الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #97  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:14 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

النظر في المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (الكلام على مسألة النظر في المصحف يتناول أمورا ثلاثة أحدها: فضل النظر في المصحف وكونه عبادة مقصودة.
والثاني: المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب وإيراد الآثار المروية في ذلك مرفوعها وموقوفها وبيان الصحيح والسقيم منها.
والأمر الثالث: حكم النظر في المصحف من غير مس له في حق من كان ممنوعا من مسه مسا مباشرا لقيام حدث في الماس أو لكونه كافرا ممنوعا من مس المصحف.
فضل النظر في المصحف وكونه عبادة مقصودة:
لا خلاف بين أهل العلم في فضل تعهد المصحف والنظر فيه لغرض التلاوة منه لما في القراءة فيه من فائدة الاستثبات فلا يخلط بزيادة حرف ولا إسقاط حرف، أو تقديم آية أو تأخيرها.
واستثنى بعض أهل العلم من إطلاق الفضل مسألتين:
أولاهما: مسألة نظر المصلي في المصحف أثناء صلاته، وقد مضى بسط الكلام.
[708]
فيها في مسألة القراءة من المصحف في الصلاة، فلتطلب في موضعها من هذا البحث.
وثانيتهما: مسألة القراءة من مصحف موضوع في المسجد في أوقات خاصة وعلى كيفية معينة.
لكون ذلك محدثا قد عده الإمام مالك وأصحابه من بدع الحجاج بن يوسف، وإن لم يسلم غيرهم بوجه المنع هنا على ما سيأتي تفصيله في مسألة وضع المصحف في المسجد ثم إن أهل العلم حين صرحوا بفضل النظر في المصحف قد اختلفوا في التعبير عن درجة هذا الفضل فمنهم من وصفه بالاستحباب، ومنهم من وصفه بالسنية. والظاهر أن الوصف الأول: قد بنة على اعتبار اجتهادي.
والوصف الثاني: قد عول على حجج نقلية تتمثل في جملة من الآثار المرفوعة والموقوفة وهي أثار قد ضرب عنها أهل التحقيق صفحا لعلل تمس متونها وأسانيدها على ما سيأتي بيانه عند الكلام على هاتيك الآثار وقد يقول قائل أي فائدة ترجى من إيراد مالا حجة في إيراده أصلا؟ فأقول أنما آثرت ذكرها لتعلم وليكون القاريء على بينة منها ولإن طال البحث بذكر هذه وأمثالها مما لا ضرورة لذكره فإن اختصاص هذا البحث بتناول الأحكام المتعلقة بالمصحف والآداب المرعية في حقه ينتصب شافعا لهذه الإطالة ومسوغا لطلب اتساع صدر القاريء لها.
[708]

الآثار الواردة في فضل النظر في المصحف:
وهاك جملة من الآثار المرفوعة والموقوفة المروية في فضل النظر في المصحف وفضل تعهده.
أ- الآثار المرفوعة:
1- [(أدم النظر في المصحف)] قاله لمن رمد، ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة غفلا عن راويه ومخرجه قال: (وفي إسناده من لا يحتج به). وذكر الفتني في تذكرته في هذا المعنى ما نصه: [رمدت فشكوت ذلك إلى جبرائيل فقال لي أدم النظر في المصحف) هو مسلسل منكر، وأورده ابن عراق في التنزيه على النحو التالي"81" (حديث) عبد الله بن مسعود رمدت فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: أدم النظر في المصحف] (البيهقي) في الشعب مسلسلا هكذا بشكاية الرمد والأمر بإدامة النظر إلى المصحف. وقال هذا منكر، ولعل البلاء فيه من محمد بن حميد الرازي (قلت) هذا عجب من السيوطي الشافعي، وهو يتعقب كثيرا على أحاديث ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات بأن البيهقي أخرجها في الشعب أو في غيره. وأنه التزم أن لا يذكر في كتبه حديثا يعلمه موضوعا، وهذا قد أخرجه البيهقي واقتصر على وصفه بالنكارة، ومحمد بن حميد مختلف فيه، لكن لوائح الوضع ظاهرة على الحديث، فأين كان في العهد النبوي مصحف حتى يؤمر ويأمر بإدامة النظر فيه، والله أعلم.أهـ كلام ابن عراق في التنزيه، وأورد الذهبي في الطب النبوي نحوا من هذا الأثر بما نصه: (ويقال إن رجلا شكى وجع عينيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنظر في المصحف).
2- [أديموا النظر في المصحف] أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وأبو
[709]
عبيد في فضائل القرآن، والطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة في فضائل القرآن في مصنفه، وابن أبي داود في المصاحف، واللفظ لعبد الرزاق قال: (أخبرنا الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود: (أديموا النظر في المصحف فإذا اختلفتم في ياء وتا فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن).
وذكر الحافظ في الفتح صدره وعزاه إلى أبي عبيد وصحح إسناده.
3- "أعطوا أعينكم حظها من العبادة، قالوا يارسول الله وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه". من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وقد أخرجه ابن أبي الدنيا ومن طريقه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب
[710]
العظمة بإسناد ضعيف على ما ذكره العراقي في تخريج الإحياء وأخرجه الحكيم الترمذي في النوادر والبيهقي في الشعب والقرطبي في التذكار من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوا أعينكم حظها من العبادة).فذكره وأخرجه العجلوني في كشف الخفا من طريق الحكيم الترمذي والبيهقي بلفظ (أعطوا العين حظها من العبادة) الحديث، قال العجلوني (رواه الحكيم الترمذي في النوادر والبيهقي عن أبي سعيد بسند ضعيف.
4- (أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرا)أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والقرطبي في التذكار عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا.
5- (من أدام النظر في المصحف متع ببصره) أخرج القرطبي في التذكار قال: (وروى ابن جريج، عن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدام النظر في المصحف متع ببصره وذكره ابن عراق في التنزيه من قول سفيان وعبارته (وعن سفيان قال: (من أدام النظر في المصحف متع ببصره وخفف عن والديه العذاب وكان يقال أربعة تزيد في النظر أو في البصر، النظر إلى الوجه الحسن وإلى الخضرة وإلى الماء، والنظر في المصحف).
[711]
6- (من حفظ القرآن نظرا خفف عن أبويه العذاب، وإن كانا كافرين) ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة من غير ذكر لراويه أو مخرجه وذكره ابن عراق في التنزيه باللفظ المذكور أعلاه ورمز إليه ب (حب) من حديث ابن عمر، وفيه محمد بن مهاجر الطالقاني "تعقب" بأن له شاهد من حديث أبي الدرداء: (ومن قرأ مائتي آية في يوم نظرا، شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله العذاب عن والديه، وإن كانا مشركين) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف. "قلت" هو من طريق خلف بن يحي أحد الكذابين فلا يصح شاهدا والله أعلم.
وأخرج ابن أبي داود عن الليث بن سعد عن بعض شيوخ أهل المدينة، قال كان يقال: كلما قرأ الرجل في المصحف خفف عن أبويه في قبورهما) أ ه كلام بن عراق.
وذكره القاضي أبو يعلي في جملة أخبار للدلالة على فضل القراءة نظرا في المصحف فقال (فروى ابن أبي داود بإسناده عن أبي داود مرفوعا (من قرأ مائتي آية كل يوم نظرا شفع في سبعة قبور حول قبره وخفف العذاب عن والديه وإن كانا مشركين). وحكاه عن القاضي، ابن مفلح في آدابه.
وأورده الزركشي في البرهان وعزاه إلى ابن أبي داود في المصاحف أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا وباللفظ المذكور آنفا ومثله في الكنز وأورده القرطبي في التذكار من طريق ابن شاهين حيث أخرج من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحي بن سعيد، عن خالد بن سعدان، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ مائتي آية في المصحف كل يوم نظرا شفع في
[712]
سبع قبور حول قبره، وخفف الله عزوجل-عن والديه وإن كانا مشركين.
7- (من سره أن يحبه الله عزوجل فليقرأ في المصحف) أخرجه الديلمي في الفردوس وابن شاهين على ما في التذكار من رواية أبي الأحوص عن ابن مسعود وأورده في الكنز وعزاه إلى أبي نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب وأخرجه ابن عدي أيضا وقال في الفتوحات الربانية (وأخرج الحافظ عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يحبه الله ورسوله فليقرأ في المصحف) وأشار إلى أنه منكر السند.
8- (من قرأ مائتي آية في المصحف كل يوم نظرا شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله – عزوجل عن والديه وإن كانا مشركين ).وقد مر الكلام عليه في تخريج حديث من حفظ القرآن نظرا فليعاود.
9- (النظر في المصحف عبادة) وقد روي مرفوعا عن جماعة من الصحابة منهم عائشة عند ابن لأبي داود في المصاحف وأبي الشيخ وأبي نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس.
[713]
وروي أيضا من حديث جابر وأبي هريرة
[714]
وصحابي لم يسم بيد أن هذه الروايات جميعا قد وردت من طرق وأسانيد لا يحتج بمثلها.
10- (من علم ابنه القرآن نظرا غفر له ما تقدم وما تأخر) أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس رضي الله عنه وقال الهيثمي في المجمع في باب:
[715]
"فيمن علم ولده القرآن" إثر إيراده لحديث أنس المذكور: (رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه).
11- (من قرأ القرآن ظاهرا أو ناظرا حتى يختمه غرس الله له به شجرة في الجنة) إلخ أخرجه الحاكم في المستدرك وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير ، والبيهقي في الشعب وأورده في الكنز بما نصه: (من قرأ القرآن ظاهرا أو ناظرا حتى يختمه غرس الله له به شجرة في الجنة ولو أن غرابا أفرخ في ورقة منها ثم نهض يطير لأدركه الهرم قبل أن يقطع تلك الورقة من تلك الشجرة) "الرافعي عن حذيفة" "طب ك وتعقب هب وابن مردوية"عن ابن الزبير.
ب) الآثار الموقوفة في فضل النظر في المصحف:
1- قال عبد الله بن حسان (اجتمع اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أفضل العبادات قراءة القرآن نظرا).
2- وكان عثمان رضي الله عنه يقول: ( ما أحب أن يأتي على يوم ولا ليلة إلا أنظر في كتاب الله يعني القراءة في المصحف) أخرجه عنه بهذا اللفظ الإمام أحمد في الزهد.
وذكره القرطبي بلفظ (والله إني لأكره أن يأتي على يوم لا أنظر في عهد الله عز
[716]
وجل. وذكر أبو حامد الغزالي: أن عثمان رضي الله عنه خرق مصحفين لكثرة قراءته منهما.
3- قال أبو حامد وكان كثير من الصحابة يقرءون في المصاحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
4- (أديموا النظر في المصحف) : وقد مر تخريجه في المرفوعات وأن وقفه على عبد الله بن مسعود أصح، وقد روي عن عبد الله بن مسعود أيضا أنه كان يقول: "تعاهدوا هذه المصاحف" ، " وكان ابن مسعود إذا أصبح أمر غلامه فنشر المصحف فقرأه عليه".
" وروي أن مصحف عبد الله كان منشورا في بيته، وكان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرؤوا وفسر لهم". كذا في فضائل القرآن لأبي عبيد، والطبري في تفسيره وابن كثير في فضائل القرآن، وقال صحيح.
5- ["إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف فليقرأ".. أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن قال: (حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن حجاج بن أرطأة
[717]
عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، أنه قال: [(إذا رجع...)]فذكره. وأخرجه أيضا ابن كثير في فضائل القرآن.
6- وكان ابن عمر إذا نظر في المصحف ليقرأ بدأ فقال: اللهم أنت هديتني ولو شئت لم أهتد، لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وقد مر في مسألة الدعاء عند أخذ المصحف بأبسط من هذا.
7- (أفضل العبادة قراءة مائتي آية في المصحف) أخرجه في التذكار من قول عائشة رضي الله عنها.
8- وروي (أنها كانت تقرأ في المصحف فإذا انتهت إلى السجدة قامت فسجدت) ذكره غير واحد من الأصحاب عن إسحاق بن راهويه بإسناده عنها.
9- (إني لأستحي أن لا أنظر كل يوم في عهد ربي عزوجل مرة) حكاه في التذكار عن أبي موسى بلفظ (وكان أبو موسى يقول: (إني لأستحي أن لا أنظر كل يوم في عهد ربي عزوجل مرة) وقد مر مثله عن عثمان رضي الله عنه من ذات المصدرين.
10- وكان عمر بن الخطاب إذا دخل بيته نشر المصحف وقرأ فيه" أخرجه أبو
[718]
عبيد في فضائل القرآن وابن أبي داود في المصاحف والزركشي في البرهان.
وابن كثير في فضائل القرآن واللفظ لأبي عبيد قال: (حدثنا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن عمر كرم الله وجهه، أنه: "كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه" . وأخرجه أيضا القرطبي في تفسيره وتذكاره.
11- "ليس من العبادات أشد على الشيطان من قراءة القرآن نظرا" حكاه القرطبي في التذكار عن شداد ابن أوس موقوفا.
12- وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ حزبه في المصحف كل ليلة ..
فقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن الأثر عنه في هذا قال: (حدثنا قبيصة عن سفيان عن الأعمش عن خيثمة قال: (دخلت على عبد الله بن عمرو وهو يقرأ في المصحف فقال: ("هذا حزبي الذي أقرأ به الليلة").
وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن نحوا منه.
قال ابن كثير في فضائل القرآن: (فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا
[719]
يعطل المصحف فلا يقرأ منه ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال).
النقول عن السلف في فضل القراءة والنظر في المصحف:
1- ذكر القاضي أبو يعلي أن ابن أبي داود قد ذكر بإسناده عن الاوزاعي قال: (كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هية) كذا في الآداب، وعبارة الزركشي في البرهان وعن الأوزاعي: (كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هنيهة).
2- وقد قيل: (الختمة في المصحف بسبع). ذكره الغزالي في الإحياء.
3- قال أبو حامد: (ودخل فقهاء مصر على الشافعي رضي الله عنه في السحر وبين يديه مصحف فقال له الشافعي: شغلكم الفكر عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
4- وقال عبد الله ابن الإمام أحمد كان أبي يقرأ كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا.
5- وقال ابن الجوزي (وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات
[720]
يسيره لئلا يكون مهجورا.
6- وقال القرطبي وهو بصدد الكلام عن حقوق المصحف (أن لا يخلي يوما من أيامه من النظر في المصحف مرة أو مرتين واستدل بالآثار السالف ذكرها.
7- وقال ابن مفلح في الفروع – عن القراءة- :( ويستحب في المصحف ذكره الآمدي وغيره).
8- وقال شارح المنتهى (وتسن القراءة في المصحف لاشتغال حاسة البصر بالعبادة)... وجزم به في مطالب أولي النهى.
9- وقد صرح غير واحد من فقهاء الأحناف بفضل القراءة في المصحف قال في البزازية (والقراءة في الأسباع جائزة لكن الأفضل القراءة من المصحف لكون الأسباع محدثة).
المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب:
لأهل العلم في مسالة المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب أقوال ثلاثة:
أحدها: أنها من المصحف أفضل.
والثاني: أن القراءة عن ظهر قلب أفضل.
والثالث: أن ذلك يختلف باختلاف القاريء، فإن كان القاريء من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل.
وقد ذهب إلى القول الأول جمهور أهل العلم وهو ظاهر الأخبار والآثار السالف
[721]
ذكرها الدالة على أن أفضل العبادات النظر في المصحف، يؤيده حرص الصحابة رضوان الله عليهم ومواظبتهم على تعاهد المصاحف والنظر فيها كل يوم مرة أو مرتين وعدم ورود ما يعارض تلك الآثار ولأن القراءة من المصحف تجتمع فيها القراءة والنظر، قالوا ولإن كانت فائدة القراءة من الحفظ قوة الحفظ، وثبات الذكر، وهي أمكن للتفكر فيه. ففائدة القراءة في المصحف الاستثبات، لا يخلط بزيادة حرف ولا إسقاط حرف، أو تقديم آية أو تأخيرها. وأيضا فإنه يعطي عينيه حظها منه فإن العين تؤدي للنفس، وبين النفس والصدر حجاب، والقرآن في الصدر فإذا قرأه عن ظهر قلبه، فأنه يسمع أذنه فيؤدي إلى النفس، وإذا نظر في الخط كانت العين والأذن قد اشتركتا في الأداء، وذلك أوفى للأداء، وكانت العين قد أخذت حظها كالأذن، ويقضي حق المصحف، لإن المصحف لم يتخذ ليمهل وله على الانفراد حق فلا يقرأ إلا على طهارة، ألا ترى أن المحدث منهي عن مسه فكانت القراءة في المصحف أولى وأفضل قالوا ويتأكد هذا التفضيل بما ورد من الآثار التى تعتبر نصا في المطلوب، بيد أن المخالف لم يسلم بثبوت الآثار المشار إليها لأنها آثار قد تكلم في أسانيدها ومتونها حتى عدت في الموضوعات ووصفت بالنكارة على ما مر بيانه عند تخريج هاتيك الآثار..وسيأتي لذلك مزيد بيان.
قالوا واسم المصحف لم يكن معهودا في زمن النبوة وإنما حدث في عهد أبي بكر على ما سبق بيانه في موضعه في هذا البحث نهايك عن أن القول بتفضيل القراءة نظرا على القراءة حفظا يقتضي أن تكون قراءة النبي عليه الصلاة والسلام مفضولة لكونه عليه السلام أميا ولا قائل بذلك بل ولا جائز أن يقال به.
رأي ابن عبد السلام:
ولهذا قال أبو محمد بن عبد السلام الشافعي في "أماليه" : (قيل القراءة في
[722]
المصحف أفضل لأنه يجمع فعل الجارحتين وهما اللسان والعين، والأجر على قدر المشقة، وهذا باطل لأن المقصود من القراءة التدبر لقوله تعالى: (ليدبروا ءاياته) والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخل بهذا المقصود، فكان مرجوحا.
رأي النووي:
ومع أن النووي قد قدم في غير موضع من كتبه قول الجمهور في تفضيل القراءة نظرا في المصحف على القراءة على ظهر قلب إلا أنه اختار القول بالتفصيل فقال في التبيان (ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة من المصحف وعن ظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن يكمل بذلك خشوعه وتدبره ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل). قال الأنصاري في شرح الروض بعد أن قدم رأي الجمهور: (نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في االقراءة عن ظهر القلب فهي أفضل في حقه قاله النووي في مجموعه وغيره تفقها وهو حسن).
قال الحافظ بن حجر في الفتح: (وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب). ثم ذكر بعض الآثار الواردة في ذلك على ما مضى بيانه، ثم استدل بعد الأثر بالنظر فقال: (ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص).
[723]
تنبيه:
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإمام مالكا رحمه الله قد نص على مسألة خالف بها الجمهور حين قال بكراهة القراءة من المصحف في المسجد خاصة لأن وضع المصاحف في المساجد لم يكن معهودا في الصدر الأول وإنما هو بدعة من بدع الحجاج، وقد سئل الإمام مالك عن ذلكط فكرهه وقال:( هذا لم يكن من عمل الناس).. وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان عند الكلام على مسألة وضع المصحف في المسجد.
الآثار المقتضية لتفضيل النظر في المصحف:
وردت جملة من الآثار في تفضيل القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قلب وهاك طرفا من تلك الآثار:
1- حديث: "فضل من يقرأ القرآن نظرا على الذي يقرؤه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة" أخرجه أبو عبيد ومن طريقه الطبراني وأبو نعيم والديلمي
[724]
والقرطبي وابن كثير وابن مفلح والحافظ في الفتح والسيوطي في الجامع الصغير وأورده في الكنز في موضعين: الأول منهما عن عمرو بن أوس عند ابن مردويه وثانيهما عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن عمروو بن أوس عند ابن مردوية أيضا ولفظه في الموضعين (قراءتك نظرا تضاعف على قراءتك ظاهرا، كفضل المكتوبة على النافلة) وضعفه في الجامع من رواية عمرو بن أوس، قال الألباني في ضعيف الجامع عند إيراده لهذا الحديث من رواية عمرو بن أوس، قال الألباني في ضعيف الجامع عند إيراده لهذا الحديث من رواية عمرو بن أوس قال: (هو الطائفي الثقفي، وهو تابعي، فكان الواجب الإشارة إلى ذلك بقوله: "مرسلا" كما هي عادته.).
[725]
2- وحديث: "قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة". أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب والقرطبي في التذكار والزركشي في البرهان والهيثمي في المجمع والسيوطي في الجامع الصغير والمتقي في الكنز واللفظ للطبراني قال: (ثنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي ثنا أبي وحدثنا عبدان بن حمدان ثنا دحيم الدمشقي ثنا مروان ابن معاوية ثنا أبو سعيد بن عوذ المكي عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة) ونقله ابن مفلح في الآداب كما مر ثم قال: (كذا نقلته من خط الحافظ ضياء الدين وإنما هو أبو سعيد بن عوذ روى ابن أبي مريم عن ابن معين: ليس به بأس، وروى غيره عنه: ضعيف وروى ابن عدي خبره هذا واختلف عليه في متنه وقال مقدار ما يرويه محفوظ، وذكر هذه المسألة الآمدي من أصحابنا. وذكر الحافظ أبو موسى في "الوظائف" في ذلك أثرا.
قال الزركشي في البرهان بعد أن ساق رواية الطبراني الآنفة الذكر: (وأبو
[726]
سعيد قال فيه ابن معين: لا بأس به وروي البيهقي في "شعب الإيمان" من طريقين إلى عثمان بن عبد الله بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن في المصحف كانت له (ألف ألف) حسنة، ومن قرأه في غير المصحف فأظنه قال: (كألفي حسنة) . وفي الطريق الأخرى قال: (درجة) وجزم بألف إذا لم يقرأ في المصحف.
وقال ابن علان في الفتوحات (في الشعب للبيهقي بأسانيد ضعيفة حديث (قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضعف على ذلك إلى ألفي درجة) قلت قال الحافظ حديث غريب أخرجه ابن عدي في الكامل).
النظر في المصحف من غير مس:
صرح جمع من الفقهاء بأنه لا يكره للجنب، أو الحائض، أو النفساء النظر في المصحف أو القرآن المكتوب من غير مس له وعلل بعضهم الجواز بأن الجنابة وما في حكمها لا تحل العين. مستدلا بعدم وجوب غسلها ولكن بعض الفقهاء لم يرتض هذا التعليل، ولم يسلم بكون الجنابة لا تحل العين، وفسر عدم وجوب غسلها بالحرج المترتب على القول: بالوجوب لمشقة
[727]
غسلها بل لاحتمال الضرر الناجم عن غسلها على القول بوجوبه ورجح أن علة القول بجواز النظر إلى المصحف، وما في حكمه حال الجنابة انتفاء كون النظر مسا فالناظر في المكتوب لا يكون ماسا له، لا شرعا، ولا لغة، ولا عرفا، وقد مضى القول: بجواز كتابة المحدث للقرآن من غير مس، بل وإن كان الكاتب ذميا على ما مر تفصيله في مواضعه من هذا البحث. على أن الكتابة أبلغ من مجرد النظر بالعين، إذ في الكتابة نوع مس لأن القلم يمس الحروف حال الكتابة، وهو في يد الكاتب وقد يقال "بأن ذلك منه نوع مس بواسطة بخلاف مجرد النظر بالعين لعدم المحظور هنا. ومثل الجنب في عدم كراهة النظر من غير مس الحائض والنفساء، ولكن الوضوء لمطلق الذكر مندوب وتركه خلاف الأولى.
[728]


رد مع اقتباس