عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:36 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) )

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قوله: {لقد جئت شيئا فريا} فقال: قال شيئا عظيما [الآية: 27]). [تفسير الثوري: 184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا قال ذلك عيسى لأمّه اطمأنّت نفسها، وسلّمت لأمر اللّه، وحملته حتّى أتت به قومها. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: أنساها يعني مريم كرب البلاء وخوف النّاس ما كانت تسمع يعنى ما كانت تسمع من الملائكة من البشارة بعيسى، حتّى إذا كلّمها، يعني عيسى، وجاءها مصداق ما كان اللّه وعدها احتملته ثمّ أقبلت به إلى قومها.
وقال السّدّيّ في ذلك ما:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا ولدته ذهب الشّيطان، فأخبر بني إسرائيل، أنّ مريم، قد ولدت، فأقبلوا يشتدّون، فدعوها {فأتت به قومها تحمله}.
وقوله: {قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا} يقول تعالى ذكره: فلمّا رأوا مريم، ورأوا معها الولد الّذي ولدته، قالوا لها: يا مريم لقد جئت بأمرٍ عجيبٍ، وأحدثت حدثًا عظيمًا.
وكلّ عاملٍ عملاً أجاده وأحسنه فقد فراه، كما قال الرّاجز:
قد أطعمتني دقلاً حجريًّا = قد كنت تفرين به الفريّا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {فريًّا} قال: عظيمًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لقد جئت شيئًا فريًّا} قال: عظيمًا.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {لقد جئت شيئًا فريًّا} يقول: عظيمًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا رأوها ورأوه معها، قالوا: {يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا} أي الفاحشة غير المقاربة). [جامع البيان: 15/520-522]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لقد جئت شيئا فريا يعنون شيئا عظيما). [تفسير مجاهد: 386]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 27 - 28.
أخرج سعيد ين منصور، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {فأتت به قومها تحمله} قال: بعد أربعين يوما بعد ما تعافت من نفاسها). [الدر المنثور: 10/63]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لقد جئت شيئا فريا} قال: عظيما). [الدر المنثور: 10/63]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن قتادة في قوله: {لقد جئت شيئا فريا} قال: عظيما). [الدر المنثور: 10/63]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان في زمان بني إسرائيل في بيت المقدس عند عين سلوان عين فكانت المرأة إذا قارفت أتوها بها فشربت منها فإن كانت بريئة لم تضرها وإلا ماتت، فلما حملت مريم أتوها بها على بغلة فعثرت بها فدعت الله أن يعقم رحمها فعقم من يومئذ فلما أتتها شربت منها فلم تزدد إلا خيرا ثم دعت الله أن لا يفضح بها امرأة مؤمنة فغارت العين). [الدر المنثور: 10/63-64]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا: قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم). [الدر المنثور: 10/64]

تفسير قوله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله يا أخت هارون قال كان رجل صالح في بني إسرائيل يسمى هارون فشبهوها به فقالوا يا شبيهة هارون في الصلاح). [تفسير عبد الرزاق: 2/8-7]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى نجران، فقالوا لي: ألستم تقرءون {يا أخت هارون} وقد كان بين عيسى وموسى ما كان، فلم أدر ما أجيبهم. فرجعت إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصّالحين قبلهم.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث ابن إدريس). [سنن الترمذي: 5/166]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أخت هارون}
- أخبرنا محمّد بن يحيى بن أيّوب، حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثني أبي، عن سماكٍ، عن علقمة بن وائلٍ، عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت بأرض نجران، فسألوني فقالوا: أرأيتم شيئًا تقرءونه {يا أخت هارون} [مريم: 28] وبين موسى وعيسى ما قد علمتم من السّنين؟ قال: فلم أدر ما أجيبهم به، فلمّا قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: «ألا أخبرتهم أنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصّالحين»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/167]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيًّا}.
اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله قيل لها: يا أخت هارون، ومن كان هارون هذا الّذي ذكره اللّه، وأخبر أنّهم نسبوا مريم إلى أنّها أخته، فقال بعضهم: قيل لها {يا أخت هارون} نسبةً منهم لها إلى الصّلاح، لأنّ أهل الصّلاح فيهم كانوا يسمّون هارون، وليس بهارون أخي موسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {يا أخت هارون} قال: كان رجلاً صالحًا في بني إسرائيل يسمّى هارون، فشبّهوها به، فقالوا: يا شبيهة هارون في الصّلاح.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيًّا} قال: كانت من أهل بيتٍ يعرفون بالصّلاح، ولا يعرفون بالفساد ومن النّاس من يعرف بالصّلاح ويتوالدون به، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به، وكان هارون مصلحًا محبّبًا في عشيرته، وليس بهارون أخي موسى، ولكنّه هارون آخر. قال: وذكر لنا أنّه شيّع جنازته يوم مات أربعون ألفًا، كلّهم يسمّى هارون من بني إسرائيل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمّد بن سيرين، قال: نبّئت أنّ كعبًا، قال: إنّ قوله: {يا أخت هارون} ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال: يا أمّ المؤمنين، إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قاله فهو أعلم وخير، وإلاّ فإنّي أجد بينهما ستّ مائة سنةٍ، قال: فسكتت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا أخت هارون} قال: اسمٌ واطأ اسمًا، كم بين هارون وبينهما من الأمم أممٌ كثيرةٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن المثنّى، وسفيان بن وكيعٍ، وأبو السّائب، قالوا: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس الأوديّ، قال: سمعت أبي يذكر، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهل نجران، فقالوا لي: ألستم تقرءون {يا أخت هارون} قلت: بلى، وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى، فرجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبرته، فقال: " ألا أخبرتهم أنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصّالحين قبلهم ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ، عن المغيرة بن شعبة، قال: أرسلني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض حوائجه إلى أهل نجران، فقالوا: أليس نبيّك يزعم أنّ هارون أخو مريم هو أخو موسى؟ فلم أدر ما أردّ عليهم حتّى رجعت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت له ذلك، فقال: " إنّهم كانوا يسمّون بأسماء من كان قبلهم ".
وقال بعضهم: عني به هارون أخو موسى، ونسبت مريم إلى أنّها أخته لأنّها من ولده، كما يقال للتّميميّ: يا أخا تميمٍ، وللمضريّ: يا أخا مضر
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {يا أخت هارون} قال: كانت من بني هارون أخي موسى، وهو كما يقال: يا أخا بني فلانٍ.
وقال آخرون: بل كان ذلك رجلاً منهم فاسقًا معلنٌ الفسق، فنسبوها إليه.
والصّواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي ذكرناه، وأنّها نسبت إلى رجلٍ من قومها يقال له: هارون.
وقوله: {ما كان أبوك امرأ سوءٍ} يقول: ما كان أبوك رجل سوءٍ يأتي الفواحش {وما كانت أمّك بغيًّا} يقول: وما كانت أمّك زانيةً، كما؛
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وما كانت أمّك بغيًّا} قال: زانيةً وقال: {وما كانت أمّك بغيًّا} ولم يقل: بغيّةً، لأنّ ذلك ممّا يوصف به النّساء دون الرّجال، فجرى مجرى امرأةٍ حائضٍ وطالقٍ، وقد كان بعضهم يشبّه ذلك بقولهم: ملحفةٌ جديد وامرأةٌ قتيلٌ). [جامع البيان: 15/522-525]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت) المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: قال: لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} [مريم: 28] وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك؟ فقال: «إنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم، والصالحين قبلهم».
هذه رواية مسلم.
وأخرجه الترمذي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا: ألستم تقرءون... وذكر الحديث). [جامع الأصول: 2/236-237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن مجاهد في قوله: {يا أخت هارون} الآية قال: كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ولا يعرفون بالفساد في الناس وفي الناس من يعرف بالصلاح ويتوالدون به وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته وليس بهرون أخي موسى ولكن هرون آخر، ذكر لنا أنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا من بني إسرائيل كلهم يسمون هرون). [الدر المنثور: 10/65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله: {يا أخت هارون} قال: سمعنا أنه اسم وافق اسما، واخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال: نبئت أن كعبا قال: إن قوله: {يا أخت هارون} ليس بهرون أخي موسى فقالت له عائشة: كذبت، فقال: يا أم المؤمنين إن كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قاله: فهو أعلم وأخبر وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة فسكتت). [الدر المنثور: 10/65-66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة في قوله: {يا أخت هارون} قال: نسبت إلى هرون بن عمران لأنها كانت من سبطه كقولك يا أخا الأنصار). [الدر المنثور: 10/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كانت من سبط هرون فقيل لها: {يا أخت هارون} فدعيت إلى سبطه كالرجل يقول للرجل: يا أخا بني ليث يا أخا بني فلان). [الدر المنثور: 10/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {يا أخت هارون} قال: كان هرون من قوم سوء زناة فنسبوها إليهم). [الدر المنثور: 10/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن عيش قال: في قراءة أبي قالوا: يا ذا المهد). [الدر المنثور: 10/66]

تفسير قوله تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) )


قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قوله: {فأشارت إليه} قال: إلى عيسى [الآية: 29]). [تفسير الثوري: 184]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم، ثمّ أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه، كما؛
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا قالوا لها: {ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيًّا} قالت لهم ما أمرها اللّه به، فلمّا أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه، إلى عيسى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأشارت إليه} قال: أمرتهم بكلامه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {فأشارت إليه} يقول: أشارت إليه أن كلّموه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله {فأشارت إليه} أن كلّموه.
وقوله: {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا} يقول تعالى ذكره: قال قومها لها: كيف نكلّم من وجد في المهد صبيا؟ وكان في قوله {من كان في المهد صبيًّا} معناها التّمام، لا الّتي تقتضي الخبر، وذلك شبيه المعنى بكان الّتي في قوله {هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً}
وإنّما معنى ذلك: هل أنا إلاّ بشرٌ رسولٌ؟ وهل وجدت أو بعثت، وكما قال زهير بن أبي سلمى:
زجرت عليه حرّةً أرحبيّةً = وقد كان لون اللّيل مثل الأرندج
بمعنى: وقد صار أو وجد.
وقيل: إنّه عنى بالمهد في هذا الموضع: حجر أمّه
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {من كان في المهد صبيًّا} والمهد: الحجر.
وقد بيّنّا معنى المهد فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 15/526-527]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 29
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فأشارت إليه} أن كلموه). [الدر المنثور: 10/66-67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فأشارت إليه} قال: أمرتهم بكلامه، وفي قوله: {في المهد} قال في الحجر). [الدر المنثور: 10/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون قال: إن مريم لما ولدت أتت به قومها فأخذوا لها الحجارة ليرموها فأشارت إليه فتكلم فتركوه). [الدر المنثور: 10/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: {المهد} المرباة، قال إبراهيم: المرباة المرجحة). [الدر المنثور: 10/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن هلال بن يساف قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: صاحب جريج وعيسى وصاحب الحبشية). [الدر المنثور: 10/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: تكلم في المهد أربعة عيسى وصاحب يوسف وصاحب جريج، وابن ماشطة ابنة فرعون). [الدر المنثور: 10/67]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) )


قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة في قوله تعالى إني عبد الله آتاني الكتب قال قضى أن يؤتيني الكتاب). [تفسير عبد الرزاق: 2/9]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن سماكٍ عن عكرمة في قوله: {آتاني الكتاب} قال: آتاني من قبل أن يخلقني [الآية: 30]). [تفسير الثوري: 185]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قوله: {آتاني الكتاب} قال: قضى أن يؤتيني الكتاب). [تفسير الثوري: 185]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة قال: إبراهيم في قوله: {آتاني الكتاب} قال: كلام الحكم {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قال: كتب لهم [الآية: 11، 30]). [تفسير الثوري: 185]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا (30) وجعلني مباركًا أين ما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا قال قوم مريم لها {كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا} وظنّوا أنّ ذلك منها استهزاءً بهم، قال عيسى لها متكلّمًا عن أمّه: {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب}.
وكانوا حين أشارت لهم إلى عيسى فيما ذكر عنهم غضبوا، كما؛
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا أشارت لهم إلى عيسى غضبوا، وقالوا: لسخريّتها بنا حين تأمرنا أن نكلّم هذا الصّبيّ أشدّ علينا من زناها {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا} فأجابهم عيسى عنها فقال لهم {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا}. الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا} قال لهم: {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا} فقرأ حتّى بلغ {ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا} فقالوا: إنّ هذا لأمرٌ عظيمٌ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: {كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا قال إنّي عبد اللّه} لم يتكلّم عيسى إلاّ عند ذلك حين {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا}.
وقوله: {آتاني الكتاب} يقول القائل: أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخلق أو في بطن أمّه فإنّ معنى ذلك بخلاف ما يظنّ، وإنّما معناه: وقضى يوم قضى أمور خلقه لى أن يؤتيني الكتاب، كما؛
- حدّثني بشر بن آدم، قال: حدّثنا الضّحّاك، يعني ابن مخلدٍ، عن سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال {آتاني الكتاب} قال: قضى أن يؤتيني الكتاب فيما قضى.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب} قال: القضاء.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قول اللّه {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب} قال: قضى أن يؤتيني الكتاب.
وقوله: {وجعلني نبيًّا} وقد بيّنت معنى النّبيّ واختلاف المختلفين فيه، والصّحيح من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وكان مجاهدٌ يقول في معنى النّبيّ وحده ما؛
- حدّثنا به محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: النّبيّ وحده الّذي يكلّم وينزّل عليه الوحي ولا يرسل). [جامع البيان: 15/527-529]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 30 – 33
أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} الآية، قال: قضى فيما قضى أن أكون كذلك). [الدر المنثور: 10/67-68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه، فذلك قوله: {إني عبد الله آتاني الكتاب} ). [الدر المنثور: 10/68]

تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) )
تفسير قوله تعالى: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {وجعلني مباركًا} اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفّاعًا
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سليمان بن عبد الرّحمن بن حمّاد الطّلحيّ، قال: حدّثنا العلاء، عن عائشة، امرأة ليثٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {وجعلني مباركًا} قال: نفّاعًا.
وقال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد بن خنيسٍ المخزوميّ، قال: سمعت وهيب بن الورد، مولى بني مخزومٍ، قال: لقي عالمٌ عالمًا لما هو فوقه في العلم، فقال له: يرحمك اللّه، ما الّذي أعلن من علمي، قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فإنّه دين اللّه الّذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول اللّه {وجعلني مباركًا أينما كنت}.
وقيل: ما بركته؟ قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أينما كان.
وقال آخرون معنى ذلك: جعلني معلّم الخير.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا سفيان، في قوله {وجعلني مباركًا أينما كنت} قال: معلّمًا للخير.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وجعلني مباركًا أينما كنت} قال: معلّمًا للخير حيثما كنت.
وقوله: {وأوصاني بالصّلاة والزّكاة} يقول: وقضى أن يوصيني بالصّلاة والزّكاة، يعني المحافظة على حدود الصّلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزّكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذّنوب، فيكون معناه: وأوصاني بترك الذّنوب واجتناب المعاصي.
وقوله: {ما دمت حيًّا} يقول: ما كنت حيًّا في الدّنيا موجودًا، وهذا يبين عن أنّ معنى الزّكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذّنوب، لأنّ الّذي يوصف به عيسى صلوات اللّه وسلامه عليه أنّه كان لا يدّخر شيئًا لغدٍ، فتجب عليه زكاة المال، إلاّ أن تكون الزّكاة الّتي كانت فرضت عليه الصّدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا). [جامع البيان: 15/530-531]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الإسماعيلي في معجمه وأبو نعيم في الحلية، وابن لال في مكارم الأخلاق، وابن مردويه، وابن النجار في تاريخه عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قول عيسى عليه السلام {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال: جعلني نفاعا للناس أين اتجهت). [الدر المنثور: 10/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال: معلما ومؤدبا). [الدر المنثور: 10/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال: معلما للخير). [الدر المنثور: 10/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل دابة حتى الحوت في البحر). [الدر المنثور: 10/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وجعلني مباركا} قال: هاديا مهديا). [الدر المنثور: 10/68-69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب، وابن عساكر عن مجاهد {وجعلني مباركا} قال: نفاعا للناس). [الدر المنثور: 10/69]



قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا (32) والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًّا}.
يقول تعالى ذكره: مخبرًا عن قول عيسى للقوم: وجعلني مباركًا وبرًّا: أي جعلني برًّا بوالدتي. والبرّ هو البارّ، يقال: هو برٌّ بوالده، وبارٌّ به، وبفتح الباء قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار.
وروي عن أبي نهيكٍ ما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، عن أبي نهيكٍ، أنّه قرأ: {وبرًّا بوالدتي} من قول عيسى عليه السّلام، قال أبو نهيكٍ: أوصاني بالصّلاة والزّكاة والبرّ بالوالدتى، كما أوصاني بذلك.
فكأنّ أبا نهيكٍ وجّه تأويل الكلام إلى قوله {وبرًّا بوالدتي} هو من خبر عيسى، عن وصيّة اللّه إيّاه به، كما قوله: {وأوصاني بالصّلاة والزّكاة} من خبره عن وصيّة اللّه إيّاه بذلك. فعلى هذا القول يجب أن يكون نصب البرّ بمعنى عمل الوصيّة فيه، لأنّ الصّلاة والزّكاة وإن كانتا مخفوضتين في اللّفظ، فإنّهما بمعنى النّصب من أجل أنّهما مفعولٌ بهما.
وقوله: {ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا} يقول: ولم يجعلني مستكبرًا على اللّه فيما أمرني به، ونهاني عنه شقيًّا ولكن ذلّلني لطاعته، وجعلني متواضعًا، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه يعني عيسى، كان يقول: سلوني، فإنّ قلبي ليّنٌ، وإنّي صغيرٌ في نفسي ممّا أعطاه اللّه من التّواضع.
- وحدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا} ذكر لنا أنّ امرأةً رأت ابن مريم يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، في آياتٍ سلّطه اللّه عليهنّ، وأذن له فيهنّ، فقالت: طوبى للبطن الّذي حملك، والثّدي الّذي أرضعت به، فقال نبيّ اللّه ابن مريم يجيبها: طوبى لمن تلا كتاب اللّه، واتّبع ما فيه ولم يكن جبّارًا شقيًّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، عن عبد اللّه بن واقدٍ أبي رجاءٍ، عن بعض أهل العلم، قال: لا تجد عاقًّا إلاّ وجدته جبّارًا شقيًّا. ثمّ قرأ {وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا} قال: ولا تجد سيّئ الملكة إلاّ وجدته مختالاً فخورًا، ثمّ قرأ {وما ملكت أيمانكم إنّ اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخورًا}). [جامع البيان: 15/532-533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن نوف (وبرا بوالدتي) أي ليس لي أب). [الدر المنثور: 10/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولم يجعلني جبارا شقيا} يقول: عصيا). [الدر المنثور: 10/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان قال: الجبار الشقي الذي يقبل على الغضب). [الدر المنثور: 10/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب قال: إنك لا تكاد تجد عاقا إلا تجده جبارا ثم قرأ {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} ). [الدر المنثور: 10/69]

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة عن الحسن أن يحيى قال لعيسى حين التقيا إنك خير مني فقال عيسى بل أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت أنا على نفسي). [تفسير عبد الرزاق: 2/4] (م)

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًّا} يقول: والأمنة من اللّه عليّ من الشّيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا منّي ما ينالون ممّن يولد عند الولادة، من الطّعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حيًّا يوم القيامة أن ينالني الفزع الّذي ينال النّاس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم، كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًّا} قال: يخبرهم في قصّة خبره عن نفسه، أنّه لا أب له وأنّه سيموت ثمّ يبعث حيًّا، يقول اللّه تبارك وتعالى: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون} ). [جامع البيان: 15/533-534]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: فقرات ابن آدم ثلاث: يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث وهي التي ذكر عيسى في قوله: {والسلام علي} الآية). [الدر المنثور: 10/69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وابن عساكر من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: ما تكلم عيسى بعد الآيات التي تكلم بها حتى بلغ مبلغ الصبيان). [الدر المنثور: 10/70]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن الله أطلق لسان عيسى مرة أخرى في صباه فتكلم ثلاث مرات حتى بلغ ما بلغ الصبيان يتكلمون فتكلم محمدا بتحميد لم تسمع الآذان مثله حيث أنطقه طفلا فقال: اللهم أنت القريب في علوك المتعالي في دنوك الرفيع على كل شيء من خلقك أنت الذي نفذ بصرك في خلقك وحارت الأبصار دون النظر إليك أنت الذي أشرقت بضوء نورك دجى الظلام وتلألأت بعظمتك أركان العرش نورا فلم يبلغ أحد بصفته صفتك فتباركت اللهم خالق الخلق بعزتك مقدر الأمور بحكمتك مبتدئ الخلق بعظمتك ثم أمسك الله لسانه حتى بلغ). [الدر المنثور: 10/70]


رد مع اقتباس