عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 08:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى}، هذه هي المرّة الثّانية الّتي رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها جبريل على صورته الّتي خلقه اللّه عليها، وكانت ليلة الإسراء. وقد قدّمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أوّل سورة "سبحان" بما أغنى عن إعادته هاهنا، وتقدّم أنّ ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، كان يثبت الرّؤية ليلة الإسراء، ويستشهد بهذه الآية. وتابعه جماعةٌ من السّلف والخلف، وقد خالفه جماعاتٌ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم، والتّابعين وغيرهم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن ابن مسعودٍ في هذه الآية: {ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى}، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت جبريل وله ستّمائة جناحٍ، ينتثر من ريشه التّهاويل: الدّرّ والياقوت". وهذا إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا شريكٌ، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن أبي وائل، عن عبد اللّه قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل في صورته وله ستّمائة جناحٍ، كلّ جناحٍ منها قد سدّ الأفق: يسقط من جناحه من التّهاويل والدّرّ والياقوت ما اللّه به عليمٌ". إسناده حسنٌ أيضًا.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني حسينٌ، حدّثني عاصم بن بهدلة قال: سمعت شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعودٍ يقول قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستّمائة جناحٍ" سألت عاصمًا عن الأجنحة فأبى أن يخبرني. قال: فأخبرني بعض أصحابه أنّ الجناح ما بين المشرق والمغرب. وهذا أيضًا إسنادٌ جيّدٌ.
وقال أحمد: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا حسينٌ، حدّثني عاصم بن بهدلة،حدّثني شقيقٌ قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتاني جبريل، عليه السّلام، في خضر معلّقٍ به الدّرّ ". إسناده جيّدٌ أيضًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثني يحيى عن إسماعيل، حدّثنا عامرٌ قال: أتى مسروق عائشة فقال: يا أمّ المؤمنين، هل رأى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه عزّ وجلّ؟ قالت: سبحان اللّه لقد قفّ شعري لما قلت، أين أنت من ثلاثٍ من حدّثكهن فقد كذب: من حدّثك أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد كذب، ثمّ قرأت: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103]، {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلا وحيًا أو من وراء حجابٍ} [الشّورى: 51]، ومن أخبرك أنّه يعلم ما في غدٍ فقد كذب، ثمّ قرأت: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام} الآية [لقمان:34]، ومن أخبرك أنّ محمّدًا قد كتم، فقد كذب، ثمّ قرأت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67]، ولكنّه رأى جبريل في صورته مرّتين.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن داود، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ قال: كنت عند عائشة فقلت: أليس اللّه يقول: {ولقد رآه بالأفق المبين} [التّكوير:23]، {ولقد رآه نزلةً أخرى} فقالت: أنا أوّل هذه الأمّة سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنها، فقال: "إنّما ذاك جبريل". لم يره في صورته الّتي خلق عليها إلّا مرّتين، رآه منهبطًا من السّماء إلى الأرض، سادًّا عظم خلقه ما بين السّماء والأرض.
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث الشّعبيّ، به.
رواية أبي ذرٍّ، قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همامٌ، حدّثنا قتادة، عن عبد اللّه بن شقيق قال: قلت لأبي ذرٍّ: لو رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسألته. قال: وما كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأى ربّه، عزّ وجلّ؟ فقال: إنّي قد سألته فقال: "قد رأيته، نورًا أنّى أراه".
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد، وقد أخرجه مسلمٌ من طريقين بلفظين فقال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن أبي ذرٍّ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل رأيت ربّك؟ فقال: "نورٌ أنّى أراه".
وقال: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثنا أبي، عن قتادة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ قال: قلت لأبي ذرٍّ: لو رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لسألته. فقال: عن أيّ شيءٍ كنت تسأله؟ قال: قلت: كنت أسأله: هل رأيت ربّك؟ قال أبو ذرٍّ: قد سألت فقال: "رأيت نورًا".
وقد حكى الخلّال في "علله" أنّ الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث فقال: ما زلت منكرًا له، وما أدري ما وجهه.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن عونٍ الواسطيّ، أخبرنا هشيم، عن منصورٍ، عن الحكم، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: رآه بقلبه، ولم يره بعينه.
وحاول ابن خزيمة أن يدّعي انقطاعه بين عبد اللّه بن شقيق وبين أبي ذرٍّ، وأمّا ابن الجوزيّ فتأوّله على أنّ أبا ذرٍّ لعلّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل الإسراء، فأجابه بما أجابه به، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات. وهذا ضعيفٌ جدًّا، فإنّ عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، قد سألت عن ذلك بعد الإسراء، ولم يثبت لها الرّؤية. ومن قال: إنّه خاطبها على قدر عقلها، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه -كابن خزيمة في كتاب التّوحيد -، فإنّه هو المخطئ، واللّه أعلم.
وقال النّسائيّ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشامٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، عن يزيد بن شريكٍ، عن أبي ذرٍّ قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ربّه بقلبه، ولم يره ببصره.
وقد ثبت في صحيح مسلمٍ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عليّ بن مسهر، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّه قال في قوله: {ولقد رآه نزلةً أخرى}، قال: رأى جبريل، عليه السّلام.
وقال مجاهدٌ في قوله: {ولقد رآه نزلةً أخرى} قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل في صورته مرّتين، وكذا قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ، وغيرهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 451-453]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله تعالى: {إذ يغشى السّدرة ما يغشى}: قد تقدّم في أحاديث الإسراء أنّه غشيتها الملائكة مثل الغربان، وغشيها نور الرّبّ، وغشيها ألوانٌ ما أدري ما هي.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مالك بن مغول، حدّثنا الزّبير بن عديٍّ، عن طلحة، عن مرّة، عن عبد اللّه-هو ابن مسعودٍ-قال: لـمّا أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السّماء السّابعة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها، {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} قال: فراشٌ من ذهبٍ، قال: وأعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثًا: أعطي الصّلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك باللّه شيئًا من أمّته المقحمات. انفرد به مسلمٌ.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره -شكّ أبو جعفرٍ-قال: لمّا أسري برسول اللّه انتهى إلى السّدرة، فقيل له: هذه السّدرة [قال]: فغشيها نور الخلّاق، وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشّجر، قال: فكلّمه عند ذلك، فقال له: سل.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} قال: كان أغصان السّدرة لؤلؤًا وياقوتًا وزبرجدًا، فرآها محمّدٌ، ورأى ربّه بقلبه.
وقال ابن زيدٍ: قيل: يا رسول اللّه، أيّ شيءٍ رأيت يغشى تلك السّدرة؟ قال: "رأيت يغشاها فراشٌ من ذهبٍ، ورأيت على كلّ ورقةٍ من ورقها ملكا قائمًا يسبّح اللّه، عزّ وجلّ"). [تفسير ابن كثير: 7/ 454]

تفسير قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ما زاغ البصر وما طغى} قال ابن عبّاسٍ: ما ذهب يمينًا ولا شمالًا {وما طغى} ما جاوز ما أمر به.
وهذه صفةٌ عظيمةٌ في الثّبات والطّاعة، فإنّه ما فعل إلّا ما أمر به، ولا سأل فوق ما أعطي. وما أحسن ما قال النّاظم:
رأى جنّة المأوى وما فوقها، ولو = رأى غيره ما قد رآه لتاها
). [تفسير ابن كثير: 7/ 454]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لقد رأى من آيات ربّه الكبرى}، كقوله: {لنريك من آياتنا} [طه: 23] أي: الدّالة على قدرتنا وعظمتنا. وبهاتين الآيتين استدلّ من ذهب من أهل السّنّة أنّ الرّؤية تلك اللّيلة لم تقع؛ لأنّه قال: {لقد رأى من آيات ربّه الكبرى}، ولو كان رأى ربّه لأخبر بذلك ولقال ذلك للنّاس، وقد تقدّم تقرير ذلك في سورة "سبحان" وقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا محمّد بن طلحة، عن الوليد بن قيسٍ، عن إسحاق بن أبي الكهتلة قال محمّدٌ: أظنّه عن ابن مسعودٍ -أنّه قال: إنّ محمّدًا لم ير جبريل في صورته إلّا مرّتين، أمّا مرّةٌ فإنّه سأله أن يريه نفسه في صورته، فأراه صورته فسدّ الأفق. وأمّا الأخرى فإنّه صعد معه حين صعد به. وقوله: {وهو بالأفق الأعلى. ثمّ دنا فتدلّى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: فلمّا أحسّ جبريل ربّه، عزّ وجلّ، عاد في صورته وسجد. فقوله: {ولقد رآه نزلةً أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنّة المأوى. إذ يغشى السّدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربّه الكبرى} قال: خلق جبريل عليه السّلام.
هكذا رواه الإمام أحمد، وهو غريبٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 454-455]

رد مع اقتباس