عرض مشاركة واحدة
  #50  
قديم 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م, 01:32 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المراد بصاحب القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المراد بصاحب القرآن
ومما ينبغي أن يُعلم أن صاحب القرآن هو المؤمن به المتبع لما تضمنه من الهدى الذي يتعاهد تلاوته بالليل والنهار حفظاً أو نظراً من المصحف، حتى يكون له به اختصاص وصف الصحبة.
وهذه الصفات يتفاضل المسلمون فيها تفاضلاً كبيراً، فأكثرهم إيماناً واتباعاً وتلاوة أكثرهم صحبة للقرآن وأعظمهم حظاً بالفضائل المترتبة على ذلك.
ولا يشترط في صاحب القرآن أن يكون حافظاً لجميع ألفاظه عن ظهر قلب، بل يَصْدُق هذا الوصف على من يقرأُه نظراً بالشروط المذكورة آنفاً، والتي دلت عليها النصوص، ودلت على أن من اتصف بأضدادها لم يكن من أهل القرآن.
فالذي لا يؤمن بالقرآن ليس من أصحابه، والذي يهجره هجر عمل أو هجر تلاوة ليس من أصحابه أيضاً.
ومما يدل على عدم اشتراط حفظ القرآن عن ظهر قلب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) رواه مسلم.
فجعلهم بالقراءة المعتبرة شرعاً أصحاباً للقرآن، والقراءة قد تكون من المحفوظ، وقد تكون من المكتوب، فبقراءة القرآن قراءة صحيحة تحصل الصحبة، فمستقل ومستكثر.
والمراد بالقراءة الصحيحة هنا هي القراءة الصحيحة في حكم الشرع، وليس المراد صحّة الأداء عند أهل الاصطلاح، فالقراءة الصحيحة المعتبرة شرعاً هي ما توفر فيها شرطا الإخلاص والمتابعة على قدر الاستطاعة؛ فيدخل في ذلك من يقرأُه ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ؛ ويدخل فيه من يقرؤه ويخطئ في قراءته عن غير عمد، فإنّه ينال حظه من صحبة القرآن بصدقه وصلاح نيّتِه، وتعاهدِه تلاوةَ القرآن مع الإيمان به واتّباع ما يعرفه من هداه، وليس شيء أضرّ على المسلم من مخالفته لما يعرف من هدى القرآن.
وهذا يدلّك على أنّ أصحاب القرآن يتفاضلون في وصف صحبته تفاضلاً كبيراً، وأنّ الأصل الذي يُبنى عليه وصف الصحبة هو الإيمان بالقرآن.

ولفظ الصحبة يطلق في اللغة على معانٍ كثيرة ترجع إلى معنيين كبيرين:
أحدهما: صحبة الملازمة والاختصاص.
والآخر: صحبة الموالاة والمناصرة.
فأمّا صحبة الملازمة والاختصاص؛ فكما في قوله تعالى: {والصاحب بالجنب}، وقوله: {وما صاحبكم بمجنون}، وقوله: {يا صاحبي السجن..}، وقوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن}، ومن هذا المعنى: {أصحاب الجنّة}، و{أصحاب النار} لملازمتهم إياها واختصاصهم بها.
والاختصاص قد يكون اختصاص مُلك كما في قوله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة}، وتقول: أنا صاحب هذه الدار، أي: مالكها.
وقد يكون اختصاصاً من غير إرادة معنى الملك؛ كأصحاب السبت؛ لاختصاصهم بفتنة يوم السبت وما كان بسببه من العذاب، وكقوله: {ولا تكن كصاحب الحوت}، وقوله: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}.
وأمّا صحبة الموالاة والمناصرة؛ فمن شواهدها قول الله تعالى: {لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منّا يُصحبون} أي ليس لهم صاحب يناصرهم ويمنعهم منّا، ومن هذا المعنى قولهم: هذا من أصحابنا، وهذا من خصومنا.
وقال لبيد بن ربيعة:

فحمَى مقاتلَه وذادَ برَوقِه ... حَمْيَ المحاربِ عورةَ الصُّحْبَان

والمقصود أن لفظ الصحبة يطلق على المعنيين كليهما إطلاقاً صحيحاً؛ وقد يجتمعان؛ فصاحبك الذي يلازمك، وصاحبك الذي ينصرك ويؤيدك، والثاني خير من الأوّل، ومن جمعهما فهو بخير المنازل، ومن قصّر في صحبة الموالاة لم تجعله كثرة الملازمة أفضل حالاً ممن أحسن الموالاة؛ فإنّ الصحبة لها واجبها، ومن واجبها النصرة والموالاة والنصيحة للمصحوب.
وبهذا النوع من الصحبة امتاز الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم، مع أنّ الذين جمعوا القرآن من الصحابة رضي الله عنهم قليل في جنب من لم يجمعه، ومنهم من مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمعه، ثم جمعه بعد موته وكان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل القرآن الذين يعلّمونه ويُقرِئُونه.
فامتياز الصحابة على من سواهم باتّباعهم للقرآن، وحسن تلاوته، ومعرفتهم بتأويله، وجهادهم به ونصرتهم له أكثر من امتيازهم بحفظه عن ظهر قلب؛ والقرّاء الذين جمعوا القرآن حفظاً من التّابعين ومن بعدهم كانوا أكثر عدداً، والصحابة كانوا أحسن عملاً وأحسن مصاحبةً للقرآن، وتلاوة له، وقياماً به، ورعاية لحقّه، وكان تعلّمهم للقرآن أحسن التعلّم الدالّ على حسن الصحبة للقرآن.
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن). رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
- وقال جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا» رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجه في سننه.
- وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن؛ فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
ومن عرف مقاصد القرآن أدرك أن مَن استوعب ألفاظ القرآن حفظاً عن ظهر قلب مع تفريطه في كثير من فقهه وآدابه ليس بأولى بوصف الصحبة ممن تعلّم القرآن على طريقة الصحابة رضي الله عنهم وإن لم يبلغ استيعابَ حفظه.
ولا شكّ أن من حفظ القرآن عن ظهر قلب مع حسن اتّباعه لهدى القرآن خير ممن لم يحفظه، لكن من الخطأ البيّن تقديم معيار حفظ ألفاظه على معيار اتّباع هداه في وصف الصحبة.

وقد ذهب بعض المتأخرين من شرّاح الأحاديث إلى أنّ المراد بصاحب القرآن هو من يحفظه عن ظهر قلب، ومنهم من استدلّ بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وغيرهم.

وفي هذا الاشتراط غفلة عن مقصد الحديث ولازمه؛ فإنّ قوله "فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها" صريح في تفاضلهم في حفظ القرآن، ولا يكاد يخلو ملازمُ تلاوةِ القرآن مع العمل به من حفظ شيء من آيات القرآن؛ فلو كان حِفْظ القرآن كاملاً من شرط صحبته لكانوا سواء في الدرجة.
ويشهد لهذا التفسير قول الضحّاك بن قيس رضي الله عنه: (يا أيها الناس، علموا أولادكم وأهاليكم القرآن، فإنه من كُتب له من مسلم يدخله الله الجنة أتاه ملكان، فاكتنفاه، فقالا له: اقرأ وارتق في درج الجنة، حتى ينزلا به حيث انتهى علمه من القرآن). رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
ومقصد الحديث ظاهر في الحثّ على أخذ القرآن بقوّة والاجتهاد في التقرّب إلى الله به، لا مجرّد حفظ ألفاظه.
والقول في أصحاب القرآن نظير القول في أصحاب الصلاة، وأصحاب الصيام، وأصحاب الصدقة، وأصحاب الجهاد؛ فإنّ من الناس من تغلب عليه العناية بأنواع من الأعمال الصالحة حتى يكون له اختصاص بها لطول ملازمتها وإحسانها؛ فكذلك صاحب القرآن.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان).
قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، وأرجو أن تكون منهم»). [بيان فضل القران:107 - 112]

رد مع اقتباس