عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)}
يخبر تعالى أنّه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنّة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنّه قبل العوض عمّا يملكه بما تفضّل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصريّ وقتادة: بايعهم واللّه فأغلى ثمنهم.
وقال شمر بن عطيّة: ما من مسلمٍ إلّا وللّه، عزّ وجلّ، في عنقه بيعةٌ، وفّى بها أو مات عليها، ثمّ تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل اللّه بايع اللّه، أي: قبل هذا العقد ووفّى به.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي وغيره: قال عبد اللّه بن رواحة، رضي اللّه عنه، لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني ليلة العقبة -: اشترط لربّك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنّة". قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} الآية.
وقوله: {يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون} أي: سواءٌ قتلوا أو قتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنّة؛ ولهذا جاء في الصّحيحين: "وتكفّل اللّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادٌ في سبيلي، وتصديقٌ برسلي، بأن توفّاه أن يدخله الجنّة، أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه، نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ".
وقوله: {وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن} تأكيدٌ لهذا الوعد، وإخبارٌ بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التّوراة المنزّلة على موسى، والإنجيل المنزّل على عيسى، والقرآن المنزّل على محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
وقوله: {ومن أوفى بعهده من اللّه} [أي: ولا واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من اللّه] فإنّه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} [النّساء: 87] {ومن أصدق من اللّه قيلا} [النّساء: 122]؛ ولهذا قال: {فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد، بالفوز العظيم، والنعيم المقيم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 218]

تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112)}
هذا نعت المؤمنين الّذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصّفات الجميلة والخلال الجليلة: {التّائبون} من الذّنوب كلّها، التّاركون للفواحش، {العابدون} أي: القائمون بعبادة ربّهم محافظين عليها، وهي الأقوال والأفعال فمن أخصّ الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال: {الحامدون} ومن أفضل الأعمال الصيام، وهو ترك الملاذّ من الطّعام والشّراب والجماع، وهو المراد بالسّياحة هاهنا؛ ولهذا قال: {السّائحون} كما وصف أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك في قوله تعالى: {سائحاتٍ} [التّحريم: 5] أي: صائماتٍ، وكذا الرّكوع والسّجود، وهما عبارةٌ عن الصّلاة، ولهذا قال: {الرّاكعون السّاجدون} وهم مع ذلك ينفعون خلق اللّه، ويرشدونهم إلى طاعة اللّه بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود اللّه في تحليله وتحريمه، علمًا وعملًا فقاموا بعبادة الحقّ ونصح الخلق؛ ولهذا قال: {وبشّر المؤمنين} لأنّ الإيمان يشمل هذا كلّه، والسّعادة كلّ السّعادة لمن اتّصف به.
[بيان أنّ المراد بالسّياحة الصّيام]:
قال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن زرّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: {السّائحون} الصّائمون. وكذا روي عن سعيد بن جبير، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: كلّ ما ذكر اللّه في القرآن السّياحة، هم الصّائمون. وكذا قال الضّحّاك، رحمه اللّه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: سياحة هذه الأمّة الصّيام.
وهكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وعطاءٌ، وأبو عبد الرّحمن السّلميّ، والضّحّاك بن مزاحم، وسفيان بن عيينة وغيرهم: أنّ المراد بالسّائحين: الصّائمون.
وقال الحسن البصريّ: {السّائحون} الصّائمون شهر رمضان.
وقال أبو عمرٍو العبدي: {السّائحون} الّذين يديمون الصّيام من المؤمنين.
وقد ورد في حديثٍ مرفوعٍ نحو هذا، وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا حكيم بن حزامٍ، حدّثنا سليمان، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "السّائحون هم الصّائمون"
[ثمّ رواه عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة أنّه قال: {السّائحون} الصّائمون].
وهذا الموقوف أصحّ.
وقال أيضًا: حدّثني يونس، عن ابن وهبٍ، عن عمر بن الحارث، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عمير قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّائحين فقال: "هم الصّائمون".
وهذا مرسلٌ جيّدٌ.
فهذه أصحّ الأقوال وأشهرها، وجاء ما يدلّ على أنّ السّياحة الجهاد، وهو ما روى أبو داود في سننه، من حديث أبي أمامة أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، ائذن لي في السّياحة. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "سياحة أمّتي الجهاد في سبيل اللّه".
وقال ابن المبارك، عن ابن لهيعة: أخبرني عمارة بن غزيّة: أنّ السّياحة ذكرت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبدلنا اللّه بذلك الجهاد في سبيل اللّه، والتّكبير على كلّ شرفٍ".
وعن عكرمة أنّه قال: هم طلبة العلم. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون. رواهما ابن أبي حاتمٍ.
وليس المراد من السّياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبّد بمجرّد السّياحة في الأرض، والتّفرّد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإنّ هذا ليس بمشروعٍ إلّا في أيّام الفتن والزّلازل في الدّين، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يوشك أن يكون خير مال الرّجل غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن".
وقال العوفيّ وعليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون بطاعة اللّه. وكذا قال الحسن البصريّ، وعنه رواية: {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائض اللّه، وفي روايةٍ: القائمون على أمر اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 218-221]


رد مع اقتباس