عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 04:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل ربّ إمّا ترينّي ما يوعدون (93) ربّ فلا تجعلني في القوم الظّالمين (94) وإنّا على أن نريك ما نعدهم لقادرون (95) ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون (96) وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين (97) وأعوذ بك ربّ أن يحضرون (98)}.
يقول تعالى آمرًا [نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم] أنّ يدعو هذا الدّعاء عند حلول النّقم: {ربّ إمّا ترينّي ما يوعدون} أي: إن عاقبتهم -وإنّي شاهد ذلك- فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ -وصحّحه-: "وإذا أردت بقومٍ فتنةً فتوفّني إليك غير مفتونٍ"). [تفسير ابن كثير: 5/ 492]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإنّا على أن نريك ما نعدهم لقادرون} أي: لو شئنا لأريناك ما نحلّ بهم من النّقم والبلاء والمحن). [تفسير ابن كثير: 5/ 492]

تفسير قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال مرشدًا له إلى التّرياق النّافع في مخالطة النّاس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقةً وبغضه محبّةً، فقال: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة}، وهذا كما قال في الآية الأخرى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ. وما يلقّاها إلا الّذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ} [فصّلت: 34، 35]: أي ما يلهم هذه الوصيّة أو الخصلة أو الصّفة {إلا الّذين صبروا} أي: على أذى النّاس، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح، {وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ} أي: في الدّنيا والآخرة). [تفسير ابن كثير: 5/ 492]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين}: أمره أن يستعيذ من الشّياطين، لأنّهم لا تنفع معهم الحيل، ولا ينقادون بالمعروف.
وقد قدّمنا عند الاستعاذة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، من همزه ونفخه ونفثه"). [تفسير ابن كثير: 5/ 492]

تفسير قوله تعالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأعوذ بك ربّ أن يحضرون} أي: في شيءٍ من أمري؛ ولهذا أمر بذكر اللّه في ابتداء الأمور -وذلك مطردةٌ للشّياطين- عند الأكل والجماع والذّبح، وغير ذلك من الأمور؛ ولهذا روى أبو داود أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمنا كلماتٍ يقولهنّ عند النّوم، من الفزع: "بسم اللّه، أعوذ بكلمات اللّه التّامّة من غضبه وعقابه، ومن شرّ عباده، ومن همزات الشّياطين وأن يحضرون" قال: فكان عبد اللّه بن عمرٍو يعلّمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان منهم صغيرًا لا يعقل أن يحفظها، كتبها له، فعلّقها في عنقه.
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث محمّد بن إسحاق، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ). [تفسير ابن كثير: 5/ 492-493]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون (99) لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون (100)}.
يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر اللّه تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرّجعة إلى الدّنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدّة حيّاته؛ ولهذا قال: {ربّ ارجعون * لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلا} كما قال تعالى: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن من الصّالحين. ولن يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها واللّه خبيرٌ بما تعملون} [المنافقون: 10، 11]، وقال تعالى: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} [إبراهيم:44]، وقال تعالى: {يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل} [الأعراف: 53]، وقال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السجدة: 12]، وقال تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 27، 28]، وقال تعالى: {وترى الظّالمين لمّا رأوا العذاب يقولون هل إلى مردٍّ من سبيلٍ} [الشّورى:44]، وقال تعالى: {قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ ذلكم بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم للّه العليّ الكبير} [غافرٍ:11، 12]، وقال تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصيرٍ} [فاطرٍ: 37]، فذكر تعالى أنّهم يسألون الرّجعة، فلا يجابون، عند الاحتضار، ويوم النّشور ووقت العرض على الجبّار، وحين يعرضون على النّار، وهم في غمرات عذاب الجحيم.
وقوله: هاهنا: {كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها}: كلّا حرف ردعٍ وزجرٍ، أي: لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه.
وقوله: {كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها}: قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: أي لا بدّ أن يقولها لا محالة كلّ محتضرٍ ظالمٍ.
ويحتمل أن يكون ذلك علّةً لقوله: "كلّا"، أي: لأنّها كلمةٌ، أي: سؤاله الرّجوع ليعمل صالحًا هو كلامٌ منه، وقولٌ لا عمل معه، ولو ردّ لما عمل صالحًا، ولكان يكذب في مقالته هذه، كما قال تعالى: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: {حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت} قال: فيقول الجبّار: {كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها}.
وقال عمر بن عبد اللّه مولى غفرة: إذا سمعت اللّه يقول: {كلا} فإنّما يقول: كذب.
وقال قتادة في قوله تعالى: {حتّى إذا جاء أحدهم الموت}: قال: كان العلاء بن زيادٍ يقول: لينزل أحدكم نفسه أنّه قد حضره الموت، فاستقال ربّه فأقاله، فليعمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ.
وقال قتادة: واللّه ما تمنّى أن يرجع إلى أهلٍ ولا إلى عشيرةٍ، ولكن تمنّى أن يرجع فيعمل بطاعة اللّه، فانظروا أمنيّة الكافر المفرّط فاعملوا بها، ولا قوّة إلّا باللّه. وعن محمّد بن كعبٍ القرظيّ نحوه.
وقال محمّد بن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن يوسف، حدّثنا فضيل -يعني: ابن عياضٍ-عن ليث، عن طلحة بن مصرّف، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: إذا وضع -يعني: الكافر-في قبره، فيرى مقعده من النّار. قال: فيقول: ربّ، ارجعون أتوب وأعمل صالحًا. قال: فيقال: قد عمّرت ما كنت معمّرا. قال: فيضيّق عليه قبره، قال: فهو كالمنهوش، ينام ويفزع، تهوي إليه هوامّ الأرض وحيّاتها وعقاربها.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثني سلمة بن تمّامٍ، حدّثنا عليّ بن زيدٍ. عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة، أنّها قالت: ويلٌ لأهل المعاصي من أهل القبور!! تدخل عليهم في قبورهم حيّاتٌ سودٌ -أو: دهم-حيّةٌ عند رأسه، وحيّةٌ عند رجليه، يقرصانه حتّى يلتقيا في وسطه، فذلك العذاب في البرزخ الّذي قال اللّه تعالى: {ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون}
وقال أبو صالحٍ وغيره في قوله تعالى: {ومن ورائهم} يعني: أمامهم.
وقال مجاهدٌ: البرزخ: الحاجز ما بين الدّنيا والآخرة.
وقال محمّد بن كعبٍ: البرزخ: ما بين الدّنيا والآخرة. ليسوا مع أهل الدّنيا يأكلون ويشربون، ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم.
وقال أبو صخرٍ: البرزخ: المقابر، لا هم في الدّنيا، ولا هم في الآخرة، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون.
وفي قوله: {ومن ورائهم برزخٌ}: تهديدٌ لهؤلاء المحتضرين من الظّلمة بعذاب البرزخ، كما قال: {من ورائهم جهنّم} [الجاثية: 10] وقال {ومن ورائه عذابٌ غليظٌ} [إبراهيم: 17].
وقوله: {إلى يوم يبعثون} أي: يستمرّ به العذاب إلى يوم البعث، كما جاء في الحديث: "فلا يزال معذّبًا فيها"، أي: في الأرض). [تفسير ابن كثير: 5/ 493-495]

رد مع اقتباس