عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فنردها على أدبارها قال نحول وجوههم قيل ظهورهم أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت قال: قال يقول أو نجعلهم قردة). [تفسير عبد الرزاق: 1/163]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن نطمس وجوها يقول نطمسها عن الحق بردها على أدبارها على ضلالتها أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت قال يقول أو نجعلهم قردة). [تفسير عبد الرزاق: 1/163-164]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({نطمس وجوهًا} [النساء: 47]:نسوّيها حتّى تعود كأقفائهم، طمس الكتاب: محاه جهنّم). [صحيح البخاري: 6/45] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله نطمس وجوهًا نسوّيها حتّى تعود كأقفائهم طمس الكتاب محاه هو مختصرٌ من كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى من قبل أن نطمس وجوهًا أي نسوّيها حتّى تعود كأقفائهم يقال للرّيح طمست الآثار أي محتها وطمس الكتاب أي محاه وأسند الطّبريّ عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية وقيل هو تمثيلٌ وليس المراد حقيقته حسًّا). [فتح الباري: 8/251]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (نطمس وجوها نسوّيها حتّى تعود كأفعالهم طمس الكتاب محاه
أشار به إلى قوله تعالى: {من قبل أن نطمس وجوهًا} وفسره بقوله نسويها بقوله: (حتّى تعود كأفقائهم) وأسند الطّبريّ عن قتادة أن المراد أن تعود الأوجه في الأفقية، وعن قتادة: تذهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء، وقال أبي بن كعب: هو تمثيل وليس المراد حقيقتها حسا. وقال الكرماني: نطمس منصوب على الحكاية من قوله: (من قبل أن نطمس) وأشار بقوله: طمس الكتاب محاه إلى أن الطمس يجيء بمعنى المحو أيضا). [عمدة القاري: 18/173-174]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({نطمس وجوهًا}) [النساء: 47] أي (نسوّيها حتى تعود كأقفائهم) حقيقة أو هو تمثيل وليس المراد حقيقته حسًّا، وأسند الطبري عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية يقال (طمس الكتاب) إذا (محاه) ومراده قوله تعالى: {من قبل أن نطمس وجوهًا} فنطمس هنا نصب على الحكاية كما لا يخفى). [إرشاد الساري: 7/83]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب} اليهود من بني إسرائيل الّذين كانوا حوالي مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال اللّه لهم: يا أيّها الّذين أنزل إليهم الكتاب فأعطوا العلم به {آمنوا} يقول: صدّقوا يعنى بما أنزلنا إلى محمّدٍ من الفرقان {مصدّقًا لما معكم} يعني: محقّقًا للّذي معكم من التّوراة الّتي أنزلتها إلى موسى بن عمران. {من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: طمسه إيّاه: محوه آثارها حتّى تصير كالأقفاء.
وقال آخرون: معنى ذلك: أن نطمس أبصارها فنصيّرها عمياء، ولكنّ الخبر خرج بذكر الوجه، والمراد به بصره {فنردّها على أدبارها} فنجعل أبصارها من قبل أقفائها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا} إلى قوله: {من قبل أن نطمس وجوهًا} وطمسها أن تعمى فنردّها على أدبارها، يقول: أن نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين في قفاه.
- حدّثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبديّ قال: حدّثنا أبو قتيبة، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، في قوله: {من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} قال: نجعلها في أقفائها فتمشي على أعقابها القهقرى.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة بنحوه، إلاّ أنّه قال: طمسها أن يردّها في أقفائها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {فنردّها على أدبارها} قال: نحوّل وجوهها قبل ظهورها.
وقال آخرون: معنى ذلك من قبل أن نعمي قومًا عن الحقّ، فنردّها على أدبارها في الضّلالة والكفر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أن نطمس، وجوهًا فنردّها على أدبارها} فنردّها عن الصّراط الحقّ، {فنردّها على أدبارها} قال: في الضّلالة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أن نطمس وجوهًا} عن صراط الحقّ {فنردّها على أدبارها} في الضّلالة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك قراءةً عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ، وقال الحسن: {نطمس وجوهًا} يقول: نطمسها عن الحقّ {فنردّها على أدبارها} على ضلالتها.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {كما لعنّا أصحاب السّبت} قال: نزلت في مالك بن الصّيف ورفاعة بن زيد بن التّابوت من بني قينقاعٍ. أمّا {أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} يقول: فنعميها عن الحقّ، ونرجعها كفّارًا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} يعني: أن نردّهم عن الهدى والبصيرة، فقد ردّهم على أدبارهم فكفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به.
وقال آخرون: معنى ذلك: من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم الّتي هم بها وناحيتهم الّتي هم بها، نزول فنردّها على أدبارها من حيث جاءوا منه بدبا من الشّام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} قال: كان أبي يقول: إلى الشّام.
وقال آخرون: معنى ذلك: من قبل أن نطمس وجوهًا فنمحو آثارها ونسوّيها، فنردّها على أدبارها بأن نجعل الوجوه منابت الشّعر، كما وجوه القردة منابت للشّعر، لأنّ شعور بني آدم في أدبار وجوههم، فقالوا: إذا أنبت الشّعر في وجوههم، فقد ردّها على أدبارها بتصييره إيّاها كالأقفاء وأدبار الوجوه.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى قوله: {من قبل أن نطمس وجوهًا} من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء، فنردّها على أدبارها، فنجعل أبصارها في أدبارها.
يعني بذلك: فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه: فنحوّل الوجوه أقفاء، والأقفاء وجوهًا، فيمشوا القهقرى، كما قال ابن عبّاسٍ وعطيّة ومن قال ذلك.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهود الّذين وصف صفتهم بقوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضّلالة} ثمّ حذّرهم جلّ ثناؤه بقوله: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} الآية، بأسه وسطوته، وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به، ولا شكّ أنّهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذٍ كفّارًا.
وإذ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال: تأويل ذلك من قبل أن نعميها عن الحقّ فنردّها في الضّلالة، وما وجه ردّ من هو في الضّلالة فيها؟ وإنّما يردّ في الشّيء من كان خارجًا منه، فأمّا من هو فيه فلا وجه لأن يقال: يردّه فيه.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ اللّه قد تهدّد الّذين ذكرهم في هذه الآية بردّه وجوههم على أدبارهم، كان بيّنًا فساد تأويل من قال: معنى ذلك يهدّدهم بردهم في ضلالتهم.
وأمّا الّذين قالوا: معنى ذلك: من قبل أن نجعل الوجوه منابت الشّعر كهيئة وجوه القردة فقولٌ لقول أهل التّأويل مخالفٍ، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدًا.
وأمّا قول من قال: معناه: من قبل أن نطمس وجوههم الّتي هم فيها فنردّهم إلى الشّام من مساكنهم بالحجاز ونجد، فإنّه، وإن كان قولاً له وجهٌ فمما يدلّ عليه ظاهر التّنزيل، بعيدٌ، وذلك أنّ المعروف من الوجوه في كلام العرب اذا هى ذكرة مطلقه غير موصوله بما يدل على الّتي هي خلاف الأقفاء انه مراد بها التى، وكتاب اللّه يوجّه تأويله إلى الأغلب في كلام من نزل بلسانه حتّى ما يدلّ على أنّه معنيّ به غير ذلك من الوجوه الّتي يجب التّسليم له.
وأمّا الطّمس: فهو العفوّ والدّثور في استواءٍ؛ ومنه يقال: طمست أعلام الطّريق تطمس طموسًا، إذا دثرت وتعفّت فاندفنت واستوت بالأرض، كما قال كعب بن زهيرٍ:.
من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت = عرضتها طامس الأعلام مجهول
يعني بطامس الأعلام: داثر الأعلام مندفنها. ومن ذلك قيل للأعمى الّذي قد تعفّى غرّ ما بين جفني عينيه فدثر: أعمى مطموسٌ وطميسٌ، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم}.
قال أبو جعفرٍ: الغرّ: الشّقّ الّذي بين الجفنين.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر كما وصفت من تأويل الآية، فهل كان ما توعّدهم به؟.
قيل:لا لم يكن لأنّه آمن منهم جماعةٌ. منهم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية وأسد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومخيرقٌ، وجماعةٌ غيرهم، فدفع عنهم بإيمانهم.
وممّا يبيّن عن أنّ هذه الآية نزلت في اليهود الّذين ذكرنا صفتهم ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، جميعًا، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رؤساء من أحبار يهود، منهم عبد اللّه بن صوريا وكعب بن أسدٍ فقال لهم: يا معشر يهود، اتّقوا اللّه وأسلموا فواللّه إنّكم لتعلمون أنّ الّذي جئتكم به لحقٌّ فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمّد، وجحدوا ما عرفوا وأصرّوا على الكفر. فأنزل اللّه فيهم: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن عيسى بن المغيرة، قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعبٍ، فقال: أسلم كعبٌ في زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمرّ على المدينة، فخرج إليه عمر، فقال: يا كعب أسلم. قال: ألستم تقرءون في كتابكم: {مثل الّذين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا} وأنا قد حمّلت التّوراة. قال: فتركه ثمّ خرج حتّى انتهى إلى حمص قال: فسمع رجلاً من أهلها حزينًا، وهو يقول: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها} الآية، فقال كعبٌ: يا ربّ أسلمت. مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثمّ رجع فأتى أهله باليمن، ثمّ جاء بهم مسلمين). [جامع البيان: 7/111-119]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {أو نلعنهم} أو نلعنكم، فنخزيكم، ونجعلكم قردةً {كما لعنّا أصحاب السّبت} يقول: كما أخزينا الّذين اعتدوا في السّبت من أسلافكم، قيل ذلك على وجه الخطاب في قوله: {آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم} كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها}.
وقد يحتمل أن يكون معناه: من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها أو نلعن أصحاب الوجوه، فجعل الهاء والميم في قوله: {أو نلعنهم} من ذكر أصحاب الوجوه، إذ كان في الكلام دلالةٌ على ذلك.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب} إلى قوله: {أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت} أي نحوّلهم قردةً.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن: {أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت} يقول: أو نجعلهم قردةً.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت} أو نجعلهم قردةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت} قال: هم يهود جميعًا، نلعن هؤلاء كما لعنّا الّذين لعنّا منهم من أصحاب السّبت.
وأمّا قوله: {وكان أمر اللّه مفعولاً} فإنّه يعني: وكان جميع ما أمر اللّه أن يكون كائنًا مخلوقًا موجودًا، لا يمتنع عليه خلق شيءٍ شاء خلقه. والأمر في هذا الموضع: المأمور، سمّي أمر اللّه؛ لأنّه عن أمره كان وبأمره، والمعنى: وكان ما أمر اللّه مفعولا). [جامع البيان: 7/119-120]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر اللّه مفعولًا (47)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب: نزلت في مالك بن الصيف رفاعة بن زيد بن السّائب من بني قينقاع.
قوله تعالى: آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: قال محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة قال: وكلّم رسول اللّه صلّى اللّه رؤساء يهود منهم عبد اللّه بن صوريّا الأعور، وكعب بن الأشرف، فقال: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا فو الله أنّكم لتعلمون أنّ الّذي جئتكم به لحقّ، قالوا: ما نعرف ذلك يا محمّد، فجحدوا وما عرفوا وأصرّوا على الكفر، فأنزل اللّه فيهم: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم
قوله تعالى: من قبل أن نطمس وجوهًا
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: من قبل أن نطمس وجوهاً وطمسها أن تعمى.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا عمرو بن واقدٍ، عن يونس بن حلبسٍ، عن أبي إدريس عائذ اللّه الخولانيّ قال: كان أبو مسلمٍ معلّم كعبٍ، وكان يلومه على إبطائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: بعثه إليه لينظر أهو هو؟ قال:
حتّى أتيت المدينة، فإذا تالٍ يقرأ القرآن يقول: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فبادرت الماء اغتسل وأنّي لأمسّ وجهي مخافة أن يطمس ثمّ أسلمت.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: من قبل أن نطمس وجوهاً يقول: عن صراط الحقّ.
قوله تعالى: فنردّها على أدبارها
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: فنردّها يقول: نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقريّ، ونجعل لأحدهم عينين في قفاه
- وروي عن قتادة أنّه قال: نجعل وجوههم من قبل ظهورهم- وروي عن عطيّة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فنردّها على أدبارها قال: في الضّلالة.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فنردّها على أدبارها يقول: فيعميها عن الحقّ قال: يرجعها كفّاراً ويجعلهم قردةً- وروي عن ابن عبّاسٍ، والحسن نحو قول مجاهدٍ.
الوجه الثّالث:
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى: من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها قال: من حيث جاءت أدبارها أي: رجعت إلى الشّام من حيث جاءت ردّوا إليه.
قوله تعالى: أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت وكان أمر الله مفعولا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، وقال الحسن في قوله: أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السّبت يقول: أو نجعلهم قردة- وروي عن السّدّيّ، وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/968-970]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله من قبل أن نطمس وجوها قال عن صراط الحق فنردها على أدبارها يعني في الضلالة). [تفسير مجاهد: 160]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن إسحاق، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق، فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، فأنزل الله فيهم {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يا أيها الذين أوتوا الكتاب} الآية، قال: نزلت في مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد بن التابوت من بني قينقاع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {من قبل أن نطمس وجوها} قال: طمسها أن تعمى {فنردها على أدبارها} يقول: نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ويجعل لأحدهم عينين في قفاه.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله عز وجل {من قبل أن نطمس وجوها} قال: من قبل أن نمسخها على غير خلقها، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت وهو يقول:
من يطمس الله عينيه فليس له = نور يبين به شمسا ولا قمرا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي إدريس الخولاني قال: كان أبو مسلم الخليلي معلم كعب وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثه لينظر أهو هو قال كعب: حتى أتيت المدينة فإذا تال يقرأ القرآن {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها} فبادرت الماء أغتسل وإني لأمس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت.
وأخرج ابن جرير عن عيسى بن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال: أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال: يا كعب أسلم، قال: ألستم تقرأون في كتابكم (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) (الجمعة الآية 5) وأنا قد حملت التوراة.
فتركه ثم خرج حتى انتهى إلى حمص فسمع رجلا من أهلها يقرأ هذه الآية {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها} قال كعب: يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {من قبل أن نطمس وجوها} يقول: عن صراط الحق {فنردها على أدبارها} قال: في الضلالة.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: الطمس: أن يرتدوا كفارا فلا يهتدوا أبدا {أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت} أن نجعلهم قردة وخنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد {فنردها على أدبارها} قال: كان أبي يقول إلى الشام أي رجعت إلى الشام من حيث جاءت ردوا إليه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: نطمسها عن الحق {فنردها على أدبارها} على ضلالتها {أو نلعنهم} يقول سبحانه وتعالى: أو نجعلهم قردة). [الدر المنثور: 4/466-469]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثمًا عظيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقًا لما معكم، وإنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به، فإنّ اللّه لا يغفر الشّرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشّرك لمن يشاء فان الله لايغفر الشرك به الكفر من أهل الذّنوب والآثام.
وإذ كان ذلك معنى الكلام، فإنّ قوله: {أن يشرك به} في موضع نصبٍ بوقوع يغفر عليها وإن شئت قلت بفقد الخافض الّذي كان يخفضها لو كان ظاهرًا، وذلك أن يوجّه معناه: إلى أنّ اللّه لا يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء، كأنّه قيل: إنّ اللّه لا يغفر ذنبًا مع شركٍ أو عن شركٍ.
وعلى هذا التّأويل يتوجّه أن تكون أن في موضع خفضٍ في قول بعض أهل العربيّة.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في سبب أقوامٍ ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم}.
ذكر الخبر بذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،، عن أبيه، عن الرّبيع قال: حدّثني محبّرٌ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه قال: لمّا نزلت: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية، قام رجلٌ فقال: والشّرك يا نبيّ اللّه. فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون} ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثمًا عظيمًا.
- حدّثت عن عمّارٍ بن الحسن قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال: أخبرني مجبّرٌ، عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية، قام رجلٌ فقال: والشّرك يا نبيّ اللّه. فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
- حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا الهيثم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه المزنيّ، عن ابن عمر، قال: كنّا معشر أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا نشكّ في قاتل المؤمن, وآكل مال اليتيم، وشاهد الزّور، وقاطع الرّحم، حتّى نزلت هذه الآية: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون} ذلك لمن يشاء فأمسكنا عن الشّهادة.
وقد أبانت هذه الآية أنّ كلّ صاحب كبيرةٍ ففي مشيئة اللّه، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرةً شركًا باللّه). [جامع البيان: 7/121-123]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يشرك باللّه فقد افترى إثمًا عظيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يشرك باللّه في عبادته غيره من خلقه، فقد افترى إثمًا عظيمًا يقول: فقد اختلق إثمًا عظيمًا. وإنّما جعله اللّه تعالى ذكره مفتريًا، لأنّه قال زورًا وإفكًا بجحوده وحدانيّة اللّه وإقراره بأنّ للّه شريكًا من خلقه وصاحبةً أو ولدًا، فقائل ذلك مفترٍ، وكذلك كلّ كاذبٌ فهو مفترٍ في كذبه مختلقٌ له). [جامع البيان: 7/123]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثمًا عظيمًا (48)
قوله تعالى: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن موسى بن عبيدة، عن عبد اللّه بن عبيدة، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من عبدٍ يموت لا يشرك باللّه شيئاً إلا حلّت له المغفرة إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبه قال: إنّ اللّه استثنى، فقال: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
- حدّثنا عبد الملك بن أبي عبد الرّحمن المقرئ، ثنا عبد اللّه بن عاصمٍ، ثنا صالحٌ يعني: المرّيّ أبو بشرٍ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كنّا لا نشكّ فيمن أوجب اللّه له النّار في كتاب اللّه حتّى نزلت علينا هذه الآية: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلمّا سمعناها كففنا عن الشّهادة وأرجينا الأمور إلى اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع في قوله: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
أخبرني مجبّرٌ، عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية: يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه فقام رجلٌ، فقال: والشّرك يا نبيّ اللّه، فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به فحرّم اللّه المغفرة على من مات وهو كافرٌ، وأرجاها أهل التّوحيد إلى مشيئته فلم يؤيّسهم من المغفرة.
قوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
- حدّثنا أبي، ثنا المؤمّل بن الفضل الحرّانيّ، ثنا عيسى بن يونس (ح) وأخبرنا هاشم بن القاسم الحرّانيّ فيما كتب إليّ، ثنا عيسى بن يونس نفسه، عن واصل بن السّائب الرّقاشيّ، عن أبي سورة ابن أخي أبي أيّوب، عن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ لي ابن أخٍ لا ينتهي عن الحرام، قال: وما دينه؟ قال: يصلّي ويوحّد اللّه. قال: استوهب منه دينه، فإن أبى فابتاعه منه، فطلب الرّجل ذاك منه فأبى عليه، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره، فقال: وجدته شحيحاً على دينه، قال: ونزلت: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن عمرو بن خلادٍ الحرّانيّ، ثنا منصور بن إسماعيل القرشيّ، ثنا موسى بن عبيدة الرّبذيّ، أخبرني عبد اللّه بن عبيدة، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من نفسٍ تموت لا تشرك باللّه شيئاً إلا حلّت لها المغفرة إن شاء اللّه عذّبها، وإن شاء اللّه غفر لها، إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
- حدّثنا بحر بن نصرٍ الخولانيّ، ثنا خالدٌ يعني: بن عبد الرّحمن الخراسانيّ، ثنا الهيثم بن جمّار، عن سلام بن أبي مطيعٍ، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ، عن ابن عمر: قال: كنّا أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا نشكّ في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وشهادة الزّور حتّى نزلت هذه الآية: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأمسك أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الشّهادة.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا مسكينٌ أبو فاطمة، ثنا غالبٌ القطّان، قال: سمعت بكر بن عبد اللّه يقول: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال: تبيّنّا من ربّنا على جميع القرآن.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد اللّه بن عمرٍو الدّمشقيّ النّصريّ، ثنا محمّد بن بكّارٍ، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر، الإشراك باللّه ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما). [تفسير القرآن العظيم: 3/970-971]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أبو البختريّ عبد اللّه بن محمّد بن شاكرٍ، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن بشرٍ العبديّ، ثنا مسعر بن كدامٍ، عن معن بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: " إنّ في سورة النّساء لخمس آياتٍ ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النساء: 40] {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} [النساء: 31] {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 110] " قال عبد اللّه: ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها «هذا إسنادٌ صحيحٌ إن كان عبد الرّحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك»). [المستدرك: 2/334] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/92]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48]
- «عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال: كنّا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتّى سمعنا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]. قال: " إنّي ادّخرت دعوتي شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي "، فأمسكنا عن كثيرٍ ممّا كان في أنفسنا، ثمّ نطقنا بعد ورجونا».
رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصّحيح غير حرب بن سريجٍ، وهو ثقةٌ.
- وعن أبي أيّوب - رضي اللّه عنه - قال: «جاء رجلٌ إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: إنّ لي ابن أخٍ لا ينتهي عن حرامٍ، قال: " ما دينه؟ ". قال: يوحّد اللّه ويصلّي. قال: " فاستوهب منه دينه، فإن أبى فابتعه منه ". فطلب ذلك الرّجل منه دينه فأبى عليه، فأتى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: وجدته شحيحًا على دينه، فنزلت: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه واصل بن السّائب، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/5]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا شيبان، ثنا حرب بن سريج المنقري، ثنا أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: "كنّا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتّى سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال: إنّي ادّخرت دعوتي شفاعةً لأهل الكبائر من أمتي. فأمسكنا عن كثيرٍ ممّا كان في أنفسنا، ثم نطقنا بعد ورجونا ".
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/194]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال: وما دينه قال: يصلي ويوحد الله، قال: استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه، فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: وجدته شحيحا على دينه، فنزلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبزار من طرق عن ابن عمر قال: كنا معشر أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم حتى نزلت هذه الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فأمسكنا عن الشهادة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعنا هذا كففنا عن الشهادة وأرجأنا الأمور إلى الله.
وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن عدي بسند صحيح عن ابن عمر قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال: إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ثم نطقنا بعد ورجونا.
وأخرج ابن المنذر من طريق المعتمر بن سليمان عن سليمان بن عتبة البارقي قال: حدثنا إسماعيل بن ثوبان قال: شهدت في المسجد قبل الداء الأعظم فسمعتهم يقولون (من قتل مؤمنا) (المائدة الآية 32) إلى آخر الآية فقال المهاجرون والأنصار: قد أوجب له النار، فلما نزلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قالوا: ما شاء الله يصنع الله ما يشاء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: لما نزلت (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، الزمر الآية 53 الآية، فقام رجل فقال: والشرك يا نبي الله فكره ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز قال: لما نزلت هذه الآية (يا عبادي الذين أسرفوا على) (الزمر الآية 53) الآية، قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنبر فتلاها على الناس فقام إليه رجل قال: والشرك بالله فسكت مرتين أو ثلاثا فنزلت هذه الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فأثبتت هذه في الزمر وأثبتت هذه في النساء.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية: إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر وأرجأ أهل التوحيد إلى مشئيته فلم يؤيسهم من المغفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن بكر بن عبد الله المزني {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال: ثنيا من ربنا على جميع القرآن.
وأخرج الفريابي والترمذي وحسنه، عن علي، قال: أحب آية إلي في القرآن {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
وأخرج ابن جرير عن أبي الجوزاء قال: اختلفت إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما من شيء من القرآن إلا سألته عنه ورسولي يختلف إلى عائشة فما سمعته ولا سمعت أحدا من العلماء يقول: إن الله يقول لذنب لا أغفره.
وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يموت لا يشرك بالله شيئا إلا حلت له المغفرة إن شاء غفر له وإن شاء عذبه إن الله استثنى فقال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
وأخرج أبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار.
وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذنب لا يغفر وذنب لا يترك وذنب يغفر، فأما الذي لا يغفر فالشرك بالله وأما الذي يغفر فذنب بينه وبين الله عز وجل وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا.
وأخرج أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك قال الله (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) (المائدة الآية 72) وقال الله {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر.
وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك ويا عبدي لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات لا يعدل بالله شيئا ثم كانت عليه من الذنوب مثل الرمال غفر له.
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا.
وأخرج أحمد عن سلمة بن نعيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء، قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال: ارجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها، فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال: صدق عمر.
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها في سورة النساء قوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) (النساء الآية 40) الآية، وقوله {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية، وقوله (ولو أنهم إذ ظلموا
أنفسهم جاؤوك) (النساء الآية 64) الآية وقوله (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (النساء الآية 110) الآية). [الدر المنثور: 4/469-475]


رد مع اقتباس