عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:58 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني: «أن رجلا من بني إسرائيل كان له ذو قرابة هو وارثه فقتله ليرثه ثم ذهب به فألقاه إلى باب قوم آخرين ثم أصبح يطلب بدمه فهموا أن يقتتلوا حتى لبست الطائفتان السلاح فقال رجل أتقتتلون وفيكم نبي الله موسى فكف بعضهم عن بعض ثم انطلقوا إلي موسى فذكروا له شأنهم فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة فلو اعترضوا بقرة فذبحوها أجزأت عنهم فسألوا وشددوا فشدد الله عليهم فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 48]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال : «لو أخذ بنو إسرائيل أدنى بقرة لأجزأت عنهم ولولا أنهم قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما وجدوها».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 50]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}.
وهذه الآية ممّا وبّخ اللّه بها المخاطبين من بني إسرائيل في نقض أوائلهم الميثاق الّذي أخذه اللّه عليهم بالطّاعة لأنبيائه، فقال لهم: واذكروا أيضًا من نكثكم ميثاقي، إذ قال موسى لقومه، وقومه بنو إسرائيل، إذ ادّارءوا في القتيل الّذي قتل فيهم إليه: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتّخذنا هزوًا} والهزو: اللّعب والسّخرية كما قال الرّاجز:

قد هزئت منّي أمّ طيسلة ....... قالت أراه معدمًا لا شيء له

يعني بقوله: قد هزئت: قد سخرت ولعبت.
ولا ينبغي أن يكون من أنبياء اللّه فيما أخبرت عن اللّه من أمرٍ أو نهيٍ هزوٌ أو لعبٌ. فظنّوا بموسى أنّه في أمره إيّاهم عن أمر اللّه تعالى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه هازئٌ لاعبٌ، ولم يكن لهم أن يظنّوا ذلك بنبيّ اللّه، وهو يخبرهم أنّ اللّه هو الّذي أمرهم بذبح البقرة.
وحذفت الفاء من قوله: {أتتّخذنا هزوًا} وهو جوابٌ، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه، وحسن السّكوت على قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} فجاز لذلك إسقاط الفاء من قوله: {أتتّخذنا هزوًا} كما جاز وحسن إسقاطها من قوله تعالى: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون قالوا إنّا أرسلنا} ولم يقل: فقالوا إنّا أرسلنا، ولو قيل: فقالوا، كان حسنًا أيضًا جائزًا، ولو كان ذلك على كلمةٍ واحدةٍ لم تسقط منه الفاء؛ وذلك أنّك إذا قلت قمت وفعلت كذا وكذا لم تقل: قمت فعلت كذا وكذا، لأنّها عطفٌ لا استفهامٌ يوقف عليه.
فأخبرهم موسى إذ قالوا له ما قالوا إنّ المخبر عن اللّه جلّ ثناؤه بالهزء والسّخرية من الجاهلين وبرّأ نفسه ممّا ظنّوا به من ذلك، فقال: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} يعني من السّفهاء الّذين يروون عن اللّه الكذب والباطل.
وكان سبب قيل موسى لهم: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}.
- ما حدّثنا به، محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أيّوب، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: «كان في بني إسرائيل رجلٌ عقيمٌ أو عاقرٌ، قال: فقتله وليّه، ثمّ احتمله، فألقاه في سبطٍ غير سبطه. قال: فوقع بينهم فيه الشّرّ، حتّى أخذوا السّلاح. قال: فقال أولو النّهى: أتقتتلون وفيكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: فأتوا نبيّ اللّه، فقال: اذبحوا بقرةً. فقالوا: {أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ} إلى قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: فضرب فأخبرهم بقاتله. قال: ولم تؤخذ البقرة إلاّ بوزنها ذهبًا. قال: ولو أنّهم أخذوا أدنى بقرةٍ لأجزأت عنهم، فلم يورّث قاتلٌ بعد ذلك.».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثني أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قول اللّه {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} قال:«كان رجلٌ من بني إسرائيل، وكان غنيًّا ولم يكن له ولدٌ، وكان له قريبٌ وكان وارثه، فقتله ليرثه، ثمّ ألقاه على مجمع الطّريق، وأتى موسى، فقال له: إنّ قريبي قتل، وأتى إليّ أمرٌ عظيمٌ، وإنّي لا أجد أحدًا يبيّن لي من قتله غيرك يا نبيّ اللّه. قال: فنادى موسى في النّاس: أنشد اللّه من كان عنده من هذا علمٍ إلاّ بيّنه لنا. فلم يكن عندهم علمه، فأقبل القاتل على موسى فقال: أنت نبيّ اللّه، فاسأل لنا ربّك أن يبيّن لنا. فسأل ربّه فأوحى اللّه إليه: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} فعجبوا وقالوا: {أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ} يعني هرمةٌ {ولا بكرٌ} يعني ولا صغيرةٌ {عوانٌ بين ذلك} أي نصفٌ بين البكر والهرمة {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها} أي صافٍ لونها {تسرّ النّاظرين} أي تعجب النّاظرين {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ} أي لم يذلّلها العمل {تثير الأرض} يعني ليست بذلولٍ فتثير الأرض {ولا تسقي الحرث} يقول ولا تعمل في الحرث {مسلّمةٌ} يعني مسلّمةً من العيوب {لا شية فيها} يقول لا بياض فيها {قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: ولو أنّ القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرةً استعرضوا بقرةً من البقر فذبحوها لكانت إيّاها، ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم، فشدّد اللّه عليهم. ولولا أنّ القوم استثنوا فقالوا: {وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون} لما هدوا إليها أبدًا. فبلغنا أنّهم لم يجدوا البقرة الّتي نعتت لهم إلاّ عند عجوزٍ عندها يتامى، وهي القيّمة عليهم، فلمّا علمت أنّهم لا يزكو لهم غيرها أضعفت عليهم الثّمن، فأتوا موسى، فأخبروه أنّهم لم يجدوا هذا النّعت إلاّ عند فلانةٍ، وأنّها سألتهم أضعاف ثمنها، فقال لهم موسى: إنّ اللّه قد كان خفّف عليكم، فشدّدتم على أنفسكم، فأعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا واشتروها، فذبحوها. فأمرهم موسى أن يأخذوا عظمًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمّى لهم قاتله، ثمّ عاد ميّتًا كما كان. فأخذوا قاتله وهو الّذي كان أتى موسى فشكى إليه، فقتله اللّه على أسوأ عمله».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} قال: «كان رجلٌ من بني إسرائيل مكثرًا من المال، وكانت له ابنةٌ وكان له ابن أخٍ محتاجٌ. فخطب إليه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوّجه إيّاها، فغضب الفتى وقال: واللّه لأقتلنّ عمّي ولآخذنّ ماله ولأنكحنّ ابنته ولآكلنّ ديته.
فأتاه الفتى وقد قدم تجّارٌ في بعض أسباط بني إسرائيل، فقال: يا عمّ انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلّي أصيب فيها، فإنّهم إذا رأوك معي أعطوني. فخرج العمّ مع الفتى ليلاً، فلمّا بلغ الشّيخ ذلك السّبط قتله الفتى ثمّ رجع إلى أهله. فلمّا أصبح جاء كأنّه يطلب عمّه، كأنّه لا يدري أين هو فلم يجده، فانطلق نحوه فإذا هو بذلك السّبط مجتمعين عليه، فأخذهم وقال: قتلتم عمّي فأدّوا إليّ ديته. وجعل يبكي ويحثو التّراب على رأسه وينادي واعمّاه. فرفعهم إلى موسى، فقضى عليهم بالدّية، فقالوا له: يا رسول اللّه، ادع لنا حتّى يتبيّن له من صاحبه فيؤخذ صاحب الجريمة، فواللّه إنّ ديته علينا لهيّنةٌ، ولكنّا نستحي أن نعيّر به. فذلك حين يقول اللّه جلّ ثناؤه: {وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون} فقال لهم موسى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} قالوا: نسألك عن القتيل وعمّن قتله وتقول اذبحوا بقرةً، أتهزأ بنا؟ قال موسى: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين}. قال: قال ابن عبّاسٍ: فلو اعترضوا بقرةً فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنّهم شدّدوا وتعنّتوا موسى، فشدّد اللّه عليهم؛ فقالوا: {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك} والفارض: الهرمة الّتي لا تلد، والبكر: الّتي لم تلد إلاّ ولدًا واحدًا، والعوان: النّصف الّتي بين ذلك الّتي قد ولدت وولد ولدها، فافعلوا ما تؤمرون {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين} قال: تعجب النّاظرين: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لا شية فيها} من بياضٍ ولا سوادٍ ولا حمرةٍ {قالوا الآن جئت بالحقّ} فطلبوها فلم يقدروا عليها.
وكان رجلٌ من بني إسرائيل من أبرّ النّاس بأبيه وإنّ رجلاً مرّ به معه لؤلؤٌ يبيعه، فكان أبوه نائمًا تحت رأسه المفتاح، فقال له الرّجل: تشتري منّي هذا اللّؤلؤ بسبعين ألفًا؟ فقال له الفتى: كما أنت حتّى يستيقظ أبي فآخذه بثمانين ألفًا. فقال له الآخر: أيقظ أباك وهو لك بستّين ألفًا. فجعل التّاجر يحطّ له حتّى بلغ ثلاثين ألفًا، وزاد الآخر على أن ينتظر حتّى يستيقظ أبوه حتّى بلغ مائة ألفٍ. فلمّا أكثر عليه قال: لا واللّه لا أشتريه منك بشيءٍ أبدًا، وأبى أن يوقظ أباه. فعوّضه اللّه من ذلك اللّؤلؤ أن جعل له تلك البقرة، فمرّت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة، فأبصروا البقرة عنده، فسألوه أن يبيعهم إيّاها بقرةً ببقرةٍ فأبى، فأعطوه ثنتين فأبى، فزادوه حتّى بلغوا عشرًا فأبى، فقالوا: واللّه لا نتركك حتّى نأخذها منك. فانطلقوا به إلى موسى، فقالوا: يا نبيّ اللّه إنّا وجدنا البقرة عند هذا فأبى أن يعطيناها، وقد أعطيناه ثمنًا. فقال له موسى: أعطهم بقرتك. فقال: يا رسول اللّه أنا أحقّ بمالي. فقال: صدقت، وقال للقوم: أرضوا صاحبكم. فأعطوه وزنها ذهبًا فأبى، فأضعفوا له مثل ما أعطوه وزنها حتّى أعطوه وزنها عشر مرّاتٍ، فباعهم إيّاها وأخذ ثمنها. فقال: اذبحوها. فذبحوها، فقال: اضربوه ببعضها. فضربوه بالبضعة الّتي بين الكتفين فعاش، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي قال: أقتله وآخذ ماله وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، وحدّثني عن مجاهدٍ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، قال: حدّثني خالد بن يزيد، عن مجاهدٍ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل، بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهبًا، يذكر. وحدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وحجّاجٍ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، ومحمّد بن قيسٍ، وحدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ. فذكر جميعهم: أنّ السّبب الّذي من أجله قال لهم موسى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} نحو السّبب الّذي ذكره عبيدة وأبو العالية والسّدّيّ غير أنّ بعضهم ذكر أنّ الّذي قتل القتيل الّذي اختصم في أمره إلى موسى كان أخا المقتول. وذكر بعضهم أنّه كان ابن أخيه. وقال بعضهم: بل كانوا جماعةً ورثةً استبطئوا حياته. إلاّ أنّهم جميعًا مجمعون على أنّ موسى إنّما أمرهم بذبح البقرة من أجل القتيل إذ احتكموا إليه. عن أمر اللّه إيّاهم بذلك، فقالوا له: وما ذبح البقرة يبيّن لنا خصومتنا الّتي اختصمنا فيها إليك في قتل من قتل فادّعى على بعضنا أنّه القاتل أتهزأ بنا؟.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «قتل قتيلٌ من بني إسرائيل، فطرح في سبطٍ من الأسباط. فأتى أهل ذلك القتيل إلى ذلك السّبط، فقالوا: أنتم واللّه قتلتم صاحبنا. قالوا: لا واللّه. فأتوا موسى، فقالوا: هذا قتيلنا بين أظهرهم وهم واللّه قتلوه. فقالوا: لا واللّه يا نبيّ اللّه طرح علينا.
فقال لهم موسى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} فقالوا: أتستهزئ بنا؟ وقرأ قول اللّه جلّ ثناؤه: {أتتّخذنا هزوًا} قالوا: نأتيك فنذكر قتيلنا والّذي نحن فيه فتستهزئ بنا؟ فقال موسى: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وحجّاجٍ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، ومحمّد بن قيسٍ: «لمّا أتى أولياء القتيل والّذين ادّعوا عليهم قتل صاحبهم موسى وقصّوا قصّتهم عليه، أوحى اللّه إليه أن يذبحوا بقرةً، فقال لهم موسى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} قالوا: وما البقرة والقتيل؟ قال: أقول لكم إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً، وتقولون: أتتّخذنا هزوًا».
قال أبو جعفرٍ: فقال الّذين قيل لهم: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} بعد أن علموا واستقرّ عندهم أنّ الّذي أمرهم به موسى عليه السّلام من ذلك عن أمر اللّه من ذبح بقرةٍ جدٌّ وحقٌّ: {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي} فسألوا موسى أن يسأل ربّه لهم ما كان اللّه قد كفاهم بقوله لهم: اذبحوا بقرةً؛ لأنّه جلّ ثناؤه إنّما أمرهم بذبح بقرةٍ من البقر أيّ بقرةٍ شاءوا ذبحها من غير أن يحصر لهم ذلك على نوعٍ منها دون نوعٍ أو صنفٍ دون صنفٍ، فقالوا بجفاء أخلاقهم وغلظ طبائعهم وسوء أفهامهم، وتكلّف ما قد وضع اللّه عنهم مؤنته، تعنّتًا منهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم.
- كما حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا قال لهم موسى: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} قالوا له يتعنّتونه: {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي}».
فلمّا تكلّفوا جهلاً منهم ما تكلّفوا من البحث عمّا كانوا قد كفوه من صفة البقرة الّتي أمروا بذبحها تعنّتًا منهم بنبيّهم موسى صلوات اللّه عليه بعد الّذي كانوا أظهروا له من سوء الظّنّ به فيما أخبرهم عن اللّه جلّ ثناؤه بقولهم: {أتتّخذنا هزوًا} عاقبهم عزّ وجلّ بأن خصّ بذبح ما كان أمرهم بذبحه من البقر على نوعٍ منها دون نوعٍ، فقال لهم جلّ ثناؤه إذ سألوه فقالوا: ما هي صفتها وما حليتها؟ حلّها لنا لنعرفها قال: {إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {لا فارضٌ} لا مسنّةٌ هرمةٌ، يقال منه: فرضت البقرة تفرض فروضًا، وفرضت، يعني بذلك أسنّت، ومن ذلك قول الشّاعر:

يا ربّ ذي ضغنٍ عليّ فارض.......له قروءٌ كقروء الحائض

يعني بقوله فارضٌ: قديمٌ يصف ضغنًا قديمًا. ومنه قول الآخر:

لها زجاجٌ ولهاةٌ فارض.......حدلاء كالوطب نحاه الماخض

وبمثل الّذي قلنا في تأويل فارضٍ قال المتأوّلون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {لا فارضٌ} قال: «لا كبيرةٌ».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أو عن عكرمة، شكّ شريكٌ: {لا فارضٌ} قال: «الكبيرة».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: أخبرني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: «{لا فارضٌ} الفارض: الهرمة».
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{لا فارضٌ} يقول: ليست بكبيرةٍ هرمةٍ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: «{لا فارضٌ} الهرمة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «الفارض: الكبيرة».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {لا فارضٌ} قال: «الكبيرة».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{لا فارضٌ} يعني لا هرمةٌ».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «الفارض: الهرمة».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ، قال قتادة: «الفارض: الهرمة؛ يقول: ليست بالهرمة ولا البكر عوانٌ بين ذلك».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «الفارض: الهرمة الّتي لا تلد».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «الفارض: الكبيرة».). [جامع البيان: 2 / 75 - 86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا بكرٌ}
والبكر من إناث البهائم وبني آدم ما لم يفتحله الفحل، وهي مكسورة الباء لم يسمع منه فعل ولا يفعل. وأمّا البكر بفتح الباء فهو الفتى من الإبل.
وإنّما عنى جلّ ثناؤه بقوله {ولا بكرٌ} ولا صغيرةٌ لم تلد.
- كما حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: «{ولا بكرٌ} صغيرةٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «البكر: الصّغيرة».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الحسن بن عطيّة، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ أو عكرمة شكّ: {ولا بكرٌ} قال: «الصّغيرة».
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: «{ولا بكرٌ} الصّغيرة».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: «{ولا بكرٌ} ولا صغيرةٌ».
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{ولا بكرٌ} ولا صغيرةٌ ضعيفةٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع: عن أبي العالية: «{ولا بكرٌ} يعني ولا صغيرةٌ».
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «في البكر لم تلد إلاّ ولدًا واحدًا».). [جامع البيان: 2 / 86 - 87]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {عوانٌ}.
قال أبو جعفرٍ: العوان: النّصف الّتي قد ولدت بطنًا بعد بطنٍ، وليست بنعتٍ للبكر، يقال منه: قد عوّنت إذا صارت كذلك.
وإنّما معنى الكلام أنّه يقول: إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك. ولا يجوز أن يكون عوانٌ إلاّ مبتدأً، لأنّ قوله: {بين ذلك} كنايةٌ عن الفارض والبكر، فلا يجوز أن يكون متقدّمًا عليهما. ومنه قول الأخطل:

وما بمكّة من شمطٍ محفّلةٍ ....... وما بيثرب من عونٍ وأبكار

وجمعها عونٌ يقال: امرأةٌ عوانٌ من نسوةٍ عونٍ. ومنه قول تميم بن مقبلٍ:

ومأتمٌ كالدّمى حورٍ مدامعها ....... لم تيأس العيش أبكارًا ولا عونا

وبقرةٌ عوانٌ وبقرٌ عونٌ. قال: وربّما قالت العرب: بقرٌ عونٌ، مثل رسلٍ يطلبون بذلك الفرق بين جمع عوانٍ من البقر، وجمع عانةٍ من الحمر. ويقال: هذه حربٌ عوانٌ: إذا كانت حربًا قد قوتل فيها مرّةً بعد مرّةٍ، يمثّل ذلك بالمرأة الّتي ولدت بطنًا بعد بطنٍ. وكذلك يقال: حاجةٌ عوانٌ إذا كانت قد قضيت مرّةً بعد مرّةٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، أنّ ابن زيدٍ، أنشده:

قعودٌ لدى الأبواب طلاّب حاجةٍ ....... عوانٌ من الحاجات أو حاجةً بكرا

قال أبو جعفرٍ: والبيت للفرزدق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك تأوّله أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن سعدٍ الكنديّ، حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: «{عوانٌ بين ذلك} وسطٌ قد ولدن بطنًا أو بطنين».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {عوانٌ} قال: «العوان: العانس النّصف».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «العوان: النّصف».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أو عكرمة، شكّ شريكٌ: {عوانٌ} قال: «بين ذلك».
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {عوانٌ} قال:«بين الصّغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر والدّوابّ وأحسن ما يكون».
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {عوانٌ} قال: «النّصف».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{عوانٌ} نصفٌ».
- وحدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «العوان: نصفٌ بين ذلك».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: «{عوانٌ} الّتي تنتج شيئًا بشرطٍ أن تكون الّتي قد نتجت بكرةً أو بكرتين».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «العوان: النّصف الّتي بين ذلك، الّتي قد ولدت وولد ولدها».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «العوان: بين ذلك ليست ببكرٍ ولا كبيرٍ».). [جامع البيان: 2 / 87 - 90]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بين ذلك}
يعني بقوله: {بين ذلك} بين البكر والهرمة.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{بين ذلك} أي بين البكر والهرمة».
فإن قال قائلٌ: قد علمت أنّ بين لا تصلح إلاّ أن تكون مع شيئين فصاعدًا، فكيف قيل بين ذلك وذلك واحدٌ في اللّفظ؟
قيل: إنّما صلحت مع كونها واحدةً، لأنّ ذلك بمعنى اثنين، والعرب تجمع في ذلك وذاك شيئين ومعنيين من الأفعال، كما يقول القائل: أظنّ أخاك قائمًا، وكان عمرٌو أباك، ثمّ يقول: قد كان ذاك، وأظنّ ذلك. فيجمع بذلك وذاك الاسم والخبر الّذي كان لا بدّ ل أظنّ وكان منهما.
فمعنى الكلام: قال: إنّه يقول إنّما بقرةٌ لا مسنّةٌ هرمةٌ ولا صغيرةٌ لم تلد، ولكنّها بقرةٌ نصفٌ قد ولدت بطنًا بعد بطنٍ بين الهرم والشّباب. فجمع ذلك معنى الهرم والشّباب لما وصفنا، ولو كان مكان الفارض والبكر اسما شخصين لم يجمع مع بين ذلك، وذلك أنّ ذلك لا يؤدّي عن اسم شخصين، وغير جائزٍ لمن قال: كنت بين زيدٍ وعمرٍو، أن يقول: كنت بين ذلك، وإنّما يكون ذلك مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص). [جامع البيان: 2 / 90 - 91]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فافعلوا ما تؤمرون}
يقول اللّه لهم جلّ ثناؤه: افعلوا ما آمركم به تدركوا حاجاتكم وطلباتكم عندي، واذبحوا البقرة الّتي أمرتكم بذبحها، تصلوا بانتهائكم إلى طاعتي بذبحها إلى العلم بقاتل قتيلكم). [جامع البيان: 2 / 91]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين (67)}
قوله: {وإذ قال موسى لقومه}
- وبه عن السّدّيّ قال: «قالوا لموسى: يا رسول اللّه، ادع لنا حتّى يبيّن لنا من صاحبه فيؤخذ، فو الله إنّ ديته علينا لهيّنةٌ، فقال لهم موسى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 135]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا يزيد بن هارون، أنبأ هشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين عن عبيدة السّلمانيّ قال: «كان رجلٌ في بني إسرائيل عقيمٌ لا يولد له، وكان له مالٌ كثيرٌ، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثمّ احتمله ليلا فوضعه على باب رجلٍ منهم، ثمّ أصبح يدّعيه عليهم، حتّى تسلّحوا وركب بعضهم إلى بعضٍ، فقال ذوو الرّأي والنّهي: علام يقتل بعضكم بعضًا، وهذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال: إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة فـــ قالوا: أتتّخذنا هزواً؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: فلو لم يعترضوا البقرة، لأجزت عنهم أدنى بقرةٍ، ولكنّهم شدّدوا فشدّد عليهم حتّى انتهوا إلى البقرة الّتي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجلٍ ليس له بقرةٌ غيرها.
فقال: واللّه لا أنقصها من ملء جلدها ذهبًا. فأخذوها بملء جلدها ذهبًا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا. لابن أخيه، ثمّ مال ميّتًا، فلم يعط من ماله شيءٌ، ولم يورّث قاتلٌ بعد».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 136]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: «فقال لهم موسى: إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً قالوا: أتتّخذنا هزوًا نسألك عن القتيل ومن قتله، وتقول اذبحوا بقرةً، أتهزأ بنا؟ فقال موسى: أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 136]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين}
- به عن السّدّيّ: «قالوا: أتتّخذنا هزوًا فقال موسى: أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 136]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «لو أنهم إذ قال لهم موسى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ما كانت لأجزأت عنهم فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر
فادعوا دمه عندهم فضرب بفخذ البقرة فقام حيا وقال قتلني فلان ثم عاد في ميتته فقال الله: {والله مخرج ما كنتم تكتمون} يعني تغيبون».). [تفسير مجاهد:78 - 79]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}
- عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرةٍ لأجزأتهم. أو: لأجزأت عنهم» رواه البزّار، وفيه عبّاد بن منصورٍ، وهو ضعيفٌ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6 / 314]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا بشر بن آدم، ثنا أبو سعيدٍ الحدّاد أحمد بن داود، ثنا سرور بن المغيرة الواسطيّ أبو عامرٍ، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «إنّ بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرةٍ لأجزأتهم، أو لأجازت عنهم».
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3 / 40]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبجوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين}.
- أخرج ابن ابي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال: «كانت مدينتان في بني إسرائيل، وأحداها حصينة ولها أبواب والآخرى خربة، فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث فأصبحوا يوما فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا: قتلتم صاحبنا، وابن أخ له شاب يبكي عليه ويقول: قتلتم عمي، قالوا: والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها وما لدينا من دم صاحبكم هذا فأتوا موسى فأوحى الله إلى موسى {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون}، قال: وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له وكان له أب شيخ كبير فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بهاثمنا فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال: أيقظه، قال ابنه: إنه نائم وأنا أكره أن أروعه من نومته، فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى فذهب طالب السلعة، فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبت والله لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا فأعطى بها من الثمن كذا وكذا فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ فعوضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل فأتوه فقالوا له: بعناها فقال: لا، قالوا: إذن نأخذ منك، فأتوا موسى فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته، قالوا: حكمك قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان ذهبا صامتا في الكفة الآخرى فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ واجتمع أهل المدينتين فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أخذ مالي ومات».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن عبيدة السلماني قال: «كان رجل من بني اسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض فقال ذوو الرأي منهم: علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا: من قتلك فقال: هذا لإبن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعد».
- وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال: «أول ما قضي أنه لا يرث القاتل في صاحب بني إسرائيل».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: «أول ما منع القاتل الميراث لكان صاحب البقرة».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «إن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم وكان الشيخ لا ولد له وكان بنو أخيه ورثته فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله وأنه لما تطاول عليهم أن لا يموت أتاهم الشيطان فقال: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في أحداهما وكان القتيل إذ قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك عمدوا إليه فقتلوه ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم فوالله لتغرمن لنا ديته، قال: أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا فعمدوا إلى موسى فجاءه جبريل فقال: قل لهم {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فتضربوه ببعضها».
- وأخرج سفيان بن عينية عن عكرمة قال: «كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر فاختصم فيه أهل السبطين، فقال هؤلاء: أنتم قتلتم هذا وقال الآخرون: بل أنتم قتلتموه ثم جررتموه إلينا، فاختصموا إلى موسى فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} الآية، {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم فرجعوا إلى موسى فقالوا {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون} ولولا أنهم قالوا إن شاء الله ما وجدوها {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} ألا وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير ولو أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم، فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا: تبيعنا هذه البقرة قال: أبيعها، قالوا: بكم تبيعها قال: بمائة دينار، فقالوا: إنها بقرة بثلاثة دنانير فأبوا أن يأخذوها فرجعوا إلى موسى فقالوا: وجدناها عند رجل فقال لا أنقطكم من مائة دينار وإنها بقرة بثلاثة دنانير قال: هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن لم شاء لم يبع فرجعوا إلى الرجل فقالوا: قد أخذناها بمائة دينار، فقال: لا أنقصها عن مائتي دينار، فقالوا سبحان الله، قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها، قال: ليس أنقصها من مائتي دينار، فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له: قد أعطاناها بمائة دينار فلما رجعنا إليه قال: لا أنقصها من مائتي دينار، قال: هو أعلم إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها فعادوا إليه فقالوا: قد أخذناها بمائتي دينار، فقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار، قالوا: قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها فقال: ليس أنقصها من أربعمائة دينار فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا: قد أعطيناه مائتي دينار فأبى أن يأخذها وقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار، فقال: هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع فرجعوا إليه فقالوا: قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال: لا أنقصها من ثمانمائة دينار، فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه فكلما عادوا إليه أضعف عليه الثمن حتى قال: ليس أبيعها إلا بملء مسكها فأخذوها فذبحوها فقال: اضربوه ببعضها فضربوه بفخذها فعاش، فقال: قتلني فلان، فإذا هو رجل كان له عم وكان لعمه مال كثير وكان له ابنة فقال: أقتل عمي هذا وأرث ماله وأتزوج ابنته فقتل عمه فلم يرث شيئا ولم يورث قاتل منذ ذلك شيئا قال موسى: إن لهذه البقرة لشأنا ادعوا إلي صاحبها فدعوه فقال: أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها قال: نعم، كنت رجلا أبيع في السوق وأشتري فسامني رجل بضاعة عندي فبعته إياها وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير فذهبت لآتيه بما قد بعته فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي فكرهت أن أوقظها من نومها ورجعت إلى الرجل فقلت: ليس بيني وبينك بيع فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة فألقى الله عليها مني محبة فلم يكن عندي شيء أحب إلي منها فقيل له إنما أصبت هذا ببر والدتك».). [الدر المنثور: 1 / 402 - 409]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة: «الفارض الهرمة يقول ليست بالهرمة ولا بالبكر عوان بين ذلك».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 48] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قوله جلّ وعزّ: {لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك} «فارضٌ: مسنّةٌ، وبكرٌ: صغيرةٌ، وعوانٌ: الّتي قد ولدت بطنًا أو بطنين، قال: بين ذلك». ). [تفسير الثوري: 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68)}
قوله: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي}
- به عن السّدّيّ قال: قال لي ابن عبّاسٍ: «فلو اعترضوا بقرةً فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنّهم شدّدوا وتعنّتوا على موسى فشدّد اللّه عليهم فقالوا: ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 137]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارض ولا بكر}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: {لا فارضٌ}. قال: «الفارض الهرمة». قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي العالية والحسن وعطيّة وعكرمة وعطاءٍ الخراسانيّ وقتادة الربيع بن أنسٍ ووهب بن منبّهٍ والسّدّيّ والضّحّاك نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبد السّلام بن حرب ابن خصيفٌ عن مجاهدٍ في قوله: {لا فارضٌ} قال: «لا كبيرةٌ ولا صغيرةٌ، قد ولدت بطنًا أو بطنين». وروي عن عطيّة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 137]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا بكرٌ}
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ عن عطاء بن ابن عبّاسٍ: {ولا بكرٌ} قال: «البكر الصّغيرة».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا بكرٌ} قال: «يقول: ليست بصغيرةٍ ضعيفةٍ».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {ولا بكرٌ} قال: «البكر الّتي لم تلد إلا ولدًا واحدًا».
وروي عن أبي العالية وعطاءٍ الخراسانيّ وقتادة وعكرمة قالوا: «صغيرة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 137]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {عوانٌ بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ ثنا بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: «{عوانٌ} بين الصّغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون من الدّوابّ والبقر وأحسن ما يكون». قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبى العالية ومجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ وعطاءٍ الخراسانيّ وقتادة والضّحّاك وعكرمة نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: «العوان النّصف الّتي بين ذلك، الّتي ولدت وولد ولدها».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبد السّلام بن حربٍ، أنبأ خصيفٌ عن مجاهدٍ: قوله: {لا فارضٌ ولا بكرٌ} قال: «لا صغيرةٌ ولا كبيرةٌ، قد ولدت بطنًا أو بطنين».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: «عوانٌ بين ذلك، أي بين الهرمة والفتيّة، فافعلوا ما تؤمرون».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 138]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تأمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول أنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية قالوا ألن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
- أخرج البزار عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزاهم ذلك أو لأجزأت عنهم».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما أعطوا أبدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم».
- وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما وجدوها».
- وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد».
- وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: «لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: «الفارض الهرمة والبكر الصغيرة والعوان النصف».
- وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {لا فارض} قال: «الكبيرة الهرمة»، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: «نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:

لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا ....... تساق إليه ما تقوم على رجل»

قال: أخبرني عن قوله: {صفراء فاقع لونها}، «الفاقع الصافي اللون من الصفرة». قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: «نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
سدما قليلا عهده بأنيسه ....... من بين أصفر فاقع ودفان».

- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير، «أنه كان يستحب أن يسكت على بكر ثم يقول: عوان بين ذلك».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عوان بين ذلك} قال: «بين الصغيرة والكبيرة وهي أقوى ما يكون وأحسنه».). [الدر المنثور: 1 / 409 - 412]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة: «الفارض الهرمة يقول ليست بالهرمة ولا بالبكر عوان بين ذلك». {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها}
قال معمر قال قتادة: «هي الصافي لونها » {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشبه علينا} {قال إنه يقول أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها} «يقول لا عيب فيها وأما لا شية فيها فيقول لا بياض فيها» {فذبحوها وما كادوا يفعلون}). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 48 - 49]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قوله: {بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها} « ناصع: المبالغ في الصفرة». ). [تفسير الثوري: 46]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين} ]
- حدّثنا نوح بن قيسٍ، عن محمّد بن سيفٍ، عن الحسن في قوله عزّ وجلّ: {صفراء فاقعٌ لونها}، قال: «هي السّوداء شديدة السّواد».). [سنن سعيد بن منصور: 2 / 564]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {فاقعٌ لونها} قال: «شديد الصّفرة».). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين}
ومعنى ذلك قال قوم موسى لموسى: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها} أي لون البقرة الّتي أمرتنا بذبحها.
وهذا أيضًا تعنّتٌ آخر منهم بعد الأوّل، وتكلّف طلب ما قد كانوا كفوه في المرّة الثّانية والمسألة الآخرة؛ وذلك أنّهم لم يكونوا حصروا في المرّة الثّانية، إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة الّتي كانوا أمروا بذبحها فأبوا إلاّ تكلّف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها فحصروا على نوعٍ دون سائر الأنواع عقوبةً من اللّه لهم على مسألتهم الّتي سألوها نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم تعنّتًا منهم له، ثمّ لم يحصرهم على لونٍ منها دون لونٍ، فأبوا إلاّ تكلّف ما كانوا عن تكلّفه أغنياء، فقالوا تعنّتًا منهم لنبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم كما ذكر ابن عبّاسٍ: {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها} فقل لهم عقوبةً لهم: {إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين} فحصروا على لونٍ منها دون لونٍ، ومعنى ذلك أنّ البقرة الّتي أمرتكم بذبحها صفراء فاقعٌ لونها.
قال: ومعنى قوله: {يبيّن لنا ما لونها} أيّ شيءٍ لونها، فلذلك كان اللّون مرفوعًا، لأنّه مرفوع ما وإنّما لم ينصب ما بقوله يبيّن لنا، لأنّ أصل أيّ وما جمع متفرّق الاستفهام. يقول القائل: بيّن لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء؟ فلمّا لم يكن لقوله بيّن لنا ارتفع على الاستفهام متفرقا لم يكن له أن يقع على أيّ لأنّه جمع ذلك المتفرّق، وكذلك كلّ ما كان من نظائره، فالعمل فيه واحدٌ في ما وأي.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {صفراء} فقال بعضهم: معنى ذلك سوداء شديدة السّواد.
ذكر من قال ذلك منهم:
- حدّثني أبو مسعودٍ إسماعيل بن مسعودٍ الجحدريّ، قال: حدّثنا نوح بن قيسٍ، عن محمّد بن سيفٍ، عن الحسن: {صفراء فاقعٌ لونها} قال: «سوداء شديدةٌ السّواد».
- حدّثني أبو زائدة زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، والمثنّى بن إبراهيم قالا: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال، حدّثنا نوح بن قيسٍ، عن محمّد بن سيفٍ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: صفراء القرن والظّلف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني هشام بن يونس النّهشليّ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن أشعث، عن الحسن: في قوله: {صفراء فاقعٌ لونها} قال: «صفراء القرن والظّلف».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثني هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن كثير بن زيادٍ، عن الحسن: في قوله: {صفراء فاقعٌ لونها} قال: «كانت وحشيّةً».
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن إبراهيم، عن أبي حفصٍ، عن مغراء أو عن رجلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها} قال: «صفراء القرن والظّلف».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «هي صفراء».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا الضّحّاك بن مخلدٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها} قال: «لو أخذوا بقرةً صفراء لأجزأت عنهم».
قال أبوجعفرٍ: وأحسب أنّ الّذي قال في قوله: {صفراء} يعني به سوداء، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السّرد: هذه إبلٌ صفرٌ، وهذه ناقةٌ صفراء؛ يعني بها سوداء. وإنّما قيل ذلك في الإبل لأنّ سوادها يضرب إلى الصّفرة، ومنه قول الشّاعر:

تلك خيلي منه وتلك ركابي ....... هنّ صفرٌ أولادها كالزّبيب

يعني بقوله: هنّ صفرٌ: هنّ سودٌ، وذلك إن وصفت الإبل به فليس ممّا توصف به البقر، مع أنّ العرب لا تصف السّواد بالفقوع، وإنّما تصف السّواد إذا وصفته بالشّدّة بالحلوكة ونحوها، فتقول: هو أسود حالكٌ وحانكٌ وحلكوكٌ، وأسود غربيبٌ ودجوجيٌّ،
ولا تقول: هو أسود فاقعٌ، وإنّما تقول هو أصفر فاقعٌ. فوصفه إيّاه بالفقوع من الدّليل البيّن على خلاف التّأويل الّذي تأوّله قوله: {إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ} المتأوّل بأنّ معناه سوداء شديدة السّواد). [جامع البيان: 2 / 91 - 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاقعٌ لونها}.
يعني خالصٌ لونها، والفقوع في الصّفر نظير النّصوع في البياض، وهو شدّته وصفاؤه.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال قتادة: «{فاقعٌ لونها} هي الصّافي لونها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{فاقعٌ لونها} أي صافٍ لونها».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاقعٌ} قال: «نقيٌّ لونها».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{فاقعٌ لونها} شديدة الصّفرة تكاد من صفرتها تبيضّ». قال أبو جعفرٍ: أراه أبيض.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {فاقعٌ لونها} قال: «شديدةٌ صفرتها».
يقال منه: فقع لونه يفقع ويفقع فقعًا وفقوعًا فهو فاقعٌ، كما قال الشّاعر:

حملت عليه الورد حتّى تركته ....... ذليلاً يسفّ التّرب واللّون فاقع

). [جامع البيان: 2 / 95 - 96]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تسرّ النّاظرين}
يعني بقوله: {تسرّ النّاظرين} تعجبً هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها النّاظر إليها.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{تسرّ النّاظرين} أي تعجب النّاظرين».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهبًا: «{تسرّ النّاظرين} إذا نظرت إليها يخيّل إليك أنّ شعاع الشّمس يخرج من جلدها».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {تسرّ النّاظرين} قال: «تعجب النّاظرين».). [جامع البيان: 2 / 96]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين (69)}
قوله: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها}
- ذكر لي عن عليّ بن محمّد بن يزيد الواسطيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك: {ادع لنا ربّك} قال: «سل لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 138]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ}
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ ثنا هشيمٌ عن جويبرٍ عن كثير بن زيادٍ عن الحسن، في البقرة قال: «كانت بقرةً وحشيّةً».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 138]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {صفراء}
فمن فسّره على أنّها صفراء اللّون:
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان بن العذراء عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور مادام لابسها، وذلك قول اللّه: {صفراء فاقعٌ لونها تسر الناظرين}».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: «إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فلو أخذوا بقرةً صفراء من هذا الوصف لأجزت عنهم». وكذا روي عن وهب بن منبّهٍ.
ومن فسّره أنّها صفراء القرن والظّلف:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ ثنا عليّ بن حكيمٍ ثنا شريكٌ عن الأعمش عن مغراء عن ابن عمر في قوله: {صفراء} قال: «صفراء الظّلف».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفص بن غياثٍ عن ليثٍ عن مغراء عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {صفراء} قال: «صفراء القرن والظلف».
ومن فسّره أنّها سوداء:
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ، أنبأ نوح بن قيسٍ، أنبأ أبو رجاءٍ عن الحسن في قوله: {بقرةٌ صفراء} قال: «سوداء شديدة السّواد».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 138 - 139]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فاقعٌ لونها}
فمن فسّره على شدّة الصّفرة:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو شيبة- شعيب بن زريقٍ- عن عطاءٍ الخراسانيّ: «فاقعٌ لونها شديد الصّفرة».
ومن فسّره على صفاء اللّون:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفص بن غياثٍ عن ليثٍ عن مغراء عن سعيد ابن جبير: {فاقعٌ لونها} قال: «صافية اللّون». وروي عن الحسن وأبي العالية والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ ثنا عليّ بن حكيمٍ ثنا شريكٌ عن الأعمش عن مغراء عن ابن عمر في قوله: {فاقعٌ} قال: «صافٍ».
ومن فسّره على تكاد تسودّ من صفرتها:
- حدّثنا أبي ثنا ابن نميرٍ ثنا ابن إدريس عن أبيه عن عطيّة العوفيّ: «فاقعٌ لونها تكاد تسود من صفرتها».
من فسّره على تكاد تبيضّ من صفرتها:
- أخبرنا محمّد بن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قال: «والفاقع لونها شديدة الصّفرة تكاد من صفرتها تبيضّ».
ومن فسّره على شدّة السّواد:
- حدّثنا أبي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا نوح بن قيسٍ ثنا أبو رجاءٍ محمّد بن سيفٍ الحدّانيّ عن الحسن في قوله: {صفراء فاقعٌ لونها} قال: «الفاقع سوداء شديدة السّواد».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 139 - 140]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تسرّ النّاظرين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ: {تسرّ النّاظرين} قال: «تعجب النّاظرين». وروي عن أبي العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ عن عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهبًا يقول: «تسرّ النّاظرين إذا نظرت إلى جلدها يخيّل إليك أنّ شعاع الشّمس يخرج من جلدها».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 140]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {صفراء فاقع لونها} قال: «شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض».
- وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن عمر في قوله: {صفراء} قال: «صفراء الظلف»، {فاقع لونها} قال: «صافي».
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فاقع لونها} قال: «صاف لونها»، {تسر الناظرين} قال: «تعجب الناظرين».
- وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال: «من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها وذلك قوله: {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}».
- وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله: {صفراء فاقع لونها} قال: «سوداء شديدة السواد».). [الدر المنثور: 1 / 412]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: «لو أخذ بنو إسرائيل أدنى بقرة لأجزأت عنهم ولولا أنهم قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما وجدوها».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 50] (م)
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون} ]
- حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنّ بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرةٍ فذبحوها أجزأت عنهم، ولكنّهم شدّدوا، ولولا أنّهم قالوا: {إن شاء الله لمهتدون} ما وجدوها». ). [سنن سعيد بن منصور: 2 / 565]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون}
قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله: {قالوا} قال قوم موسى الّذين أمروا بذبح البقرة لموسى. فترك ذكر موسى وذكر عائد ذكره اكتفاءً بما دلّ عليه ظاهر الكلام. وذلك أنّ معنى الكلام: قالوا له: ادع ربّك، فلم يذكر له لما وصفنا.
وقوله: {يبيّن لنا ما هي} خيرٌ من اللّه عن القوم بجهلةٍ منهم ثالثةٍ، وذلك أنّهم لو كانوا إذ أمروا بذبح البقرة ذبحوا أيّتها تيسّرت ممّا يقع عليه اسم بقرةٍ كانت عنهم مجزئةً، ولم يكن عليهم غيرها، لأنّهم لم يكونوا كلّفوها بصفةٍ دون صفةٍ، فلمّا سألوا بيانها بأيّ صفةٍ هي، فبيّن لهم أنّها بسنٍّ من الأسنان دون سنّ سائر الأسنان، فقيل لهم: هي عوانٌ بين الفارض والبكر الضّرع. فكانوا إذا بيّنت لهم سنّها لو ذبحوا أدنى بقرةٍ بالسّنّ الّتي بيّنت لهم كانت عنهم مجزئةً، لأنّهم لم يكونوا كلّفوها بغير السّنّ الّتي حدّت لهم، ولا كانوا حصروا على لونٍ منها دون لونٍ. فلمّا أبوا إلاّ أن تكون معرفةً لهم بنعوتها مبيّنةً بحدودها الّتي تفرّق بينها وبين سائر بهائم الأرض فشدّدوا على أنفسهم شدّد اللّه عليهم بكثرة سؤالهم نبيّهم واختلافهم عليه.
ولذلك قال نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم لأمّته: «ذروني ما تركتكم فإنّما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فانتهوا عنه ما استطعتم».
قال أبو جعفرٍ: ولكنّ القوم لمّا زادوا نبيّهم موسى صلّى اللّه عليه وسلّم أذًى وتعنّتًا، زادهم اللّه عقوبةً وتشديدًا.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لو أخذوا أدنى بقرةٍ اكتفوا بها لكنّهم شدّدوا فشدّد اللّه عليهم».
- حدّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت أيّوب، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: «لو أنّهم أخذوا أدنى بقرةٍ لأجزأت عنهم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن هشام بن حسّان، جميعًا، عن ابن سيرين، عن عبيدة السّلمانيّ، قال: «سألوا وشدّدوا فشدّد اللّه عليهم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: «لو أخذ بنو إسرائيل بقرةً لأجزأت عنهم، ولولا قولهم: {وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون} لما وجدوها».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} «لو أخذوا بقرةً ما كانت لأجزأت عنهم».
{قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ} قال: «لو أخذوا بقرةً من هذا الوصف لأجزأت عنهم».
{قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين} قال:«لو أخذوا بقرةً صفراء لأجزأت عنهم {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي} {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث} الآية».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، وزاد فيه: «ولكنّهم شدّدوا فشدّد عليهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: «لو أخذوا بقرةً ما كانت أجزأت عنهم».
- قال ابن جريجٍ: قال لي عطاءٌ: «لو أخذوا أدنى بقرةٍ كفتهم».
- قال ابن جريجٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّما أمروا بأدنى بقرةٍ ولكنّهم لمّا شدّدوا على أنفسهم شدّد اللّه عليهم وايم اللّه لو أنّهم لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «لو أنّ القوم، حين أمروا أن يذبحوا بقرةً استعرضوا بقرةً من البقر فذبحوها لكانت إيّاها، ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم، ولولا أنّ القوم استثنوا فقالوا: {وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون} لما هدوا إليها أبدًا».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «إنّما أمر القوم بأدنى بقرةٍ ولكنّهم لمّا شدّدوا على أنفسهم شدّد عليهم، والّذي نفس محمّدٍ بيده لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لو اعرضوا بقرةً فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنّهم شدّدوا وتعنّتوا موسى فشدّد اللّه عليهم».
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: قال أبو بكر بن عيّاشٍ، قال ابن عبّاسٍ: «لو أنّ القوم نظروا أدنى بقرةٍ، يعني بني إسرائيل لأجزأت عنهم، ولكن شدّدوا فشدّد عليهم، فاشتروها بملء جلدها دنانير».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «لو أخذوا بقرةً كما أمرهم اللّه كفاهم ذلك، ولكنّ البلاء في هذه المسائل، فــــــ {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي} فشدّد عليهم، فقال: {إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك}، {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لونها تسرّ النّاظرين}». قال: «وشدّد عليهم أشدّ من الأوّل». فقرأ حتّى بلغ: «{مسلّمةٌ لا شية فيها} فأبوا أيضًا {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون} فشدّد عليهم فـــ {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لا شية فيها}». قال: «فاضطرّوا إلى بقرةٍ لا يعلم على صفتها غيرها، وهي صفراء، ليس فيها سوادٌ ولا بياضٌ.».
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوال الّتي ذكرناها عمّن ذكرناها عنه من الصّحابة والتّابعين والخالفين بعدهم من قولهم: إنّ بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرةٍ فذبحوها أجزأت عنهم ولكنّهم شدّدوا فشدّد اللّه عليهم، من أوضح الدّلالة على أنّ القوم كانوا يرون أنّ حكم اللّه فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم على العموم الظّاهر دون الخصوص الباطن، إلاّ أن يخصّ بعض ما عمّه ظاهر التّنزيل كتابٌ من اللّه أو رسول اللّه، وأنّ التّنزيل أو الرّسول إن خصّ بعض ما عمّه ظاهر التّنزيل بحكمٍ خلاف ما دلّ عليه الظّاهر، فالمخصوص من ذلك خارجٌ من حكم الآية الّتي عمّت ذلك الجنس خاصّةً، وسائر حكم الآية على العموم، على نحو ما قد بيّنّاه في كتابنا: كتاب الرّسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام، في قولنا في العموم والخصوص، وموافقة قولهم في ذلك قولنا، ومذهبهم مذهبنا، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام، وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم ما لم يختصّ منها بعض ما عمّته الآية، فإن خصّ منها بعضٌ، فحكم الآية حينئذٍ على الخصوص فيما خصّ منها، وسائر ذلك على العموم.
وذلك أنّ جميع من ذكرنا قوله آنفًا ممّن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم عن صفة البقرة الّتي أمروا بذبحها وسنّها وحليتها، رأوا أنّهم كانوا في مسألتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم موسى ذلك مخطئين، وأنّهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرةٍ من البقر إذ أمروا بذبحها بقوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} فذبحوها كانوا للواجب عليهم من أمر اللّه في ذلك مؤدّين وللحقّ مطيعين، إذ لم يكن القوم حصروا على نوعٍ من البقر دون نوعٍ، وسنٍّ دون سنٍّ.
ورأوا مع ذلك أنّهم إذا سألوا موسى عن سنّها، فأخبرهم عنها وحصرهم منها على سنٍّ دون سنٍّ، ونوعٍ دون نوعٍ، وخصّ من جميع أنواع البقر نوعًا منها، كانوا في مسألتهم إيّاه في المسألة الثّانية بعد الّذي خصّ لهم من أنواع البقر من الخطأ على مثل الّذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إيّاه المسألة الأولى.
وكذلك رأوا أنّهم في المسألة الثّالثة على مثل الّذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثّانية، وأنّ اللاّزم كان لهم في الحالة الأولى استعمال ظاهر الأمر وذبح أيّ بهيمةٍ شاءوا ممّا وقع عليها اسم بقرةٍ.
وكذلك رأوا أنّ اللاّزم كان لهم في الحال الثّانية استعمال ظاهر الأمر، وذبح أيّ بهيمةٍ شاءوا ممّا وقع عليها اسم بقرةٍ عوانٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ. ولم يروا أنّ حكمهم إذ خصّ لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثّانية انتقل عن اللاّزم الّذي كان لهم في الحالة الأولى من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص.
ففي إجماع جميعهم على ما روّينا عنهم من ذلك مع الرّواية الّتي روّيناها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالموافقة لقولهم دليلٌ واضحٌ على صحّة قولنا في العموم والخصوص، وأنّ أحكام اللّه جلّ ثناؤه في أيّ كتابه فيما أمر ونهى على العموم ما لم يخصّ ذلك ما يجب التّسليم له، وأنّه إذا خصّ منه شيءٌ فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامّة الظّاهر، وسائر حكم الآية على ظاهرها العامّ، ويؤيّد حقيقة ما قلنا في ذلك، وشاهد عدلٍ على فساد قول من خالف قولنا فيه.
وقد زعم بعض من عظمت جهالته واشتدّت حيرته، أنّ القوم إنّما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر اللّه إيّاهم بذبح بقرةٍ من البقر؛ لأنّهم ظنّوا أنّهم أمروا بذبح بقرةٍ بعينها خصّت بذلك، كما خصّت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يحلّيها لهم ليعرفوها.
ولو كان الجاهل تدبّر قوله هذا، لسهل عليه ما استصعب من القول؛ وذلك أنّه استعظم من القوم مسألتهم نبيّهم ما سألوه تشدّدًا منهم في دينهم، ثمّ أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم ممّا استنكره أن يكون كان منهم، فزعم أنّهم كانوا يرون أنّه جائزٌ أن يفرض اللّه عليهم فرضًا ويتعبّدهم بعبادةٍ، ثمّ لا يبيّن لهم ما يفرض عليهم ويتعبّدهم به حتّى يسألوا بيان ذلك لهم. فأضاف إلى اللّه تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه، فزعم أنّهم كانوا يسألون ربّهم أن يفرض عليهم الفرائض. فنعوذ باللّه من الحيرة، ونسأله التّوفيق والهداية.
وأمّا قوله: {إنّ البقر تشابه علينا} فإنّ البقر جماع بقرةٍ.
وقد قرأ بعضهم: إنّ الباقر وذلك وإن كان في الكلام جائزًا لمجيئه في كلام العرب وأشعارها، كما قال ميمون بن قيسٍ:

وما ذنبه إن عافت الماء باقرٌ ....... وما إن تعاف الماء إلاّ ليضربا

وكما قال أميّة:

ويسوقون باقر السهل للطو ....... د مهازيل خشيةً أن تبورا

فغير جائزةٍ القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجّة بنقل من لا يجوز عليه فما نقلوه مجمعين عليه الخطأ والسّهو والكذب.
وأمّا تأويل: {تشابه علينا} فإنّه يعني به: التبس علينا.
والقرّاء مختلفةٌ في تلاوته، فبعضهم كانوا يتلونه: تشابه علينا، بتخفيف الشّيء ونصب الهاء على مثال تفاعل، ويذكّر الفعل وإن كان البقر جماعًا، لأنّ من شأن العرب تذكير كلّ فعلٍ جمعٍ كانت وحدانه بالهاء وجمعه بطرح الهاء وتأنيثه كما قال اللّه تعالى في نظيره في التّذكير: {كأنّهم أعجاز نخلٍ منقعرٍ} فذكر المنقعر وهو من صفة النّخل لتذكير لفظ النّخل، وقال في موضعٍ آخر: {كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ} فأنّث الخاوية وهي من صفة النّخل بمعنى النّخل؛ لأنّها وإن كانت في لفظ الواحد المذكّر على ما وصفنا قبل فهي جماع نخلةٍ.
وكان بعضهم يتلوه: (إنّ البقر تشّابه علينا) بتشديد الشّين وضمّ الهاء، فيؤنّث الفعل بمعنى تأنيث البقر، كما قال: {أعجاز نخلٍ خاويةٍ} ويدخل في أوّل تشابه تاءٌ تدلّ على تأنيثها، ثمّ تدغم التّاء الثّانية في شين تشابه لتقارب مخرجها ومخرج الشّين فتصير شيئًا مشدّدةً وترفع الهاء بالاستقبال والسّلام من الجوازم والنّواصب.
وكان بعضهم يتلوه: إنّ البقر يشّابه علينا فيخرج يشابه مخرج الخبر عن الذّكر لما ذكرنا من العلّة في قراءة من قرأ ذلك: {تشابه} بالتّخفيف، ونصب الهاء، غير أنّه كان يرفعه بالياء الّتي يحدثها في أوّل تشابه الّتي تأتي بمعنى الاستقبال، وتدغم التّاء في الشّين كما فعله القارئ في تشّابه بالتّاء والتّشديد.
والصّواب في ذلك من القراءة عندنا: {إنّ البقر تشابه علينا} بتخفيف شين تشابه ونصب هائه، بمعنى تفاعل. لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويب ذلك ورفعهم ما سواه من القراءات، ولا يعترض على الحجّة بقول من يجوز عليه فيما نقل السّهو والغفلة والخطأ.
وأمّا قوله: {وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون} فإنّهم عنوا: وإنّا إن شاء اللّه لمبيّنٌ لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة الّتي أمرنا بذبحها. ومعنى اهتدائهم في هذا الموضع معنى تبيّنهم أيًّ ذلك الّذي لزمهم ذبحه ممّا سواه من أجناس البقر). [جامع البيان: 2 / 97 - 105]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون (70)}
قوله: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي}
- أخبرنا محمّد بن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ:«{قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي}... قالوا ادع لنا ربّك- يعني أهل المدينة- يبيّن لنا ما هي».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 140]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ البقر تشابه علينا}
- حدّثنا الفضل بن شاذان المقرئ ثنا محمّد بن عيسى- يعني أبا عبد اللّه الأصبهانيّ المقري- ثنا معلّى بن أسدٍ العمّيّ ثنا بكّار بن عبد اللّه ثنا عبد الرّحمن بن قيسٍ عن عكرمة أنّه سمعه يقرأ: {إنّ البقر تشابه علينا} قال عكرمة: «الباقر كثيرٌ».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ ثنا مسلم بن قتيبة ثنا عبد الرّحمن ابن قيسٍ مولى يزيد بن المهلّب قال: سمعت يحيى بن يعمر يقرأ: {إنّ البقر تشابه علينا} قال: «البقر أكثر من البقر».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 140 - 141]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تشابه علينا}
- قرئ على الفضل بن شاذان ثنا سهيل بن عبد اللّه ثنا قيس بن نصرٍ عن عيسى بن عمر عن طلحة بن مصرّفٍ قوله: {تشابه علينا} «ذابحوها».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 141]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون}
- حدّثنا أحمد بن يحيى الأوديّ الصّوفيّ ثنا أبو سعيدٍ أحمد بن داود الحدّاد، ثنا سرور بن المغيرة الواسطيّ ابن أخي منصور بن زاذان عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن عن أبي رافعٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لولا أنّ بني إسرائيل استثنوا فقالوا: وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون، ما أعطوا، ولكن استثنوا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، أنه قرأ (إن الباقر تشابه علينا).
- وأخرج عبد بن حميد عن يحيى عن يعمر، أنه قرأ (إن الباقر تشابه علينا)، وقال: «الباقر أكثر من البقر».
- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: «في قراءتنا {إن البقر تشابه علينا}».). [الدر المنثور: 1 / 413]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة: «الفارض الهرمة، يقول ليست بالهرمة ولا بالبكر عوان بين ذلك». {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها}
قال معمر: قال قتادة: «هي الصافي لونها». {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشبه علينا} {قال إنه يقول أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها} «يقول لا عيب فيها وأما لا شية فيها فيقول لا بياض فيها» {فذبحوها وما كادوا يفعلون}). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 48 - 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر: قال الزهري وقتادة: «فالبقرة إن شئت ذبحت وإن شئت نحرت».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر: قال أيوب في حديثه عن ابن سيرين عن عبيدة قال: «لم يجدوا هذه البقرة إلا عند رجل واحد فباعها بوزنها ذهبا أو بملء مسكها ذهبا»، قال: «فذبحوها ثم ضربوا المقتول ببعض لحمها».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر: قال قتادة: «ضربوه بلحم الفخذ فعاش وقال قتلني فلان». قال عبيدة: «فلم يرث ولم نعلم قاتلا ورث بعده».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر قال: «حدثت أن يهوديا كان يحدث ناسا من الأنصار في مجلس عظيم أن سيأتيهم نبي فلما جاءهم آمنوا به إلا ذلك اليهودي».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: «لغلاء ثمنها».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 49]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن عيينة: وأخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة قال: «ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 50]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قوله: {مسلّمةٌ لا شية فيها} قال: «ليس فيها لون ولا أثر». ). [تفسير الثوري: 46 - 47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
وتأويل ذلك، قال موسى: إنّ اللّه يقول. إنّ البقرة الّتي أمرتكم بذبحها بقرةٌ لا ذلولٌ.
ويعني بقوله: {لا ذلولٌ} أي لم يذلّلها العمل. فمعنى الآية: أنّها بقرةٌ لم تذلّلها إثارة الأرض بأظلافها، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزّرع، كما يقال للدّابّة الّتي قد ذلّلها الرّكوب أو العمل: دابّةٌ ذلولٌ بيّنة الذّلّ، بكسر الذّال، ويقال في مثله من بني آدم: رجلٌ ذليلٌ بين الذّلّ والذّلّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ} يقول: «صعبةٌ لم يذلّها عملٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض} يقول: «بقرةٌ ليست بذلولٍ يزرع عليها، وليست تسقي الحرث».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ} أي لم يذلّلها العمل {تثير الأرض} يعني ليست بذلولٍ فتثير الأرض». {ولا تسقي الحرث} يقول: «ولا تعمل في الحرث».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ} يقول: «لم يذلّها العمل». {تثير الأرض} يقول: «تبين الأرض بأظلافها ». {ولا تسقي الحرث} يقول:«ولا تعمل في الحرث».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال الأعرج: قال مجاهدٌ: قوله: {لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث} يقول: «ليست بذلولٍ فتفعل ذلك».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: «ليست بذلولٍ تثير الأرض ولا تسقي الحرث».
ويعني بقوله: {تثير الأرض} تقلّب الأرض للحرث، يقال منه: أثرت الأرض أثيرها إثارةً: إذا قلّبتها للزّرع.
وإنّما وصفها جلّ ثناؤه بهذه الصّفة لأنّها كانت فيما قيل وحشيّةً.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن كثير بن زيادٍ، عن الحسن، قال: «كانت وحشيّةً».). [جامع البيان: 2 / 105 - 107]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مسلّمةٌ}.
ومعنى {مسلّمةٌ}: مفعّلةٌ من السّلامة، يقال منه: سلمت تسلم فهي مسلّمةٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي سلمت منه، فوصفها اللّه بالسّلامة منه.
- فقال مجاهدٌ بما حدّثنا به، محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مسلّمةٌ} يقول: «مسلّمةٌ من الشّية و{لا شية فيها} لا بياض فيها ولا سواد».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {لا شية فيها} قال: «مسلّمةٌ من الشّية {لا شية فيها} لا بياض فيها ولا سواد».
وقال آخرون: مسلّمةٌ من العيوب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{مسلّمةٌ لا شية فيها} أي مسلّمةٌ من العيوب».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {مسلّمةٌ} يقول: «لا عيب فيها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{مسلّمةٌ} يعني مسلّمةٌ من العيوب».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بمثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ:«قوله: {مسلّمةٌ} لا عوار فيها».
والّذي قاله ابن عبّاسٍ وأبو العالية ومن قال بمثل قولهما في تأويل ذلك أولى بتأويل الآية ممّا قاله مجاهدٌ؛ لأنّ سلامتها لو كانت من سائر أنواع الألوان سوى لون جلدها، لكان في قوله: {مسلّمةٌ} مكتفًى عن قوله: {لا شية فيها}. وفي قوله: {لا شية فيها} ما يوضّح عن أنّ معنى قوله: {مسلّمةٌ} غير معنى قوله: {لا شية فيها}.
وإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام أنّه يقول: إنّها بقرةٌ لم تذلّلها إثارة الأرض وقلبها للحراثة ولا السّنوّ عليها للمزارع، وهي مع ذلك صحيحةٌ مسلّمةٌ من العيوب). [جامع البيان: 2 / 107 - 109]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا شية فيها}.
يعني بقوله: {لا شية فيها} لا لون فيها يخالف لون جلدها. وأصله من وشي الثّوب، وهو تحسين عيوبه الّتي تكون فيه بضروبٍ مختلفةٍ من ألوان سداه ولحمته، يقال منه: وشيت الثّوب فأنا أشيه شيةً ووشيًا. ومنه قيل للسّاعي بالرّجل إلى السّلطان أو غيره: واشٍ، لكذبةٍ عليه عنده وتحسينه كذبه بالأباطيل، يقال منه: وشيت به إلى السّلطان وشايةً. ومنه قول كعب بن زهيرٍ:

تسعى الوشاة بجنبيها وقولهم ....... إنّك يا ابن أبي سلمى لمقتول

والوشاة جمع واشٍ: يعني أنّهم يتقوّلون بالأباطيل. ويخبرونه أنّه إن لحق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قتله.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ الوشي: العلامة. وذلك لا معنى له إلاّ أن يكون أراد بذلك تحسين الثّوب بالأعلام، لأنّه معلومٌ أنّ القائل: وشيت بفلانٍ إلى فلانٍ غير جائزٍ أن يتوهّم عليه أنّه أراد: جعلت له عنده علامةً.
وإنّما قيل. {لا شية فيها} وهي من وشيت. لأنّ الواو لمّا أسقطت من أوّلها أبدلت مكانها الهاء في آخرها، كما قيل. وزنته زنةً، ووسيته سيةً، ووعدته عدةً، ووديته ديةً.
وبمثل الّذي قلنا في معنى قوله: {لا شية فيها} قال أهل التّأويل.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لا شية فيها} أي لا بياض فيها».
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لا شية فيها} يقول: «لا بياض فيها».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال، حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لا شية فيها} أي لا بياض فيها ولا سواد».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: {لا شية فيها} قال: «لونها واحدٌ ليس فيها لونٌ سوى لونها».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{لا شية فيها} من بياضٍ ولا سوادٍ ولا حمرةٍ».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{لا شية فيها} هي صفراء ليس فيها بياضٌ ولا سوادٌ».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {لا شية فيها} يقول: «لا بياض فيها».). [جامع البيان: 2 / 109 - 111]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا الآن جئت بالحقّ}
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {قالوا الآن جئت بالحقّ} فقال بعضهم: معنى ذلك: الآن بيّنت لنا الحقّ فتبيّنّاه، وعرفنا أيّة بقرةٍ عيّنت.
وممّن قال ذلك قتادة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{قالوا الآن جئت بالحقّ} أي الآن بيّنت لنا».
وقال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن القوم أنّهم نسبوا نبيّ اللّه موسى صلوات اللّه عليه إلى أنّه لم يكن يأتيهم بالحقّ في أمر البقرة قبل ذلك.
وممّن روي عنه هذا القول عبد الرّحمن بن زيدٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «اضطرّوا إلى بقرةٍ لا يعلمون على صفتها غيرها، وهي صفراء ليس فيها سوادٌ ولا بياضٌ، فقالوا: هذه بقرة فلانٍ {الآن جئت بالحقّ} وقبل ذلك واللّه قد جاءهم بالحقّ».
وأولى التّأويلين عندنا بقوله: {قالوا الآن جئت بالحقّ} قول قتادة؛ وهو أنّ تأويله: الآن بيّنت لنا الحقّ في أمر البقر، فعرفنا أيها الواجب علينا ذبحها منها؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر عنهم أنّهم قد أطاعوه فذبحوها بعد قيلهم هذا مع غلظ مؤنة ذبحها عليهم وثقل أمرها، فقال: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} وإن كانوا قد قالوا بقولهم: الآن بيّنت لنا الحقّ، هراءٌ من القول، وأتوا خطأً وجهلاً من الأمر. وذلك أنّ نبيّ اللّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم كان مبينًا لهم في كلّ مسألةٍ سألوها إيّاه، وردّ رادّوه في أمر البقرة الحقّ. وإنّما يقال: الآن بيّنت لنا الحقّ لمن لم يكن مبينًا قبل ذلك، فأمّا من كان كلّ قيله فيما أبان عن اللّه تعالى ذكره حقًّا وبيانًا، فغير جائزٍ أن يقال له في بعض ما أبان عن اللّه في أمره ونهيه وأدّى عنه إلى عباده من فرائضه الّتي أوجبها عليهم: {الآن جئت بالحقّ} كأنّه لم يكن جاءهم بالحقّ قبل ذلك.
وقد كان بعض من سلف يزعم أنّ القوم ارتدّوا عن دينهم، وكفروا بقولهم لموسى: {الآن جئت بالحقّ} ويزعم إنّهم نفوا أن يكون موسى أتاهم بالحقّ في أمر البقرة قبل ذلك، وأنّ ذلك من فعلهم وقيلهم كفرٌ.
وليس الّذي قال من ذلك عندنا كما قال؛ لأنّهم أذعنوا بالطّاعة بذبحها، وإن كان قيلهم الّذي قالوه لموسى جهلةً منهم وهفوةً من هفواتهم). [جامع البيان: 2 / 111 - 113]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
يعني بقوله: {فذبحوها} فذبح قوم موسى البقرة الّتي وصفها اللّه لهم وأمرهم بذبحها.
ويعني بقوله: {وما كادوا يفعلون} أي قاربوا أن يدعوا ذبحها، ويتركوا فرض اللّه عليهم في ذلك.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله كادوا أن يضيّعوا فرض اللّه عليهم في ذبح ما أمرهم بذبحه من ذلك. فقال بعضهم: ذلك السّبب كان غلاء ثمن البقرة الّتي أمروا بذبحها وبيّنت لهم صفتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا أبو معشرٍ المدنيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ: في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: «لغلاء ثمنها».
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبيدٍ الهلاليّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: «من كثرة قيمتها».
- حدّثنا القاسم، قال: أخبرنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وحجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، ومحمّد بن قيسٍ، في حديثٍ فيه طولٌ، ذكر أنّ حديث بعضهم دخل في حديث بعضٍ: قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} «لكثرة الثّمن، أخذوها بملء مسكها ذهبًا من مال المقتول، فكان سواءً لم يكن فيه فضلٌ فذبحوها».
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} يقول: «كادوا لا يفعلون. ولم يكن الّذي أرادوا لأنّهم أرادوا أن لا يذبحوها، وكلّ شيءٍ في القرآن أكاد وكادوا ولو فإنّه لا يكون، وهو مثل قوله: {أكاد أخفيها}».
وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن أطّلع اللّه على قاتل القتيل الّذي اختصموا فيه إلى موسى.
والصّواب من التّأويل عندنا، أنّ القوم لم يكادوا يفعلون ما أمرهم اللّه به من ذبح البقرة للخلّتين كلتيهما إحداهما غلاء ثمنها مع ذكر ما لنا من صغر خطرها وقلّة قيمتها. والأخرى خوف عظيم الفضيحة على أنفسهم بإظهار اللّه نبيّه موسى صلوات اللّه عليه وأتباعه على قاتله.
فأمّا غلاء ثمنها فإنّه قد روي لنا فيه ضروبٌ من الرّوايات.
- فحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «اشتروها بوزنها عشر مرّاتٍ ذهبًا، فباعهم صاحبها إيّاها وأخذ ثمنها».
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أيّوب، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: «اشتروها بملء جلدها دنانير».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كانت البقرة لرجلٍ يبرّ أمّه فرزقه اللّه أن جعل تلك البقرة له، فباعها بملء جلدها ذهبًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، قال: حدّثني خالد بن يزيد، عن مجاهدٍ، قال: «أعطوا صاحبها ملء مسكها ذهبًا فباعها منهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهبًا، يقول: «اشتروها منه على أن يملئوا له جلدها دنانير، ثمّ ذبحوها فعمدوا إلى جلد البقرة فملئوه دنانير، ثمنٌ دفعوها إليه».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمى، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: «وجدوها عند رجلٍ يزعم أنّه ليس بائعها بمالٍ أبدًا، فلم يزالوا به حتّى جعلوا له أن يسلخوا له مسكها فيملئوه له دنانير، فرضي به فأعطاهم إيّاها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «لم يجدوها إلاّ عند عجوزٍ، وإنّها سألتهم أضعاف ثمنها، فقال لهم موسى: أعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا، واشتروها فذبحوها».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال أيّوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: «لم يجدوا هذه البقرة إلاّ عند رجلٍ واحدٍ، فباعها بوزنها ذهبًا، أو ملء مسكها ذهبًا، فذبحوها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن هشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة السّلمانيّ، قال: «وجدوا البقرة عند رجلٍ، فقال: إنّي لا أبيعها إلاّ بملء جلدها ذهبًا، فاشتروها بملء جلدها ذهبًا».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «جعلوا يزيدون صاحبها حتّى ملئوا له مسكها، وهو جلدها، ذهبًا».
- وأمّا صغر خطرها وقلّة قيمتها: فإنّ الحسن بن يحيى حدّثنا قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: حدّثني محمّد بن سوقة، عن عكرمة، قال: «ما كان ثمنها إلاّ ثلاثة دنانير».
وأمّا ما قلنا من خوفهم الفضيحة على أنفسهم، فإنّ وهب بن منبّهٍ كان يقول: «إنّ القوم إذ أمروا بذبح البقرة إنّما قالوا لموسى: {أتتّخذنا هزوًا} لعلمهم بأنّهم سيفتضحون إذا ذبحت فحادوا عن ذبحها».
- حدّثت بذلك، عن إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، عن وهب بن منبّهٍ.
وكان ابن عبّاسٍ يقول: «إنّ القوم بعد أن أحيا اللّه الميّت فأخبرهم بقاتله، أنكرت قتلته قتله، فقالوا: واللّه ما قتلناه، بعد أن رأوا الآية والحقّ».
- حدّثني بذلك، محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ). [جامع البيان: 2 / 113 - 117]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون (71)}
قوله: {قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لا ذلول}
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ عن الأعرج عن مجاهدٍ: {لا ذلولٌ تثير الأرض} يقول: «ليست بذلولٍ بفعل ذلك».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {لا ذلولٌ} يقول: «لم يذلّها العمل».
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهبًا يقول: «وليست بذلولٍ ولا الصّعبة».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو شيبة- يعني شعيب بن زريقٍ- عن عطاءٍ الخراسانيّ في قوله: {لا ذلولٌ تثير الأرض} قال: «لم تكن البقرة ذلولا يحرث عليها ولا يستقى عليها ماءٌ يسقى به الحرث».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان النّحويّ عن قتادة: قوله: {لا ذلولٌ} قال: «يعني صعبةً، يقول لم يذلّها العمل».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 141]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تثير الأرض}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {قال إنّه يقول: إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض} قال: «ليست بذلولٍ يزرع عليها وليست تسقي الحرث».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {تثير الأرض} قال: «يعني ليست بذلولٍ تثير الأرض».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 142]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تسقي الحرث}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم- يعني العسقلانيّ- ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {ولا تسقي الحرث} يقول: «لا تعمل في الحرث».
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني ابن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه: «{ولا تسقي الحرث} فلم تكن البقرة ذلولا يحرث عليها، ولا يستقى عليها الماء، يسقى به الحرث».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 142]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مسلمة}
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: «مسلّمةٌ من الشّية».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: {مسلّمةٌ} يقول: «لا عيب فيها». وكذا روي عن أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو شيبة- شعيب بن زريقٍ- عن عطاءٍ الخراسانيّ {مسلّمةٌ} قال: «مسلّمة القوائم والخلق».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 142]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا شية فيها}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {لا شية فيها} قال: «لا بياض ولا سواد».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا أبو قطنٍ ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن في قول اللّه: {لا شية فيها} قال: «ليس فيها بياضٌ». وروي عن أبي العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ مثله.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً أخبرني ابن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عطاء بن أبي مسلمٍ: {لا شية فيها} قالوا: «لونها واحدٌ بهيمٌ».
وروي عن عطيّة العوفيّ ووهب بن منبّهٍ وإسماعيل بن أبي خالدٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «لا شية فيها من بياضٍ ولا سوادٍ ولا حمرةٍ».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 142 - 143]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا الآن جئت بالحقّ}
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان النّحويّ عن قتادة: {قالوا الآن جئت بالحقّ} قال: «قالوا: الآن بيّنت لنا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 143]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فذبحوها}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري ثنا سفيان عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: «الذّبح والنّحر في البقر سواءٌ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {فذبحوها}».
وروي عن الزّهريّ وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ عن وكيعٍ عن سفيان عن رجلٍ من خثعمٍ عن مجاهدٍ: {فذبحوها} قال: «كان الذّبح فيهم، والنّحر فيكم».
قوله: {وما كادوا يفعلون}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشرٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} يقول: «كادوا أن لا يفعلوا، ولم يكن ذلك لأنه أرادوا أن لا يذبحوها. وكلّ شيءٍ في القرآن: أكاد. وكادوا وكاد ولو. فإنّه لا يكون أبدًا. وهو مثل قوله: {أكاد أخفيها}».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ ثنا أبو معشرٍ عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال: «لكثرة الثّمن».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن عيينة أخبرني محمد ابن سوقة عن عكرمة قال: «ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 143 - 144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {إنها بقرة لا ذلول} «أي لم يذله العمل»، {تثير الأرض} «يعني ليست بذلول فتثير الأرض»، {ولا تسقي الحرث} يقول: «ولا تعمل في الحرث»، {مسلمة} قال: «من العيوب».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {بقرة لا ذلول تثير} يقول: «ليست بذلول فتفعل ذلك» {مسلمة} قال: «من الشبه» قال {لا شية فيها} قال: «لا بياض ولا سواد».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {مسلمة} قال: «لا عوار فيها».
- وأخرج ابن جرير عن عطية {لا شية فيها} قال:« لونها واحد ليس فيها لون سوى لونها».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {لا ذلول} يعني صنفة يقول: «لم يذلها العمل». {مسلمة} قال: «من العيوب». {لا شية فيها} قال: «لا بياض فيها» {قالوا الآن جئت بالحق} «قالوا: الآن بينت لنا {فذبحوها وما كادوا يفعلون}».
- وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} «لغلاء ثمنها».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: «أن أصحاب البقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه، فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير فذبحوها فضربوه بعضو منها فقام تشخب أوداجه دما فقالوا له: من قتلك قال: قتلني فلان».
- وأخرج وكيع، وابن أبي حاتم عن عطاء قال: «الذبح والنحر في البقر سواء لأن الله يقول {فذبحوها}».
- وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «كان لبني إسرائيل الذبح وأنتم لكم النحر ثم قرأ {فذبحوها} {فصل لربك وانحر} سورة الكوثر الآية 2».). [الدر المنثور: 1 / 413 - 415]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {فادّارأتم فيها} قال: « فاختصمتم فيها».). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها والله مخرجٌ ما كنتم تكتمون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإذ قتلتم نفسًا} واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسًا. والنّفس الّتي قتلوها هي النّفس الّتي ذكرنا قصّتها في تأويل قوله: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}.
وقوله: {فادّارأتم فيها} يعني فاختلفتم وتنازعتم، وإنّما هو فتدارأتم فيها على مثال تفاعلتم من الدّرء، والدّرء: العوج، ومنه قول أبي النّجم العجليّ:

خشية طغّامٍ إذا همّ جسر = يأكل ذا الدّرء ويقصي من حقر

يعني ذا العوج والعسر ومنه قول رؤبة بن العجّاج:

أدركتها قدّام كلّ مدره ....... بالدّفع عنّي درء كلّ عنجه.

- ومنه الخبر الّذي حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهدٍ، عن السّائب، قال: جاءني عثمان وزهيرٌ ابنا أميّة، فاستأذنا لي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا أعلم به منكما، ألم تكن شريكي في الجاهليّة؟». قلت: نعم بأبي أنت وأمّي، فنعم الشّريك كنت لا تماري ولا تداري.
يعني بقوله: لا تداري: لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره.
وإنّما أصل {فادّارأتم} فتدارأتم، ولكنّ التّاء قريبةٌ من مخرج الدّالّ، وذلك أنّ مخرج التّاء من طرف اللّسان وأصول الثنيتين، ومخرج الدّالّ من طرف اللّسان وأطراف الثّنيّتين، فأدغمت التّاء في الدّالّ فجعلت دالاً مشدّدةً، كما قال الشّاعر:

تولي الضّجيع إذا ما استافها خصرًا ....... عذب المذاق إذا ما اتّابع القبل

يريد إذا ما تتابع القبل، فأدغم إحدى التّاءين في الأخرى.
فلمّا أدغمت التّاء في الدّال فجعلت دالاً مثلها سكنت، فجلبوا ألفًا ليصلوا إلى الكلام بها، وذلك إذا كان قبله شيءٌ؛ لأنّ الإدغام لا يكون إلاّ وقبله شيءٌ، ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعًا} إنّما هو تداركوا، ولكنّ التّاء منها أدغمت في الدّالّ فصارت دالاً مشدّدةً، وجعلت فيها ألفٌ إذا وصلت بكلامٍ قبلها ليسلم الإدغام.
وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله، وابتدئ به، قيل: تداركوا وتثاقلوا، فأظهروا الإدغام.
وقد قيل: يقال: ادّاركوا وادّارءوا.
وقد قيل إنّ معنى قوله: {فادّارأتم فيها} فتدافعتم فيها، من قول القائل: درأت هذا الأمر عنّي، ومن قول اللّه: {ويدرأ عنها العذاب} بمعنى يدفع عنها العذاب.
وهذا قولٌ قريب المعنى من القول الأوّل؛ لأنّ القوم إنّما تدافعوا قتل قتيلٍ، فانتفى كلّ فريقٍ منهم أن يكون قاتله، كما قد بيّنّا قبل فيما مضى من كتابنا هذا.
وبنحو الّذي قلنا في معنى قوله: {فادّارأتم فيها} قال أهل التّأويل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {فادّارأتم فيها} قال: «اختلفتم فيها».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: «{وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها} قال بعضهم: أنتم قتلتموه، وقال الآخرون: أنتم قتلتموه.».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {فادّارأتم فيها} قال: «اختلفتم، وهو التّنازع تنازعوا فيه». قال: «قال هؤلاء: أنتم قتلتموه، وقال هؤلاء: لا وكان تدارؤهم في النّفس الّتي قتلوها. وقال: هؤلاء: لا».
وكان تدارؤهم فى النفس التى قتلوها كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «صاحب البقرة رجلٌ من بني إسرائيل قتله رجلٌ فألقاه على باب ناسٍ آخرين، فجاء أولياء المقتول فادّعوا دمه عندهم فانتفوا أو انتفلوا منه». شكّ أبو عاصمٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بمثله سواءً، إلاّ أنّه قال: «فادّعوا دمه عندهم، فانتفوا ولم يشكّ، فيه».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «قتيلٌ كان في بني إسرائيل فقذف كلّ سبطٍ منهم حتّى تفاقم بينهم الشّرّ حتّى ترافعوا في ذلك إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأوحى إلى موسى أن اذبح بقرةً فاضربه ببعضها. فذكر لنا أنّ وليّه الّذي كان يطلب بدمه هو الّذي قتله من أجل ميراثٍ كان بينهم.».
- حدّثني ابن سعدٍ، قال: حدّثني أبى، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: في شأن البقرة: «وذلك أنّ شيخًا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرًا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشّيخ لا ولد له، وكان بنو أخيه ورثته، فقالوا: ليت عمّنا قد مات فورثنا ماله. وإنّه لمّا تطاول عليهم أن لا يموت عمّهم أتاهم الشّيطان، فقال: هل لكم إلى أن تقتلوا عمّكم فترثوا ماله، وتغرّموا أهل المدينة الّتي لستم بها ديته؟ وذلك أنّهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما، فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين، قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين، فأيّهما كانت أقرب إليه غرمت الدّية. وإنّهم لمّا سوّل لهم الشّيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمّهم، عمدوا إليه فقتلوه، ثمّ عمدوا فطرحوه على باب المدينة الّتي ليسوا فيها. فلمّا أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشّيخ، فقالوا: عمّنا قتل على باب مدينتكم، فواللّه لتغرمنّ لنا دية عمّنا. قال أهل المدينة: نقسم باللّه ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتّى أصبحنا.
وإنّهم عمدوا إلى موسى، فلمّا أتوا قال بنو أخي الشّيخ: عمّنا وجدناه مقتولاً على باب مدينتهم، وقال أهل المدينة: نقسم باللّه ما قتلناه، ولا علمنا قاتلا، ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتّى أصبحنا. وإنّ جبريل جاء بأمر ربّنا السّميع العليم إلى موسى، فقال: قل لهم: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً} فتضربوه ببعضها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حسينٌ، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وحجّاجٍ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، ومحمّد بن قيسٍ، دخل حديث بعضهم في حديث بعضٍ، قالوا: «إنّ سبطًا من بني إسرائيل لمّا رأوا كثرة شرور النّاس بنوا مدينةً فاعتزلوا شرور النّاس، فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدًا منهم خارجًا إلاّ أدخلوه، وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشرّف فإذا لم ير شيئًا فتح المدينة فكانوا مع النّاس حتّى يمسوا. وكان رجلٌ من بني إسرائيل له مالٌ كثيرٌ، ولم يكن له وارثٌ غير ابن أخيه، فطال عليه حياته، فقتله ليرثه. ثمّ حمله فوضعه على باب المدينة. ثمّ كمن في مكانٍ هو وأصحابه، قال: فتشرّف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئًا، ففتح الباب، فلمّا رأى القتيل ردّ الباب فناداه ابن أخي المقتول وأصحابه: هيهات قتلتموه ثمّ تردّون الباب.
وكان موسى لمّا رأى القتل كثيرًا في أصحابه بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهري القوم آخذهم، فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتالٌ؛ حتّى لبس الفريقان السّلاح، ثمّ كفّ بعضهم عن بعضٍ، فأتوا موسى فذكروا له شأنهم فقالوا: يا رسول اللّه إنّ هؤلاء قتلوا قتيلاً ثمّ ردّوا الباب، وقال أهل المدينة: يا رسول اللّه قد عرفت اعتزالنا الشّرور وبنينا مدينةً كما رأيت نعتزل شرور النّاس ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً. فأوحى اللّه تعالى ذكره إليه أن يذبحوا بقرةً، فقال لهم موسى: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن هشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: «كان في بني إسرائيل رجلٌ عقيمٌ وله مالٌ كثيرٌ، فقتله ابن أخٍ له فجرّه فألقاه على باب ناسٍ آخرين. ثمّ أصبحوا فادّعاه عليهم حتّى تسلّح هؤلاء وهؤلاء، فأرادوا أن يقتتلوا، فقال ذوو النّهى منهم: أتقتتلون وفيكم نبيّ اللّه. فأمسكوا حتّى أتوا موسى، فقصّوا عليه القصّة، فأمرهم أن يذبحوا بقرةً فيضربوه ببعضها، فقالوا: {أتتّخذنا هزوًا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «قتيلٌ من بني إسرائيل طرح في سبطٍ من الأسباط، فأتى أهل ذلك السّبط إلى ذلك السّبط، فقالوا: أنتم واللّه قتلتم صاحبنا، فقالوا: لا واللّه. فأتوا إلى موسى فقالوا: هذا قتيلنا بين أظهرهم، وهم واللّه قتلوه، فقالوا: لا واللّه يا نبيّ اللّه طرح علينا. فقال لهم موسى صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرةً}».
قال أبو جعفرٍ: فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم في أمر القتيل الّذي ذكرنا أمره على ما روّينا من علمائنا من أهل التّأويل هو الدّرء الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه لذرّيّتهم وبقايا أولادهم: {فادّارأتم فيها واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون}). [جامع البيان: 2 / 117 - 123]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون}.
ويعني بقوله: {واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون} واللّه معلنٌ ما كنتم تسرّونه من قتل القتيل الّذي قتلتم ثمّ ادّارأتم فيه.
ومعنى الإخراج في هذا الموضع: الإظهار والإعلان لمن خفي ذلك عنه وإطلاعهم عليه، كما قال اللّه تعالى ذكره: {ألاّ يسجدوا للّه الّذي يخرج الخبء في السّموات والأرض} يعني بذلك: يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه.
والّذي كانوا يكتمونه فإخراجه هو قتل القاتل القتيل، كما كتم ذلك القاتل ومن علمه ممّن شايعه على ذلك حتّى أظهره اللّه وأخرجه، فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره.
وعنى جلّ ثناؤه بقوله: {تكتمون} تسرّون وتغيبون.
- كما حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون} قال: «تغيّبون».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{ما كنتم تكتمون} ما كنتم تغيّبون».). [جامع البيان: 2 / 124]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون (72)}
قوله: {وإذ قتلتم نفسًا}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ {وإذ قتلتم نفسًا} قال: «صاحب البقرة رجلٌ من بني إسرائيل قتله رجلٌ فألقاه على باب ناسٍ آخرين، فجاء أهل المقتول فادّعوا دمه، فاقتتلوا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 144]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فادارأتم فيها}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: «{وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها} اختلفتم».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا أبو شيبة- يعني شعيب بن زريقٍ- عن عطاءٍ الخراسانيّ في قوله: {فادّارأتم فيها} يقول: «اختصمتم فيها».
وروي عن الضّحّاك مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 144]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ {واللّه مخرجٌ ما كنتم تكتمون} قال: «ما تغيّبون».
- حدّثنا عمرو بن سلمٍ البصريّ ثنا محمّد بن الطّفيل العبديّ ثنا صدقة ابن رستم قال: سمعت المسيّب بن رافعٍ يقول: «ما عمل رجلٌ حسنةً في سبعة أبياتٍ إلا أظهرها اللّه، وما عمل رجلٌ سيّئةً في سبعة أبياتٍ إلا أظهرها اللّه، وتصديق ذلك: {والله مخرج ما كنتم تكتمون}».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون}.
- أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} قال: «اختلفتم فيها»، {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال: «ما تغيبون».). [الدر المنثور: 1 / 415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {والله مخرج ما كنتم تكتمون}.
- أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع قال: «ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك كتاب الله {والله مخرج ما كنتم تكتمون}».
- وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رجلا عمل في صخرة صماء لا باب فيها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال: «من عمل عملا كساه الله رداءه وإن خيرا فخير وإن شرا فشر».
- وأخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به»، قال البيهقي: الموقوف أصح.
- وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وضعفه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «من المؤمن؟» قالوا: الله رسوله أعلم، قال: «المؤمن الذي لا يموت حتى يملاء الله مسامعه مما يحب ولو أن عبدا اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون»، قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: «لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الكافر؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «الكافر الذي لا يموت حتى يملاء الله مسامعه مما يكره ولو أن فاجرا فجر في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون»، قالوا: وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال: «لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد».
- وأخرج ابن عدي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله مرد كل إمرى ء رداء عمله».
- وأخرج البيهقي عن ثابت قال: «كان يقال لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتا لكساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف به».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: «الناس يعرف أعمالهم من تحت كنف الله فإذا أراد الله بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي ادريس الخولاني رفعه قال: «لا يهتك الله عبدا وفيه مثقال حبة من خير».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: «لو أن عبدا اكتتم بالعبادة كما يكتتم بالفجور لأظهر الله ذلك منه».). [الدر المنثور: 1 / 415 - 418]

تفسير قوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون}.
يعني جلّ ذكره بقوله: {فقلنا} لقوم موسى الّذين ادّارءوا في القتيل الّذي قد تقدّم وصفنا أمره: اضربوا القتيل. والهاء الّتي في قوله: {اضربوه} من ذكر القتيل {ببعضها} أي ببعض البقرة الّتي أمرهم اللّه بذبحها فذبحوها.
ثمّ اختلف العلماء في البعض الّذي ضرب به القتيل من البقرة وأيّ عضوٍ كان ذلك منها، فقال بعضهم: ضرب بفخذ البقرة القتيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «ضرب بفخذ البقرة، فقام حيًّا، فقال: قتلني فلانٌ؛ ثمّ عاد في ميتته».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «ضرب بفخذ البقرة». ثمّ ذكر مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جرير بن نوحٍ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة: {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: «بفخذها فلمّا ضرب بها عاش وقال: قتلني فلانٌ؛ ثمّ عاد إلى حاله».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن خالد بن يزيد، عن مجاهدٍ، قال: «ضرب بفخذها الرّجل فقام حيًّا، فقال: قتلني فلانٌ، ثمّ عاد في ميتته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال أيّوب عن ابن سيرين، عن عبيدة: «ضربوا المقتول ببعض لحمها»، وقال معمرٌ عن قتادة: «ضربوه بلحم الفخذ فعاش، فقال: قتلني فلانٌ».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال:«ذكر لنا أنّهم ضربوه بفخذها فأحياه اللّه، فأنبأ بقاتله الّذي قتله وتكلّم، ثمّ مات».
وقال آخرون: الّذي ضرب به منها هو البضعة الّتي بين الكتفين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فقلنا اضربوه ببعضها} فضربوه بالبضعة الّتي بين الكتفين فعاش، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي».
وقال آخرون: الّذي أمروا أن يضربوه به منها عظمٌ من عظامها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «أمرهم موسى أن يأخذوا، عظمًا منها فيضربوا به القتيل ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمّى لهم قاتله ثمّ عاد ميّتًا كما كان. فأخذ قاتله، وهو الّذي أتى موسى، فشكا إليه فقتله اللّه على أسوأ عمله».
وقال آخرون بما حدّثني به، يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «ضربوا الميّت ببعض آرابها، فإذا هو قاعدٌ، قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي»، قال: «وكان قتله وطرحه على ذلك السّبط، أراد أن يأخذ ديته».
والصّواب من القول في تأويل قوله عندنا: {فقلنا اضربوه ببعضها} أن يقال: أمرهم اللّه جلّ ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب. ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجّةٌ على أيّ أبعاضها الّتي أمر القوم أن يضربوا القتيل به. وجائزٌ أن يكون الّذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائزٌ أن يكون ذلك الذّنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها. ولا يضرّ الجهل بأيّ ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأنّ القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها، فأحياه اللّه.
فإن قال قائلٌ: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟
قيل: ليحيا فينبئ نبيّ اللّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم والّذين ادّارءوا فيه من قاتله.
فإن قال قائلٌ: وأين الخبر عن أنّ اللّه جلّ ثناؤه أمرهم بذلك لذلك؟ قيل: ترك ذلك اكتفاءً بدلالة ما ذكر من الكلام الدّالّ عليه نحو الّذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى.
ومعنى الكلام: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا، فضربوه فحيي؛ كما قال جلّ ثناؤه: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} والمعنى: فضرب فانفلق. يدلّ على ذلك قوله: {كذلك يحيي اللّه الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون}). [جامع البيان: 2 / 124 - 128]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يحيي اللّه الموتى}.
وقوله: {كذلك يحيي اللّه الموتى} مخاطبةٌ من اللّه عباده المؤمنين، واحتجاجٌ منه على المشركين المكذّبين بالبعث، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جلّ ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدّنيا، فقال لهم تعالى ذكره: أيّها المكذّبون بالبعث بعد الممات، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته، فإنّي كما أحييته في الدّنيا فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم، فأبعثهم يوم البعث.
فإنّما احتجّ جلّ ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قومٌ أمّيّون لا كتاب لهم، لأنّ الّذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات، فأخبرهم جلّ ذكره بذلك ليتعرّفوا علم من قبلهم). [جامع البيان: 2 / 128]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويريكم آياته لعلّكم تعقلون}.
يعني جلّ ذكره: ويريكم اللّه أيّها الكافرون المكذّبون بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند اللّه من آياته، وآياته: أعلامه وحججه الدّالّة على نبوّته، لتعقلوا وتفهموا أنّه محقٌّ صادقٌ فتؤمنوا به وتتّبعوه). [جامع البيان: 2 / 128]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي اللّه الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون (73)}
قوله: {فقلنا اضربوه ببعضها}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عفّان بن مسلمٍ ثنا عبد الواحد بن زيادٍ ثنا سليمان الأعمش عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّ أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنةً حتّى وجدوها عند رجلٍ في بقرٍ له وكانت بقرةً تعجبه، قال: فجعلوا يعطونه بها ويأبى حتّى أعطوه ملء مسكّها دنانير، فذبحوها، فضربوه بعضوٍ منها فقام تشخب أوداجه دمًا، فقالوا له: من قتلك؟ فقال: قتلني فلانٌ».
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الوليد ثنا قيسٌ عن سعيد بن مسروقٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {فقلنا اضربوه ببعضها}قال: «ضرب بالعظم الّذي يلي الغضروف».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ قالا: ثنا أبو أسامة عن النّضر أبي عربيٍّ عن عكرمة: «{فقلنا اضربوه ببعضها} فضرب بفخذها فقام فقال: قتلني فلانٌ».
وروي عن مجاهدٍ وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 145]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {كذلك يحيي اللّه الموتى}
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاءٍ قال: سمعت وكيع بن عدسٍ يحدّث عن أبي رزينٍ العقيليّ قال: قلت يا رسول اللّه، كيف يحيي اللّه الموتى؟ قال: «أما مررت بوادي أهلك ممحلا، ثمّ مررت به خضرًا؟» قال: بلى. قال: «كذلك النّشور». أو قال: «كذلك يحي اللّه الموتى».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 145]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويريكم آياته لعلّكم تعقلون}
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قال: «فضربوه ببعضها فقام حيًّا فقال: قتلني فلانٌ، ثمّ مات، لم يزد على ذلك. وذلك حين يقول: {كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}
- أخرج وكيع والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: «ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: «ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فلما فعلوا أحياه الله حتى أنبأهم بقاتله الذي قتله وتكلم ثم مات».
- وأخرج وكيع، وابن جرير عن عكرمة في الآية قال: «ضربوه بفخذها فحي فما زاد على أن قال: قتلني فلان ثم عاد فمات».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: «ضرب بفخذ البقرة فقام حيا فقال: قتلني فلان ثم عاد في ميتته».
- وأخرج ابن جرير عن السدي قال: «ضرب بالبضعة التي بين الكتفين».
- وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: «أمرهم أن يأخذوا عظما فيضربوا به القتيل ففعلوا فرجع الله روحه فسمى قاتله ثم عاد ميتا كما كان».). [الدر المنثور: 1 / 418 - 419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {كذلك يحيي الله الموتى} الآية.
- أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: «إن فتى من بني إسرائيل كان برا بوالدته وكان يقوم ثلث الليل يصلي
ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل فيذكرها بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ويقول: يا أمه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري الله وسبيحه وهلليه فكان ذلك عملهما الدهر كله فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله أن يبيعه فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادتع ثلثا ويعطي الثلث أمه وكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف وكان ذلك عملهما الدهر كله، فلما طال عليها قالت: يابني أعلم أني قد ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها وتركتها في البقر على اسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب قالت وسأبين لك ما لونها وهيئتها فإذا أتيت البقر فادعها باسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فإنها تفعل كما وعدتني وقالت: إن علامتها ليست بهرمة ولا فتية غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها وليست بالذلول ولا صعبة تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها ولونها واحد فإذا رأيتها فخذ بعنقها فإنها تتبعك بإذن إله إسرائيل.
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته وسار في البرية يومين أو ثلاثا حتى إذا كان صبيحة ذلك اليوم انصرف فصاح بها فقال: بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ألا ما أتيتني فأقبلت البقرة عليه وتركت الرعي فقامت بين يدي الفتى فأخذ بعنقها فتكلمت البقرة وقالت: يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني فإنه أهون عليك، قال الفتى: لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك سوقا فأحب أن أبلغ قولها، فقالت: بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت لتقدر علي فانطلق يا أيها الفتى البر بوالدته لو أنك أمرت هذا الجبل أن ينقلع لك من أصله لأنقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك، فانطلق حتى إذا كان من مسيرة يوم من منزله استقبله عدو الله إبليس فتمثل له على صورة راع من رعاة البقر فقال: يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة ألا تركبها فإني أراك قد أعييت أظنك لا تملك من الدنيا مالا غير هذه البقرة فإني أعطيك الأجر ينفعك ولا يضرها فإني رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي حتى غذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعي وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين، قال الفتى: إن بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء ولست براكب أمرا لم أومر به إنما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي أني عصيته في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس: أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهما فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة، قال الفتى: إن سيدي له ذهب الأرض وفضتها فإن أعطيتني شيئا منها علم أنه من ماله ولكن أعطني من ذهب السماء وفضتها فأقول أنه ليس هذا من مالك، فقال إبليس: وهل في السماء ذهب وفضة أو هي يقدر أحد على هذا قال الفتى: أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيده كما لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها، قال له إبليس: أراك أعجز العبيد في أمرك، قال له الفتى: إن العاجز من عصى ربه، قال له إبليس: ما لي لا أرى معك زادا ولاماء قال الفتى: زادي التقوى وطعامي الحشيش وشرابي من عيون الجبال قال إبليس: ألا آمرك بأمر يرشدك قال: مر به نفسك فإني على رشاد إن شاء الله، قال له إبليس: ما أراك تقبل نصيحة قال له الفتى: الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه فإن كنت شيطانا فأعوذ بالله منك وإن كنت آدميا فأخرج فلا حاجة لي في صحابتك، فجمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن الله حبسه عنها، فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة ودعاها الفتى وقال: بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ألا ما آتيتني فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه فقالت: يا أيها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك فإنه إبليس عدو الله اختلسني فلما ناديتني بإله اسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتي أهلك إن شاء الله، قال: فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر فقالت: يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل والنهار فتشخص فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقو به وودع به نفسك، قال الفتى: بكم أبيعها قالت: بثلاثة دنانير على رضا مني، فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه ملكا من الملائكة ليري خلقه قدرته فقال للفتى: بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى فقال: أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي، قال: لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك، فقال: لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت: بعها بستة دنانير على رضا مني، فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال: ما فعلت فقال: أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي، قال: فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها، قال: لا، فانطلق الفتى إلى أمه فقالت: يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي فإذا أتاك فقل له: إن والدتي تقرأ عليك السلام وتقول: بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة قال له الملك: يا أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل وله مال كثير ولم يترك أبوه ولدا غيره وله أخ له بنون كثيرون فيقولون كيف لنا أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله فدعوا الغلام إلى منزلهمفقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار فانطلقوا بهم إلى موسى فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام، فشق ذلك على موسى فدعا ربه فأوحى الله إليه: أن خذ بقرة صفراء فاقعا لونها فاذبحها ثم اضرب الغلام ببعضها، فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملؤوا جلدها دنانير ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها فقام يخبرهم فقال: إن بني عمي قتلوني وأهل الدار مني برآء فأخذهم موسى فقالوا: يا موسى أتتخذنا هزوا قد قتلنا ابن عمنا مظلوما وقد علموا أن سيفضحوا فعمدوا إلى جلد البقرة فملؤوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى فعمد الفتى فتصدق بالثلثين علىفقراء بني إسرائيل وتقوى بالثلث {كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}.). [الدر المنثور: 1 / 419 - 426]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: «قست قلوبهم من بعد ما أراهم الله الآية فهي كالحجارة أو أشدة قسوة ثم عذر الحجارة فقال: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 50]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك}.
يعني بذلك كفّار بني إسرائيل، وهم فيما ذكر بنو أخي المقتول، فقال لهم: {ثمّ قست قلوبكم}: أي جفّت وغلظت وعسّت، كما قال الرّاجز:

وقد قسوت وقسا لدتي

يقال: قسا وعسا وعتا بمعنى واحدٍ، وذلك إذا جفا وغلظ وصلب، يقال منه: قسا قلبه يقسو قسوًا وقسوةً وقساوةً وقساءً.
ويعني بقوله: {من بعد ذلك} من بعد أن أحيا المقتول لهم الّذي ادّارءوا في قتله. فأخبرهم بقاتله وما السّبب الّذي من أجله قتله كما قد وصفنا قبل على ما جاءت به الآثار والأخبار وفصل اللّه تعالى ذكره بخبره بين المحقّ منهم والمبطل. وكانت قساوة قلوبهم الّتي وصفهم اللّه بها أنّهم فيما بلغنا أنكروا أن يكونوا هم قتلوا القتيل الّذي أحياه اللّه، فأخبر بني إسرائيل بأنّهم كانوا قتلته بعد إخباره إيّاهم بذلك، وبعد ميتته الثّانية.
- كما حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا ضرب المقتول ببعضها، يعني ببعض البقرة، جلس حيًّا، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني. ثمّ قبض، فقال بنو أخيه حين قبض: واللّه ما قتلناه. فكذّبوا بالحقّ بعد إذ رأوه، فقال اللّه: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} يعني بني أخي الشّيخ {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} يقول: «من بعد ما أراهم اللّه من إحياء الموتى، وبعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {ثمّ قست قلوبكم} من بعد هذه الآيه، {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}.
- حدّثني المثنى، قال: حدّثنا ادم،، قال: حدّثني أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العاليه في قوله: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}). [جامع البيان: 2 / 128 - 130]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}.
يعني بقوله: {فهي} قلوبكم. يقول: ثمّ صلبت قلوبكم بعد إذ رأيتم الحقّ فتبيّنتموه وعرفتموه عن الخضوع له والإذعان لواجب حقّ اللّه عليكم، فقلوبكم كالحجارة صلابةً ويبسًا وغلظًا وشدّةً، أو أشدّ صلابةً؛ يعني قلوبكم عن الإذعان لواجب حقّ اللّه عليهم، والإقرار له باللاّزم من حقوقه لهم من الحجارة.
فإن سأل سائلٌ فقال: وما وجه قوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} وأو عند أهل العربيّة إنّما تأتي في الكلام لمعنى الشّكّ، واللّه تعالى جلّ ذكره غير جائزٍ في خبره الشّكّ؟
قيل: إنّ ذلك على غير الوجه الّذي توهّمته من أنّه شكٌّ من اللّه جلّ ذكره فيما أخبر عنه، ولكنّه خبرٌ منه عن قلوبهم القاسية أنّها عند عباده الّذين هم أصحابها الّذين كذّبوا بالحقّ بعد ما رأوا العظيم من آيات اللّه كالحجارة قسوةً أو أشدّ من الحجارة عندهم وعند من عرف شأنهم، وقد قال في ذلك جماعةٌ من أهل العربيّة أقوالاً: فقال بعضهم: إنّما أراد اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} وما أشبه ذلك من الأخبار الّتي تأتي بـــ أو، كقوله: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} وكقول اللّه جلّ ذكره: {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} فهو عالمٌ أيّ ذلك كان. قالوا: ونظير ذلك قول القائل: أكلت بسرةً أو رطبةً، وهو عالمٌ أيّ ذلك أكل ولكنّه أبهم على المخاطب، كما قال أبو الأسود الدّيليّ:

أحبّ محمّدًا حبًّا شديدًا ....... وعبّاسًا وحمزة والوصيّا.
فإن يك حبّهم رشدًا أصبه ....... ولست بمخطئٍ إن كان غيّا

قالوا: ولا شكّ أنّ أبا الأسود لم يكن شاكًّا في أنّ حبّ من سمّى رشدٌ، ولكنّه أبهم على من خاطبه به. وقد ذكر عن أبي الأسود أنّه لمّا قال هذه الأبيات قيل له: شككت؟ فقال: كلاّ واللّه. ثمّ انتزع بقول اللّه عزّ وجلّ {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} فقال: أوكان شاكًّا من أخبر بهذا، في الهادي من الضّلال؟
وقال بعضهم: ذلك كقول القائل: ما أطعمتك إلاّ حلوًا أو حامضًا، وقد أطعمه النّوعين جميعًا. فقالوا: فقائل ذلك لم يكن شاكًّا أنّه قد أطعم صاحبه الحلو والحامض كليهما، ولكنّه أراد الخبر عمّا أطعمه إيّاه أنّه لم يخرج عن هذين النّوعين.
قالوا: فكذلك قوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} إنّما معناه: فقلوبهم لا تخرج من أحد هذين المثلين إمّا أن تكون مثلاً للحجارة في القسوة، وإمّا أن تكون أشدّ منها قسوةً. ومعنى ذلك على هذا التّأويل: فبعضها كالحجارة قسوةً، وبعضها أشدّ قسوةً من الحجارة.
وقال بعضهم: أو في قوله: {أو أشدّ قسوةً} بمعنى: وأشدّ قسوةً، كما قال تبارك وتعالى: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} بمعنى: وكفورًا. وكما قال جرير بن عطيّة:

نال الخلاقة أو كانت له قدرًا ....... كما أتى ربّه موسى على قدر

يعني نال الخلافة وكانت له قدرًا. وكما قال النّابغة:

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ....... إلى حمامتنا أو نصفه فقد

يريد ونصفه.
وقال آخرون: أو في هذا الموضع بمعنى وبل، فكان تأويله عندهم فهي كالحجارة بل أشدّ قسوةً، كما قال جلّ ثناؤه: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} بمعنى: بل يزيدون.
وقال آخرون: معنى ذلك: فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً عندكم.
قال أبو جعفرٍ: ولكلٍّ ممّا قيل من هذه الأقوال الّتي حكينا وجهٌ ومخرجٌ في كلام العرب، غير أنّ أعجب الأقوال إليّ في ذلك ما قلناه أوّلاً، ثمّ القول الّذي ذكرناه عمّن وجّه ذلك إلى أنّه بمعنى: فهي أوجهٌ في القسوة من أن تكون كالحجارة أو أشدّ، على تأويل أنّ منها كالحجارة، ومنها أشدّ قسوةً؛ لأنّ أو وإن استعملت في أماكن من أماكن الواو حتّى يلتبس معناها ومعنى الواو لتقارب معنييهما في بعض تلك الأماكن، فإنّ أصلها أن تأتي بمعنى أحد الاثنين، فتوجيهها إلى أصلها من وجد إلى ذلك سبيلاً أعجب إليّ من إخراجها عن أصلها ومعناها المعروف لها.
قال: وأمّا الرّفع في قوله: {أو أشدّ قسوةً} فمن وجهين: أحدهما أن يكون عطفًا على معنى الكاف الّتي في قوله: {كالحجارة} لأنّ معناها الرّفع، وذلك أنّ معناها معنى مثل: فهي مثل الحجارة أو أشدّ قسوةً من الحجارة.
والوجه الآخر: أن يكون مرفوعًا على معنى تكرير هي عليه فيكون تأويل ذلك: فهي كالحجارة أو هي أشدّ قسوةً من الحجارة). [جامع البيان: 2 / 130 - 133]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار}.
يعني بقوله جلّ ذكره: {وإنّ من الحجارة لمّا يتفجّر منه الأنهار} وإنّ من الحجارة لحجارةً يتفجّر منها الماء الّذي تكون منه الأنهار، فاستغنى بذكر الأنهار عن ذكر الماء، وإنّما ذكر فقال منه للفظ ما.
والتّفجّر: التّفعّل من تفجّر الماء، وذلك إذا تنزّل خارجًا من منبعه، وكلّ سائلٍ شخص خارجًا من موضعه ومكانه فقد انفجر ماءً كان ذلك أو دمًا أو صديدًا أو غير ذلك ومنه قول عمر بن لجأٍ:

ولمّا أن قرنت إلى جريرٍ ....... أبى ذو بطنه إلاّ انفجارا

يعني: إلاّ خروجًا وسيلانًا). [جامع البيان: 2 / 133 - 134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ منها لمّا يشّقّق فيخرج منه الماء}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه وإنّ من الحجارة لحجارةً تشقّق. وتشقّقها: تصدّعها. وإنّما هي: لما يتشقّق، ولكنّ التّاء أدغمت في الشّين فصارت شينًا مشدّدةً.
وقوله: {فيخرج منه الماء} يقول فيخرج منه الماء فيكون عينًا نابعةً وأنهارًا جاريةً). [جامع البيان: 2 / 134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه}.
قال أبو جعفرٍ: يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإنّ من الحجارة لما يهبط: أي يتردّى من رأس الجبل إلى الأرض والسّفح من خوف اللّه وخشيته. وقد دلّلنا على معنى الهبوط فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأدخلت هذه اللاّمات اللّواتي في ما توكيدًا للخبر.
وإنّما وصف اللّه تعالى ذكره الحجارة بما وصفها به من أنّ منها المتفجّر منه الأنهار، وأنّ منها المتشقّق بالماء، وأنّ منها الهابط من خشية اللّه بعد الّذي جعل منها لقلوب الّذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل مثلاً، معذرةً منه جلّ ثناؤه لها دون الّذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل إذ كانوا بالصّفة الّتي وصفهم اللّه بها من التّكذيب برسله والجحود لآياته بعد الّذي أراهم من الآيات والعبر وعاينوا من عجائب الأدلّة والحجج مع ما أعطاهم تعالى ذكره من صحّة العقول ومنّ به عليهم من سلامة النّفوس الّتي لم يعطها الحجر والمدر، ثمّ هو مع ذلك منه ما يتفجّر بالأنهار ومنه ما يتشقّق بالماء ومنه ما يهبط من خشية اللّه، فأخبر تعالى ذكره أنّ من الحجارة ما هو ألين من قلوبهم لما يدعون إليه من الحقّ.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه جلّ ثناؤه: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} قال: «كلّ حجرٍ يتفجّر منه الماء أو يتشقّق عن ماءٍ، أو يتردّى من رأس جبلٍ، فهو من خشية اللّه عزّ وجلّ، نزل بذلك القرآن».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} ثمّ عذر الحجارة ولم يعذر شقيّ ابن آدم، فقال: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لمّا يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه}».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ثمّ عذر اللّه الحجارة قال: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لمّا يشّقّق فيخرج منه الماء}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، أنّه قال: «فيها كلّ حجرٍ انفجر منه ماءٌ أو تشقّق عن ماءٍ أو تردّى من جبلٍ، فمن خشية اللّه نزل به القرآن».
ثمّ اختلف أهل النّحو في معنى هبوط ما هبط من الحجارة من خشية اللّه.
فقال بعضهم: إنّ هبوط ما هبط منها من خشية اللّه: تفيّؤ ظلاله.
وقال آخرون: ذلك الجبل الّذي صار دكًّا إذ تجلّى له ربّه.
وقال بعضهم: ذلك كان منه ويكون بأنّ اللّه جلّ ذكره أعطى بعض الحجارة المعرفة والفهم، فعقل طاعة اللّه فأطاعه؛ كالّذي روي عن الجذع الّذي كان يستند إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خطب فلمّا تحوّل عنه حنّ. وكالّذي روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ حجرًا كان يسلّم عليّ في الجاهليّة إنّي لأعرفه الآن».
وقال آخرون: بل قوله: {يهبط من خشية اللّه} كقوله: {جدارًا يريد أن ينقضّ} ولا إرادة له، قالوا: وإنّما أريد بذلك أنّه من عظم أمر اللّه يرى كأنّه هابطٌ خاشعٌ من ذلّ خشية اللّه، كما قال زيد الخيل:

بجمعٍ تضلّ البلق في حجراته ....... ترى الأكم فيها سجّدًا للحوافر

وكما قال سويد بن أبي كاهلٍ يصف عدوًّا له يريد أنّه ذليلٌ:

ساجد المنخر لا يرفعه ....... خاشع الطّرف أصمّ المستمع

وكما قال جرير بن عطيّة:

لمّا أتى خبر الرّسول تضعضعت ....... سور المدينة والجبال الخشّع

وقال آخرون: معنى قوله: {يهبط من خشية اللّه} أي يوجب الخشية لغيره بدلالته على صانعه كما قيل: ناقةٌ تاجرةٌ: إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو النّاس إلى الرّغبة فيها، كما قال جرير بن عطيّة:

وأعور من نبهان أمّا نهاره ....... فأعمى وأمّا ليله فبصير

فجعل الصّفة للّيل والنّهار، وهو يريد بذلك صاحبه النّبهانيّ الّذي يهجوه، من أجل أنّه فيهما كان ما وصفه به.
وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى ممّا تحتمله الآية من التّأويل، فإنّ تأويل أهل التّأويل من علماء سلف الأمّة بخلافها؛ فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الخشية، وأنّها الرّهبة والمخافة، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع). [جامع البيان: 2 / 134 - 138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}.
يعني بقوله: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} وما اللّه بغافلٍ يا معشر المكذّبين بآياته والجاحدين نبوّة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمتقوّلين عليه الأباطيل من بني إسرائيل وأحبار اليهود، عمّا تعملون من أعمالكم الخبيثة وأفعالكم الرّديئة؛ ولكنّه يحصيها عليكم، فيجازيكم بها في الآخرة أو يعاقبكم بها في الدّنيا.
وأصل الغفلة عن الشّيء: تركه على وجه السّهو عنه والنّسيان له، فأخبرهم تعالى ذكره أنّه غير غافلٍ عن أفعالهم الخبيثة ولا ساهٍ عنها، بل هو لها محصٍ، ولها حافظٌ). [جامع البيان: 2 / 138 - 139]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (74)}
قوله: {ثمّ قست قلوبكم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: «{ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} يعني به بني إسرائيل».
- أخبرنا محمّد بن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: «قال اللّه: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} يعني به بني إسرائيل».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 146]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {من بعد ذلك}
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان النّحويّ عن قتادة: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: «من بعد ما أراهم ما أحيا من الموتى، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: «قست قلوبهم من بعد ما أراهم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 146]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}
- حدّثنا محمّد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «وقست قلوبهم بعد ذلك حتّى كانت كالحجارة أو أشدّ قسوةً».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 146]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار}
- حدّثنا أبي، حدّثني هشام بن عمّارٍ ثنا الحكم بن هشامٍ الثّقفيّ، حدّثني أبو طالبٍ يعني- يحيى بن يعقوب- في قول اللّه: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار} قال: «هو كثرة البكاء».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 146]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء}
- وبه عن أبي طالبٍ يحيى بن يعقوب في قول اللّه: {وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء} قال: «البكاء».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 146]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافل عما تعملون}
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} قال: «إنّ الحجر ليقع إلى الأرض فلو اجتمع عليه قومٌ من النّاس ما استطاعوا القيام به، وإنّه ليهبط من خشية اللّه».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} إلى قوله: {لما يهبط من خشية اللّه} «فعذر اللّه الحجارة، ولم يعذر القاسية قلوبهم». قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو قول أبى العالية.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ : {ثمّ قست قلوبكم} إلى قوله: {لما يهبط من خشية اللّه} قال: «كان يقول كلّ حجرٍ يتفجّر منه الماء، أو ينشقّ عن ماءٍ أو يتردّى من رأس جبلٍ: لمن خشية اللّه، نزل القرآن بذلك».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: «{وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار، وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء، وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} أي وإنّ من الحجارة لألين من قلوبكم عمّا تدعون إليه من الحقّ وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون».
- حدّثنا أبي حدّثني هشام بن عمّارٍ ثنا الحكم بن هشامٍ، حدّثني أبو طالبٍ في قول اللّه: {وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} قال: «بكاء القلب من غير دموع العين».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 147]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: «تعملون يعني بما يكون عليم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 147]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار} وإلى قوله: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال:«كل حجر يتفجر منه الماء أو ينشق عن ماء أو يهبط من جبل فمن خشية الله عز وجل نزل بذلك القرآن».). [تفسير مجاهد: 80]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون}.
- أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: «من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن من الحجارة} الآية، «أي أن من الحجارة لألين من قلوبكم لما تدعون إليه من الحق».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: «كل حجر يتفجر منه الماء أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية الله، نزل بذلك القرآن».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال:«إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه كثير من الناس ما استطاعوه وإنه ليهبط من خشية الله».). [الدر المنثور: 1 / 426 - 427]


رد مع اقتباس