عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 06:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله بروجا قال البروج النجوم). [تفسير عبد الرزاق: 2/70]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا قال السراج الشمس). [تفسير عبد الرزاق: 2/70]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا}.
يقول تعالى ذكره: تقدّس الرّبّ الّذي جعل في السّماء بروجًا؛ ويعني بالبروج: القصور في قول بعضهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن العلاء، ومحمّد بن المثنّى، وسلم بن جنادة، قالوا: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطيّة بن سعدٍ، في قوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا} قال: قصورًا في السّماء، فيها الحرس.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني أبو معاوية، قال: حدّثني إسماعيل، عن يحيى بن رافعٍ، في قوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا} قال: قصورًا في السّماء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {جعل في السّماء بروجًا} قال: قصورًا في السّماء.
- حدّثني إسماعيل بن سيفٍ، قال: حدّثني عليّ بن مسهرٍ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، في قوله: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا} قال: قصورًا في السّماء فيها الحرس.
وقال آخرون: هي النّجوم الكبار
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، قال: حدّثنا إسماعيل، عن أبي صالحٍ: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا} قال: النّجوم الكبار.
- قال: حدّثنا الضّحّاكٌ، عن مخلدٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الكواكب.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {بروجًا} قال: البروج: النّجوم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: هي قصورٌ في السّماء، لأنّ ذلك في كلام العرب {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} وقول الأخطل:
كأنّها برج روميٍّ يشيّده = بانٍ بحصٍّ وآجرٍّ وأحجار
يعني بالبرج القصر.
وقوله: {وجعل فيها سراجًا} اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة: {وجعل فيها سراجًا} على التّوحيد، ووجّهوا تأويل ذلك إلى أنّه جعل فيها الشّمس، وهي السّرّاج الّتي عني عندهم بقوله: {وجعل فيها سراجًا}.
- كما حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا} قال: السّراج: الشّمس.
وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين: (وجعل فيها سرجًا) على الجماع، كأنّهم وجّهوا تأويله: وجعل فيها نجومًا {وقمرًا منيرًا} وجعلوا النّجوم سرجًا إذ كان يهتدى بها.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار، لكلّ واحدةٍ منهما وجهٌ مفهومٌ، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {وقمرًا منيرًا} يعني بالمنير: المضيء). [جامع البيان: 17/482-485]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا (61)
قوله عزّ وجلّ: تبارك الّذي جعل في السماء بروجا
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن الصّبّاح، ثنا عليّ بن حفصٍ، ثنا حبّان بن عليٍّ، عن سعد بن طريفٍ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليٍّ قال: إنّ الشمس إذا طلعت هتفت معها ملكان موكّلان بها فيجريان معها ما جرت حتّى إذا وقعت في قطّها قيل لعليٍّ: وما قطّها؟ قال: حذى بطنان العرش، قال: فتخرّ ساجدةً حتّى يقال لها امضى فتمضي بقدر اللّه، فإذا طلعت أضاء وجهها لسبع سماوات وقفاها لأهل الأرض، يعنى قوله: جعل في السّماء بروجًا قال: وفي السّماء ثلاثمائةٍ وستّون برجًا كلّ برجٍ منها أعظم من جزيرة العرب للشّمس في كلّ برجٍ منها منزلٌ تنزله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: تبارك الّذي جعل في السماء بروجا قال ك قصورًا في السّماء فيها الحرس.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو معاوية، عن ابن أبي خالدٍ، عن يحيى بن رافعٍ: تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا قال: قصورًا في السّماء
- وروى، عن ابن عبّاسٍ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وأبي صالحٍ في إحدى الرّوايات وإبراهيم النّخعيّ والأعمش أنّها القصور.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ، ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ: تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا قال: الكواكب العظام.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا قال: نجومًا روي، عن مجاهدٍ والحسن وقتادة مثل ذلك.
قوله تعالى: وجعل فيها سراجًا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن الصّبّاح، ثنا عليّ بن حفصٍ، ثنا حبّان بن عليٍّ، عن سعيد بن طريفٍ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليٍّ يعنى قوله وجعل فيها سراجًا قال: إنّ الشّمس إذا طلعت أضاء وجهها لسبع سماوات وقفاها لأهل الأرض.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ أنبأ الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: وجعل فيها سراجًا قال: سراجًا شمسًا
قوله: وقمرًا منيرًا
- أخبرنا عبيد بن محمّد بن حمزة فيما كتب إليّ ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، ثنا قتادة
قوله: وقمرًا منيرًا أي مضيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2716-2717]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا.
أخرج الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس في قوله {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} قال: هي هذه الاثنا عشر برجا، أولها الحمل ثم الثثور ثم الجوزاء ثم السرطان ثم الاسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب ثم القوس ثم الجدي ثم الدلو ثم الحوت). [الدر المنثور: 11/198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} قال: قصورا على أبواب السماء فيها الحرس). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد عبد بن حميد، وابن جرير عن يحيى بن رافع {جعل في السماء بروجا} قال: قصورا في السماء). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطية {جعل في السماء بروجا} قال: القصور، ثم تأول هذه الآية {ولو كنتم في بروج مشيدة} النساء الآية 78). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {جعل في السماء بروجا} قال: البروج النجوم). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {جعل في السماء بروجا} قال: النجوم). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي صالح {جعل في السماء بروجا} قال: النجوم الكبار). [الدر المنثور: 11/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} قال: هي النجومز وقال عكرمة: إن أهل السماء يرون نور مساجد الدنيا كما يرون أهل الدنيا نجوم السماء). [الدر المنثور: 11/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {وجعل فيها سراجا} قال: هي الشمس). [الدر المنثور: 11/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وجعل فيها سراجا} بكسر السين على معنى الواحد). [الدر المنثور: 11/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن: أنه كان يقرأ {سراجا} ). [الدر المنثور: 11/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي: أنه كان يقرأ {وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} ). [الدر المنثور: 11/200]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة قال جعل أحدهما خلفا للآخر إن فات رجلا من النهار شيء أدركه من الليل وإن فاته من الليل شيء أدركه من النهار). [تفسير عبد الرزاق: 2/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي قال لا حسد إلا على اثنتين رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار). [تفسير عبد الرزاق: 2/71]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({خلفةً} [الفرقان: 62] : «من فاته من اللّيل عملٌ أدركه بالنّهار، أو فاته بالنّهار أدركه باللّيل»). [صحيح البخاري: 6/109]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله خلفةً من فاته من اللّيل عمل أدركه بالنّهار أو فاته بالنّهار أدركه باللّيل وصله بن أبي حاتمٍ أيضًا كذلك وكذا أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الحسن نحوه). [فتح الباري: 8/491]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس {هباء منثورا} ما تسفي به الرّيح {مد الظل} ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس {ساكنا} دائما {عليه دليلا} طلوع الشّمس {خلفه} من فاته من اللّيل عمل أدركه بالنّهار أو فاته بالنّهار أدركه باللّيل
قال ابن جرير ثنا القاسم ثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس قوله 23 الفرقان {هباء منثورا} قال ما يسفي الرّيح ويبثه
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قوله {هباء منثورا} يقول الماء المهراق
وبه في قوله 45 الفرقان {مد الظل} يقول ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس
وبه في قوله 45 الفرقان {ولو شاء لجعله ساكنا} يقول دائما
وبه في قوله 45 الفرقان {ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا} يقول طلوع الشّمس
وبه في قوله 62 الفرقان {جعل اللّيل والنّهار خلفة} يقول من فاته شيء من اللّيل أن يعمله أدركه بالنّهار أو من النّهار أدركه باللّيل). [تغليق التعليق: 4/270-271]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (خلفةً من فاته من اللّيل عملٌ أدركه بالنّهار أو فاته بالنّهار أدركه باللّيل
أشار به إلى قوله تعالى: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفة} (الفرقان: 62) . الآية، وفسّر (خلفة) بقوله: (من فاته) إلى آخره، وأخرج عبد الرّزّاق عن معمر عن الحسن مثله، وفي التّفسير: وعن ابن عبّاس وقتادة: خلفة، يعني عوضا وخلفاً يقوم واحدهما مكان صاحبه، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر، وعن مجاهد: يعني جعل كل واحد منهما مخالفا للآخر فجعل هذا أسود وهذا أبيض، وعن ابن زيد: يعني إذا جاء أحدهما ذهب الآخر، فهما يتعاقبان في الظلام والضياء والزّيادة والنّقصان). [عمدة القاري: 19/93]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({خلفة}) في قوله تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} [الفرقان: 62] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: (من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار أو فاته بالنهار أدركه بالليل). وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: فاتتني الصلاة الليلة. فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة أو يخلف أحدهما الآخر يتعاقبان إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك وخلفة مفعول ثان لجعل أو حال). [إرشاد الساري: 7/272]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لّمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {جعل اللّيل والنّهار خلفةً} فقال بعضهم: معناه: أنّ اللّه جعل كلّ واحدٍ منهما خلفًا من الآخر، في أنّ ما فات أحدهما من عملٍ يعمل فيه للّه أدرك قضاؤه في الآخر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة، عن شقيقٍ، قال: جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فقال: فاتتني الصّلاة اللّيلة، فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإنّ اللّه جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر، أو أراد شكورًا.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً} يقول: من فاته شيءٌ من اللّيل أن يعمله أدركه بالنّهار، أو من النّهار أدركه باللّيل.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {جعل اللّيل والنّهار خلفةً} قال: جعل أحدهما خلفًا للآخر، إن فات رجلاً من النّهار شيءٌ أدركه من اللّيل، وإن فاته من اللّيل أدركه من النّهار.
وقال آخرون: بل معناه أنّه جعل كلّ واحدٍ منهما مخالفًا صاحبه، فجعل هذا أسود وهذا أبيض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {اللّيل والنّهار خلفةً} قال: أسود وأبيض.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمر بن قيس بن أبي مسلمٍ الماصر، عن مجاهدٍ: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً} قال: أسود وأبيض.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنّ كلّ واحدٍ منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب هذا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا قيسٌ، عن عمر بن قيس الماصر، عن مجاهدٍ، قوله: {جعل اللّيل والنّهار خلفةً} هذا يخلف هذا، وهذا يخلف هذا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً} قال: لو لم يجعلهما خلفةً لم يدر كيف يعمل، لو كان الدّهر ليلاً كلّه كيف يدري أحدٌ كيف يصوم، أو كان الدّهر نهارًا كلّه كيف يدري أحدٌ كيف يصلّي. قال: والخلفة: مختلفان، يذهب هذا ويأتي هذا، جعلهما اللّه خلفةً للعباد، وقرأ {لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا}.
و(الخلفة): مصدرٌ، فلذلك وحّدت، وهي خبرٌ عن اللّيل والنّهار؛ والعرب تقول: خلف هذا من كذا خلفةً، وذلك إذا جاء شيءٌ مكان شيءٍ ذهب قبله، كما قال الشّاعر:
ولها بالماطرون إذا = أكل النّمل الّذي جمعا
خلفةٌ حتّى إذا ارتبعت = سكنت من جلّقٍ بيعا
وكما قال زهيرٌ:
بها العين والآرام يمشين خلفةً = وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم
يعني بقوله: يمشين خلفةً: تذهب منها طائفةٌ، وتخلّف مكانها طائفةٌ أخرى. وقد يحتمل أنّ زهيرًا أراد بقوله: خلفةً: مختلفات الألوان، وأنّها ضروبٌ في ألوانها وهيئاتها. ويحتمل أن يكون أراد أنّها تذهب في مشيها كذا، وتجيء كذا.
وقوله {لمن أراد أن يذّكّر} يقول تعالى ذكره: جعل اللّيل والنّهار، وخلوف كلّ واحدٍ منهما الآخر حجّةً وآيةً لمن أراد أن يذكر أمر اللّه، فينيب إلى الحقّ {أو أراد شكورًا} أو أراد شكر نعمة اللّه الّتي أنعمها عليه في اختلاف اللّيل والنّهار.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أو أراد شكورًا} قال: شكر نعمة ربّه عليه فيهما.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لمن أراد أن يذّكّر} ذاك آيةً له {أو أراد شكورًا} قال: شكر نعمة ربّه عليه فيهما.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {يذّكّر} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: {يذّكّر} مشدّدةً، بمعنى يتذكّر. وقرأه عامّة قرّاء الكوفيّين: (يذكر) مخفّفةً؛ وقد يكون التّشديد والتّخفيف في مثل هذا بمعنًى واحدٍ. يقال: ذكرت حاجة فلانٍ وتذكّرتها.
والقول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب فيهما). [جامع البيان: 17/485-489]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا (62)
قوله تعالى: وهو الّذي جعل الليل والنهار خلفة
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة قال: سئل ابن عبّاسٍ، عن اللّيل كان قبل أو النّهار؟
قال: أرأيتم السماوات حيث كانتا رتقًا هل كان بينهما إلا ظلمةٌ. ذلك لتعلموا أنّ اللّيل كان قبل النّهار.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن عكرمة أنّ اليهود قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما يوم الجمعة؟ قال: خلق اللّه في ساعتين منه اللّيل والنّهار.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول قال عزير: اللّهمّ بكلمتك خلقت جميع خلقك فأتى على مشيئتك لم تأن فيه مؤنةً ولم تنصب فيه نصبًا كان عرشك على الماء والظّلمة والهواء والملائكة يحملون عرشك ويسبّحون بحمدك والخلق مطيعٌ لك خاشعٌ من خوفك، لا يرى فيه نورٌ إلا نورك ولا يسمع فيه صوتٌ إلّا سمعك ثمّ فتحت خزانة النّور وطريق الظّلمة فكانا ليلًا ونهارًا يختلفان بأمرك.
قوله تعالى: خلفةً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً قال أبيض وأسود.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن الحكم، عن مجاهدٍ: الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً قال: سواد اللّيل من بياض النّهار.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً قال مختلفان هذا أسود وهذا أبيض وأنّ المؤمن قد ينسى باللّيل ويذّكر بالنّهار وينسى بالنّهار ويذّكر باللّيل.
- حدّثنا سليمان بن داود القزّاز، ثنا أبو داود، ثنا أبو حرّة، عن الحسن أنّ عمر أطال صلاة الضّحى فقيل له صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه فقال: إنّه بقي عليّ من وردي شيئًا فأحببت أن أتمّه أو أقضيه وتلا هذه الآية: جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: جعل اللّيل والنّهار خلفةً يقول: من فاته شيءٌ من اللّيل أن يعمله أدركه بالنّهار أو من النّهار أدركه باللّيل.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة، ثنا عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا يقول: جعل اللّيل خلفًا من النّهار والنّهار خلفًا من اللّيل لمن فرّط في عمله أن يقضيه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبدة وأبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ، عن أبي سهلٍ، عن الحسن: جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا قال: من لم يستطع أن يعمل بالنّهار فليعمل باللّيل ومن لم يستطع أن يعمل باللّيل فليعمل بالنّهار في كلّ واحدٍ منهما خلفٌ من الآخر.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا أبو الأشهب قال: سمعت الحسن يقول: جعل اللّيل والنّهار خلفةً الآية قال: من عجز باللّيل كان له في النّهار مستعتبٌ ومن عجز بالنّهار كان له في اللّيل مستعتبٌ.
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ حدّثني حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا قال: خذ من ليلك فإن فاتك من نهارك فمن ليلك.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن عمرو بن قيسٍ الماصر قال: سمعت مجاهدًا يقول: في قوله: وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً قال: هذا يخلف ذا وهذا يخلف ذا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً الآية كلّها. قال: لو لم يخلقه خلفةً لم يدر أحدٌ كيف يعمل لو كان الدّهر كلّه ليلا كيف يدري أحدٌ كيف يصوم أو كان الدّهر نهارًا كلّه كيف يدري أحدٌ كيف يصلّي قال: والخلفة يخلفان يذهب هذا ويأتي هذا جعلهما خلفةً لعباده وقرأ: لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا
قوله تعالى: لمن أراد أن يذّكّر
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: أنّ يذّكّر آيةً. له.
- حدّثنا أبي، ثنا المعلّى بن أسدٍ، ثنا محمّد بن سواءٍ، ثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: لمن أراد أن يذّكّر قال يتّعظ.
قوله تعالى: أو أراد شكورًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: أو أراد شكورًا شكر نعمة ربه عليه فيها.
- حدّثنا أبي، ثنا المعلّى بن أسدٍ، ثنا محمّد بن سواءٍ، ثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك قوله: أو أراد شكورا قال: طاعة). [تفسير القرآن العظيم: 8/2717-2720]


قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جعل الليل والنهار خلفة قال يعني أسود وأبيض). [تفسير مجاهد: 455]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أو أراد شكورا يعني يشكر نعمة ربه عليه). [تفسير مجاهد: 455]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} قال: أبيض وأسود). [الدر المنثور: 11/200-201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {جعل الليل والنهار خلفة} قال: هذا يخلف هذا وهذا يخلف هذا {لمن أراد أن يذكر} قال: يذكر نعمة ربه عليه فيهما {أو أراد شكورا} قال: شكور نعمة ربه عليه فيهما). [الدر المنثور: 11/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {جعل الليل والنهار خلفة} قال: يختلفان، هذا اسود وهذا أبيض وإن المؤمن قد ينسى بالليل ويذكر بالنهار وينسى بالنهار ويذكر بالليل). [الدر المنثور: 11/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {جعل الليل والنهار خلفة} يقول: من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار ومن فاته شيء من النهار أن يعمله أدركه بالليل). [الدر المنثور: 11/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي، وابن أبي حاتم عن الحسن: أن عمر أطال صلاة الضحى فقيل: له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: إنه بقي علي من وردي شيء وأحببت أن أتمه، أو قال اقضيه، وتلا هذه الآية {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} الآية). [الدر المنثور: 11/201-202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {جعل الليل والنهار خلفة} يقول: جعل الليل خلفا من النهار والنهار خلفا من الليل لمن فرط في عمل أن يقضيه). [الدر المنثور: 11/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {جعل الليل والنهار خلفة} قال: إن لم يستطع عمل الليل عمله بالنهار وإن لم يستطع عمل النهار عمله بالليل، فهذا خلفة لهذا). [الدر المنثور: 11/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {جعل الليل والنهار خلفة} قال: من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ومن عجز بالنهار كان له في الليل مستعتب). [الدر المنثور: 11/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة، أن سلمان جاءه رجل فقال: لا أستطيع قيام الليل قال: إن كنت لا تستطيع قيام اللهيل فلا تعجز بالنهار قال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفس محمد بيده أن في كل ليلة ساعة، لا يوافقها رجل مسلم يصلي فيها يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه اياه قال قتادة: فأروا الله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار فإنهما مطيتان تحملان الناس إلى آجالهم تقربان كل بعيد وتبليان كل جديد وتجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 11/202-203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (لمن أراد أن يذكر) مشددة). [الدر المنثور: 11/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ (لمن أراد أن يذكر) ). [الدر المنثور: 11/203]

تفسير قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، أنه ذكر هذه الآية: {الذين يمشون على الأرض هونًا} [سورة الفرقان:63] قال: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت والله الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، والله ما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} [سورة فاطر:34] والله ما أحزنهم حزن الناس، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار، وإنه من لا يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل علمه، وحضر عذابه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 176-177]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا جعفر بن حيان، عن الحسن، في قوله: {الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} وإن جهل عليهم حلموا، فهذا نهارهم إذا انتشروا في الناس، وليلهم خير ليل قال: {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} [سورة الفرقان:63-64]، فهذا ليلهم إذا دخلوا بينهم وبين ربهم، يراوحون بين أطرافهم). [الزهد لابن المبارك: 2/726]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: {الذين يمشون على الأرض هونا}، قال: بالوقار والسكينة، {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، قالوا سدادا من القول). [الجامع في علوم القرآن: 1/14]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سألته عن هذه الآية فلم أجد أحدا يخبرني عنها: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}، فقيل لي في المنام: سألت عن هذه الآية فلم تجد أحدا يخبرك عنها، فقال: نعم، فقال: هم الذين يتجبرون ولا يتكبرون). [الجامع في علوم القرآن: 2/93-94]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية: {الذين يمشون على الأرض هونا}، قال: بالسكينة والوقار، {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، قالوا سدادا من القول). [الجامع في علوم القرآن: 2/94]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله يمشون على الأرض هونا قال حلماء علماء لا يجهلون). [تفسير عبد الرزاق: 2/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى يمشون على الأرض هونا قال بالوقار والسكينة وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما قال سدادا). [تفسير عبد الرزاق: 2/71]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: {الّذين يمشون على الأرض هونا} قال: بالوقار والسكينة [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 227]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: سدادا [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 227]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً} بالسكينة والوقار). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 57]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} قال: سدادًا من القول). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 57]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}.
يقول تعالى ذكره: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} بالحلم والسّكينة والوقار غير مستكبرين، ولا متجبّرين، ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل، غير أنّهم اختلفوا، فقال بعضهم: عنى بقوله: {يمشون على الأرض هونًا} أنّهم يمشون عليها بالسّكينة والوقار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الّذين يمشون على الأرض هونًا} قال: بالوقار والسّكينة.
- قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ: {يمشون على الأرض هونًا} قال: بالحلم والوقار.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يمشون على الأرض هونًا} قال: بالوقار والسّكينة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يمشون على الأرض هونًا} بالوقار والسّكينة.
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ، وعبد الرّحمن: {الّذين يمشون على الأرض هونًا} قال: بالسّكينة والوقار.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن عمّارٍ، عن عكرمة، في قوله: {يمشون على الأرض هونًا} قال: بالوقار والسّكينة.
- قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أيّوب، عن عمرٍو الملائيّ: {يمشون على الأرض هونًا} قال: بالوقار والسّكينة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّهم يمشون عليها بالطّاعة والتّواضع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الّذين يمشون على الأرض هونًا} بالطّاعة، والعفاف، والتّواضع.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} قال: يمشون على الأرض بالطّاعة.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: كتب إليّ إبراهيم بن سويدٍ، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: التمست تفسير هذه الآية {الّذين يمشون على الأرض هونًا} فلم أجدها عند أحدٍ، فأتيت في النّوم، فقيل لي: هم الّذين لا يريدون يفسدون في الأرض.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لا يفسدون في الأرض.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} قال: لا يتكبّرون على النّاس، ولا يتجبّرون، ولا يفسدون. وقرأ قول اللّه: {تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا، والعاقبة للمتّقين}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّهم يمشون عليها بالحلم لا يجهلون على من جهل عليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أبي الأشهب، عن الحسن، في: {يمشون على الأرض هونًا} قال: حلماء، وإن جهل عليهم لم يجهلوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: {يمشون على الأرض هونًا} قال: حلماء.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {يمشون على الأرض هونًا} قال: علماء، حلماء، لا يجهلون.
وقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} يقول: وإذا خاطبهم الجاهلون باللّه بما يكرهونه من القول أجابوهم بالمعروف من القول، والسّداد من الخطاب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو الأشهب، عن الحسن: {وإذا خاطبهم}. الآية، قال: حلماء، وإن جهل عليهم لم يجهلوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، في قوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: إنّ المؤمنين قومٌ ذللٌ، ذلّت منهم واللّه الأسماع والأبصار والجوارح، حتّى يحسبهم الجاهل مرضى، وإنّهم لأصحّاء القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدّنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن، واللّه ما حزنهم حزن الدّنيا، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنّة، أبكاهم الخوف من النّار، وإنّه من لم يتعزّ بعزاء اللّه، تقطع نفسه على الدّنيا حسراتٍ، ومن لم ير للّه عليه نعمةً إلاّ في مطعمٍ ومشربٍ فقد قلّ علمه، وحضر عذابه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: سدادًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: سدادًا من القول.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} حلماء.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن أبي الأشهب، عن الحسن، قال: حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا ولم يسفهوا. هذا نهارهم فكيف ليلهم؟ خير ليلٍ؛ صفّوا أقدامهم، وأجروا دموعهم على خدودهم، يطلبون إلى اللّه جلّ ثناؤه في فكاك رقابهم.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبادة، عن الحسن، قال: حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا). [جامع البيان: 17/489-494]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا (63)
قوله تعالى: وعباد الرّحمن
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالح، عن بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وعباد الرّحمن قال: هم المؤمنون يمشون على الأرض هونًا
قوله تعالى: الّذين يمشون
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا عيسى بن خالدٍ الخراسانيّ، ثنا أبو سنانٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ في قوله: يمشون على الأرض قال: يمشون يعملون على الأرض.
قوله تعالى: هونًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان، ثنا إسرائيل، عن مسلمٍ بيّاع الملائيّ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: يمشون على الأرض هونًا قال: علماء حلماء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك:
هونًا قال: أعفّاء أتقياء حلماء.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن، عن أبي الأشهب، عن الحسن: يمشون على الأرض هونًا قال: حلماء- وروي، عن سعيد بن جبيرٍ في إحدى الرّوايات وميمون بن مهران مثل قول الحسن.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالح بن زيادٍ الرّقّيّ، ثنا يحيى بن سعيدٍ الحمصيّ، ثنا النّضر بن عربيٍّ، عن ميمون بن مهران في قوله هونًا قال: حلماء بالسّريانيّة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: هونًا قال: بالطّاعة والعفاف والتّواضع.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عامر بن صالحٍ، عن أبيه، عن أبي عمران الجونيّ: يمشون على الأرض هونًا قال: بالعبرانيّة: يمشون على الأرض حلماء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكيرٍ النّخعيّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: يمشون على الأرض هونًا قال: بالسّكينة والوقار.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدا لصمد بن عبد العزيز المقرئ، ثنا جسرٌ، عن الحسن في قوله: هونًا قال: الهون بالعربيّة السّكينة والحلم والوقار، قال: فالمؤمن حليمٌ وإن جهل عليه حلم، ولا يظلم وإن ظلم غفر ولا يبخل وإن بخل عليه صبر.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا ابن أبي زائدة، ثنا مباركٌ، عن الحسن قوله: يمشون على الأرض هونًا قال: الهون في كلام العرب اللّين والسّكينة والوقار.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا زكريّا بن عديٍّ، ثنا ابن المبارك، عن معمرٌ، عن يحيى بن المختار، عن الحسن: وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا قال: إنّ المؤمنين قومٌ ذللٌ ذلّت واللّه منهم الأسماع والأبصار والجوارح حتّى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرضٍ وإنّهم لأصحّاء ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ومنعهم من الدّنيا علمًا بالآخرة فقالوا: الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن أما واللّه ما أحزنهم حزن النّاس ولا تعاظم في أنفسهم شيءٌ طلبوا به الجنّة. أبكاهم الخوف من النّار إنّه من لا يتعزّ بعزاء اللّه تقطّع نفسه على الدّنيا حسراتٍ، ومن لم ير للّه نعمةً إلا في مطعمٍ أو مشربٍ فقد قلّ- أرى ابن المبارك- قال: علمه وحضر عذابه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ثنا ابن المبارك، ثنا محمّد بن سليمٍ، ثنا قتادة في قوله: يمشون على الأرض هونًا قال: تواضعًا للّه لعظمته كانوا لا يجاهلون أهل الجهل.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبّاد بن زكريّا، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن أسامة بن زيدٍ، عن زيد بن أسلم: يمشون على الأرض هونًا قال: لا يفسدون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: يمشون على الأرض هونًا قال: لا يتكبّرون على النّاس ولا يتجبّرون ولا يفسدون في الأرض.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا القاسم بن عيسى الواسطيّ الطّائيّ، ثنا هشيمٌ، عن أبي إسحاق الكوفيّ، عن الضّحّاك في قوله: هونًا سريانيّةٌ وقال: هو: هونًا.
قوله تعالى: وإذا خاطبهم الجاهلون
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الصّمد بن عبد العزيز المقرئ، ثنا جسرٌ، عن الحسن في قول اللّه: وإذا خاطبهم الجاهلون قال المؤمن حليمٌ وإن جهل عليه حلم
الحديث وهو معادٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا قال: إذا سفه عليه الجاهل قال: وعليك السّلام.
قوله: الجاهلون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا يعنى السّفهاء من الكبار.
قوله تعالى: قالوا سلامًا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قالوا: سدادًا.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ حدّثني سفيان بن عيينة ومسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا قالوا: سدادًا من القول.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الوهّاب الخفّاف، عن عمرٍو، عن الحسن: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا قال: السّلام عليكم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: قالوا سلامًا يعنى: ردّوا معروفًا.
- حدّثنا أبي ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ ثنا مباركٌ عن الحسن: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا قال: حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا يصاحبون عباد اللّه نهارهم ممّا تسمعون ثمّ ذكر ليلهم خير ليلٍ.
- أخبرنا عبيد بن محمّد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، ثنا قتادة قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا أهل حياءٍ وكرمٍ يعفون ويكنّون). [تفسير القرآن العظيم: 8/2720-2723]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم حدثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يمشون على الأرض هونا قال يعني بالسكينة والوقار). [تفسير مجاهد: 2/455-456]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما * والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وعباد الرحمن} قال: هم المؤمنون {الذين يمشون على الأرض هونا} قال: بالطاعة والعفاف والتواضع). [الدر المنثور: 11/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يمشون على الأرض هونا} قال: علماء حكماء). [الدر المنثور: 11/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {هونا} قال: بالسريانية). [الدر المنثور: 11/203-204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله {هونا} قال: حلماء بالسريانية). [الدر المنثور: 11/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله {هونا} قال: حلماء بالسريانية). [الدر المنثور: 11/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} قال: بالوقار والسكينة {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: سدادا من القول.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة، مثله). [الدر المنثور: 11/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {يمشون على الأرض هونا} قال: لا يشتدون). [الدر المنثور: 11/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، وابن النجار عن ابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن). [الدر المنثور: 11/205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الفضيل بن عياض في قوله {الذين يمشون على الأرض هونا} قال: بالسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: إن جهل عليه حلم وإن أسيء إليه أحسن وإن حرم أعطى وان قطع وصل). [الدر المنثور: 11/205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الآمدي في شرح ديوان الأعشى بسنده عن عمر بن الخطاب: إنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال: إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله وقد مدح الله أقواما فقال {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} فاقصد في مشيتك). [الدر المنثور: 11/205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {الذين يمشون على الأرض هونا} قال: تواضعا لله لعظمته {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: كانوا لا يجهلون على أهل الجهل). [الدر المنثور: 11/205]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الحلية عن محمد بن علي الباقر قال: سلاح اللئام قبيح الكلام). [الدر المنثور: 11/205-206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن النعمان بن مقرن المزني: إن رجلا سب رجلا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن ملكا بينكما يذب عنك كلما شتمك هذا قال له: بل أنت، وأنت أحق به وإذا قلت له: عليك السلام قال: لا، بل لك أنت أحق به). [الدر المنثور: 11/206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وإذا خاطبهم الجاهلون} قال: السفهاء {قالوا سلاما} يعني ردوا معروفا {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} يعني يصلون بالليل). [الدر المنثور: 11/206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن {يمشون على الأرض هونا} قال: يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا، هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} قال: هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم). [الدر المنثور: 11/206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كان يقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وأرض بما قسم الله لك تكن غنيا وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلما وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب، إنه قد كان يديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون شديدا ويأملون بعيدا فأين هم أصبح جمعهم بورا وأصبح عملهم غرورا وأصبحت مساكنهم قبورا، ابن آدم انك مرتهن بعملك وأنت على أجلك معروض على ربك فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير، يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك انك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم: خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك، يا ابن آدم أتحب أن تذكر بسحناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك وتبغض على الظن وتقيم على اليقين، وكان يقال: أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وافضاء بعينها خضعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم كنت والله إذا رأيتهم قوما كأنهم رأى عين، والله ما كانوا بأهل جدل وباطل ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}
قال: الحسن والهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل قال {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ينتصبون لله على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجدا لربهم تجري دموعهم على خدودهم خوفا من ربهم، قال الحسن: لأمر ما سهر ليلهم ولأمر ما خشع نهارهم {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} قال: كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض قال: صدق القوم، والله الذي لا إله إلا هو فعلموا ولم يتمنوا، فإياكم وهذه الأماني يرحمكم الله فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيرا في الدنيا والآخرة قط، وكان يقول: يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة). [الدر المنثور: 11/206-208]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا جعفر بن حيان، عن الحسن، في قوله: {الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} وإن جهل عليهم حلموا، فهذا نهارهم إذا انتشروا في الناس، وليلهم خير ليل قال: {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} [سورة الفرقان:63-64]، فهذا ليلهم إذا دخلوا بينهم وبين ربهم، يراوحون بين أطرافهم). [الزهد لابن المبارك: 2/726](م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا (64) والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم، إنّ عذابها كان غرامًا (65) إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا}.

يقول تعالى ذكره: والّذين يبيتون لربّهم يصلّون للّه، يراوحون بين سجودٍ في صلاتهم وقيامٍ.
وقوله: {وقيامًا} جمع قائمٍ، كما الصّيام جمع صائمٍ). [جامع البيان: 17/494-495]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا (64)
قوله تعالى: والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا يعنى يصلّون باللّيل وهم في ذلك سجودٌ وقيامٌ.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الأشهب، ثنا الحسن: والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا قال: هذا ليلهم إذا خلوا فيما بينهم وبين ربّهم يروحون من أطرافهم.
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا مباركٌ عن الحسن: والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا قال: هذا ليلهم إذا خلوا فيما بينهم وبين ربّهم يروحون من أطرافهم.
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا مباركٌ عن الحسن: والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا ينتصبون للّه على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجّدًا لربّهم تجري دموعهم على خدودهم خوفًا من ربّهم، قال الحسن: لأمرٍ ما سهر ليلهم ولأمرٍ ما تخشّع لهم نهارهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يقول أصيبوا من هذا اللّيل ولو ركعتين أو أربعًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2723]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وإذا خاطبهم الجاهلون} قال: السفهاء {قالوا سلاما} يعني ردوا معروفا {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} يعني يصلون بالليل). [الدر المنثور: 11/206] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن {يمشون على الأرض هونا} قال: يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا، هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} قال: هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم). [الدر المنثور: 11/206] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كان يقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وأرض بما قسم الله لك تكن غنيا وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلما وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب، إنه قد كان يديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون شديدا ويأملون بعيدا فأين هم أصبح جمعهم بورا وأصبح عملهم غرورا وأصبحت مساكنهم قبورا، ابن آدم انك مرتهن بعملك وأنت على أجلك معروض على ربك فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير، يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك انك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم: خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك، يا ابن آدم أتحب أن تذكر بسحناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك وتبغض على الظن وتقيم على اليقين، وكان يقال: أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وافضاء بعينها خضعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم كنت والله إذا رأيتهم قوما كأنهم رأى عين، والله ما كانوا بأهل جدل وباطل ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}
قال: الحسن والهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل قال {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ينتصبون لله على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجدا لربهم تجري دموعهم على خدودهم خوفا من ربهم، قال الحسن: لأمر ما سهر ليلهم ولأمر ما خشع نهارهم {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} قال: كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض قال: صدق القوم، والله الذي لا إله إلا هو فعلموا ولم يتمنوا، فإياكم وهذه الاماني يرحمكم الله فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيرا في الدنيا والآخرة قط، وكان يقول: يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة). [الدر المنثور: 11/206-208] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله: {إن عذابها كان غرامًا} [سورة الفرقان: 65]، قال: الغرام: اللازم الذي لا يفارق صاحبه، وكل عذاب يفارق صاحبه، فليس بغرام). [الزهد لابن المبارك: 2/ 588-589]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا جعفر بن سليمان عن سليمان التميمي قال سمعته وسأله رجل قال يا أبا المعتمر أرأيت قول الله عز و جل إن عذابها كان غراما ما الغرام قال الله أعلم ثلاثا ثم قال كل أسير لا بد أن يفك إساره يوما أو يموت إلا أسير جهنم فهو العزام لا يفك أبدا). [تفسير عبد الرزاق: 2/72]

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {إن عذابها كان غراما} قال: الغرام اللازم [الآية: 65]). [تفسير الثوري: 228]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا يزيد بن هارون، عن أبي الأشهب، عن الحسن: {إنّ عذابها كان غرامًا} قال: علموا أنّ كلّ غريمٍ مفارقٌ غريمه إلاّ غريم جهنّم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 369]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({غرامًا} [الفرقان: 65] : هلاكًا). [صحيح البخاري: 6/109]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله غرامًا هلاكًا قال أبو عبيدة في قوله إنّ عذابها كان غرامًا أي هلاكًا وإلزامًا لهم ومنه رجلٌ مغرمٌ بالحب). [فتح الباري: 8/492]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (غراماً هلاكاً
أشار به إلى قوله تعالى: {إن عذابها كان غراماً} (الفرقان: 65) وفسّر الغرام بالهلاك، وكذا فسره أبو عبيدة، ومنه قولهم: رجل مغرم بالحب). [عمدة القاري: 19/94]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({غرامًا}) في قوله تعالى: {إن عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] قال أبو عبيدة (هلاكًا) وإلزامًا لهم وعن الحسن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم). [إرشاد الساري: 7/273]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم} يقول تعالى ذكره: والّذين يدعون اللّه أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرًا منه ووجلاً.
وقوله: {إنّ عذابها كان غرامًا} يقول: إنّ عذاب جهنّم كان غرامًا ملحًّا دائمًا لازمًا غير مفارقٍ من عذّب به من الكفّار، ومهلكًا له. ومنه قولهم: رجلٌ مغرمٌ، من الغرم والدّين. ومنه قيل للغريم غريمٌ لطلبه حقّه وإلحاحه على صاحبه فيه. ومنه قيل للرّجل المولع للنّساء: إنّه لمغرمٌ بالنّساء، وفلانٌ مغرمٌ بفلانٍ: إذا لم يصبر عنه؛ ومنه قول الأعشى:
إن يعاقب يكن غرامًا وإن يعـ = ـط جزيلاً فإنّه لا يبالي
يقول: إن يعاقب يكن عقابه عقابًا لازمًا، لا يفارق صاحبه مهلكًا له. وقول بشر بن أبي خازمٍ:
يوم النّسار ويوم الجفار = كان عقابًا وكان غراما
قيل: عنى بقوله: غرامًا هلاكًا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن الحسن اللاّنيّ، قال: أخبرنا المعافى بن عمران الموصليّ، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ، في قوله: {إنّ عذابها كان غرامًا} قال: إنّ اللّه سأل الكفّار ثمن نعمه، فلم يؤدّوها إليه، فأغرمهم، فأدخلهم النّار.
- قال: حدّثنا المعافى، عن أبي الأشهب، عن الحسن، في قوله: {إنّ عذابها كان غرامًا} قال: قد علموا أنّ كلّ غريمٍ مفارقٌ غريمه إلاّ غريم جهنّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ عذابها كان غرامًا} قال: الغرام: الشّرّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {إنّ عذابها كان غرامًا} قال: لا يفارقه). [جامع البيان: 17/495-496]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا شيبان بن فرّوخ، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: إنّ عذابها كان غرامًا قال: اعلموا أنّ كلّ غريمٍ مفارقٌ غريمه إلا غريم جهنّم
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، ثنا مباركٌ، عن الحسن،: والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا الآية: قال: كلّ شيءٍ يصيب ابن آدم يزول عنه وليس بغرامٍ وإنّما الغرام اللّازم ما دامت السماوات والأرض.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ: إنّ عذابها كان غرامًا قال: ما نعموا في الدّنيا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرّحيم بن مطرّفٍ، ثنا عيسى بن يونس، عن موسى بن عبيدة أنبأ محمّد بن كعبٍ في قول اللّه: إنّ عذابها كان غرامًا قال: إنّ اللّه جلّ وعزّ سأل الكفّار، عن النّعمة فلم يردّوها عليه.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا محمّد بن الزّبرقان، ثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ في قوله: إنّ عذابها كان غرامًا قال: سألهم، عن النّعيم فلم يأتوا به فأغرمهم فأدخلهم النّار.
- أخبرنا عبد اللّه بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ ثنا عبد الرّزّاق ، ثنا جعفر بن سليمان التّيميّ قال: سمعته وسأله رجلٌ فقال: يا أبا المعتمر أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ: إنّ عذابها كان غرامًا ما الغرام؟ قال: اللّه أعلم ثلاثًا ثمّ قال: كلّ أسيرٍ لا بدّ أن يفكّ أساره يومًا أو يموت إلا أسير جهنّم فهو الغرام ولا يفكّ أبدًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2723-2724]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله إن عذابها كان غراما قال الغرام اللازم الذي لا يفارق صاحبه أبدا وكل عذاب يفارق صاحبه فليس بغرام). [تفسير مجاهد: 456]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كان يقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وأرض بما قسم الله لك تكن غنيا وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلما وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب، إنه قد كان يديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون شديدا ويأملون بعيدا فأين هم أصبح جمعهم بورا وأصبح عملهم غرورا وأصبحت مساكنهم قبورا، ابن آدم انك مرتهن بعملك وأنت على أجلك معروض على ربك فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير، يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك انك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم: خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك، يا ابن آدم أتحب أن تذكر بسحناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك وتبغض على الظن وتقيم على اليقين، وكان يقال: أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وافضاء بعينها خضعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم كنت والله إذا رأيتهم قوما كأنهم رأى عين، والله ما كانوا بأهل جدل وباطل ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا}
قال: الحسن والهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} قال: حلماء لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل قال {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ينتصبون لله على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجدا لربهم تجري دموعهم على خدودهم خوفا من ربهم، قال الحسن: لأمر ما سهر ليلهم ولأمر ما خشع نهارهم {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} قال: كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض قال: صدق القوم، والله الذي لا إله إلا هو فعلموا ولم يتمنوا، فإياكم وهذه الاماني يرحمكم الله فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيرا في الدنيا والآخرة قط، وكان يقول: يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة). [الدر المنثور: 11/206-208] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {إن عذابها كان غراما . قال: الدائم"). [الدر المنثور: 11/208]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطسي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: (إن عذابها كان غراما)} قال: ملازما شديدا كلزوم الغريم الغريم قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول بشر بن أبي حازم
ويوم النسار ويوم الجفار * كانا عذابا وكانا غراما). [الدر المنثور: 11/209]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الانباري عن ابن عباس إن نافع بن الازرق قال له: اخبرني عن قوله {كان غراما} ما الغرام قال: المولع، قال فيه الشاعر:
وما أكلة أن نلتها بغنيمة * ولا جوعة أن جعتها بغرام). [الدر المنثور: 11/209]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {إن عذابها كان غراما} قال: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم). [الدر المنثور: 11/209]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} يقول: إنّ جهنّم ساءت مستقرّا ومقامًا، يعني بالمستقرّ: القرار، وبالمقام: الإقامة؛ كأنّ معنى الكلام: ساءت جهنّم منزلاً ومقامًا.
وإذا ضمّت الميم من المقام فهو من الإقامة، وإذا فتحت فهو من: قمت، ويقال: المقام إذا فتحت الميم أيضًا هو المجلس. ومن المقام بضمّ الميم بمعنى الإقامة، قول سلامة بن جندلٍ:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ = ويوم سيرٍ إلى الأعداء تأويبا
ومن المقام الّذي بمعنى المجلس قول عبّاس بن مرداسٍ:
فأيّي ما وأيّك كان شرًّا = فقيد إلى المقامة لا يراها
يعني: المجلس). [جامع البيان: 17/496-497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا (66)
قوله تعالى: إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث قال: إذا طرح الرّجل في النّار هوى فيها فإذا إنتهى إلى بعض أبوابها قيل: مكانك حتّى تتحف قال: فيسقى كأسًا من سمّ الأساود والعقارب قال فتميّز الجلد على حدةٍ والشّعر على حدةٍ والعصب على حدةٍ والعروق على حدةٍ.
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عميرٍ قال: إنّ في النّار لجبابًا فيها حيّاتٌ أمثال البخت وعقارب أمثال البغال الدّلم، قال: فإذا قذف بهم في النّار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفافهم وأبشارهم أو أشعارهم فكشطت لحومهم إلى أقدامهم فإذا وجدت حرّ النار رجعت). [تفسير القرآن العظيم: 8/2724]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا خالد بن حميد عن عقيل عن ابن شهاب أنه كان يقول في هذه الآية: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}، يقول: لا تمنعه من حقٍ ولا تنفعه في باطلٍ، {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}، كذلك أيضاً). [الجامع في علوم القرآن: 1/55-56] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن رجل عن الحسن في قوله لم يسرفوا ولم يقتروا أن عمر بن الخطاب قال كفى سرفا إلا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله). [تفسير عبد الرزاق: 2/71]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قوامًا}.
يقول تعالى ذكره: والّذين إذا أنفقوا أموالهم لم يسرفوا في إنفاقها.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في النّفقة الّتي عناها اللّه في هذا الموضع، وما الإسراف فيها والإقتار. فقال بعضهم: الإسراف ما كان من نفقةٍ في معصية اللّه، وإن قلّت. قال: وإيّاها عني اللّه، وسمّاها إسرافًا قالوا: والإقتار المنع من حقّ اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قوامًا} قال: هم المؤمنون لا يسرفون فينفقون في معصية اللّه، ولا يقترون فيمنعون حقوق اللّه تعالى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، قال: لو أنفقت مثل أبي قبيسٍ ذهبًا في طاعة اللّه ما كان سرفًا، ولو أنفقت صاعًا في معصية اللّه كان سرفًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا} قال: في النّفقة فيما نهاهم وإن كان درهمًا واحدًا، ولم يقتروا ولم يقصّروا عن النّفقة في الحقّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قوامًا} قال: لم يسرفوا فينفقوا في معاصي اللّه. كلّ ما أنفق في معصية اللّه وإن قلّ فهو إسرافٌ، ولم يقتروا فيمسكوا عن طاعة اللّه. قال: وما أمسك عن طاعة اللّه وإن كثر فهو إقتارٌ.
- قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني إبراهيم بن نشيطٍ، عن عمر مولى غفرة أنّه سئل عن الإسراف، ما هو؟ قال: كلّ شيءٍ أنفقته في غير طاعة اللّه فهو سرفٌ.
وقال آخرون: السّرف: المجاوزة في النّفقة الحدّ؛ والإقتار: التّقصير عن الّذي لا بدّ منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} ولم يقتروا قال: لا يجيعهم، ولا يعريهم، ولا ينفق نفقةً يقول النّاس قد أسرف.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد بن خنيسٍ أبو عبد اللّه المخزوميّ المكّيّ، قال: سمعت وهيب بن الورد أبي الورد مولى بني مخزومٍ قال: لقي عالمٌ عالمًا هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك اللّه، أخبرني عن هذا البناء الّذي لا إسراف فيه ما هو؟ قال: هو ما سترك من الشّمس، وأكنّك من المطر، قال: يرحمك اللّه، فأخبرني عن هذا الطّعام الّذي نصيبه لا إسراف فيه ما هو؟ قال: ما سدّ الجوع ودون الشّبع، قال: يرحمك اللّه، فأخبرني عن هذا اللّباس الّذي لا إسراف فيه ما هو؟ قال: ما ستر عورتك، وأدفأك من البرد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن شريحٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، في هذه الآية: {والّذين إذا أنفقوا}. الآية، قال: كانوا لا يلبسون ثوبًا للجمال، ولا يأكلون طعامًا للّذة، ولكن كانوا يريدون من اللّباس ما يسترون به عورتهم، ويكتنّون به من الحرّ والقرّ، ويريدون من الطّعام ما سدّ عنهم الجوع، وقوّاهم على عبادة ربّهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن يزيد بن مرّة الجعفيّ، قال: العلم خيرٌ من العمل، والحسنة بين السّيّئتين، يعني: {إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا}، وخير الأعمال أوساطها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا كعب بن فرّوخ، قال: حدّثنا قتادة، عن مطرّف بن عبد اللّه، قال: خير هذه الأمور أوساطها، والحسنة بين السّيّئتين. فقلت لقتادة: ما الحسنة بين السّيّئتين؟ فقال: {الّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} الآية.
وقال آخرون: الإسراف هو أن تأكل مال غيرك بغير حقٍّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا سالم بن سعيدٍ، عن أبي معدان، قال: كنت عند عون بن عبد اللّه بن عتبة، فقال: ليس المسرف من يأكل ماله، إنّما المسرف من يأكل مال غيره.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك قول من قال: الإسراف في النّفقة الّذي عناه اللّه في هذا الموضع: ما جاوز الحدّ الّذي أباحه اللّه لعباده إلى ما فوقه، والإقتار: ما قصر عمّا أمر اللّه به، والقوام: بين ذلك.
وإنّما قلنا إنّ ذلك كذلك، لأنّ المسرف والمقتر كذلك؛ ولو كان الإسراف والإقتار في النّفقة مرخّصًا فيهما ما كانا مذمومين، ولا كان المسرف ولا المقتر مذمومًا، لأنّ ما أذن اللّه في فعله فغير مستحقٍّ فاعله الذّمّ.
فإن قال قائلٌ: فهل لذلك من حدٍّ معروفٍ تبيّنه لنا؟ قيل: نعم، ذلك مفهومٌ في كلّ شيءٍ من المطاعم والمشارب والملابس والصّدقة وأعمال البرّ وغير ذلك، نكره تطويل الكتاب بذكر كلّ نوعٍ من ذلك مفصّلاً، غير أنّ جملة ذلك هو ما بيّنّا، وذلك نحو أكل آكلٍ من الطّعام فوق الشّبع ما يضعف بدنه، وينهك قواه، ويشغله عن طاعة ربّه، وأداء فرائضه، وذلك من السّرف، أو أن يترك الأكل وله إليه سبيلٌ حتّى يضعف ذلك جسمه وينهك قواه، ويضعفه عن أداء فرائض ربّه، فذلك من الإقتار، وبين ذلك القوام على هذا النّحو، كلّ ما جانس ما ذكرنا.
فأمّا اتّخاذ الثّوب للجمال، يلبسه عند اجتماعه مع النّاس، وحضوره المحافل والجمع والأعياد، دون ثوب مهنته، أو أكله من الطّعام ما قوّاه على عبادة ربّه، ممّا ارتفع عمّا قد يسدّ الجوع، ممّا هو دونه من الأغذية، غير أنّه لا يعين البدن على القيام للّه بالواجب معونته، فذلك خارجٌ من معنى الإسراف، بل ذلك من القوام، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد أمر ببعض ذلك، وحضّ على بعضه، كقوله: ما على أحدكم لو اتّخذ ثوبين. ثوبًا لمهنته، وثوبًا لجمعته وعيده، وكقوله: إذا أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً أحبّ أن يرى أثره عليه، وما أشبه ذلك من الأخبار الّتي قد بيّنّاها في مواضعها.
وأمّا قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} فإنّه النّفقة بالعدل والمعروف، على ما قد بيّنّا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي سليمان، عن وهب بن منبّهٍ، في قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} قال: الشّطر من أموالهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} النّفقة بالحقّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} قال: القوام أن ينفقوا في طاعة اللّه، ويمسكوا عن محارم اللّه.
- قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني إبراهيم بن نشيطٍ، عن عمر مولى غفرة، قال: قلت له: ما القوام؟ قال: القوام أن لا تنفق في غير حقٍّ، ولا تمسك عن حقٍّ هو عليك.
والقوام في كلام العرب، بفتح القاف، وهو الشّيء بين الشّيئين. تقول للمرأة المعتدلة الخلق: إنّها لحسنة القوام في اعتدالها، كما قال الحطيئة:
طافت أمامة بالرّكبان آونةً = يا حسنه من قوامٍ ما ومنتقبا
فأمّا إذا كسرت القاف فقلت: إنّه قوام أهله، فإنّه يعني به: أنّ به يقوم أمرهم وشأنهم. وفيه لغاتٌ أخر، يقال منه: هو قيام أهله وقيّمهم في معنى قوامهم. فمعنى الكلام: وكان إنفاقهم بين الإسراف والإقتار قوامًا معتدلاً، لا مجاوزة عن حدّ اللّه، ولا تقصيرًا عمّا فرضه اللّه، ولكن عدلاً بين ذلك على ما أباحه جلّ ثناؤه، وأذن فيه ورخّص.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولم يقتروا} فقرأته عامّة قرّاء المدينة: (ولم يقتروا) بضمّ الياء وكسر التّاء من أقتر يقتر.
وقرأته عامّة قرّاء الكوفيّين {ولم يقتروا} بفتح الياء وضمّ التّاء من قتر يقتر.
وقرأته عامّة قرّاء البصرة: (ولم يقتروا)، بفتح الياء وكسر التّاء من قتر يقتر.
والصّواب من القول في ذلك أنّ كلّ هذه القراءات على اختلاف ألفاظها لغاتٌ مشهوراتٌ في العرب، وقراءاتٌ مستفيضاتٌ وفي قرّاء الأمصار بمعنًى واحدٍ، فبأيّتها قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقد بيّنّا معنى الإسراف والإقتار بشواهدهما فيما مضى في كتابنا في كلام العرب، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وفي نصب القوام وجهان: أحدهما ما ذكرت، وهو أن يجعل في كان اسم الإنفاق بمعنى: وكان إنفاقهم ما أنفقوا بين ذلك قوامًا: أي عدلاً، والآخر أن يجعل بين هو الاسم، فتكون وإن كانت في اللّفظة نصبًا في معنى رفعٍ، كما يقال: كان دون هذا لك كافيًا، يعني به: أقلّ من هذا كان لك كافيًا، فكذلك يكون في قوله: {وكان بين ذلك قوامًا} لأنّ معناه: وكان الوسط من ذلك قوامًا). [جامع البيان: 17/497-504]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا (67)
قوله تعالى: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: والّذين إذا أنفقوا قال: هم المؤمنون.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ في قوله: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا قال أولئك أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم.
قوله تعالى: لم يسرفوا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا قال: لا يسرفون فيفقون في معصية اللّه.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني خالد بن حميدٍ، عن عقيلٍ. عن ابن شهابٍ أنّه كان يقول: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا قال: لا ينفقه في باطلٍ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد السّلام بن حربٍ أنبأ مغيرة، عن إبراهيم في قوله: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا لا ينفق نفقةً يقول النّاس قد سرف.
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن ميمونٍ الرّقّيّ، ثنا خالد بن حيّان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: في المال ثلاث خصالٍ إن نجا من خصلةٍ كان قمنٌ أن لا ينجو من الثّنتين وإن نجا من ثنتين كان قمنٌ أن لا ينجو من الثّالثة وينبغي أن يكون أصله من طيّبٍ فأيّكم الّذي يسلم كسبه ولم يدخله إلا طيّبًا فإن سلم فأيّكم الّذي أدّى الحقوق كلّها فإن سلم من هذه فإنّه ينبغي له أن يكون في نفقته ليس بمسرفٍ ولا مقتّرٍ.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن حبيبٍ في قوله: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا قال: أولئك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا لا يأكلون طعامًا يريدون به نعيمًا ولا يلبسون ثوبًا يريدون به جمالا كانت قلوبهم على قلبٍ واحدٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، ثنا اللّيث حدّثني إبراهيم بن نشيطٍ قال: سألت عمر مولى غفرة، عن الإسراف ما هو؟ قال: ليس شيءٌ أنفقته في طاعةٍ إسراف يعنى في طاعة اللّه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا قال: لم يسرفوا في معاصي اللّه وكلّ ما أنفق في معصية اللّه وإن قلّ فهو إسرافٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا الوليد بن صالح، ثنا خلد بن عبد الله الواسطي، عن داود ابن أبي هند قال: قلت للحسن الرّجل يصنع الطعام ينفق فيها النّفقة الكثيرة قال: ليس في الطّعام إسرافٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا يزيد بن هارون أنبأ سفيان بن حسين، عن أبي بشرٍ جعفر بن أبي وحشيّة قال: أطاف النّاس بإياس بن معاوية بالكوفة فقالوا ما السّرف؟ قال: ما جاوزت به أمر اللّه فهو سرفٌ، قال سفيان ابن حسينٍ: وما قصرت به عن أمر اللّه فهو سرفٌ.
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن أيّوب، ثنا مخلد بن الحسين، عن هشامٍ قال ابن سيرين إذا سئل، عن السّرف ما هو؟ قال: النّفقة في غير حقّها.
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن أيّوب أنبأ بقيّة، عن هشامٍ، عن الحسن قال: ليس في النّفقة في سبيل اللّه سرفٌ.
- حدّثنا أبي ثنا عصام بن روّادٍ، ثنا أبي ثنا رجلٌ، عن الحسن قال: من الإسراف أن يأكل الرّجل كلّما اشتهى.
قوله تعالى: ولم يقتروا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولم يقتروا قال: هم المؤمنون لا يقتروا فيمنعوا حقوق اللّه.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني خالد بن حميدٍ، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ أنّه كان يقول: ولم يقتروا يقول: لا يمنعه من حقٍّ ولا ينفقه في باطل.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد السّلام، ثنا مغيرة، عن إبراهيم:
ولم يقتروا قال: لا يجيعهم ولا يعريهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن الأعمش في قوله: لم يقتروا قال: لم يقصّروا، عن الحقّ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد: ولم يقتروا فيمسكوا، عن طاعة اللّه وما أمسك، عن طاعة اللّه وإن كثرت فهو إقتارٌ.
قوله تعالى: وكان بين ذلك قوامًا
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينارٍ، ثنا روّادٌ، عن المسعوديّ، عن قتادة، عن مطرّف بن الشّخّير قال: العلم خيرٌ من العمل وخير الأمور أوساطها والحسنة بين السّيّئتين ذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا يقول سيّئةٌ: ولم يقتروا يقول: سيّئةٌ: وكان بين ذلك قوامًا يقول: حسنةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني اللّيث حدّثني إبراهيم بن نشيطٍ قال: سألت عمر مولى غفرة قلت له ما القوام؟ قال: القوام ألا تنفق في غير حقٍّ ولا تمسك من حقٍّ هو عليك.
- حدّثنا أبي ثنا بشر بن آدم بن بنت أزهر بن سعدٍ، ثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان، عن أبي سليمان، عن وهب بن منبّهٍ: وكان بين ذلك قوامًا قال: الشّطر من أموالهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن الأعمش في قوله: وكان بين ذلك قوامًا قال: عدلا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وكان بين ذلك قوامًا قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد أقاتكم قيتةً فانتهوا إلى قيتة اللّه عزّ وجلّ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت ابن زيدٍ في قول اللّه: وكان بين ذلك قوامًا والقوام بين ذلك أن تنفقوا في طاعة اللّه وتمسكوا، عن محارم اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 8/2725-2728]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: هم المؤمنون، لا يسرفون فيقعوا في معصية الله ولا يقترون فيمنعون حقوق الله). [الدر المنثور: 11/209-210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (ولم يقتروا) بنصب الياء ورفع التاء). [الدر المنثور: 11/210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: الاسراف النفقة في معصية الله والاقتار الامساك عن حق الله قال: وإن الله قد فاء لكم فيئة فانتهوا إلى فيئة الله، قال في المنفق {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا} الاحزاب الآية 70 قال: قولوا صدقا عدلا، وقال للمؤمنين {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} النور الآية 30 عما لا يحل لهم، وقال في الاستماع {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} الزمر الآية 18 وأحسنه طاعة الله). [الدر المنثور: 11/210]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله {لم يسرفوا ولم يقتروا} قال لا ينفقه في باطل ولا يمنعه من حق). [الدر المنثور: 11/210-211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: اولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاما يريدون به نعيما ولا يلبسون ثوبا يريدون به جمالا كانت قلوبهم على قلب واحد). [الدر المنثور: 11/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الاعمش في قوله {بين ذلك قواما} قال: عدلا). [الدر المنثور: 11/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال القوام أن لا تنفق من غير حق ولا تمسك من حق هو عليك). [الدر المنثور: 11/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن وهب بن منبه {وكان بين ذلك قواما} قال: الشطر من أموالهم). [الدر المنثور: 11/211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن يزيد بن مرة الجعفي قال: العلم خير من العمل والحسنة بين السيئين، يعني إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وخير الامور أوساطها). [الدر المنثور: 11/211-212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن الحسن في قوله {لم يسرفوا ولم يقتروا} أن عمر بن الخطاب قال: كفى سرفا أن الرجل لا يشتهي شيئا إلا اشتراه فأكله). [الدر المنثور: 11/212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من فقه الرجل رفقه في معيشته). [الدر المنثور: 11/212]


رد مع اقتباس