عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما دخلوا عليه} الآية، في هذا الموضع اختصار محذوفات يعطيها الظاهر، وهي أنهم نفذوا من الشام إلى مصر ووصلوها، والضمير في "عليه" عائد على يوسف. و"الضر" أرادوا به المسغبة التي كانوا بسبيلها وأمر أخيهم الذي أهم أباهم وغم جميعهم، و"البضاعة": القطعة من المال يقصد بها شراء شيء، ولزمها عرف الفقه فيما لا حظ لحاملها من الربح، و"المزجاة" معناها: المدفوعة المتحيل لها، ومنه: إزجاء السحاب، ومنه إزجاء الإبل، كما قال الشاعر:
على زواحف تزجى مخها رير
وكما قال النابغة:
وهبت الريح من تلقاء ذي أرل ... تزجي مع الليل من صرادها صرما
[المحرر الوجيز: 5/140]
وقال الأعشى:
الواهب المائة الهجان وعبدها ... عوذا تزجي خلفها أطفالها
وقال الآخر:
وحاجة غير مزجاة من الحاج
وقال حاتم:
ليبك على ملحان ضيف مدفع ... وأرملة تزجي مع الليل أرملا
فجملة هذا أن من يسوق شيئا ويتلطف في تسييره فقد أزجاه، فإذا كانت الدراهم المدفوعة نازلة القدر تحتاج أن يعتذر معها ويشفع لها فهي مزجاة، فقيل: كان ذلك لأنها كانت زيوفا، قاله ابن عباس، وقال الحسن: كانت قليلة، وقيل: كانت ناقصة، قاله ابن جبير، وقيل: كانت بضاعتهم عروضا فلذلك قالوا هذا، واختلف في تلك
[المحرر الوجيز: 5/141]
العروض -ما كانت؟ فقيل: كانت السمن والصوف، قاله عبد الله بن الحارث، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت قديد وحش، ذكره النقاش، وقال أبو صالح، وزيد بن أسلم: كانت الصنوبر والحبة الخضراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
"وهي الفستق": وقيل: كانت المقل، وقيل: كانت القطن، وقيل: كانت الحبال والأعدال والأقتاب. وحكى مكي أن مالكا رحمه الله قال: المزجاة: الجائزة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا أعرف لهذا وجها، والمعنى يأباه. ويحتمل أنه صحف على مالك، وأن لفظه بالحاء غير منقوطة وبالراء، واستند مالك رحمه الله في أن الكيل على البائع إلى هذه الآية، وذلك ظاهر منها وليس بنص.
وقولهم: {وتصدق علينا} معناه: بما بين الدراهم الجياد وهذه المزجاة، قاله السدي وغيره، وقيل: كانت الصدقة غير محرمة على أولئك الأنبياء، وإنما حرمت على محمد صلى الله عليه وسلم، قاله سفيان بن عيينة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف يرده حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا الصدقة".
وقالت فرقة: كانت الصدقة عليهم محرمة ولكن قالوا هذا تجوزا واستعطافا منهم
[المحرر الوجيز: 5/142]
في المبايعة، كما تقول لمن تساومه في سلعة: هبني من ثمنها كذا وخذ كذا، فلم تقصد أن يهبك، وإنما حسنت له الانفعال حتى يرجع معك إلى سومك. وقال ابن جريج: إنما خصوا بقولهم: {وتصدق علينا} أمر أخيهم (يامين)، أي: أوف لنا الكيل في المبايعة، وتصدق علينا بصرف أخينا إلى أبيه.
وقولهم: {إن الله يجزي المتصدقين}. قال النقاش: يقال: هو من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكا كافرا على غير دينهم، ولو قالوا: "إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة" كذبوا، فقالوا له لفظا يوهمه أنهم أرادوه، وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل). [المحرر الوجيز: 5/143]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}
روي أن يوسف عليه السلام لما قال إخوته: مسنا وأهلنا الضر واستعطفوه -رق ورحمهم، قال ابن إسحاق: وارفض دمعه باكيا فشرع في كشف أمره إليهم، فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم: هل علمتم الآية.
وقوله: {فعلتم بيوسف وأخيه} يريد: من التفريق بينهما في الصغر، والتمرس بهما، وإذاية (يامين) بعد مغيب يوسف، فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه، ولم يشر إلى قصة (يامين) الآخيرة لأنهم لم يفعلوا هم فيها شيئا، ونسبهم إما إلى جهل المعصية،
[المحرر الوجيز: 5/143]
وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة، فلما خاطبهم هذه المخاطبة -ويشبه أن يكون قد اقترن بها من هيئته وبشره وتبسمه ما دلهم- تنبهوا ووقع لهم من الظن القوي أنه يوسف، فخاطبوه مستفهمين استفهام تقرير). [المحرر الوجيز: 5/144]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأت فرقة: {أإنك لأنت يوسف} بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما: "آئنك"، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية "أينك"، وقرأ ابن محيصن، وقتادة، وابن كثير: "إنك" على الخبر وتأكيده، وقرأ أبي بن كعب: "أئنك أو أنت يوسف "، قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر (إن)، كأنه قال: أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف؟
وحكى أبو عمرو الداني: أن في قراءة أبي بن كعب: "أو أنت يوسف ". وتأولت فرقة ممن قرأ: "إنك" أنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام، فأجابهم يوسف كاشفا أمره، قال: أنا يوسف وهذا أخي، وقال مجاهد: أراد: من يتق في ترك المعصية ويصبر في السجن، وقال إبراهيم النخعي: من يتق الزنى ويصبر على العزوبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم، وإنما قال هذان ما خصصنا؛ لأنها كانت من نوازله، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر.
وقرأ الجمهور: "يتق" بغير ياء، وقرأ ابن كثير وحده: "يتقي" بإثبات الياء، واختلف في وجه ذلك -فقيل: قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة، كما قال الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/144]
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد؟
قال أبو علي: وهذا مما لا نحمله عليه، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام، وقيل: "من" بمعنى الذي، و"يتقي" فعل مرفوع، و"يصبر" عطف على المعنى، لأن "من" وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط، ونحوه قوله تعالى: {فأصدق وأكن}، وقيل: أراد: "يصبر" بالرفع، لكنه سكن الراء تخفيفا، كما قرأ أبو عمرو: "ويأمركم" بإسكان الراء). [المحرر الوجيز: 5/145]

رد مع اقتباس