عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 ربيع الأول 1432هـ/3-03-2011م, 10:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تحويل [أم] المنقطعة إلى [أم] المتصلة

تحويل [أم] المنقطعة إلى [أم] المتصلة

حول الزمخشري وغيره [أم] المنقطعة إلى [أم] المتصلة بتقدير معطوف عليه محذوف في بعض الآيات.
وقد بالغ السهيلي فزعم أن [أم] لم تقع في القرآن إلا متصلة، و[أم] المنقطعة لا ينبغي أن تكون في القرآن، قال في كتابه [نتائج الفكر:ص209-210].
«وهذه [أم] التي هي مشوبة المعنى بالإضراب والاستفهام، ولا ينبغي أن تكون في القرآن، وإن كانت على جهة التقرير ؛ نحو: {أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي} وأحسب جميع ما وقع منها في القرآن إنما هو على أصلها الأول من المعادلة، وإن لم يكن قبلها ألف استفهام، نحو قوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} و{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ}. لأن القرآن كله مبني على تقرير الجاحدين، وتبكيت المعاندين، وهو كله كلام واحد، كأنه معطوف بعضه على بعض، فإذا وجدت [أم] وليس قبلها استفهام في اللفظ فهو متضمن في المعنى. معلوم بقوة الكلام كأنه يقول: أتقولون كذا أم تقولون كذا. وأبلغك كذا أم حسبت أن الأمر كذا ونظيره ما يتكرر في القرآن من قوله سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا} {وَإِذَا أَذَقْنَا} بواو العطف من غير ذكر عامل يعمل في [إذ]؛ لأن الكلام في معرض تعداد النعم، وتكرار الأقاصيص، فيصير بالواو العاطفة إليها كأنها مذكورة في اللفظ؛ لعلم المخاطب بالمراد».
وقد أعجب بهذا الرأي ابن القيم وبسط القول فيه في [البدائع:1/206–209] ونذكر صدرا من كلامه:
«والحق أن يقال: إنها على بابها وأصلها الأول من المعادلة والاستفهام حيث وقعت، وإن لم يكن قبلها أداة استفهام في اللفظ.
وتقديرها ببل والهمزة خارج عن أصول اللغة العربية؛ فإن [أم] للاستفهام [بل] للإضراب ويا بعد ما بينهما، والحروف لا يقوم بعضها مقام بعض على أصح الطريقتين، وهي طريقة إمام الصناعة والمحققين من أتباعه، ولو قدر قيام بعضها مقام فهو فيما تقارب معناهما ؛ كمعنى [على] و[في]، ومعنى [إلى] و[مع] ونظائر ذلك، وأما فيما لا جامع بينهما فلا.
ومن هنا كان زعم من زعم أن [إلا] قد تأتي بمعنى الواو باطلا؛ لبعد ما بين معنيهما، وكذلك [أو] بمعنى الواو.. وكذلك مسألتنا: أين معنى [أم] من معنى [بل] فاسمع الآن فقه المسألة وسرها..».

[الآيات]
1- {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [2: 132–133].
في [الكشاف:1/95-96]: «ولكن الوجه أن تكون متصلة، على أن يقدر قبلها محذوف، كأنه قيل: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء».
واعترضه أبو حيان. قال في [البحر:1/400]: «ولا نعلم أحدا أجاز حذف هذه الجملة، ولا يحفظ ذلك، لا في شعر ولا في غيره ؛ فلا يجوز: أم زيد وأنت تريد: أقام عمرو أم زيد، ولا: أم قام خالد وأنت تريد: أخرج زيد أم قام خالد.
والسبب في أنه لا يجوز الحذف أن الكلام في معنى أي الأمرين وقع، فهو في الحقيقة جملة واحدة.
وإنما يحذف المعطوف عليه ويبقى المعطوف مع الواو والفاء إذا دل على ذلك دليل ؛ نحو قولك: بلى وعمرا جوابا لمن قال: ألم تضرب زيدا ونحوه.
ونحو قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} أي فضرب فانفجرت.
وندر حذف المعطوف عليه مع [أو].. لكن الذي سمع من كلام العرب حذف [أم] المتصلة مع المعطوف. قال:
دعاني إليها القلب إن لأمره = سميع فما أدري أرشد طلابها
يريد: أم غير رشد، فحذف لدلالة الكلام عليه. وإنما جاز ذلك ؛ لأن المستفهم عن الإثبات يتضمن نقيضه.. ويجوز حذف الثواني المقابلات إذا دل عليها المعنى..».
[العكبري:1/36]، [الدماميني:1/95]، [أبو السعود:1/127].
2- {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [2: 213–214].
في [البحر:2/139-140]: «ورام بعض المفسرين أن يجعلها متصلة، ويجعل قبلها جملة مقدرة تصير بتقديرها [أم] متصلة، فتقدير الآية: أفتسلكون سبيلهم أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير سلوك سبيلهم.. والصحيح هو القول الأول».
[معاني القرآن:1/132]، [الكشاف:1/129]، [أم منقطعة عنده]، [العكبري:1/51]، [القرطبي:842].
3- {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [3: 141–142].
في [البحر:3/65–66]: «وقيل: [أم] متصلة. قال ابن بحر: هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تقدم. وذلك أن قوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك: أتعلمون أن التكليف توجب ذلك أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمل مشقة. وتقدم لنا إبطال مثل هذا القول».
وفي [المغني:1/167]: «وقيل: إن [أم] متصلة، والتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم».
في [الكشاف:1/219] «أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار».
[العكبري:1/84]، [القرطبي:2/1462].
4- {وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [10: 37-38].
في [البحر:5/158]: «و[أم] متضمنة معنى [بل] والهمزة على مذهب سيبويه، أي بل أيقولون: اختلقه، والهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم، وإنكار لقولهم واستبعاد..
وقال أبو عبيدة: [أم] بمعنى الواو، ومجازه: ويقولون: افتراه...
وقيل: [أم] هي المعادلة للهمزة، وحذفت الجملة قبلها، والتقدير: أيقرون به أم يقولون افتراه».
وعند الزمخشري [أم] منقطعة. [الكشاف:2/191]، [أبو السعود:2/327–328]، [الجمل:2/344]، [القرطبي:4/3183].
5- {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [11: 12–13].
في [البحر:5/208]: «الظاهر أن [أم] منقطعة تقدر ببل والهمزة. وقال ابن القشيري [أم] استفهام توسط الكلام، على معنى: أيكتفون بما أوجبت إليك من القرآن أم يقولون إنه ليس من عند الله.. فجعل [أم] متصلة، والظاهر الانقطاع». في [الكشاف:2/210]: «[أم] منقطعة»، [القرطبي:4/3240]، [الخازن:2/343]، [البيضاوي:ص220]، [أبو السعود:3/9]، [الجمل:2/278].
6- {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [39: 8-9].
في [العكبري:2/112]: «[أم] للاستفهام منقطعة، أي بل أم من هو قانت.
وقيل: هي متصلة تقديره: أم من يعصي أم من هو مطيع مستويان، وحذف الخبر لدلالة قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ}.
وفي [البيان:2/322]: «وفي الكلام محذوف وتقديره: العاصون ربهم خير أم من هو قانت، ودل على هذا المحذوف أيضا قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
وفي [البحر:7/418–419]: «على قراءة التشديد احتملت [أم] أن تكون متصلة، ومعادلها محذوف، تقديره: أهذا الكافر خير أم من هو قانت، قال معناه الأخفش.
ويحتاج مثل هذا التقدير إلى سماع من العرب، وهو أن يحذف المعادل الأول». [القرطبي:7/5682–5683].



[دراسات عضيمة: ق1، ج1،ص408]


رد مع اقتباس