عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 08:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والذّاريات ذروًا (1) فالحاملات وقرًا (2) فالجاريات يسرًا (3) فالمقسّمات أمرًا (4) إنّما توعدون لصادقٌ (5) وإنّ الدّين لواقعٌ (6) والسّماء ذات الحبك (7) إنّكم لفي قولٍ مختلفٍ (8) يؤفك عنه من أفك (9) قتل الخرّاصون (10) الّذين هم في غمرةٍ ساهون (11) يسألون أيّان يوم الدّين (12) يوم هم على النّار يفتنون (13) ذوقوا فتنتكم هذا الّذي كنتم به تستعجلون (14) }
قال شعبة بن الحجّاج، عن سماك، عن خالد بن عرعرة أنّه سمع عليًّا وشعبة أيضًا، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطّفيل، سمع عليًّا. وثبت أيضًا من غير وجهٍ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ: أنّه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آيةٍ في كتاب اللّه، ولا عن سنّةٍ عن رسول اللّه، إلّا أنبأتكم بذلك. فقام إليه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين، ما معنى قوله تعالى: {والذّاريات ذروًا}؟ قال: الرّيح [قال]: {فالحاملات وقرًا}؟ قال: السّحاب. [قال]: {فالجاريات يسرًا}؟ قال: السّفن. [قال]: {فالمقسّمات أمرًا}؟ قال: الملائكة.
وقد روي في ذلك حديثٌ مرفوعٌ، فقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا إبراهيم بن هانئٍ، حدّثنا سعيد بن سلّامٍ العطار، حدّثنا أبو بكرٍ بن أبي سبرة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: جاء صبيغ التّميميّ إلى عمر بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن {الذّاريات ذروًا}؟ فقال: هي الرّياح، ولولا إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن {المقسّمات أمرًا} قال: هي الملائكة، ولولا إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن {الجاريات يسرًا} قال: هي السّفن، ولولا إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوله ما قلته. ثمّ أمر به فضرب مائةً، وجعل في بيتٍ، فلمّا برأ [دعا به و] ضربه مائةً أخرى، وحمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعريّ: امنع النّاس من مجالسته. فلم يزل كذلك حتّى أتى أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه ممّا كان يجد شيئًا. فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: ما إخاله إلّا صدق، فخلّ بينه وبين مجالسة الناس.
قال أبو بكرٍ البزّار: فأبو بكرٍ بن أبي سبرة ليّنٌ، وسعيد بن سلامٍ ليس من أصحاب الحديث.
قلت: فهذا الحديث ضعيفٌ رفعه، وأقرب ما فيه أنّه موقوفٌ على عمر، فإنّ قصّة صبيغ بن عسلٍ مشهورةٌ مع عمر، وإنّما ضربه لأنّه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا، واللّه أعلم.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصّة في ترجمة صبيغٍ مطوّلةً. وهكذا فسّرها ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ. ولم يحك ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ غير ذلك.
وقد قيل: إنّ المراد بالذّاريات: الرّيح كما تقدّم وبالحاملات وقرًا: السّحاب كما تقدّم؛ لأنّها تحمل الماء، كما قال زيد بن عمرو بن نفيلٍ:
وأسلمت نفسي لمن أسلمت = له المزن تحمل عذبا زلالا
فأمّا الجاريات يسرًا، فالمشهور عن الجمهور -كما تقدّم-: أنّها السّفن، تجري ميسّرةً في الماء جريًا سهلًا. وقال بعضهم: هي النّجوم تجري يسرًا في أفلاكها، ليكون ذلك ترقّيًا من الأدنى إلى الأعلى، إلى ما هو أعلى منه، فالرّياح فوقها السّحاب، والنّجوم فوق ذلك، والمقسّمات أمرًا الملائكة فوق ذلك، تنزل بأوامر اللّه الشّرعيّة والكونيّة.
وهذا قسمٌ من اللّه عزّ جلّ على وقوع المعاد؛ ولهذا قال: {إنّما توعدون لصادقٌ} أي: لخبر صدقٍ، {وإنّ الدّين}، وهو: الحساب {لواقعٌ} أي: لكائنٌ لا محالة). [تفسير ابن كثير: 7/ 413-414]

رد مع اقتباس