى: {وما يشعرون}: معناه وما يعلمون علم تفطن وتهد، وهي لفظة مأخوذة من الشعار كأن الشيء المتفطن له شعار للنفس، والشعار الثوب الذي يلي جسد الإنسان، وهو مأخوذ من الشعر، والشاعر المتفطن لغريب المعاني.
وقولهم: «ليت شعري» معناه ليت فطنتي تدرك، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [المنخل الهذلي].

عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ....... ثم استفاؤوا وقالوا حبّذا الوضح

واختلف ما الذي نفى الله عنهم أن يشعروا له؛ فقالت طائفة: «وما يشعرون أن ضرر تلك المخادعة راجع عليهم لخلودهم في النار».
وقال آخرون: «وما يشعرون أن الله يكشف لك سرهم ومخادعتهم في قولهم آمنا»). [المحرر الوجيز: 1/ 116-119]

تفسير قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللّه مرضاً ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون (11) ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)}
المرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائد هؤلاء المنافقين وذلك إما أن يكون شكا، وإما جحدا بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يجحدون، وبنحو هذا فسر المتأولون.
وقال قوم: «المرض غمهم بظهور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقرأ الأصمعي عن أبي عمر: «مرض» بسكون الراء وهي لغة في المصدر قال أبو الفتح: «وليس بتخفيف».
واختلف المتأولون في معنى قوله فزادهم اللّه مرضاً فقيل هو دعاء عليهم، وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين، فهي على هؤلاء المنافقين عمى وكلما كذبوا زاد المرض.
وقرأ حمزة: «فزادهم» بكسر الزاي، وكذلك ابن عامر، وكان نافع يشم الزاي إلى الكسر، وفتح الباقون.
وأليمٌ معناه مؤلم كما قال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب:

أمن ريحانة الداعي السميع ....... ... ... ... ...

بمعنى: مسمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يكذّبون» بضم الياء وتشديد الذال.
وقرأ الباقون بفتح الياء وتخفيف الذال، فالقراءة بالتثقيل يؤيدها قوله تعالى قبل: {وما هم بمؤمنين}، فهذا إخبار بأنهم يكذبون.
والقراءة بالتخفيف يؤيدها أن سياق الآيات إنما هي إخبار بكذبهم، والتوعد بالعذاب الأليم، متوجه على الكذب في مثل هذه النازلة، إذ هو منطو على الكفر، وقراءة التثقيل أرجح.
وإذا ظرف زمان، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان، لأنها تضمنت جثة، وهذا مردود لأن المعنى «خرجت فإذا حضور زيد» فإنما تضمنت المصدر، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان، ومنه قولهم: «اليوم خمر، وغدا أمر» فمعناه وجود خمر ووقوع أمر، والعامل في إذا في هذه الآية قالوا. وأصل قيل قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وقرأ الكسائي: «قيل وغيض وسيء وسيئت وحيل وسيق وجيء» بضم أوائل ذلك كله، وروي مثل ذلك عن ابن عامر، وروي أيضا عنه أنه كسر «غيض وقيل وجيء»، الغين والقاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين «سيء وسيئت» وكسر ما بقي. وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها، والضمير في لهم هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل.
وقال بعض الناس: «الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود».
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية:«لم يجئ هؤلاء بعد»، ومعنى قوله: لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان). [المحرر الوجيز: 1/ 119-121]


رد مع اقتباس