عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 06:02 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا (46) قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربّي إنّه كان بي حفيًّا (47) وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه وأدعو ربّي عسى ألا أكون بدعاء ربّي شقيًّا (48)}.
يقول تعالى مخبرًا عن جواب أبي إبراهيم [لولده إبراهيم] فيما دعاه إليه أنّه قال: {أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم} يعني: [إن كنت لا] تريد عبادتها ولا ترضاها، فانته عن سبّها وشتمها وعيبها، فإنّك إن لم تنته عن ذلك اقتصصت منك وشتمتك وسببتك، وهو قوله: {لأرجمنّك}، قاله ابن عبّاسٍ، والسّدّيّ، وابن جريجٍ، والضّحّاك، وغيرهم.
وقوله: {واهجرني مليًّا}: قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن إسحاق: يعني دهرًا.
وقال الحسن البصريّ: زمانًا طويلًا. وقال السّدّيّ: {واهجرني مليًّا} قال: أبدًا.
وقال عليّ بن أبي طلحة، والعوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {واهجرني مليًّا} قال: سويًّا سالمًا، قبل أن تصيبك منّي عقوبةٌ. وكذا قال الضّحّاك، وقتادة وعطيّة الجدلي و [أبو] مالكٍ، وغيرهم، واختاره ابن جريرٍ.
فعندها قال إبراهيم لأبيه: {سلامٌ عليك} كما قال تعالى في صفة المؤمنين: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] وقال تعالى: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص: 55].
ومعنى قول إبراهيم لأبيه: {سلامٌ عليك} يعني: أمّا أنا فلا ينالك منّي مكروهٌ ولا أذًى، وذلك لحرمة الأبوّة، {سأستغفر لك ربّي} أي: ولكن سأسأل اللّه تعالى فيك أن يهديك ويغفر ذنبك، {إنّه كان بي حفيًّا} قال ابن عبّاسٍ وغيره: لطيفًا، أي: في أن هداني لعبادته والإخلاص له. وقال مجاهدٌ وقتادة، وغيرهما: {إنّه كان بي حفيًّا} قال: [و] عوّده الإجابة.
وقال السّدّيّ: "الحفيّ": الّذي يهتم بأمره.
وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدّةً طويلةً، وبعد أن هاجر إلى الشّام وبنى المسجد الحرام، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق، عليهما السّلام، في قوله: {ربّنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41].
وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام، وذلك اقتداءً بإبراهيم الخليل في ذلك حتّى أنزل اللّه تعالى: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا باللّه وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللّه من شيءٍ} الآية [الممتحنة: 4]، يعني إلّا في هذا القول، فلا تتأسّوا به. ثمّ بيّن تعالى أنّ إبراهيم أقلع عن ذلك، ورجع عنه، فقال تعالى: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم} [التّوبة: 113، 114]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 235-236]

تفسير قوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه وأدعو ربّي} أي: أجتنبكم وأتبرّأ منكم ومن آلهتكم الّتي تعبدونها [من دون اللّه]، {وأدعو ربّي} أي: وأعبد ربّي وحده لا شريك له، {عسى ألا أكون بدعاء ربّي شقيًّا} و "عسى" هذه موجبةٌ لا محالة، فإنّه عليه السّلام، سيّد الأنبياء بعد محمّدٍ صلّى اللّه عليه سلّم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 236]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيًّا (49) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليًّا (50)}.
يقول: فلمّا اعتزل الخليل أباه وقومه في اللّه، أبدله اللّه من هو خيرٌ منهم، ووهب له إسحاق ويعقوب، يعني ابنه وابن إسحاق، كما قال في الآية الأخرى: {ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72]، وقال: {ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ: 71].
ولا خلاف أنّ إسحاق والد يعقوب، وهو نصّ القرآن في سورة البقرة: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: 133]. ولهذا إنّما ذكر هاهنا إسحاق ويعقوب، أي: جعلنا له نسلًا وعقبًا أنبياء، أقرّ اللّه بهم عينه في حياته؛ ولهذا قال: {وكلا جعلنا نبيًّا}، فلو لم يكن يعقوب قد نبئ في حياة إبراهيم، لما اقتصر عليه، ولذكر ولده يوسف، فإنّه نبيٌّ أيضًا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الحديث المتّفق على صحّته، حين سئل عن خير النّاس، فقال: "يوسف نبيّ اللّه، ابن يعقوب نبيّ اللّه، ابن إسحاق نبيّ اللّه، ابن إبراهيم خليل اللّه" وفي اللّفظ الآخر: "إنّ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 236-237]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليًّا}: قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني الثّناء الحسن. وكذا قال السّدّيّ، ومالك بن أنسٍ.
وقال ابن جريرٍ: إنّما قال: {عليًّا}؛ لأنّ جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 237]

رد مع اقتباس