عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130) إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون (132)}
يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفّار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشّرك باللّه، المخالف لملّة إبراهيم الخليل، إمام الحنفاء، فإنّه جرد توحيد ربّه تبارك وتعالى، فلم يدع معه غيره، ولا أشرك به طرفة عينٍ، وتبرّأ من كلّ معبودٍ سواه، وخالف في ذلك سائر قومه، حتّى تبرّأ من أبيه، فقال: {يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون* إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 78، 79]، وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براءٌ ممّا تعبدون* إلا الّذي فطرني فإنّه سيهدين} [الزّخرف: 26، 27]، وقال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلما تبيّن له أنّه عدوٌ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التّوبة: 114] وقال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين* شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ* وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [النّحل: 120 -122]، ولهذا وأمثاله قال تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم} أي: عن طريقته ومنهجه. فيخالفها ويرغب عنها {إلا من سفه نفسه} أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحقّ إلى الضّلال، حيث خالف طريق من اصطفي في الدّنيا للّهداية والرّشاد، من حداثة سنّه إلى أن اتّخذه اللّه خليلًا وهو في الآخرة من الصالحين السّعداء -فترك طريقه هذا ومسلكه وملّته واتّبع طرق الضّلالة والغيّ، فأيّ سفهٍ أعظم من هذا؟ أم أيّ ظلمٍ أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ}
وقال أبو العالية وقتادة: «نزلت هذه الآية في اليهود؛ أحدثوا طريقًا ليست من عند اللّه وخالفوا ملّة إبراهيم فيما أخذوه»، ويشهد لصحّة هذا القول قول اللّه تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين* إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 67، 68] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 445]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين} أي: أمره اللّه بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا). [تفسير ابن كثير: 1/ 446]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} أي: وصّى بهذه الملّة وهي الإسلام للّه أو يعود الضّمير على الكلمة وهي قوله: {أسلمت لربّ العالمين}. لحرصهم عليها ومحبّتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصّوا أبناءهم بها من بعدهم؛ كقوله تعالى: {وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه} [الزّخرف: 28] وقد قرأ بعض السّلف "ويعقوب" بالنّصب عطفًا على بنيه، كأنّ إبراهيم وصّى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرًا ذلك، وقد ادّعى القشيريّ، فيما حكاه القرطبيّ عنه أنّ يعقوب إنّما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليلٍ صحيحٍ؛ والظّاهر، واللّه أعلم، أنّ إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارّة؛ لأنّ البشارة وقعت بهما في قوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ: 71] وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرّيّة إسحاق كبير فائدةٍ، وأيضًا فقد قال اللّه تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [الآية: 27] وقال في الآية الأخرى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] وهذا يقتضي أنّه وجد في حياته، وأيضًا فإنّه باني بيت المقدس، كما نطقت بذلك الكتب المتقدّمة، وثبت في الصّحيحين من حديث أبي ذرٍّ قلت: يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «بيت المقدس». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنةً» الحديث. فزعم ابن حبّان أنّ بين سليمان الذي اعتقد أنّه باني بيت المقدس -وإنّما كان جدّده بعد خرابه وزخرفه -وبين إبراهيم أربعين سنةً، وهذا ممّا أنكر على ابن حبّان، فإنّ المدّة بينهما تزيد على ألوف سنين، واللّه أعلم، وأيضًا فإنّ ذكر وصيّة يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبًا، وهذا يدلّ على أنّه هاهنا من جملة الموصين.
وقوله: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} أي: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم اللّه الوفاة عليه. فإنّ المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه. وقد أجرى اللّه الكريم عادته بأنّ من قصد الخير وفّق له ويسّر عليه. ومن نوى صالحًا ثبت عليه. وهذا لا يعارض ما جاء، في الحديث الصّحيح «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها. وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها»؛ لأنّه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: «فيعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس، ويعمل بعمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس». وقد قال اللّه تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى* وأمّا من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسّره للعسرى} [اللّيل: 5 -10] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 446-447]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون (133) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}
يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفّار من بني إسرائيل -وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام -بأنّ يعقوب لمّا حضرته الوفاة وصّى بنيه بعبادة اللّه وحده لا شريك له، فقال لهم: {ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وهذا من باب التّغليب لأنّ إسماعيل عمّه.
قال النّحّاس: «والعرب تسمّي العمّ أبًا»، نقله القرطبيّ؛ وقد استدلّ بهذه الآية من جعل الجدّ أبًا وحجب به الإخوة، كما هو قول الصّديق -حكاه البخاريّ عنه من طريق ابن عبّاسٍ وابن الزّبير، ثمّ قال البخاريّ: «ولم يختلف عليه»، وإليه ذهبت عائشة أمّ المؤمنين، وبه يقول الحسن البصريّ وطاوسٌ وعطاءٌ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف؛ وقال مالكٌ والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه أنّه يقاسم الإخوة؛ وحكى مالكٌ عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ وجماعةٍ من السّلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي: أبو يوسف، ومحمّد بن الحسن، ولتقريرها موضعٌ آخر.
وقوله: {إلهًا واحدًا} أي: نوحّده بالألوهيّة، ولا نشرك به شيئًا غيره {ونحن له مسلمون} أي: مطيعون خاضعون كما قال تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون وسلم} [آل عمران: 83] والإسلام هو ملّة الأنبياء قاطبةً، وإن تنوّعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. والآيات في هذا كثيرةٌ والأحاديث، فمنها قوله صلّى اللّه عليه وسلّم:«نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحدٌ»). [تفسير ابن كثير: 1/ 447]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت} أي: مضت {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي: إنّ السّلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإنّ لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم: {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}
وقال أبو العالية، والرّبيع، وقتادة: {تلك أمّةٌ قد خلت} يعني: «إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط ولهذا جاء في الأثر: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 447-448]


رد مع اقتباس